لدى استقباله جمعاً من المبلغين ورجال العلم من محافظة أصفهان

آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي يؤكد على المسؤولية المضاعفة التي يتحملها العلماء في نشر قيم ومبادئ أهل بيت النبوة (ع)

 
 

تعالوا في هذا الشهر المبارك لنستفيد أكثر من ذي قبل ولنعمل، ضمن عملية إصلاح الذات، لهداية أولئك الذين لا يعلمون، ولأجل ترسيخ دعائم الدين، امتثالاً لهذا الأمر الإلهي: أقيموا الدين

 

بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، التقى جمع من المبلغين ورجال العلم من محافظة أصفهان، المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي – دام ظله – في مكتبه بمدينة قم المقدسة.

استهل اللقاء بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، تلتها مدائح رائعة قدمها مدّاح أهل بيت العصمة والطهارة، السيد رفوكران.. بعد ذلك تشرف أحد طلبة العلوم الدينية بارتداء الزي العلمائي بين يدي المرجع الديني الكبير، ثم تفضل سماحته بإلقاء كلمة قيمة، فيما يأتي نورد مقاطع منها:

بعد ترحيبه بالسادة الضيوف، ابتدأ السيد المرجع كلامه بفقرة من الآية الشريفة (أقيموا الدين) ثم قدم سماحته شرحاً مبسطاً للجذر اللغوي لكلمة (أقيموا)، وقال: أقيموا تعني الثبات، وأقيموا، هي غير الإقامة؛ فمثلاً، إقامة الصلاة تختلف عن الالتزام بروح الصلاة والثبات عليها، وفي زيارة سيد الشهداء (ع) وردت هذه الفقرة (أشهد أنك قد أقمت الصلاة) أي إن الإمام الحسين (ع) قد التزم روح الصلاة وثبت عليها؛ ولذا فإن القول كذلك في مورد إقامة الدين؛ أي إن التوفر على الدين هو غير إقامة الدين.

وتابع سماحته يقول: إن الخطاب القرآني موجه إلى عامة الناس وسائر المسلمين والمتدينين، ويبين لهم أن (أقيموا الدين) عبارة عن هيئة ومادة، إذا ما جرى التفكيك أو الفصل بينهما، لأصبحت أمراً ومادة متعلقة بأمر.

وأردف سماحته يقول: ولكن ما الدين؟ القرآن الكريم يقول: (إن الدين عند الله الإسلام)، مما يعني أن المستحبات والمكروهات وأخلاقيات وآداب الإسلام، وتفسير القرآن، و.... الخ، هي جزء من الدين وهي قوام دائرة الأمر (أقيموا)، ويجب أن نلاحظ بدقة أن القرآن الكريم لم يقل (أقيموا الواجبات) بل قال (أقيموا الدين) أي كل ما يقع ضمن دائرة الدين.

وضمن تأكيده على أن إقامة الدين تجب على الجميع، قال السيد المرجع: من المؤكد أن أهل العلم لهم خصوصيتهم، ويتعين عليهم إبلاغ الناس بمسائل الحلال والحرام وأصول الدين وفروعه... وفي هذا الصدد يُشار إلى رواية عن الإمام جعفر الصادق (ع)، أنه قال لواحد من خيرة أصحابه وأعوانه، وهو (الحارث ابن مغيرة): (لتحملن ذنوب سفهائكم على علمائكم).

وخلال شرحه العلمي لهذا الحديث، أشار السيد المرجع بأن كلمة (علماء) لا تعني مراجع التقليد فحسب، بل إن الخطاب يشمل كل من يمتلك علماً في هذا المجال، وبالطبع فإنه كلما أزداد العلم، كلما كانت المسؤولية أكبر وأثقل. ويجب أن نعلم بأن الناس إذا ما قارفوا الذنوب، فمثلاً، إذا كان هناك شابٌ لا يصلي، ولا يؤدي واجباته ووظائفه الدينية، فإن ذنبه يقع على عواتقنا، إلا إذا عجزنا حقاً عن القيام بشيء حياله، وأعذرنا عند الله عز وجل.

من المؤكد أن لأهل العلم خصوصيتهم، ويتعين عليهم إبلاغ الناس بمسائل الحلال والحرام وأصول الدين وفروعه، وكلما أزداد العلم كلما تضاعفت المسؤولية

ثم أورد سماحة السيد المرجع كلاماً حول فضل العلم والعلماء، فكان من جملة ما قاله في هذا الشأن: إن الله سبحانه وتعالى قد جعل لأهل العلم منزلةً ومقاماً رفيعاً عنده، وإن صلاة العالم وعباداته الأخرى، تفضل صلاة العابد بألف ضعف، فكان من الطبيعي – طبقاً لهذا المقام – أن تتضاعف مسؤولية العالم أمام الله عز وجل.

إلى ذلك، فقد أشار سماحة – المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي، إلى بعض المواطن في التاريخ الإسلامي، تتعلق بالمصاعب والمعاناة التي تحملها الرسول الأكرم (ص) على طريق تبليغ الرسالة الإسلامية السمحاء، فقال: بعد أن بُعث رسول الله (ص) بالرسالة، اعتلى جبل الصفا، ومن ثم جبل المروة، ودعا الناس إلى عبادة الله الواحد الأحد، غير أن المشركين راحوا يرمونه بالحجارة، وأدموا بدنه الشريف، فبادرت إليه جميع ملائكة السماء تلتمس منه (ص) تكليفاً بإبادة المشركين، إلا أن الرسول الأكرم (ص) لم يقبل، وقال: (اللهم أهد قومي).. وعلى أثر استقامة رسول الله (ص)، وقوله وعمله، وبعد مضي نحو إحدى وعشرين سنة، دخل أكثر هؤلاء المشركين، أو أبنائهم، الإسلام.

وأردف قائلاً: إن النبي المصطفى (ص) لم يدعوا على أولئك المشركين بالويل والثبور، ذلك لأنه (ص) رحمة، وكان يقول: (بُعثتُ رحمةً)، والله عز وجل يأمرنا، في كتابه الحكيم، أن نتعلم من نبيه (ص) كما يجب أن نعلم أن أكثر الناس ليسوا معاندين، نعم قد يكونون متعصبين، إلا أنهم ليسوا بالضرورة معاندين.

يجب أن نلاحظ بدقة أن القرآن الكريم لم يقل أقيموا الواجبات، بل قال (أقيموا الدين) أي كل ما يقع ضمن دائرة الدين

ومضى السيد المرجع يقول: إن العيّاشي كان كاتباً سنياً متعصباً، لكنه لم يكن معانداً، فلما بصّره بعض الشباب الشيعة بالحقيقة، اختار مذهب أهل البيت (ع)، بحيث أنه عندما ورث من أبيه (300 ألف) من المسكوكات الذهبية، أي ما يربو على طن واحد من الذهب، بحساب اليوم، بذل كل هذه الثروة في خدمة المذهب الحق، وربّى أفراداً من مثل (الكشي) الذي لو سحبنا كتابه الموسوم (رجال الكشي) من أيدي علماء الشيعة لواجهوا مشاكل جدية في مجال الافتاء.

وفي ختام حديثه قال السيد المرجع في شأن حلول شهر رمضان المبارك: تعالوا في هذا الشهر المبارك لنستفيد أكثر من ذي قبل، ولنعمل ضمن عملية إصلاح الذات، لهداية أولئك الذين لا يعلمون، ولنفعل كل ما باستطاعتنا عمله، من إقامة مجالس أهل البيت (ع) وعقد جلسات القرآن، أو حتى حضّ الأفراد للمشاركة في مثل هذا النوع من أعمال الخير، لأجل ترسيخ دعائم الدين؛ امتثالاً لهذا الأمر الإلهي (أقيموا الدين).

أتمنى ببركة أهل البيت (ع)، ولا سيما الإمام صاحب الأمر (عج)، أن يولينا البارئ عز وجل المزيد من لطفه وعنايته، وبخاصة في هذا الشهر الفضيل.