أرسل آية الله الشيخ حسين علي منتظري رسالة إلى أعضاء مجلس الشورى الإيراني يوضح فيها
حدود صلاحيات مجلس صيانة الدستور، بالاستناد إلى القانون الأساسي (الدستور
الإيراني) الذي كان قد شارك هو شخصياً في صياغته. وفيما يأتي نص هذه
الرسالة:
في هذه الأيام يحتل موضوع الدور الإشرافي
لمجلس صيانة الدستور على سائر الانتخابات، والمطروح في المادة (99)
من القانون الأساسي، موقع الصدارة في اهتمامات ومناقشات المعنيين
والأوساط الجماهيرية في المجتمع الإيراني، وهل هذا الإشراف إشراف
تقويمي (يحق له رد أو قبول القوانين التي يصادق عليها مجلس الشورى،
وتشترط موافقته على الأشخاص الذين يترشحون للانتخابات) أم هو إشراف
منحصر في حدود العلم والإطلاع فقط؟.
ورغم أنني بينت رأيي حول هذا الموضوع، بشكل
مفصلٍ نسبياً، غير مرة:
1- مرة حينما أجبت على سؤال جمع من طلاب
الحوزة العلمية في قم، بتاريخ 17/ 3/1378هـ.ش (تقويم إيراني).
2- وفي الفصل السابع من كتيبي (الحكومة
الديمقراطية والقانون الأساسي) بتاريخ شهر دي 1378هـ.ش.
وكلاهما موجودان في قسم الرسائل والنظريات على
موقعي في شبكة الانترنيت، ولكن بما أني كنت في مجلس خبراء الدستور،
ولدي اطلاع كافٍ بشأن دافع وأصل ومقدمات هذا الموضوع، فقد رأيت أن من
واجبي أن أذكَّر بالمقصود من تصويب هذا الأصل (الإشراف) (والرائد لا
يكذب أهله).
ليس المقصود من الإشراف التقويم الذي يحق
بموجبه لمجلس صيانة الدستور، أن يبدي رأيه بشأن المرشحين للانتخابات
واحداً واحداً، ومن ثم يؤيد صلاحية المرشح، ويجعله بعد ذلك في معرض
آراء العموم، وليس المقصود منه الإشراف الاستطلاعي المحض (للاطلاع
فقط)؛ ذلك لأن الاطلاع من دون إقدام عملي، لغوٌ وعديم الجدوى. ولكن
بما أن النظام السابق كان يجري انتخابات، ويتدخل في تعيين مرشحي
البرلمان وفي النتيجة لم تكن الانتخابات حرة، بل كان المرشحون يفرضون
فرضاً على الشعب، بحث مجلس الخبراء احتمال أن تتكرر نفس الحالة في ظل
نظام الجمهورية الإسلامية، ويتدخل المسؤولون والمشرفون على
الانتخابات – كما كان يفعل النظام السابق – في تعيين المرشحين،
فيسلبون الحرية من الناس؛ وعليه فمن اللازم أن تشرف هيئة محايدة على
الانتخابات لتأمين سلامتها من أي زيف أو تدخل غير مشروع؛ ولذا وردت
في المادة المذكورة عبارة (الإشراف على الانتخابات) وليس المرشحين
والفحص والتحري عن هوياتهم، وبالتالي عهد بمهمة الإشراف إلى مجلس
صيانة الدستور لأجل سد الطريق أمام محاولات التدخل والتزييف. وبالطبع
فقد عين القانون شروطاً للترشيح للمجلس، وأوكل مهمة إحراز هذه الشروط
إلى السلطة التنفيذية، ورغم أن خصوص مسألة تشخيص صلاحية مرشح رئاسة
الجمهورية، قد جعلت في عهدة مجلس الصيانة، بحسب الفقرة التاسعة من
المادة (110) من الدستور، إلا أن هذا الأمر هو غير موضوع الإشراف على
الانتخابات، المذكور في المادة (99) من هذا الدستور.
في الدورات الأولى للانتخابات التشريعية، لم
يكن موضوع الإشراف التقويمي مطروحاً، غير أنه في الدورة الرابعة
لمجلس الشورى شرعت بعض الجهات بالتدخل، وفي العام 1374هـ.ش (تقويم
فارسي) فُسر الإشراف بالتقويم رسمياً، وجعلوه قيداً في قانون
الانتخاب، على نحو جعل هذا التفسير مبرراً لسلب الحريات وإضاعة حقوق
الناس، بخلاف الدافع الأصلي لتصويب هذه المادة، والسبب في ذلك هو أن
عدداً محدوداً من الأفراد، وإن كانوا صالحين، اعتبروا أنفسهم معياراً
للإسلام والحق المطلق، وعلى سائر فئات المجتمع، بل حتى العلماء
والباحثين والنخب منهم، أن يضعوا عقولهم وإدراكهم وعلمهم جانباً،
ويقلدوا هذا العدد المحدود من الأفراد في معرفة وتقييم مرشحي المناطق
المختلفة، الأمر الذي يخالف منطق العقلاء، ذلك لأنه يعني قيمومة عدد
قليل من الأفراد على سائر طبقات الناس، وفي هذا إهانة صريحة تؤذي
الناس وتحيلهم إلى اليأس المطبق، ويعني أيضاً تحويل مجلس صيانة
الدستور إلى فصيل سياسي خاص.
من البديهي أن أهالي أية منطقة، مع وجود
العلماء والنخب بينهم، يعرفون مرشحيهم أفضل من أعضاء مجلس الصيانة،
ولا يمكن البتة أن تنتخب الأكثرية في أي منطقة، أشخاصاً خائنين وغير
متدينين وغير جديرين بالثقة، لتمثيلهم في البرلمان.
لقد عمل مجلس صيانة الدستور في الدورات
الانتخابية الأخيرة، وفق أسلوب الثنائية المرحلية، وارتكب مخالفات
كثيرة للمواد (6، 56، 62) التي جعلت المعيارية والمحورية للآراء
المباشرة للناس.
وبحسب المادة (113) فإن مسؤولية تطبيق الدستور
تقع على عاتق رئيس الجمهورية.
وبحسب المادة (67) فإن كل واحد من النواب قد
أقسم على أن (أرعى جانب الأمانة والتقوى، والتزم دائماً بحفظ استقلال
وارتقاء البلاد، وصيانة حقوق الشعب وخدمتهم، وأدافع عن الدستور، وأضع
نصب عيني خلال خطبي وكتاباتي ومواقفي استقلال البلاد وحريات الناس
وتأمين مصالحهم).
أتمنى للسادة النواب المحترمين التوفيق، في
أداء وظائفهم الشرعية والقانونية، ورعاية حقوق موكليهم، والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته..
قم المقدسة – حسين علي منتظري
|