كلمة سماحة العلامة المجاهد السيد هادي المدرسي

 

السلام عليكم..

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله مالك الملك، مجري الفلك مسخّر الرياح فالق الإصباح، ديان الدين رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله (ص) أمين الله على وحيه وعزائم أمره، الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل والمهيمن على ذلك كله وعلى أهل بيته شجرة النبوّة، وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومعدن العلم وأهل بيت الوحي.

قال الله العظيم في كتابه الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً إنا اعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالاً وسعيراً إن الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافوراً عيناً يشرب بها عباد الله يفجّرونها تفجيراً يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيرا ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءاً ولا شكوراً إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نظرةً وسرورا وجزاهم..).

الحديث عن الإنسان، عن النموذج، عن الميزان، عن المقياس، حديث عني وعنك، حينما فتح الإنسان عينيه وجد نفسه لا يختلف عن أدنى الحيوانات في حاجاته الأولية وجد أنه يجوع كما يجوع الغراب وجد أنه يعطش كما يعطش الفأر، وجد أنه ينجذب إلى اللذات كما ينجذب إليه الثور، لم يجد بينه وبين الحيوانات أدناها وأعلاها فرقاً، حاجة إلى الطعام، حاجةٌ إلى الشراب، حاجةٌ إلى الملبس، حاجةٌ إلى المأكل، حاجةٌ إلى المسكن، هو والثور واحد، هو - واسمحوا لي أن أقول - والحمار واحد، فيما يرتبط بحاجاته الأولية، بل هو اضعف منها جميعاً، أنت حينما تريد أن تأكل فلابد أن الحنطة يطحنها لك طاحن يخبزها لك خباز ثم تأكل وقد تصاب ببعض الأمراض من نتيجة ذلك، لكن الحيوان يأكل الشعير، فالفرس يأكل الشعير لا يحتاج إلى طحان أو خباز، الإنسان وجد نفسه أضعف من الفيروسات والميكروبات بل كما يقول علي (عليه السلام) مسكين ابن آدم تؤذيه البقّة وتنته العرقة وتقتله الشرقة.

أتعرف أن أكثر ما يؤذي الإنسان على هذه الأرض هي بعوضة الملاريا، هذه البعوضة الصغيرة الهشة التي يمكن لطفل صغير أن يقضي على حياتها بإصبعيه، هذه تصيب من البشر اليوم ثلاثمائة مليون إنسان كل عام وتقضي على عشرة ملايين منهم، مسكين ابن آدم تؤذيه البقة، تنته العرقة، وقد تنتهي حياته بمجرد شرقة من ماء.

حينما فتح الإنسان عينيه وجد أنه لا يختلف عن بقية الحيوانات قبل أن يتقدم العلم الحديث ويكتشف أن المورثات التي في الإنسان، أن الجينات بين الإنسان وبين الحيوانات، بين الإنسان وبين الفأر وهو من الحيوانات التي نقضي عليها بسم الفئران، والتي إذا أردنا أن نضرب مثلاً في الضعف نضرب مثلاً بالفأر، الفرق بين الإنسان وبين الفأر هو واحد بالمئة فقط من حيث الجسم، أي أن هذا الواحد هو الذي جعلك إنساناً وجعل الفأر فأراً، لكن الإنسان أيضاً اكتشف أنه يختلف عن الحيوانات، يختلف في جسده كلا، في جماله ربما يكون الطاووس أقوى منه، في قوة عضلاته ربما يكون الفيل أقوى منه، في طوله ربما تكون الزرافة أطول منه، فيما كان يختل فعن الحيوانات؟ وجد أنه يختلف عن الحيوانات في مشاعره في أحاسيسه في ذوقه في عقله في فهمه اكتشف البعد الروحي فيه...

أنا خير هذا الجسد أنا أملك هاتين اليدين أنا أملك الرجلين انا أملك العينين أنا أملك الأذنين لكنني أنا غير ذلك كله، هذه مجرد مركبة أركبها فترة من الزمن ثم أنزل منها وينزلون مركبتي في القبر، اكتشف البعد الروحي في نفسه فبدأ يطوّر حياته، من أين بدأ التطوير..

نحن نعرف أن الله عز وجل كما أوحى إلى الإنسان أوحى إلى الحيوانات (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون) الله حدد الصراط المستقيم للحيوانهات وهي مجبرة عليه لا يمكن لها أن تتجاوز الطريق المرسوم لها أبداً، يعني أن النحل لا يمكنه أن يبني بيته بشكل ثلاثي أو رباعي أو سباعي لابد أن يبني بيته بهذا الشكل السداسي منذ ملايين السنوات والى ملايين السنوات، ولذلك ربنا لا يدعو الحيوانات إلى أن تمشي على الصراط المستقيم، أوحى مباشرة إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر.. لكن فيما يرتبط بالإنسان دعاه، طلب منه، أرسل له مئة وأربعة وعشرين ألف نبي ومع كل نبي وصي، الله قال (وإن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) هذا الإنسان الذي اختاره الله ليكون سيد الخليقة هذا مختار امتاز عن الحيوانات بالحرية، الحيوان لا يستطيع أن يعصي ولذلك شفاعته لا قيمة لها، لكنك أنت قادر على أن تطكيع وأنت قاطر على أن تعصي وأنت قادر أن تمشي في طريق الخير أو في طريق الشر، فإذا مشيت في طريق الخير أثوبك الله وجزاك خيراً، وإذا مشيت في طريق الشر عاقبك.. أنت مختار..

هذا البُعد الأساسي في الإنسان بعد الروح، بُعد الحاجات الروحية، الحاجة إلى المعرفة.. الحاجة إلى الأخلاق.. الحاجة إلى الصلاح.. الحاجة إلى الإيمان.. هي أهم من حاجات الجسد وإلا في حاجات الجسد لا نختلف عن الثيران ولا نختلف عن الخرفان ولا نختلف عن أية حشرة، بل أن الذي أعطاه الله العقل والفهم والذوق السليم وألهمه الإيمان والتقوى وأرشده إلى طريق الصواب إذا خالف إن هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا.

هذا الإنسان طوّر حياته، بنى حضارته، خرج من الكهوف وبنى المدن للبُعد الروحي الذي فيه، أراد أن يختلف عن الحيوان ليس فقط في حاجاته الروحية وإنما حتى في حاجاته الجسدية أنت تأكل والحيوان يأكل لكن الحيوان لا يهمه أن يأكل في مزبلة ومن القمامة لكنك أنت تبحث عن طاولة جميلة تضع عليها الورود تسلط عليها أضواء مختلفة، تريد أن تعطي لأكلك بُعداً آخر، أنت حينما تلبس مجرد لباس يقيك الحر ويقيك البرد تتفنن في الملابس، حينما تبني غرفتك فقط لتتقي الحر والبرد، لكنك تبنيها وتصنعها وتجملها وتسدل الستار حولها لكي تكون مختلفة، حاجاتك الأولية فيها بعدا آخر هو البعد الإنساني هو البعد المعنوي.

في رواية للإمام الصادق جعفر بن محمد (ع) يقول: (إن الصورة الإنسانية هي الصراط المستقيم والجسر الممدود بين الجنة والنار) حينما ينجذب الإنسان إلى الجانب الإنساني الذي فيه، إلى البعد الروحي الذي خلق الله فيه، حينئذ يكون على الصراط المستقيم وهذا الجسر يوصله إلى الجنة ولو أنه تجاوز هذه الصورة الإنسانية فحينئذٍ سيكون حيوانا وأخس من الحيوان، ومن ثم هذا الجسر يوصله إلى جهنم، ليس فقط الجنة والنار في عالم القيامة، الجنة هنا والنار هنا، كلما ابتعد الإنسان خطوة عن طريق الله، عن طريق الإيمان، عن طريق الأخلاق، فهو صنع جهنمه حول نفسه سواء كان على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة،هنا يأتي السؤال كيف نبني الحضارة من أين نبدأ؟

قد يكون  بعض المغرورين بالتقدم المادي للإنسان يرى أن الحضارة تعني أن نستورد السيارات الفارهة أن نبني العمارات الشاهقة أن نفتح الطرق السريعة ونكون قد تحضرنا أبداً ربما يكون الإنسان قد أصبح أقوى مما كان سابقاً بدل العضلات يملك الصواريخ بدل العينين يملك الرادارات بدل أن يسمع عنده الجهاز الخليوي ووسائل استراق السمع يستطيع أن يسمع الأصوات حول الكواكب كل هذا صحيح، لكن هل هذا زادت عندنا الصورة الإنسانية أم زادت عندنا الصورة الحيوانية أول إنسان وضع قدميه على تراب القمر وهو آرمسترونغ حينما عاد إلى الأرض طلق زوجته استطاع أن يغزو القمر لكنه فشل في أن يغزو قلب امرأته وطلقها، حينما نكون قادرين على أن نذهب إلى أعماق البحار ونكتشف ما فيها لكننا نعجز عن أن نسبر أغوار أنفسنا ونكتشف الكنوز التي أودعها الله فينا.

سلام الله عليك يا أبا الحسن حينما قال (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة) هل اكتشفت المعدن الذي فيك هل رأيت ما أودعه الله فيك أتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر.

هل اكتشفت العالم الأكبر الذي فيك أم لا زلنا نكتفي بأن غيرنا اكتشف الفضاء وسبر اغوار البحار، لا أريد الإطالة في قضية الحضارة وأن المنطلقات أين والأهداف أين، لكنني أريد في هذه الليلة والحديث عن الإمام علي أن أتحدث عن الميزان، وهو أهم شيء عند البشر بالميزان يزن الطعام، بالميزان يعرف كم يحتاج هذا البناء إلى مواد، الخريطة التي يرسمها لك المهندس، وفي حقيقة أمره ميزان للبناء، ولو أخطأ المهندس لسقط البناء، الميزان في شهادات الجامعة، شهادة الجامعة عبارة عن أن صاحبها يمتلك من المعرفة ما يخوله للعمل في مجاله، فيما يرتبط بالانسان الصالح والمجتمع الصالح والحضارة الصالحة ألا يوجد هنالك من ميزان؟

نحن نعرف إذا ذهبنا إلى السوق فإننا نبحث عن أسماء لامعة عن شركات معينة لماذا؟ لأننا نعرف أن هذه الشركات وأجهزتها فيها ما نحتاج إليه، بعبارة أخرى هي قد وافقت الستاندارد هنالك ميزان معين لصناعة الأجهزة، نعرف أن هذه الشركة قد التزمت بالموازين لصناعة هذا الأمر.

فيما يرتبط بالإنسان هل الأمر متروك للأهواء للشهوات ألا يوجد ميزان؟

قد ننظر إلى علي كمعجزة وفيه الكثير من المعجزات، من أين جاء علي بما كان عنده؟

لنأخذ شيئاً بسيطاً وجانبا بسيطاً من جوانب الإمام علي وقد تحدث عنها الأستاذ جوزيف الهاشم، وهو الأدب نحن نعرف أن أحدنا إذا أراد أن يتخصص في الأدب فعليه أن يدرس أن يتعلم أن يراجع أن يدخل الجامعات أن يتخرج حتى يستطيع أن ينظم شعراً مثلاً، من أين جاء علي بهذا الكم الهائل من الحكم من الأدب من البلاغة حتى أن أحدهم في معركة صفين خرج من عند علي والتحق بمعاوية، قال من أين أتيت؟ قال أتيتك من عند ألئم الناس وأعيى الناس وأجبن الناس. قال من عند من؟ قال من عند علي.

كان معاوية يبحث عن المتزلفين لكن ليس بهذه الدرجة من الحقارة، قال: ويلك أتقول أنه ألئم الناس ولو كان عند علي بيت من تبر وبيت من تبن لأنفق تبره قبل تبنه، وتقول إنك جئت من عند أعيى الناس (يعني اقل الناس قدرة على البلاغة) وهل جرت المواسي على رأس رجل أبلغ من علي، أفصح من علي وتقول جئت من عند أجبن الناس، وما صارع علي أحداً إلا صرعه وما قاتل علياً أحداً إلا قتله، أغرب عني.

فعاد الرجل وهو حيران، إلى أين يذهب لا يوجد سوى معسكر معاوية ومعسكر علي وقد طرد من معسكر معاوية فعاد إلى علي، نظر إليه الإمام وقال من أين أتيت قال لا تلمني يا أمير المؤمنين بعت آخرتي ولم أربح دنياي، قال ما الذي فعلت قال ذهبت إلى معاوية وقلت ما قلت وقال ما قال وطردني، فتبسم الإمام وقال: لا تثريب عليك ادخل فيما دخل فيه الناس.

علي كان معجزة لا شك وعلي مفخرة عند أية أمة من الأمم لو كان مثل علي لرفعوه إلى السماء لا شك في ذلك، لكن علياً بالإضافة إلى المعجزة والمفخرة هو بطل، هو ميزان، لو لم يكن كان علينا أن نخترع مثل علي لكي نعلم شعوبنا أولادنا رجالنا نساءنا لكي نعلمهم كيف يعملون كيف يعيشون وكيف يموتون؟ كيف يتعاملون مع الآخرين؟ كيف يتعاملون مع الحياة والأحياء؟.

تسألني ما الذي يميزه فيما يرتبط بنا؟ أي فيما يرتبط بواجبنا تجاه أنفسنا وواجبنا تجاه الناس وتجاه الحياة وتجاه الأحياء، أقول: علي ليس شخصا واحدا، سألني ذات مرة أحدهم قال: صف لي علياً؟ قلت: أي علياً تقصد؟ قال:ابن أبي طالب. قلت: أي جانب منه. قال أبحث عن حقيقته. قلت: اعذرني لا أستطيع أن أعرف حيقة علي وقد قال له رسول الله (ص): يا علي ما عرف الله إلا أنا وأنت وما عرفك إلا الله وأنا وما عرفني إلا الله وأنت. تسألني عن حقيقة علي لا أعرفه، وفوق أن يعرف.  ماذا كان يدور في خلده لا أعرف، وقد قال أيضاً رسول الله (ص): يا علي لولا أن أخاف أن تقول فيك طائفة من أمتي ما قالته النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك كلمة لا تمر بها على ملأ إلا وأخذوا من تراب نعليك ومن طهورك ما يستشفون به ولكن حسبك أنك مني وأنا منك وشيعتك على منابر من نور مبيضة وجوههم حولي يوم القيامة وهم جيران..

قال إذا عما ابحث في علي، قلت: ابحث عن الإنسان الذي كان يمثله عما يمكنك أن تقلده فيك، قال: صفه لي قلت له: إنه ألف رجل تلخص في رجل واحد. عن ماذا أتحدث لك منه، عن شجاعته، عن تقواه، عن كرمه عن ماذا أتحدث؟ كل جانب نم جوانب علي كتاب، كل جانب حضارة، عن أي جانب أتحدث قال أهم ما تميز به، قلت اسمع الإيمان، الإيمان بالله، أمر متروك للجميع، اخوتي المصير محتوم سلفاً إما جنة وإما نار، إما رضا الله وإما غضب الله، خلق الله الجنة والنار قبل أن يخلق الإنسان ثم جعل الطريق إلى أحدهما لا توجحد منطقة وسطى بين الجنة والنار، إن مشيت على الصراط المستقيم فأنت في الجنة لا محالة وإلا فأنت في النار، قضية جد لا هزل فيها، لابد أن نكون دقيقين في اختيار الصراط، في اختيار الطريق أن نقيس أنفنسا بأولئك الذين جعلهم الله مقياساً في هذه الحياة، اختار الإمام علي الإيمان بالله، تعرف الناس يتمايزون في الحياة في طرقهم في شكلهم في شاكلهم حسب الأهداف، الذي يمشي إلى ذات اليمين فهو عنده هدف معين تجاه اليمين، والذي يمشي باتجاه ايلسار فعنده هدف باتجاه اليسار فحدد هدفك.

إن لم تحدد الهدف فأنت ضائع في هذا الطريق، أنت الذي تريد أن تبحر في هذه الحياة إن لم تحدد الهدف إلى أين تريد الوصول، فتكون ضائعاً في هذا المحيط في صحراء التيه إلى أن تفتح عينيك بعد الممات لا سمح الله ويقال لك فيم أفنيت عمرك.

بدأ الإمام علي بالإيمان، أحدهم يقول إنه أول من آمن ، فهل كفر حتى يؤمن، ولد علي مؤمناً، ولد في الكعبة كان مؤمناً من عالم الأشباح والأظلة، من عالم الذر، تميز بتحديد الهدف؛ الآخرة، ما كان يريد الدنيا في أية خطوة من خطواته كان في الآخرة نصب عينيه، عندما صعد على المنبر لولا التقوى لكنت أدهى الناس والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ودوني حائل من تقوى الله، صعد على المنبر وقد اضطربت عليه الأمور، قال والله إني أعلم بداءكم ودوائكم ولكن هيهات أن أصلحكم بخراب نفسي، أنا أريد الآخرة أريد الجنة، أصلحكم بخراب نفسي هيهات.

الإيمان بالله طفل صغير عمره عشر سنوات يقف مع النبي يصلي فيقول له صناديد قريش: يا علي هل استشرت أباك حينما صليت مع محمد؟ قال: وهل استشار أبي حينما خلقني، حتى أستشير أبي حينما أعبده.

ولد في الكعبة قتل في المحراب وظل هذا هو المحور الذي يدور فيه في حياته كلها، الإيمان بالله، قال له النبي (ص): يا علي أنت مني وأنا منك والايمان مخالط لحمك ودمك، كما خالط لحمي ودمي.

لم يفعل كما يفعل كثيرون يبدأون مؤمنين ويموتون منافقين لم يفعل مثلما يفعل كثيرون يرفعون شعار الدفاع عن مصالح الناس ثم ينتهون كمصاصي دماء الناس.

ولد في الكعبة وقتل في المحراب وظل يدور بين الكعبة والمحراب، عبد الله في المسجد وعبده في السوق وعبده على المنبر وعبده على كرسي الحكم وعبده والسيف في يده عبده في كل مكان، هذه هي العبادة الحقيقية أن تكون مع الله في كل أمورك، في شربة الماء التي تشربها في لقمة الخبز التي تأكلها في المكان الذي التي تنام، في كل شيء تحسب حساب الله وتجزره وتتقيه وتخاف من مخالفته.

يأتي إليه النبي (ص) ويقول: يا علي إن الملأ يأتمرون بي ليقتلوني فهل لك أن تقتل دوني.

قال: أوتسلمن يا رسول الله قال:نعم.

فتبسم علي قال: نعم يا رسول الله.

وحينما قبل منه النبي أن يبيت في مكانه وخمسون سيفاً من سيوف المشركين تحوط بالدار متعطشة لدمه سجد لله شكراً لكي يبيت في مكان رسول الله، ولولا أن ابا جهل لعنة الله عليه كان قد قال لأولئك القتلة: لا تهجموا عليه وهو نائم لكي يحس بألم الجراح، مع بداية الفجر ترموه بالحجارة ثم تهجمون عليه وتقطعوه حتى يضيع دمه بين قريش.

وحينما رموه بالحجارة وقام من مكانه رأوا أن هذا علي علي فدا رسول الله (ص) بنفسه قالوا: أين محمد؟

قال: وهل جعلتموني عليه وكيلاً.

عرف أن الإيمان ليس لقلقة لسان، الإمام الحسين (ع) في كربلاء قال كلمة جامعة مانعة: (الناس عبيد الدنيا والدين لعقٌ على ألسنتهم يحوكونه ما درّت معائشهم فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديانون)، عرف أن الإيمان ليس مجرد ذكرٍ على لسان، ولا خواطر في القلب، وإنما عملٌ بالأركان، وقد سمعتم لأنسبن الإسلام نسبةً لم ينسبها أحد قبلي الإسلام هو التسليم، والتسليم هو التصديق، والتصديق هو الأداء، والأداء هو العمل، العمل المتكأ على الوعي على الإيمان على الاختيار الصحيح للطريق.

الإيمان أيضاً مغامرة، الإيمان أيضاً هجوم وليس مجرد دفاع، هجوم على معاقل الشرك على معاقل الظلم، عرف أن الإيمان وعي أن الإيمان إخلاص، ظهر كل ذلك له وهو في بدايات شبابه، ففي معركة الأحزاب اجتمعت الأحزاب لكي تقضي على رسول الله (ص) وعلى الإسلام تماماً لكي لا يعبد الله في الأرض، واستطاع عمرو بن ود العامري أن يقفز من على الخندق وبدأ يصرخ قائلاً: هل من مبارز؟!!.

هنا عمرو بن ود قد اقترب من خيام المسلمين وحده، والمسلمون في الخيمة مع رسول الله (ص) فيقول النبي: من يأتي برأس عمرو أضمن له الجنة؟. يقوم علي (ع) ويقول: أنا يا رسول الله.

يقول له النبي (ص): اجلس إنه عمر. هذا فارس يليل يواجه بألف من الرجال، وكان أصغرهم سناً.

هناك كان عمرو بن ود يزلزل الأرض ويصرخ وينادي يقول: هل من مبارز؟!.

من يأتيني برأس عمر أضمن له الجنة يقوم الإمام علي (ع) ويقول: أنا يا رسول الله.

يقول (ص): اجلس إنه عمر.

ينادي عمرو بن ود قائلاً: ألستم تؤمنون بأن الجنة مصير من يقتل منكم؟ من يأتيني لأرسله إلى الجنة ولقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز؟!.

القرآن يصف حالة المؤمنين يقول >وزلزلوا زلزالاً شديداً< بعضهم شكّ في نبوة رسول الله (ص)، موقف صعب. وللمرة الثالثة يقول النبي (ص) من يأتيني برأس عمرو أضمن له الجنة؟.

يقوم الإمام علي (ع) ويقول: أنا يا رسول الله (ص). يقول (ص): اجلس إنه عمر. فيقول (ع): وأنا علي.

ثم يخرج مهرولاً لا يمشي وهو يجرّ رجلاً ويترك أخرى. جاء مهرولاً إليه يعرف أن الإيمان مغامرة بالحياة وقد قالها (ع): (إلا أنفس غامرتم بها)، إلا تغامر بنفسك في سبيل الله إلى أين وصلنا ما وصلنا إليه إلا خوفاً من الموت؟ ولقد رأينا أن أمة لا تخاف من الموت لا يمكن لقوة على وجه الأرض أن تجبرها على شيء، كيف أن أعتى القوى تنهزم أمام طالب موت واحد.

جاء إليه فقال له: انتسب من أنت؟ قال (ع): أنا علي بن أبي طالب.

قال: إن أباك كان صديقي ولا أريد أن أقتلك. قال (ع): ولكني أريد أن أقتلك.

قال: أما آمن ابن عمك حيث أرسلك إلي أن أشيلك برمحي هذا بين السماء والأرض لا أنت حي ولا ميت؟.

أنظر إلى الوعي عنده قال (ع): أرسلني ابن عمي إليك أن إذا قتلتك كنت أنت في النار وأنا في الجنة، وإن قتلتني كنت أنا في الجنة وأنت في النار.

قال: كلتاهما لك يا علي، تلك إذاً قسمة ضيزى، قاتل مقتول أنت في الجنة.

قال: نعم.

لقد حدّد مصدر الخوف والرجاء لا يخاف إلاّ من الله ولا يرجو إلا إياه. تبادلوا ضربتين.. التاريخ كان يحبس أنفاسه ليس المسلمون وحدهم، بل التاريخ كله كان يحبس أنفاسه لأن على ذلك الموقع كان المصير يتحدد إما أن ينتصر عمرو بن ود وأبو سفيان والأحزاب والأصنام، أو كان ينتصر علي ومحمد والإيمان بالله.

وقد قالها رسول الله (ص): (خرج الإيمان كله إلى الشرك كله اللهم إن شئت أن لا تعبد فلا تعبد). أنفاس المؤمنين وهم يرون علياً أن صرع عمرو بن ود جالساً على صدره ثم يقوم من مكانه ثم يتمشى في الميدان موقفٌ صعبٌ، ففي أية لحظة يمكن أن تتبدل المعادلة وينعكس الأمر على علي بطريقة من الطرق، المسلمون يحسبون أنفاسهم، لم لا يحسم المعركة؟!!.

يتمشى في الميدان ثم يعود إليه ويقضي عليه ويحمل رأسه إلى رسول الله (ص) ويرمي برأسه بين قدمي النبي(ص) فيقول النبي قولته المعروفة: (ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين)، ثم يسأله المسلمون: يا علي لمَ جلست على صدره ثم قمت من مكانك ثم تمشيت في الميدان؟.

قال (ع): لقد تفل في وجهي فغضبت فخفت أن أقتله لغضبي لا لله.

هذا الإخلاص الذي نحتاج إليه لا يعمل عمله لا يقوم ببطولة في سبيل الناس، في سبيل أن يشار إليه بالبنان، يمدحه أحدهم يقرعه بخطبة كاملة. لِم تمدحني لا يريد المديح..

لا أريد التحدث عن زهده وقد جاءت الدنيا إلى أعتاب داره وهو يقول إليكم عني. يا دنيا إليك عني لقد طلقتك ثلاثاً لا حاجة لي إليك.

كان الميزان.. كان المقياس.. لي ولك وللناس وللحضارات.. كان ميزاناً في أمورٍ كثيرة أتحدث عن بعضها في العدالة، ونحن نعرف اليوم نعاني من الظلم، نعاني من ظلم شعوب بأكملها، ونعرف كيف أن هذا الميزان مختلٌّ على مستوى الكرة الأرضية كلها. في العدالة رجل اسمه عبد الله الجحفي التقى به الإمام الحسين (ع) في طريقه إلى كربلاء وقال له كلمة ثقيلة: إن ظهرك مثقل بالآثام ألا تريد أن تتوب منها بنصرتي؟ قال: إن فرسي بألف وسيفي بألف قال: إن لم تنصرنا فلا حاجة لنا بفرسك وسيفك.

لمَ قال له ظهرك مثقل بالآثام؟؛ هذا كان أحد قوّاد الإمام علي (ع) الذين خانوه والتحقوا بعدوّه، واختفى في الشام، ثم سرت شائعة بأنه مات أو قتل. وزوجته كانت في مقتبل العمر تزوجت من رجل اسمه عكرمة شيخ عشيرة، الرجل سمع بأن زوجته قد تزوجت رجلاً آخر فقفل راجعاً إلى الكوفة، حينما دخل الكوفة كان وقت الصلاة والإمام علي في المحراب يصلي. أتمّ الإمام صلاته فجلس عنده فنظر إليه الإمام ملياً وقال (ع): يا عبد الله أبئس الإمام كنت لك؟.

قال: لا تلمني يا أمير المؤمنين، أوَ يمنعني ذلك من عدلك؟.

خنتك لكن هل يمنعني ذلك من عدلك؟.

قال: لا.

قال: زوجتي تزوجت من آخر وجئت إلى زوجتي.

ضابط خائن من الجيش التحق بالعدو عاد في سبيل زوجته ويراه أمير المؤمنين رأس الدولة يعاتبه ثم يطالبه بالعدالة ويعرف وقع كلمة العدل في قلب الإمام علي (ع)، (أو يمنعني ذلك من عدلك قال: لا).

ثم أمر بأن يعرف وضع الزوجة، فتبين أنها حامل فأمر أن توضع في دار لا يلتقي بها أحد من الرجلين إلى أن تضع مولودها، ثم حكم بأن تعود إلى عبد الله الجحفي.

الشيخ رجل كبير في السن ضرير وجده الإمام علي بالكوفة، والكوفة يومها كان فيها أربعة ملايين نسمة، يجد رجل يستعطي الناس، قال (ع): ما هذا؟ - ولم يقل من هذا - قالوا: رجل نصراني.

قال: ويلكم استعملتموه حتى إذا كبر وشاخ تركتموه يتكفف الناس؟.

ثم عيّن له راتباً من بيت مال المسلمين، ما هذا؟!!.

غالباً ما التاريخ يتحدث عن حروب الإمام علي (ع)، لكن تعال وانظر إلى عدالة الإمام علي(ع)، صراعه مع معاوية على ماذا كان؟، على العدل وليس غير العدل؟ لم يكن هناك صراع شخصي بين الرجلين كان الصراع الأساسي على العدل. وليس غير ذلك.. قضى ثلاث وعشرين عاماً في سبيل الرسالة يضرب بالسيف بين يدي رسول الله (ص)، ويقف المواقف المعروفة، ثم خمس وعشرين سنة عاش في الدار في سبيل وحدة الأمة ولكن لا يقضى على الإسلام، وخلال هذه السنوات لم يسند إليه أي منصب إطلاقاً. ثم خمس سنوات عاش في سبيل العدالة الرسالة الوحدة.

كل حياة الإمام علي (ع) كانت تدور في هذه المحاور يقول: (لو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي)، معركته الداخلية مع الشيطان في داخله. قال: (ألا وإن لكل إنسان يعتليه قالوا: ولك شيطان؟ قال: نعم ولكن شيطاني خضع لي أنا كاب الدنيا على وجهها). لم يكن زهده زهد العاجز كان زهد المقتدر كان إمبراطوراً ولا يريد الإمبراطورية، (ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في قرص، أو لا عهد له في شبع). هل رأيتم حاكماً يجوع بسبب احتمال أن يكون هناك رجل جائع؟.

يقول كلمة من الكلمات الغريبة للإمام (والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهداً أو أجرَّ في الأغلال مصفّدا أحب إلي من أن ألقى الله ورسوله وأنا ظالمٌ لبعض العباد، أو طالبٌ لبعض الحطام). أتعرف ما معنى أجرّ على حسك السعدان. هذا الحسك الموجود في الصحراء لو أن أحداً من ثيابه ثم جرّوه لعلّ مليون واحدة منها سوف تجرح جسمه (والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهّدا أو أجر في الأغلال مصفّدا أحب إلي من أن ألقى الله ظالماً لبعض العباد، والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصى الله في نملة أسلبها جلد الشعير ما فعلت)، أن يظلم حياة حيوان وهي عبارة عن نملة.

في كرمه؛ الأرض الحية والأرض الحية وتعرفون أن الأرض الحية تختلف عن الأرض الميتة فالأرض الحية تعطي والأرض الميتة تأخذ. إذا كنت تريد أن تقيس الحضارة الإنسانية على حضارة الحيوان فانظر هل هذه الحضارة تعطي أم تأخذ؟!.

الأرض التي تسقيها بالماء ولا تعطيك ثمراً، تزرع فيها البذور ولا تعطيك أشجاراً هذه أرض ميتة. الأرض الحية هي التي تعطي. العطاء هو الذي يميز الإنسان عن الحيوان، فالحيوان يريد كل شيء لنفسه أما الإنسان فيعطي حتى إذا أخذ، يأخذ قليلاً ويعطي كثيراً، يأتيه رجل وهو يطوف حول الكعبة وهو يقول: يا علي أعطني.

قال (ع): لا أملك شيئاً هنا إئتني في المدينة.

يأتيه في المدينة وعنده بستان يبيع البستان ويعطيه المبلغ كله.

في معركة من المعارك وسيفه ذي الفقار بيده يرفع السيف لكي يضرب به رأس عدوّه يقول: يا علي أعطني سيفك. فيرمي إليه السيف فيصبح مجرداً من السلاح في مقابل عدوه، يعطيه السيف لأنه طلب منه.

لم يجد في بيته شيء فجاء إلى جارٍ له - هذا في المدينة - يهودي قائلاً له: أعطيني بعض القطن تغزلها لك ابنة رسول الله (ص) بمقابل ثمن.

أخذ مقداراً من القطن غزلت فاطمة حصل على بعض الثمن، خرج من بيته فوجد المقداد ابن الأسود: ما الذي أخرجك قال: يا علي لا أجد شيئاً في داري. قال: هاك اشتر ما تريد. ثم ذهب إلى المسجد ونام هناك >ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة<.

يأتي إلى رجل - وهو أمير المؤمنين (ع) - ومعه قنبر الذي كان يخدمه يقول: أريد ثوبين. يقول: عندي حاجتك يا أمير المؤمنين. يقول: السلام عليكم. فيقول: لم يا أمير المؤمنين؟ قال (ع): لأنك عرفتني.

(تعاشروا معاشرة الأخوان وتحاسبوا محاسبة الغرباء) (لا أشتري منك).

ذهب إلى دكان آخر كان هنالك شاب لا يعرف علياً فاشترى منه ثوبين؛ ثوب بدرهمين وآخر بثلاثة دراهم. فأعطى الثوب الذي بثلاثة دراهم لقنبر قال: يا أمير المؤمنين خذ هذا!.

قال (ع): لا؛ أنت شاب ولك شره الشباب.

قال: وأنت أمير المؤمنين وتصعد على المنبر.

قال (ع): إن الله فرض على أئمة الحق أن يتساووا مع الناس.

ثم وجد فقيراً وكان كم الثوب طويلاً فمزّقه وأعطاه قال (ع): اصنع به قلنسوة.

قال له قنبر: أعطيتني إياه حتى أخيطه لك.

قال (ع): إن الأمر أسرع من ذلك.

يرقع ثوبه حتى يستحي من راقعه وراقعه ابنه الحسن سلام الله عليه.

في المساواة في القانون وهذه أيضاً من مسائل الحضارة المادية الحيوانية، فتجد دولة بأكملها خارجة عن القانون أن قتلت فهي مصيبة ليست مخطئة، وإن قوتلت فهي مظلومة، إن ضَربت قالوا أحسنت، وإن ضُربت أدانوا المظلوم على ما يعانيه على أن يرد.

المساواة أمام القانون وقد سمعتم قصة عقيل وقد أملق (ولقد جاءني عقيل وقد أملق) أصبح فقيراً يريد زيادة فيحمي حديدة ويقربه إلى يده فيصرخ: أتحرقني بالنار يا علي.

فيقول الإمام (ع): أتأنُّ من نارٍ أحماها إنسانها للعبه.

انا لا أريد أن أحرقك. فما الذي تريد مني (ولا أئن من نار سجاها جبارها لغضبه، القوي عندي ضعيف حتى  آخذ الحق منه، والضعيف عندي قوي حتى أخذ الحق له).

آخذ من القوي وأعطي للفقير، في يوم من الأيام يخرج في شدة القيظ يجد امرأة تقول: يا أمير المؤمنين إن زوجي طردني من الدار.

فقال (ع): حتى يبرد النهار. الوقت شديد القيظ.

قالت: إذاً يشتد غضبه عليّ.

فأطرق برأيه هنيهة ثم قال: قال رسول الله (ص): (لن تقدس أمة لا يؤخذ فيها حق الضعيف غير متعتع). دليني على بيتك فدلته على بيتها، طرق الباب وخرج الرجل لا يعرف الإمام علي جديدٌ على الكوفة.

قال (ع): هذه زوجتك أخذتها بأمانة الله.

قال: من أنت وما لك والدخول بيننا، إذاً أحرقها بالنار لأنك تدخلت.

فجرّد الإمام علي سيفه وقال: إذاً ضربتك بهذا السيف الذي ما ضربت به أحداً إلا وأدخلته جهنم، ويلك آمرك بالمعروف فتجبهني بالمنكر أنا علي. فانهار الرجل هو أمام أمير المؤمنين وقائد الجيش وهذا البطل الصنديد. قال: إذاً أكون لها أذلَّ من التراب.

فالتفت الإمام إلى الزوجة وقال: ادخلي ولا تجبري زوجك على هذا وأمثاله..

الحضارة اليوم - أخوتي - حضارة بلا قلب، القوة اليوم بلا ضمير، الثقافة اليوم بلا أخلاق فما أحوجنا إلى مثل علي (ع) ، حضارة بلا روح وهي بحاجة إلى علي (ع) لأن روح الحضارة علي. حضارة بلا أخلاق بحاجة إلى هذا الرجل الذي من أجل خُلق بسيط لا نذكره لعلّ سنوات وسنوات، وهو الحياء أن يستحي الإنسان. خسر معركة ومن ثم توالت الهزمات إلى أن قتل.

في معركة صفين يأتي عمرو بن العاص يتبادل الضربة مع الإمام علي (ع) يجد نفسه تحت رحمة ذي الفقار، تحت رحمة النار، فلا يجد حيلة إلا وأن يكشف عن عورته فيكشفها فيكشح الإمام علي (ع) بوجهه عنه ويتركه يركض ويهرب.

يستحي يلتزم بهذا الخلق ويخسر معركة لأنه قال سلام الله عليك: (ألا وإن ميدانكم الأول أنفسكم، فإن قدرتم عليها فأنتم على غيرها أقدر وإن عجزتم عنها فأنتم عن غيرها أعجز).

بسم الله الرحمن الرحيم >هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج< كما الحياة هي من ظلمة ونور، من خير وشر، من ربيع وخريف، من صيف وشتاء، من شباب وهرم، كذلك في داخل الإنسان، ففي داخله انجذاب إلى أحد الأمرين إما شهوات ورغبات وإما عروج إلى الله >إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج وجعلناه سميعاً بصيرا إنا هديناه السبيل< كتاب وجدانك لا يحتاج إلى أن تعرف القراءة والكتابة، ضميرك يقول لك يؤنبك، يحاسبك، >إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا< هدانا السبيل وتركنا؟!!، أبداً؛ هالك أن ربك لبالمرصاد >إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا إنا اعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيراً إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عين يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا فوقاهم الله ذلك اليوم ولقّاهم نظرة وسرورا)..

نرجوا من الله عز وجل أن يهدينا الطريق وأن يأخذ بأيدينا أن نكون مع علي (ع) في ذلك الصف الذي لا يخيب الأمل فيه، أن نكون معه الأمل فيه أن حينما يقول للمؤمنين جوزوا وللكافرين وللمنافقين قفوا فنجوز مع علي على الصراط والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته