كلمة الدكتور شمس الدين علي رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الإسماعيلي السوري

 

جدير بالذكر أن من الكلمات والمساهمات التي لم يتسع وقت المهرجان لتقديمها، هي كلمة الدكتور شمس الدين علي رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الإسماعيلي في سوريا، وهذا نصّها:

اجتمعت للإمام علي (ع) صفاتٌ الكمال، ومحمود الشمائل والخلال وسناء الحسب وباذخ الشرف مع الفطرة النقية والنفس الرضية، ولقد اختص بقرابته القريبة من الرسول محمد (ص) فكان ابن عمه وزوج ابنته الزهراء، وأحب عترته إليه، وأقرب الناس إلى فصاحته وبلاغته، كما أنه كان كاتب وحيه وأحفظهم لقوله وجوامع كلمه، وثقف ما نزل به الروح الأمين حتى قال فيه نبي الرحمة: (أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة أو العلم فليأت الباب).

وهكذا فقد كان الإمام علي (ع) أفقه أصحاب النبي الكريم وأقضاهم وأدقهم في الإفتاء وأقربهم إلى الصواب فيه، حتى قال فيه عمر بن الخطاب: (لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن) .

لقد اهتم مولانا الإمام علي (ع) بالتفقه في الدين، وبالغوص في الحقائق الدينية الروحية حتى قال: (سلوني قبل أن تفقدوني فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض) ، ولكنه في الوقت ذاته شجع العلوم الدنيوية التي تحقق التقدم والحضارة للإنسان في كل مجال فقال: (الفقه للأديان، والطب للأبدان، والنحو للسان، والنجوم - أي الفلك - للأزمان).

لقد اعتبر مولانا الإمام علي (ع) أن العلم هو الذي يبني الحضارة الإنسانية وبه يستطيع الناس أن يبنوا حاضرهم ومستقبلهم لذلك فقد ركز على أهمية العلم القائم على التفكير العقلي الواعي، إذ قال لكميل بن زياد: (إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها، يا كميل: العلم خير من المال، والعلم يحرسك وأنت تحرس المال. يا كميل: العلم دين يدان به ويكسب الإنسان الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته. يا كميل هلك خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر) .

ولقد ركّز مولانا الإمام علي (ع) على أهمية قرن العلم بالعمل، فنحقق بذلك القيم الحضارية للإنسان في المجالات الروحية والاجتماعية والأخلاقية، ولقد قال في هذا المعنى: (علم بلا عمل كشجرة بلا ثمر) .

لقد رأى مولانا علي أمير المؤمنين أن التمسك بالدين يجب أن يحقق آثاره العملية في المجتمع أخلاقياً وتطوراً في كل المجالات المادية والروحية، فعرّف الإسلام وقال: (لأنسُبن الإسلام نسبة لم ينسبها أحد من قبلي: الإسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل الصالح) .

وكذلك فقد أراد الإمام علي (ع) أن يترك الدين أثره في الحياة عدالة اجتماعية بصرف النظر عن الانتماء العرقي أو المذهبي أو الديني وهذا ما نلمسه واضحاً جلياً في كتابه الذي وجَّهه إلى واليه على مصر مالك بن الحارث الأشتر حيث قال له موجّهاً: (وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل ويؤتى على أيديهم العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، ثم قال (ع) ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء فإن في ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان وتدريباً لأهل الإساءة على الإساءة، وألزم كلا منهم ما ألزم نفسه) .

إن العمل الصالح الذي نحقق به روح الإسلام كما يراه مولانا علي أمير المؤمنين إنما هو أخلاقيات العقيدة الإسلامية المقدسة وقد عددها فقال: (مكارم الأخلاق عشر خصال وهي: السخاء والحياء والصدق وأداء الأمانة والتواضع والغيرة والشجاعة والحكمة والصبر والشكر) .

إن فكر الإمام علي (ع) يؤكد حيوية الإسلام المستمرة وتطوره مع الزمن حيث بناء الحضارة الإنسانية في مختلف مجالات الحياة، ولقد أكد سمو الأمير الآغاخان إمام المسلمين الإسماعيليين في العالم هذه الحقيقة عندما قال: (إن أحد المبادئ الأساسية التي قدمها الإمام علي (ع) كانت أن الإسلام ليس مجرد عقيدة صماء، إنها عقيدة العقل، إنها عقيدة البحث الذاتي، إنها عقيدة التزام تجاه الآخرين في المجتمع، وفي هذا البحث العقلي لم يفصل الإمام علي (ع) بين العقل والإيمان وإنما اعتبر أن العقل وجه آخر للإيمان.. والمبدأ الثاني الذي أكده الإمام (ع)، باعتباره جزءاً من تفسير الإسلام عالمياً، هو مبدأ السماحة واللطف والتسامح والعناية بالمحتاجين..) .

وعلى أساس هذه المبادئ الروحية والعقلية والأخلاقية السامية بنيت الحضارة الإسلامية بوجهها الإنساني الراقي، ولا تزال هذه المبادئ تمثل الأساس المتين لبناء الحضارة الإنسانية في مختلف مجالات الحياة حاضراً ومستقبلاً.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.