التلفزيون مساهم أساسي في رفع أو انخفاض مستوى الذوق العام

 

لم يعد التلفزيون ذلك الجهاز الصغير الذي تستمتع العوائل وزبائن المقاهي الشهيرة ببرامجه التقليدية والمسألة لم تعد بتلك البساطة الآن بعد أن أصبح التلفزيون ذو حيوية فائقة، وأبعاد مؤثرة، على تكوين الإنسان المثقف وربما نصف المثقف فعلى عكس الانطباع القديم الذي كان يقر بأن سلوكيات الناس هي التي تقف وراء نوع المواد التلفزيونية، فإن التلفزيون أمسى مؤثراً على سلوكيات الغالبية العظمى من المشاهدين نتيجة لاختلاف الشرائح الاجتماعية والمؤثرات المحيطة بها.

والتلفزيون اليوم متهم بكونه أداة استهلاكية تعلم النشء من الجيل على الابتذال والاستخفاف بعقول وكرامات الجمهور بكثير من الأحيان، ومع أن كل المحطات التلفزيونية لديها الجيد والرديء، لكن ما ينبغي تفضيله أن يتم رصد كل رديء في البرامج وبالتالي رفضه وفي هذا الصدد يقول (بيار دوماييت) الذي تصفه أجهزة الإعلام الفرنسية، بأنه (أبو التلفزيون الفرنسي): إن (الذي يريد أن يعرف كيف يكون زبوناً للتلفزيون عليه فقط أن ينتبه ولا يكون عبداً له).

والسؤال الذي يطرح بقوة هو.. إلى أي مدى نجح التلفزيون في أداء دوره المطلوب كأداة تواصل ثقافي وإعلامي واجتماعي وأكيد؟ الإجابة الوافية لهذا السؤال تتطلب الوقوف قليلاً أمام القناة التلفزيونية الناجحة لتبيان ما قدمته فعلاً وتقدمه اليوم من حرص على أن تحافظ على مستوى نجاحها في الاختيار الأفضل والأخير لبرامجها، وعلى العكس من هذا، فإن التلفزيون الذي يقدم برامجه ومواده التي لا يتفاعل معها الجمهور بشكل إيجابي، هو التلفزيون الفاشل. وأكيد فإن التقنيات العالية التي تعتمدها بعض المحطات التلفزيونية عند تقديم بعض برامجها، لا تمد جسور الثقة مع الجمهور.

ولعل من دلائل الفشل لبعض المحطات التلفزيونية تلك التي تقدم المقابلات مع أشخاص غير مؤهلين بأنظار مجتمعاتهم المحلية، إذ بدأت تشاهد الخلافات في الرأي، كأنها مبارزة كبرى بين المذيع وتلك الشخصية، ولا يدري مسؤولو تلك المحطات أن الجمهور في غنى تام عن أن يكون مستهلكاً لوقته بتلك البرامج التي لا تراعي اهتماماته.

لذلك لم يعد لدى الشاشة التلفزيونية الصغيرة متسعٌ من الوقت لتقديم برامج يمكن أن تستقطب الكثير من المشاهدين، ويلاحظ في تلفزيونات عديدة أن الإعلان يسيطر بقوة شبه مطلقة على التلفزيون ومما لم يلتفت إليه أحد أن نمطية عدد من برامج التلفزيون ليس فيه من الإبداع سوى الاسم الرنان الذي يحمله البرنامج وكل ذلك يعني أن المواد التلفزيونية تسير في العموم نحو الاستفادة التجارية من الإعلانات قدر المستطاع.

وإذا كان للمنطق التجاري الغلبة على الجودة والنوعية في المواد التلفزيونية المختارة، فإن اليوم الذي يصبح فيه التلفزيون حرفة لمن يفتش عن الربح المالي (فقط) ليس ببعيد.