تعزى ظاهرة ممارسة العنف ضد المرأة في أحيان
كثيرة إلى مرض تربوي – اجتماعي يعود إلى عهد الطفولة بالنسبة للذكور
حيث النشأة غير الصحيحة، خصوصاً حين يرى الأولاد الصغار كيف تتعرض
الأمهات للإهانات والضرب من قبل الأزواج لأتفه الأسباب إذ يخلق ذلك
فجوة في نفوس الأطفال الذكور الذين يستسهلون من خلالها بوقت مبكر
ممارسة العنف الطفولي ضد الصغيرات المتواجدات في محيطهم الاجتماعي
المشترك، وكلما تقدم السن بأولئك الأطفال تبقى مسألة العنف كامنة في
ذواتهم، ولها قابلية على الانفجار ضد المرأة ما دامت هي الحلقة
الأضعف أمام الرجل في المجتمع غير المتكافئ، الذي يستحسن فيه الرجال
اتباع أسلوب العنف ضد المرأة كنوع من القدر الذي ينبغي عليها تقبله
شاءت أم أبت!.
ثبت من خلال إحصاءات دولية عديدة كانت محط
اهتمام واسع في برامج دراسات اجتماعية، متجهة لبحث الخلفيات المتحكمة
بموضوع العنف الموجه ضد النساء، أن الخلل المادي في المجتمعات
كالمجاعات التي يعاني منها البشر القادرين على العمل، والبطالة
المزمنة أو شبه المزمنة، والتضخم الاقتصادي الذي ينعكس على مستوى
معيشة الأفراد المحدودي الدخل ويتسبب في ارتفاع الأسعار، إضافة
لحالات التسيب وعدم الانضباط التربوي وتقبل الفساد والإفساد بسبب ضيق
ذات اليد، والعنصرية السياسية والاجتماعية التي ترفع المنتمين إليها
لوظائف أعلى رتبة على حساب الآخرين، ويمكن إضافة ظاهرة عدم الإيمان
بالله والدين واليوم الآخر.. كلها أمور تساهم في ظهور العنف، وتجعل
من ظاهرة العنف ضد النساء بشكل خاص وكأنها أمر طبيعي.
ومعروف تماماً أن العنف بين الشباب الذكور
أكثر انتشاراً، وخاصة الذين يعيشون في الأحياء والمدن المزدحمة
والفقيرة حيث تنتشر المشروبات الكحولية (مثلاً) بين الناس بصورة
اعتيادية وكأن شيئاً لم يكن، إذ يغيب عن بال أغلب المربين المعاصرين
أن تلك المشروبات تذهب العقل، وتغيب الضمير أحياناً، فيكون العنف
الشديد أحد نتائجه الوخيمة كاقتراف جرائم السطو والسرقة والقتل.
ومن الملاحظ أن للمرأة نصيباً أكثر في التعرض
للعنف، وعادة ما يكون الرجل هو الطرف المتجاوز عليها، فمنذ قديم
الزمان والرجل (ذو العضلات الأقوى) هو الذي يقوم بدور حماية الأسرة
من الخصوم والأشرار، وهذا ما خلق عنده الشعور بالأحقية لتقرير مصير
المرأة معه بأن تكون خاضعة ومستسلمة لما يريده منها وتتقبل قساوته
معها عن طيب خاطر.
تؤكد حقائق الحياة أن نفسية المرأة مجبولة على
الحب الإيجابي أكثر من الرجل الذي عادة ما يؤدي به جموح الطموحات
لديه إلى خوض المجالات الصعبة المتصفة بممارسة الظلم والعنف مع
الآخرين. ومن يستطيع أن ينكر أن كل الحروب المفتعلة المعاصرة وما
تعانيه البشرية من ويلاتها يقف وراءها القادة الرجال وليس النساء،
فالمرأة لديها قليلاً من العنف ممكن أن تمارسه في الحالات الاضطرارية،
ويتم ذلك في أغلب الأحوال من باب الدفاع عن النفس.
والمرأة التي تتعرض للعنف منذ الصغر جراء بطش
وسلطة الأب وهي تلاحظ نفسها وحيدة، ولا تملك حق الحماية من الأب
الظالم! (مثلاً) وليس هناك قانون يمكن أن يوقف قساوته تكون أكثر عرضة
للانحراف الجنسي والسلوكي، ويفسر علماء النفس والاجتماع وضع المرأة
المعتدية بأنها نتيجة لقسوة الرجل معها.. وهنا تصدق مقولة (إن العنف
لا يولد إلا عنف) على المرأة التي آل وضعها لأن تكون عنيفة.
لذلك فإن مجتمع الرجال مدعو إلى مسالمة
ومشاركة المرأة بصورة أكثر على أسس المبادئ الإنسانية، بعيداً عن
القسوة والعنف والجلافة ونبذ أي أسلوب يقلل من شأن المرأة وأن يتم
استبدال كل ذلك بالتعامل الإيجابي اللطيف والرقيق، فالمرأة هي الأم
والأخت والزوجة.
تستقطب ظاهرة العنف ضد المرأة جهود الكثير من
العلماء والباحثين المتخصصين وتلعب الحركات النسوية العالمية دوراً
مهماً من أجل التعريف بمشاكل المرأة، وما تواجهه من تعامل سلبي من
قبل الرجل وخاصة العنف، وكانت هيئة الأمم المتحدة قد قامت بتخصيص سنة
1975 كسنة للمرأة، كما عقدت هيئة الأمم المتحدة مؤتمرات دولية
متوالية للمرأة في المكسيك سنة 1975م وكوبنهاجن سنة 1980م.. و(نيروبي)
سنة 1985م.. و(بكين) سنة 1995م. وقد أقر منهاج العمل الدولي في مؤتمر
بكين إعلاناً نصت (الفقرة 29) منه على ضرورة اتخاذ إجراءات متكاملة
لمنع العنف الموجه ضد المرأة ودراسة أسباب ونتائج هذا العنف وفعالية
التدابير المتخذة في هذا الصدد، والقضاء على الإتجار بالنساء،
ومساعدة ضحايا العنف الناجم عن البغاء وعمليات بيعهن!
وفي إطار اهتمام المجتمعات بالعنف كـ (ظاهرة
عامة) والعنف ضد النساء بـ (صورة خاصة) فإن الاتجاه العام بهذه
المرحلة يتسم بالتثقيف لإزالة العنف داخل الأسرة كظاهرة لها خصوصيتها
والممكن أن تمهد لحل عقلاني وعملي لصالح حفظ كرامة المرأة على
المستوى الاجتماعي العام، لو تم تدارس الجوانب الأخرى التي تعاني
منها المرأة..
ومن جانبنا كمسلمين فإن الإسلام قد أعطى حقوقاً
عظيمة للمرأة فهي شِق الرجل،كما ورد في حديث للنبي الأكرم (ص) بـ (إن
النساء شقائق الرجال) والمرأة إضافة لكل ذلك متساوية مع الرجل من حيث
نيل المنزلة في الحياة والتعلم والمستقبل المضمون.
وخلافاً للفهم الصحيح لموقع المرأة (النظيرة
للرجل في الخلق) أكدت دراسة تركية محلية: (أن زهاء 60% من النساء
التركيات فوق سن الخامسة عشرة تعرضن للعنف أو الضرب أو الإهانة أو
الإذلال، على أيدي رجال من داخل أسرهن، سواء من الزوج أو الخطيب أو
الصديق أو الأب أو والد الزوج)! وأشارت الدراسة إلى أن (50%) من
النسبة الآنفة يتعرضن للضرب بشكل مستمر، وأن (40%) منهن يرجعن السبب
في ذلك لظروف اقتصادية وتناول الكحوليات وأن (25%) فقط من أولئك
النساء اللاتي يتعرضن للضرب يقمن بالرد على العنف بعنف مماثل، في حين
أن (10%) فقط منهن يتركن المنزل احتجاجاً على العنف الذي يتعرضن له..)
وأكدت الدراسة أيضاً: (أن (70%) من هؤلاء السيدات اللاتي يتعرضن
للضرب لا يحبذن الطلاق حفاظاً على مستقبل الأولاد، في حين أن (15%)
فقط منهن لا يطلبن الطلاق بسبب حبهن لأزواجهن).
إن أي مجتمع سوف يعيش بأمان ووئام وانسجام إذا
ما شاركت المرأة الرجل فيه بتكافؤ صحيح وكان هناك إنصاف بينهما
وخصوصاً في مجال تركيبة بيولوجية الجسم، وحول المعنى الراقي في
العلاقة الإنسانية يقول نبي الرحمة (ص) في حديث شريف: (استوصوا
بالنساء خيراً).
ومن مُسلمات ما ينبغي أن يسود بين المرأة
والرجل حين يشكلان نواةً لبناء الأسرة المثالية التي ينطلق منها كل
تآزر على الحق وإقرار للحقوق، ما قال الله العلي القدير في محكم
كتابه الكريم:
(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً
لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة).
|