الكتاب:
الحرب الأهلية والسلطات الأجنبية
الناشر: مطبوعات
جامعة ميتشيغان 2002
الصفحات: 172
صفحة من القطع الكبير
مؤلف هذا الكتاب، باتريك م. ريغان، هو استاذ
العلوم السياسية في جامعة بينغامتون بالولايات المتحدة الاميركية،
والكتاب يتحدث عن التدخلات الاجنبية في الحروب الأهلية التي قد تجري
داخل هذه الدولة او تلك. واحيانا تنجح هذه التدخلات واحيانا تفشل،
وهناك امثلة عديدة في التاريخ القريب والبعيد على هذه التدخلات.
يقول المؤلف منذ البداية ما معناه: عندما كانت
حرب البوسنة مشتعلة طرح علي احدهم هذا السؤال: ما الذي يمكن ان نفعله
لكي ننهي الحرب الاهلية الدائرة هناك؟ في الواقع ان العلوم
الاجتماعية تبدو حائرة احيانا، امام هذا النوع من الصراعات. ولكن
ينبغي علينا ان نحاول فهم النقاط التالية: كيف تنتهي الحروب الأهلية؟
ما هو الدور الذي تلعبه القوى الخارجية في انهائها؟ بالطبع فان
الاجابة عن السؤال الثاني تعني الاجابة عن السؤال الاول. وهذا ما
نحاوله في هذا الكتاب، لنضرب بعض الامثلة على تدخل القوى الخارجية.
كانت نيجيريا قد تدخلت في الحرب الأهلية الدائرة في سيراليون، وكانت
بعض البلدان الاوروبية والاميركية قد تدخلت في الصراع الدائر في
زائير والذي أدى الى طرد موبوتو من الحكم.
وهناك امثلة اخرى على التدخلات الخارجية.
فالولايات المتحدة كانت قد تدخلت في الصومال، وهاييتي، وبنما اثناء
السنوات الماضية وقد فشل تدخلها في الصومال ولكنه نجح في هاييتي
وبنما. ثم تدخلت دول حلف الاطلسي في الحرب الوحشية الدائرة في
البوسنة ونجحت اخيرا بعد ان وضعت اميركا كل ثقلها في الميزان،
فأوروبا لوحدها بدت عاجزة عن ايقاف الصراع الدائر في جنباتها، كان
يلزم ان تتدخل قوة عظمى مرهوبة بالجانب لكي تنتهي الحرب الاهلية.
ثم يضيف المؤلف: وبعدئذ تدخل حلف الاطلسي مرة
اخرى في «كوسوفو» واستطاع ايقاف الديكتاتور ميلازوفيتش عند حده، بل
واسقاطه في نهاية المطاف، وتم تحرير اقليم كوسوفو من هيمنته.
ولكن بالمقابل لم يتدخل احد في الحرب الاهلية
الدائرة في روندا والتي ارتكبت فيها مجازر مرعبة بين القبائل
المتصارعة. وحدها فرنسا حزمت امرها وتدخلت ولكن بعد فوات الاوان
تقريبا وبعد ان كانت الضحايا قد اصبحت بمئات الالاف.. اما الصراع
الداخلي الدائر في الجزائر منذ اكثر من عشر سنوات فقد رفضت القوى
الخارجية ان تتدخل فيه. وكانت نتيجته سقوط ما لا يقل عن «150.000»
قتيل.. ولا يزال النزيف مستمرا.
ان الاحصاءات التي اجريت كشفت عن نسبة منخفضة
نسبيا في نجاح التدخلات الخارجية. فلكي ينجح التدخل ينبغي ان تعرف
القوى الخارجية المتدخلة كيف تستخدم، على التناوب، العصا والجزرة.
فاحيانا تنجح العصا مع القوى المتصارعة وتؤدي الى ردعها وايقافها عن
الصراع. واحيانا ينبغي استخدام الجزرة وتقديم المساعدات السخية لقوى
منكوبة افقرتها الحرب الاهلية ودمرتها.
ولكن ينبغي على القوى الخارجية ان تعرف كيف
تستخدم العصا والجزرة مع قوى المعارضة والسلطة في آن معا. وهي القوى
الداخلة مع بعضها البعض في صراع مدمر لا يرحم.
نلاحظ ان المؤلف قسم كتابه الى خمسة فصول
بالاضافة الى المقدمة والخاتمة الفصل الاول يحمل العنوان التالي:
التدخلات الاحادية الجانب وحل الصراعات الداخلية او الحروب الاهلية.
واما الفصل الثاني فيتخذ العنوان التالي:
حقائق وصفية عن الصراعات والتدخلات. ويتخذ الفصل الثالث العنوان
التالي: اتخاذ قرار التدخل في صراع ما. واما الفصل الرابع فيتحدث عن
شروط نجاح التدخلات الخارجية. ويتعرض الفصل الخامس والاخير لمسألة
التدخلات الخارجية التي تقوم بها عدة دول لا دولة واحدة.
يقول المؤلف في بداية الفصل الاول: في عام
1967 ارسلت الولايات المتحدة قوات عسكرية محمولة بالطائرات الى زائير
لكي تساعد القوات الزائيرية على مواجهة قوات المتمردين. وعندما نطلع
على الوثائق السرية لتلك الفترة نلاحظ ان الحكومة الاميركية لم تكن
متأكدة من صحة القرار الذي اتخذته بالتدخل في زائير. ولم تكن لديها
استراتيجية واضحة عما ينبغي فعله بعد التدخل واما التدخل في فيتنام
فإنه ايضا مدعاة للتساؤل والقلق، فصناع القرار ما كانوا متأكدين من
نجاح العملية، كانوا يعتقدون ان نسبة النجاح تتراوح بين 25% و75% اما
بواعث التدخل فهي عديدة ومتنوعة.
ثم يردف المؤلف قائلاَ: عندما انخرطت في بحوثي
الاولى حول الموضوع كانت القيادات العليا في الولايات المتحدة تتناقش
حول مسألة التدخل في البوسنة او عدم التدخل.
ومعلوم ان بريطانيا وفرنسا كانتا قد تدخلتا
تحت راية الامم المتحدة.. ولكنهما لم تنجحا في ايقاف الصراع، وكذلك
الامر فيما يخص العقوبات الاقتصادية المفروضة على الصرب والبوسنيين
فهي ايضا فشلت في ردع الفريقين المتصارعين عن مواصلة حمام الدم، ولكن
لماذا نقول فريقين فقط، في الواقع انه كانت هناك ثلاثة فرق متصارعة
هي: الصرب الارثوذكس والكرواتيون الكاثوليك ثم المسلمون وكل فئة تكره
الفئتين الاخريين، فعلى الرغم من ان الكاثوليك والارثوذكس ينتمون
جميعهم الى المسيحية إلا انهم يكرهون بعضهم البعض لاسباب مذهبية.
في ذلك الوقت تلكأ الكونغرس في الموافقة على
قرار التدخل لان مسرح العمليات بعيد عن اميركا، ولان المشكلة تخص
اوروبا بالدرجة الاولى، ثم ان الشعب الاميركي غير مستعد لان يفقد
ابناءه في معارك لا تخصه مباشرة.
ولذلك قاوم الكونغرس ضغوط الحكومة الهادفة الى
اقناعه بمشروعية التدخل في البوسنة.
وتساءل اصحاب القرار في واشنطن: هل نستخدم
العصا الغليظة للضغط على الاطراف الثلاثة؟ ام نستخدم الجزرة؟ ام
العصا والجزرة في آن معاً.
مهما يكن من امر فإن اميركا وافقت مع دول اخرى
على ارسال عشرين الف جندي الى تلك المنطقة، وفي ذات الوقت ارسلت
الجماعة الدولية مئات ملايين الدولارات لمساعدة المناطق المنكوبة على
تضميد جراحاتها.
وكانت النتيجة ان التدخل نجح في تنفيذ غاياته
وانهاء ذلك الصراع المدمر، وهذا مثال كبير على نجاح الجماعة الدولية
في وضع حد للحروب الاهلية الخطيرة.
هناك تدخل آخر يمكن ان نذكره هو التدخل
الاميركي في العراق بالطبع فإن التحالف الدولي الذي شكلته واشنطن نجح
تماماً في تحرير الكويت، وهذا ايضا يشكل مثالاً آخر على التدخل
الخارجي الناجح في الصراعات المحلية، ولكن اميركا تجاوزت ذلك الى حد
فرض حظر جوي على منطقتي الشمال والجنوب في العراق، وهذا ما اتاح
للاكراد ان يجمعوا قواتهم وينظموا امورهم ويقيموا حكماَ ذاتيا في
مناطقهم، وبالتالي فإن التدخل الخارجي قد يكون فعالاً احياناً ويؤدي
الى نتائج ملموسة ولكنه قد يفشل ايضا كما حصل في جنوب العراق.
ويعتمد المؤلف في دراسته للصراعات الداخلية او
الحروب الاهلية على عدة مراجع نذكر من بينها:«الرد الدولي على الصراع
والمجزرة. دروس مستخلصة من التجربة الرواندية» 1996، وقد الفه
الباحثان : هاوراد ادلمان وسوحورك استريه، كما ونذكر كتاب الباحث
باتريك بروغان: الصراعات الدولية لماذا تحصل واين تحصل؟ 1989.
وهناك ايضا مرجع بعنوان اقليات في حالة خطر
نظرة عامة عن الصراعات العرقية ـ السياسية 1993، ومرجع آخر بعنوان
حالة اللاجئين في العالم كيف يمكن حمايتهم؟ 1993، هذا بالاضافة الى
مراجع اخرى عديدة عن الحروب الاهلية في لبنان، وتشاد، وزائير،
وافغانستان، وسوى ذلك وفي الختام يقول المؤلف ما معناه: ان هذا
الكتاب يدرس الشروط التي ينبغي توافرها لكي ينجح التدخل الخارجي في
مكان ما ويطفيء نار الحرب الاهلية، فالمعلوم انه بعد نهاية الحرب
الباردة، فإن الحروب الاهلية اندلعت في كل مكان وازداد عددها على عكس
ما كان متوقعاً، كان الناس يعتقدون ان الحروب سوف تنتهي من العالم
بمجرد انتهاء الحرب الباردة بين القوتين العظميين ولكن الذي حصل هو
العكس تماماً..
ثم يردف المؤلف قائلاً: يبدو ان الصراعات
المحلية كانت ملجومة او مكبوتة ما دام خطر الصراع النووي بين القوتين
العظميين قائما، ولكن ما ان زال هذا الخطر حتى اندلعت هذه الصراعات
في اماكن شتى من العالم يحصل ذلك كما لو انها تحررت او حررت من
عقالها..
ونتج عن ذلك ان صناع القرار في الدول الكبرى
ما عادوا يهتمون بالمخاطر الآتية من جهة عدو استراتيجي او ايديولوجي
كبير لانها ما عادت موجودة بكل بساطة. فالصراع بين الشيوعية
والرأسمالية انتهى بسقوط الاتحاد السوفييتي واستسلامه امام اميركا
والغرب على اثر نهاية حرب باردة، استمرت حوالي النصف قرن. ولكن الخطر
الذي اصبحوا يركزون عليه والذي اصبح يهدد استقرار العالم هو اندلاع
الصراعات الاقليمية في البوسنة، او الشرق الاوسط، او ما عدا ذلك. لقد
كثرت الحروب الموضعية بعد انحسار شبح الحرب الذرية الشاملة.
(بيان
الكتب)
|