مزايا رمضان في الولايات المتحدة

 

يفتقد المسلمون المقيمون في الولايات المتحدة – خلال شهر رمضان المبارك – كثير من المزايا التي يتحلى بها الشهر الكريم في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، خاصة فيما يتعلق بالحياة الاجتماعية والتزاور وصلة الرحم، إذ يحول بعد المسافة وطول مدة السفر بين المسلمين المهاجرين إلى الولايات المتحدة وبين التواصل مع الجانب الأكبر من أسرهم وأصدقائهم ومعارفهم  الموجودين - في الغالب - في بلدانهم الأصلية.

وعلى الرغم من الجفاف الاجتماعي الذي تتميز به الحياة خلال شهر رمضان المبارك وعلى مدار العام في الولايات المتحدة إلا أنها تتمتع بمزايا هامة ثمينة تتفرد بها عن الحياة بالبلدان ذات الأغلبية المسلمة، وأقصد هنا ميزتين أساسيتين على الأقل، وهما ميزة غياب العادات وما يترتب عليها من إقامة العبادات على أساس من التفكير والاقتناع، وميزة التخلص من مشاكل الأغلبية المسترخية.

وأقصد بالميزة الأولى أن المسلمين الملتزمين دينيا - في الولايات المتحدة - يدفعهم إلى التزامهم هذا أمر واحد بالأساس هو إيمانهم بهذا الدين وبأهمية أن يلعب دورا محوريا في حياتهم.

فبهجرة المسلم إلى الولايات المتحدة حيث يعيش ستة ملايين مسلم وسط 280 مليون أمريكي غير مسلم يمكنه الذوبان في المحيط الأمريكي الكبير إذا أراد، فلن يلومه أو حتى يراه أحد، ومن ثم من يرتبطون بالإسلام بعد هجرتهم إلى الولايات المتحدة يفعلون ذلك بمحض إرادتهم ودون أية ضغوط، ومن ثم تصبح الهجرة بالنسبة لهم بمثابة اختبار أو ميلاد جديد يختارون بعده الطريق الذين ينون أن يسلكوه في الحياة.

وعلى الرغم من صعوبة الاختبار إلا أنه مفيد جدا في حياة أي إنسان وخاصة لو كان هذا الإنسان مسلما، لأن العادة من أسوأ أعداء العبادة والتي يجب أن تقوم على أساس من الفهم والاقتناع وتقدير فوائدها في حياة الإنسان.

كما أن هذا الاختبار مفيد أيضا للمجتمع المسلم، فليس هناك أفضل من أن تعيش وسط مجتمع من المسلمين الجدد، وأنا أعتقد أن كثير من المسلمين المهاجرين إلى الولايات المتحدة قد أعجبوا إعجابا كبيرا بالأمريكيين الذين اعتنقوا الإسلام بعد أن ولدوا على ديانات أخرى، والذين تبلغ نسبتهم بالنسبة للمسلمين في الولايات المتحدة حوالي الثلث وهي نسبة ليست بقليلة، وينتمي أغلبهم إلى العرق الأفريقي الأمريكي.

وجمال الحياة وسط هؤلاء يكمن في إخلاصهم وحبهم للإسلام، كما أنهم أيضا يتميزون بفهمهم الجديد للإسلام ودوره في حياتهم، والذي يتميز بالعقلانية والبعد عن تقليد وإتباع عادات المجتمع، والرغبة في تطبيق الإسلام في شتى جوانب حياتهم.

ولذلك أحب دائما أن أشير إلى المسلمين في أمريكا كمجتمع كله مهاجرين أو مسلمين جدد، فقد هاجر الأمريكيون الذين أسلموا بأنفسهم إلى الإسلام، كما ولد المسلمون الذين هاجروا من البلدان الإسلامية ولادة جديدة عندما قرروا الالتزام بإسلامهم بعد هجرتهم إلى الولايات المتحدة.

ولهذا يتحلى الصائمون في الولايات المتحدة بميزة كونهم يصومون وهم في حل من العادات بمختلف أنواعها، فهم يصومون لا لأن أسرهم أو المجتمع يطالبونهم بذلك، ولا لأن الجميع يصومون، ولكن لأن الصوم هو فريضة إسلامية يؤمنون بها وبأن إتباعها سوف يعود عليهم بالخير في مختلف جوانب حياتهم. 

وقبل أن أترك هذه النقطة أحب أن أشير سريعا إلى أثارها فيما يتعلق بترك المسلمين في أمريكا لبعض العادات الاجتماعية والاقتصادية السلبية المنتشرة في العالم الإسلامي – خلال الشهر الكريم – خاصة فيما يتعلق بالإسراف في إعداد الولائم، وفي متابعة وسائل الإعلام، وغيرها من العادات غير المفهومة والمناقضة لمعاني الشهر الكريم.

أما الميزة الإيجابية الثانية فهي التخلص من عيوب العيش وسط الأغلبية المسترخية، وأقصد بذلك أن أية مجموعة دينية أو عرقية  إذا مثلت أغلبية في المحيط الذي تعيش فيه، فإنها تشعر - في العادة وبمرور الزمن - بالاسترخاء، وتصبح أقل حرصا على الدفاع عن هويتها وحقوقها وأقل شعورا بالتهديدات التي تتعرض لها هذه الهوية.

وللأسف أصابت هذه المشكلة مجتمعات عربية ومسلمة عديدة، ومجتمعات أجنبية أيضا، أما بالنسبة للمسلمين في الولايات المتحدة فهم على عكس ذلك، فهم يعيشون كأقلية وسط مجتمع كبير متعدد الديانات، الأمر الذي يمثل دافعا قويا ومستمرا لهم للبحث عن مصادر الحفاظ على هويتهم وحقوقهم الدينية لحمايتها والبناء عليها.

وقد شهدت السنوات الأخيرة تزايدا كبيرا وتراكما إيجابيا للدور الذي يلعبه الإسلام في حياة المسلمين في أمريكا، وفي إمدادهم بأسس بناء هويتهم، ويدل على ذلك الزيادة المضطرة في عدد المساجد والمراكز الإسلام، وفي أعداد المؤسسات الإسلامية الاجتماعية والثقافية والسياسية التي باتت تلعب الدور الأكبر في حشد طاقات المسلمين والعرب المقيمين في الولايات المتحدة، كما يدل على ذلك شيوع استخدام مصطلحات مثل "الإسلام في أمريكا" و"المسلمين الأمريكيين" في مختلف الدوائر الإعلامية والسياسية والفكرية في أمريكا وخارجها كعلامة على وجود الإسلام وتنامي تأثيره.

وأعتقد أن ما يحتاج إليه المسلمون في أمريكا – خلال هذه الشهر الكريم وعلى مدار العام– احتياجا حقيقيا هو توثيق الروابط التي تربطهم بمصادر الدين الإسلامي الصحيحة، كما يحتاجون أيضا إلى نشر هذه المصادر بين أكبر عدد منهم حتى يتمكنوا من بناء جماعتهم الناشئة الناهضة على أسس إسلامية صحيحة وراسخة إن شاء الله، وكل عام وأنتم بخير.

علاء بيومي         

 كاتب وباحث مقيم في واشنطن