بيان المرجعية والفتوى لآية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله..

امتداد تاريخي وديني وسياسي للمرجعية الشيرازية في عراق الرافدين

(الشيعة في العراق.. نريد إحياء تجربة الشيخ الطوسي في ايران وتجربة السيد ابن طاووس في العراق)

كتب: يوسف البحارنة

منذ أكثر من 700 سنة والطائفة الشيعية التي كانت ولا تزال تمثل الغالبية السكانية في العراق، تعيش مهمشة تماماً في الحكم .

هذا بالإضافة إلى أنها قد عانت من حرب طائفية سياسية وعنصرية شنعاء مورست ضدها، بالإضافة إلى ما عانته القومية الكردية التي هي الأخرى عانت مثل هذه الممارسات البغيضة، ورأينا بأم أعيننا كيف تعرضت الطائفة الشيعية للسحق من قبل نظام صدام، إلى جانب الويلات والتنكيل والحرب الكيمياوية التي تعرض لها الأكراد في شمال العراق، وحلبجة خير شاهد حي على الظلم والإرهاب والاستبداد في عراق الرافدين .

لقد كان بإمكان الطائفة الشيعية أن تتعاون مع الاستعمار والقوى الأجنبية والدول الكبرى وتحصل على مشاركة فعالة في الحكم والنظام السياسي في العراق، .خصوصا أيام الاستعمار البريطاني في أوائل القرن العشرين، إلا أنها وإيمانا منها بالدين والوطن ووحدة المصير مع الطائفة السنية والحكومة العثمانية قامت بمحاربة الاستعمار البريطاني .

وقد دخلت المرجعية الإسلامية الشيعية إلى جانب الشعب في ثورة العشرين بزعامة آية الله العظمى الشيخ محمد تقي الشيرازي - قدس سره - لمقاومة البريطانيين، حيث اصطدمت المقاومة الشيعية مع الاستعمار في البصرة وبالتحديد في منطقة الشعيبة، وكان المجاهدون الشيعة يطلقون الشعارات الثورية وهم يهجمون على القوات البريطانية ويقولون:"الطوب أحسن لو مكواري". هذا في الوقت الذي كان يذكركامل الجادرجي زعيم الحزب الوطني الديمقراطي في مذكراته بما مضمونه أن الشيعة كانوا يحاربون الاستعمار البريطاني في منطقة الشعيبة في نواحي البصرة، وكنا نحن نحيي الليالي الحمراء في بغداد ونسمع مدافع القوات البريطانية، وننتظر قدومهم.

وعندما دخل البريطانيون بغداد بعد سقوطها في العام 1916م وقاموا بتأسيس  حكومة انتداب بريطانية، تعاون معهم العراقيون الذين كانوا تابعين للحكومة العثمانية آنذاك وقامت بريطانيا بتعيين عبد الرحمن النقيب وهو قاضي القضاة في العراق في زمن العثمانيين كأول رئيس وزراء عراقي في حكومة الانتداب .

وهكذا أصبح خيركم في الإسلام خيركم في الجاهلية، وكانت نتيجة وقوف الشيعة إلى جانب الحكومة العثمانية ومحاربتهم الاستعمار البريطاني أنهم رغم المذابح التي حصلت بحقهم، إلا أن النتيجة كانت أنهم خسروا دورهم في إدارة البلاد وأعطوها على طبق من ذهب إلى الذين كانوا وكما أسلفنا يحييون ليالي السمر والليالي الحمراء في بغداد من الذين كانوا ينتظرون قدوم الاستعمار البريطاني.

لذلك فان الشيعة وعلى الرغم من تفهمهم للدور الأميركي الاستعماري القذر الذي يريد الهيمنة والسيطرة على العالم بما فيه العراق وثرواته وخيراته النفطية وإحكام الهيمنة الأمريكية عليه، ووقوفه إلى جانب إسرائيل لخلق موازنة سياسية وعسكرية جديدة في المنطقة بعد تعثر عملية السلام العربية الإسرائيلية، هذا الموقف الذي خلق تذمراً عاماً وعارماً في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن شيعة العراق وعلى رأسهم قوى المعارضة الشيعية والوطنية والعلمانية ترى أنها لن تكرر التجربة المرة التي بدأتها أيام الاستعمار البريطاني، ولن تصبح الطائفة ولا قوى المعارضة جسوراً للغير لكي يحكموا العراق من جديد كما حكموه قبل أكثر من 80 عاما.

إن الشعب العراقي، خصوصا الطائفة الشيعية  والمعارضة العراقية الشيعية في الوقت الحاضر، وفيما يخص احتمالات الحرب والتغيير القادمة في العراق، لن يقفوا إلى جانب النظام الديكتاتوري في العراق ضد الولايات المتحدة الأمريكية . وان تكرار تلك التجربة المرة أيام الاستعمار البريطاني يعني بقاء الحكومة كما هي عليه وتهميشا آخر لدور الشيعة في تاريخ العراق السياسي. وحتى إن القومية الكردية تقارب في مواقفها الطائفة الشيعية وتؤمن بضرورة التغيير السياسي في الخارطة السياسية للعراق ومجيء نظام سياسي تعددي يحترم كل الطوائف والقوميات وينبذ الطائفية السياسية والعنصرية نبذاً تاماً، وأن لا يكون هذا النظام نظاماً ديكتاتورياً كما هو حال النظام الحالي برئاسة صدام حسين .

وعلى الرغم من أن الغالبية الشيعية في العراق لا ترى الوقوف أمام الولايات المتحدة الأميركية في حربها وصراعها مع النظام العراقي، ولكنها ترى أن الغزو التتري يختلف عن الغزو الأميركي الجديد، وهي قلقة جداً من قيام الولايات المتحدة بالمجيء بحكم عسكري يخلف الحكم العسكري والديكتاتوري لنظام صدام، لذلك فهي ترى مع علمائها ومرجعيتها الدينية والسياسية بأنه يجب على الشعب العراقي القيام بنهضة وثورة شعبية تطيح بنظام الديكتاتور والمجيء بحكم ديمقراطي تعددي تحترم فيه إرادة الشعب العراقي وتمكنه من الادلاء برأيه في ظل انتخابات حرة ونزيهة لينتخب نظامه السياسي بعيداً عن الهيمنة الأجنبية وحراب العسكر.

كما أن السيناريو الجديد الذي أعلن عنه صدام حسين بإعلانه عن العفو العام ما هو إلا ارتياع وخوف هذا الديكتاتور الطاغي من طبول الحرب القادمة وخشيته من سقوطه، لذلك فانه أصدر هذا العفو العام، الذي لم يشمل الكثير من علماء الدين والمجاهدين وحرائر العراق، وما هو إلا خدعة إعلامية، وإن على صدام حسين أن يتنحى عن السلطة فوراً وأن يسمح بإجراء انتخابات حرة تحت إشراف الأمم المتحدة لكي يختار العراقيون النظام الذي يرتأونه، وتعيش المنطقة في وئام وسلام، بعيدا عن المؤامرات والتدخلات الأجنبية. والشعب العراقي ينتظر اللحظة اليوم قبل الغد للخلاص من السجن الكبير المتمثل في نظام القمع والإرهاب الصدامي، لينطلق في رحاب الحرية والتقدم. وإن اعتقال أبناء الشعب العراقي بمختلف فئاته من قبل نظام الطاغية صدام حسين كان ممارسة للزور والعدوان وعنواناً للانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان في العراق منذ وصول هذا النظام إلى السلطة .

إن الشيعة وهم الأكثرية السكانية في العراق يجب أن يساهموا في الحكومة الجديدة التي ستخلف نظام صدام حسين، بما لهم من تاريخ جهادي ونضالي، وبما لهم من أكثرية سكانية داخل العراق، يجب أن تحترم في النظام القادم. وكون الطائفة الشيعية في العراق تمثل الأغلبية السكانية التي مورست بحقها أنواع الطائفية السياسية المقيتة وهمشت تهميشاً مقصوداً في المشاركة في الحياة السياسية وصياغة القرار السياسي العراقي، فان الظروف السياسية الراهنة هي ظروف مهيئة للمعارضة العراقية والحالة الشيعية في العراق لتأخذ مكانتها الطبيعية في أي تغيير قادم .

 لذلك وعلى الرغم من معرفتهم بالنوايا الأميركية السيئة والقذرة  – على حسب قول بعض السياسيين المهتمين بشئون العراق – في الهيمنة على العالم الإسلامي وفرض الإرادة الأميركية، إلا أنهم ونتيجة للاعتبار بالتاريخ المرير لهم مع الاستعمار والقوى التي جاء بها بعد احتلاله العراق في أوائل القرن العشرين، يفضلون أن يمارسوا تجربة الشيخ الطوسي في ايران والسيد ابن طاووس في العراق أيام الغزو التتري بقيادة هولاكو. حيث اتفق الشيخ الطوسي مع التتار وتعاون معهم ووعدهم بخدمتهم فيما يتعلق بعلم النجوم وغيرها، شريطة حفظ التراث الشيعي والإسلامي وعدم حرقه وإتلافه، وبصورة ذكية استطاع أن يجمع الكتب الإسلامية ويؤسس الحوزات العلمية، كما استطاع أن يهديهم إلى الإسلام وأصبحوا مسلمين .

كما أن السيد ابن طاووس رضوان الله تعالى عليه قد تفاهم مع هولاكو قائد الغزو التتري في العراق، حيث قام قائد الجيش التتري الغازي بجمع العلماء واستفتاهم قائلا:"أيهما أفضل الحاكم الكافر العادل أم الحاكم المسلم الجائر".. فأفتى المرحوم السيد ابن طاووس"بأن الحاكم العادل الكافر خير من الحاكم المسلم الجائر"، وقد قام بقية العلماء الشيعة بوضع خطوطهم تحت خطه الشريف والمبارك وأيدوه. كان هذا في منتصف القرن السابع الهجري.

أما الآن فان المرجعية الدينية والسياسية في العراق ترى ضرورة إسقاط الديكتاتورية في العراق ومجيء حكم ديمقراطي  تعددي حر تحترم فيه كل الطوائف والقوميات والمذاهب، وتلغى فيه أنواع الطائفية السياسية والعنصرية.

لذلك نرى، إلى جانب المرجعيات السياسية لحركات المعارضة الإسلامية الشيعية في العراق، أن المرجعية الدينية والسياسية في العراق والتي كما أسلفنا في مواضيعنا وبحوثنا السابقة بأنها مرجعية تمثل الامتداد الطبيعي , التاريخي والديني والسياسي في عراق الرافدين , والتي خلفت المرجع الراحل الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي رضوان الله تعالى عليه للتصدي للمرجعية الدينية والسياسية للطائفة الشيعية في العراق، قد أفتت هي الأخرى  بضرورة الجهاد لإنقاذ الشعب العراقي من نظام الجور والطغيان في عراق الرافدين، حيث أفتى وأصدر بيانا في هذا الخصوص سماحة المرجع الديني المجدد آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله، بعد أن استفتته قوى المعارضة العراقية المستقلة حول الأوضاع الجارية في العراق ودور الشعب العراقي في هذه المرحلة الراهنة، فقد أصدر سماحته بيانين في هذا الخصوص دعيا إلى رفع الظلم والطغيان عن الشعب العراقي، وإقامة حكومة حرة تعددية تحترم فيها القوميات والطوائف، وضرورة إنقاذ الشعب العراقي من الظلم والديكتاتورية.

إن المرجعية الدينية اليوم والتي هي الامتداد الطبيعي لحركة المرجعية التي أسسها الإمام الشيرازي قدس سره في كربلاء، والتي قامت بمحاربة الأفكار الانتقائية والهدامة للحزب الحاكم في العراق، قد شخصت اليوم دورها ومكانها في التغيير السياسي القادم، ونظرا لدراستها للتاريخ  وخصوصا التاريخ المعاصر والمرير فانها لم تقف إلى جانب الديكتاتورية في العراق، بل طالبت برحيلها وإقامة نظام سياسي جديد يحترم حقوق الطائفة الشيعية، بما فيها بقية الطوائف والقوميات والمذاهب، والقضاء على الطائفية السياسية وحكومة الأقلية التي حكمت العراق لأكثر من ثمانين عاماً.

 إن المرجعية الدينية والسياسية في العصر الحاضر والتي قد تمثلت اليوم في آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله، وآية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي  دامت بركاته، الذي هو من أسرة دينية عريقة في العراق، حيث أنها ترعرت في كربلاء المقدسة ولها تاريخها الجهادي والنضالي في تاريخ العراق الديني والسياسي، وحملت راية الجهاد منذ اليوم الأول لنزو العصابة الحالية على السلطة في العراق.. وشخصية المرجع الديني المجدد آية الله المدرسي معروفة للقاصي والداني بمواقفها التاريخية، خصوصا فيما يتعلق بالقضية العراقية، حيث أن سماحته يرى أن الغزو التتري الذي حدث في منتصف القرن السابع الهجري، يختلف عن الغزو الأميركي الجديد الذي يريد أن يأتي بالعسكر ويفرض هيمنة نظام عسكري قد يكون أكثر ديكتاتورية من النظام الحالي، وان المعارضة العراقية في الوقت الذي تصب كل جهودها الذاتية من أجل إسقاط نظام الديكتاتور صدام بالاعتماد على نفسها وشعبها، فإنها ترى أن معالجة القضية العراقية لا يمكن إلا باحترام إرادة الشعب العراقي في تقرير مصيره بعد رحيل النظام الظالم في بغداد.

كذلك فإن بقية المرجعيات الدينية الشيعية داخل العراق وخارجه، بالإضافة إلى المرجعيات السياسية لفصائل المعارضة الشيعية والتي تمثلت في بقية المرجعيات السياسية الشيعية والتي لها دور تاريخي ونضالي على الساحة الداخلية والإقليمية والدولية في العراق، إن كل هذه المرجعيات تصر إصراراً تاماً على ضرورة إسقاط نظام الرئيس العراقي وإيجاد عراق موحد وتعددي، بعيدا عن الهيمنة الأجنبية، وان المرجعيات الدينية الشيعية داخل العراق إذا ما سكتت فهو للخوف الذي يراودها، وتلك التي أفتت فانها فتاواها جاءت تحت طائلة التهديد والإكراه .

إن الامبريالية الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية عندما تفكر في إسقاط نظام صدام حسين، فإنها لا تفكر في مصلحة المعارضة العراقية أو الشعب العراقي، ولا تفكر في كيفية احترام إرادة علماء الدين والمرجعيات الدينية في العراق، وإنما تفكر في كيفية حفظ مصالحها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية في المنطقة، لذلك فان على الشعب العراقي أن يتحمل مسئولية التغيير للنظام العراقي من الداخل عبر نهضة وثورة شعبية تطيح برأس النظام الحاكم في بغداد لكي لا يقع العراق فريسة القوى الأجنبية.

إن بيان الفتوى لسماحة المرجع الديني المجدد آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله جاء في وقت مناسب حيث عالج حالة الاحباط  واليأس التي كان الشعب العراقي يعاني منها، خصوصا المجاهدين العراقيين وبقية فصائل المعارضة التي كانت تنتظر من المرجعية الدينية توضيحا لها وبصيرة لمسيرتها، فجاءت هذه البيانات للمرجعية نوراً لهذه العيون الحيارى التي كانت تنتظر بصيص الأمل لوقوف المرجعية الدينية إلى جانبها، خصوصا وأن رأس النظام العراقي الطاغية صدام حسين قد قام بالضغط  على مرجعية النجف لا سيما آية الله العظمى السيد السيستاني وآية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم دام ظلهما لإصدار فتاوى تحت الضغط والإرهاب والتهديد بالقتل.

 وقد أعلنت القيادات الإسلامية الشيعية العراقية ومن ضمنهم العلامة السيد محمد بحر العلوم بأن هذه الفتاوى قد استصدرت تحت الإكراه والتهديد بالتصفية والقتل .

إن التعددية السياسية هي البديل الحضاري لإنهاء معاناة العراق، كما أن الهواجس من المشروع الأمريكي تقتضي دراسة متعمقة للوصول إلى نتيجة تحافظ على استقلال العراق وكرامة شعبه، كما أن الحالة الشيعية في العراق مدعوة للتوحد، وأن على  فصائل المعارضة العراقية التلاقي والانفتاح على بعضهم البعض وتذليل الخلافات والاتفاق على مشروع سياسي موحد للمرجعية الدينية والسياسية في العراق، توحد فيه هذه الفصائل وهذه القوى خطابها السياسي ومواقفها من أي مشروع سياسي لمستقبل العراق السياسي ويكون لها برنامج عملي متكامل متفقة عليه بعد عملية التغيير المتوقع لنظام صدام .

إن ترتيب البيت الداخلي الشيعي كما قلنا في بحوث ومقالات أخرى حول هذا الموضوع خصوصا في مقالاتنا وبحوثنا حول المرجعية الدينية والسياسية للحركة الإسلامية الشيعية في العراق، هو ضرورة يؤمن بها كل العراقيين الشيعة وهو هاجس كل القيادات الإسلامية الشيعية المخلصة، التي ترى أن احتكار القرار السياسي للقضية السياسية هي فكرة خاطئة من الأساس، ولن تخدم مصلحة الطائفة الشيعية، وإن الابتعاد عن الحزبيات والأنانيات الضيقة والانفتاح على الجميع وانتهاج سياسة التلاقي هو خير من التقاطع والانزواء والاستفراد بالساحة والقرار السياسي للحالة الشيعية.

إن النظام  العراقي الذي يدعو لمقاومة الغزو الأمريكي والهيمنة الامبريالية كان بالأمس الحليف القوي للولايات المتحدة في مواجهة ثورة الشعب العراقي وانتفاضاته وتطلعاته السياسية، حيث تعاون مع الولايات المتحدة لشن حرب ضارية وضروس وحرب استنزاف على الجمهورية الإسلامية في إيران التي كانت فتية آنذاك للتخلص من أزمته الداخلية مع الشعب العراقي وخوفه من احتمالات التغيير في العراق .

فقد قام رأس النظام العراقي الذي كان يتصدى حينها لنيابة رئاسة الجمهورية العراقية، بانقلاب على رئيس الجمهورية آنذاك أحمد حسن البكر وتسلم منصب رئيس الجمهورية والأمانة العامة لحزب البعث وقيادة مجلس الثورة، وعزل أحمد حسن البكر ورفاقه الحزبيين، خصوصا الموالين لسوريا، ومن ثم قام بتصفيتهم جسديا والتمهيد مع الولايات المتحدة والدول الغربية والاتحاد السوفيتي السابق وبقية دول المنطقة لشن حرب استنزافية كان هدفها إسقاط النظام الإسلامي الفتي في إيران. وكان يومها صدام قد ادعى بأنه قائد الأمة العربية والمدافع عن حقوقها وأمجادها وأنه يقود جيش القادسية ومعركة القعقاع، بينما كان المدافع الأول عن المصالح الأميركية وعميل الولايات المتحدة وحليفها القوي في المنطقة، حيث تلاقت مصالح النظام العراقي ودول العالم ومنها أميركا وقاموا بالوقوف أمام النهضة الإسلامية النامية في أواخر عقد السبعينات، حيث استمر هذا الوقوف وهذه الحرب الشعواء حتى أوائل عقد التسعينات.

نعم لقد لعب النظام العراقي الديكتاتوري في العراق دور المحارب الجيد المتمكن أمام الحركة الإسلامية المتنامية في ذلك الوقت وسجل تاريخاً حافلاً من العمالة والخدمة للولايات المتحدة الأميركية . ولأن إرادة الله سبحانه وتعالى وسننه في الكون ثابته وهي مجازاة الظالم على ظلمه في هذه الدنيا قبل الآخرة حيث قال سبحانه وتعالى في حديث قدسي:"الظالم سيفي، أنتقم به وأنتقم منه" .

 فكما أن النظام الحاكم في العراق قام بتصفية الحركة الإسلامية الشيعية ورموزها وعلمائها ومراجعها وعلى رأسهم الإمام الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر رضوان الله تعالى عليه مع اخته العلوية بنت الهدى، إضافة إلى كوكبة من شهداء الثورة الإسلامية في العراق وشهداء كثيرين من أبناء الطائفة الشيعية وبقية القوميات العراقية كالأكراد والتركمان والأشوريين وحتى من أبناء الطائفة السنية .

كما قام باغتيال المفكر الإسلامي الكبير آية الله السيد حسن الشيرازي قدس سره في بيروت والعلامة السيد محمد مهدي الحكيم في الخرطوم عاصمة السودان وما قام به من قتل مراجع ومجتهدين في الحوزة العلمية في النجف الأشرف من آل المرجع الديني الإمام الحكيم  والشهيد الإمام السيد محمد الصدر الملقب بالصدر الثاني مع ولديه، وغيرهم، كما أنه قد قام بنصب أعواد المشانق للمعارضين السياسيين وأبناء الشعب العراقي الذين كان ولا يزال يأخذهم بالظنة والتهمة كما كان يقوم بهذه السياسة معاوية بن أبي سفيان، فإن الله أراد أن ينتقم منه شر انتقام ويريه نتيجة أعماله في هذه الدنيا قبل الآخرة، وهاهي رياح التغيير قادمة لإزالة واقتلاع جذور الديكتاتورية من بلاد الرافدين .

إن القضية الأساسية لوقوف الولايات المتحدة الأميركية والدول الكبرى وبقية الأنظمة الرجعية في منطقة الشرق الأوسط إلى جانب نظام الرئيس العراقي قبل أكثر من عقدين من الزمن هو وجود المصالح المشتركة بين هذه الأنظمة والنظام العراقي، حيث أصبح هذا النظام من حيث يدري أو لا يدري، لكننا نرى أنه كان يعلم بكل عمق وإدراك بأنه جسر عبور قوي للمصالح الدولية، لذلك وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، فان النظام العراقي قد فهم اللعبة تماما وأن مهمته قد انتهت، وقد كان يعاني حينها من أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة بعد خروجه من حرب استنزاف كلفت العراق المليارات وأصبح العراق مديونا للدول بمئات المليارات من الدولارات، إضافة إلى أزمته السياسية الخانقة، لذلك قرر احتلال الكويت ظناً منه أن باستطاعته أن يساوم بها مع الولايات المتحدة  الأمريكية والدول الغربية ودول المنطقة التي تخلت عنه وعن تقبل دفع ديونه، لرفع العجز الحاصل في ميزانية العراق وارتفاع الديون الباهضة، بعد انتهائه من حربه المفروضة على الجمهورية الإسلامية في إيران .

ولكن غاب عن بال رئيس النظام العراقي بأن شهر العسل في العلاقات الأمريكية والغربية ودول المنطقة قد انتهى لتبدأ سياسة مصالح جديدة في منطقة الشرق الأوسط يكون ضحيتها نظامه الذي فقد بريقه وإمكانية بقائه لانتهاكه الصارخ لحقوق الإنسان وقيامه بحرب أدانته عليها الأمم المتحدة وطالبته بدفع غرامة لجارته إيران .

لقد قامت الولايات المتحدة مع دول العالم بالتخلي عن صدام حسين لكي تنسى شعوب العالم وخصوصا شعوب العالم العربي والإسلامي الظلم الذي لحق بها من جراء الديكتاتورية التي فرضتها الحكومات الأميركية وحكومات الدول الغربية السابقة على منطقة الشرق الأوسط. لقد أثارت الحرب العراقية الإيرانية أسئلة كثيرة في أذهان الشعوب الإسلامية بعد انتهائها، لذلك قامت الدول الغربية والامبريالية بحرف  أنظار هذه الشعوب بالهائهم بإعطاء الضوء الأخضر لصدام لاحتلال الكويت ومن ثم قيامهم بحرب عاصفة الصحراء لطرده من أراضيها وتكرار الكرة تلو الكرة في حروب على نظام صدام من أجل تدمير البنية التحتية للاقتصاد العراقي، وهدم الترسانة العسكرية له وتدمير الأسلحة الاستراتيجية وأسلحة الدمار الشامل والبيولوجية التي يمتلكها صدام حسين.

 لذلك وبعد أن أصبح عميلها المطيع  مشاكساً ومعانداً ولجوجاً، يعمل خلاف رغبتها وإرادتها فإنها سعت لاحتوائه وتضعيفه شيئاً فشيئاً تمهيداً لإقصائه من الحكم والمجيء بحكومة جديدة خلفاً لنظامه القائم الذي أصبحت ورقته محروقة وغير مرغوب فيها من دول الجوار.

لقد ساعدت أحداث 11 سبتمبر على تصنيف نظام الرئيس العراقي ضمن الأنظمة التي ترعى الإرهاب، وأن تصنيف أميركا لنظام صدام حسين بأنه أحد الأنظمة الراعية للإرهاب قد يكون له الكثير من الصحة، هذا النظام الذي كان يخنق كل نفس شريف وثوري أصبح اليوم يدافع عن الثورية والثوريين، ويدعي نصرة القضية  الفلسطينية، وينبري وزير خارجيته ناجي صبري بعد لقائه مع رئيس جمهورية إيران السيد محمد خاتمي مطالبا إياه بالموافقة على اقتراح تكوين وتشكيل جبهة ثورية ثلاثية بين إيران والعراق وسوريا للوقوف أمام الولايات المتحدة وأطماعها في العراق والشرق الأوسط، وكأنه يريد أن يضحك على الذقون وكأنه قد نسي أو تناسى وقوفه بالأمس مع الولايات المتحدة للقضاء على النظام الإسلامي وشنه لحرب دامت لأكثر من ثماني سنوات نيابة عن الولايات المتحدة.

 إن الله سبحانه وتعالى أراد الانتقام من صدام في دار الدنيا قبل دار الآخرة وإن شيعة العراق لن يقفوا أمام أي تغيير قادم في العراق ولن يقفوا إلى جانب نظام الرئيس العراقي صدام  حسين، وإن رأيهم هو ذهاب النظام الديكتاتوري وتشكيل حكومة تعددية دينية وسياسية وإيجاد دستور ثابت يقرر المصالح لكافة أبناء الشعب العراقي، ويلغي كافة أنواع الطائفية السياسية والعنصرية والقومية ويقوم بإرساء علاقات حسن جوار مع جيرانه بما يحفظ مصالح العراق السياسية والاقتصادية.

كما أن حصول الشعب العراقي على هامش من الحريات والديمقراطية هو ضمانة له من أجل أن يحكم نفسه بنفسه، ولن يرضى بالعنجهية والغزو والقواعد الأجنبية أو بتنصيب حاكم عسكري عليه .

كما أن السيمفونية التي لا زال النظام العراقي يعزف عليها بأن الولايات المتحدة تريد إسقاط  نظام صدام لتنصيب حاكم عسكري على العراق كما تحدثت عنه مجلة نيوزويك، وكولن باول وزير الخارجية الأمريكية، ما هي إلا سياسة تنازع بين القوى الكبرى، فرنسا والولايات المتحدة، وان الرئيس بوش قد نفى هذه الادعاءات، لذلك فإن أباطيل النظام العراقي وادعاءته قد ذهبت وسوف تذهب هباء وسدى، وإن الشيعة في العراق وعلى رأسها المرجعية الدينية والسياسية لن تقف إلى جانب الديكتاتورية لتخسر مستقبل العراق كما خسرته قبل أكثر من ثمانين عاماً مضت.