قم/ النبأ: في سياق المحاضرات الأسبوعية التي
تعقد في بيت الإمام الشيرازي الراحل – قدس سره – ألقى سماحة آية الله
السيد محمد رضا الشيرازي محاضرة تناول فيها موضوع الشباب وكيفية
التعامل معهم، وفيما يلي نسوق مقتطفات منها:
في بداية المحاضرة، قال سماحته: من المسائل
المهمة جداً التي يجب أن نضعها نصب أعيننا، مسألة الشباب.. فهؤلاء
العلماء والحكماء والخطباء ومراجع التقليد والمؤلفين والمحققين،
كانوا في يوم من الأيام أطفالاً، ونموا تدريجياً حتى بلغوا تلك
المراتب والدرجات.
جميع الأطفال سيكبرون أيضاً ويتصدون لمسؤوليات
مختلفة؛ وكل ما نرى من أشجار في عالمنا لم تكن في يوم ما سوى بذرة،
فنمت ونضجت حتى صارت إلى وضعها الحالي.
وتابع سماحة السيد يقول: هناك من ينظر باحتقار
إلى الطفل الذي من الممكن أن يصبح مستقبلاً قائداً أو مرجعاً من
مراجع التقليد. نظرة الاحتقار هذه يجب أن نبعدها عن أذهاننا تماماً،
ذلك لأن مصير البلاد والعباد، لا بد سيقع يوماً ما في أيدي هؤلاء
الأطفال عندما يكبرون.
فما هو الشيء الذي يقع في صلب عملنا ووظيفتنا؟
نعرض له بشكل مختصر:
1- إقامة برامج وأنشطة ثقافية مقبولة؛ فعلى
سبيل المثال، حين نريد من المرأة أن ترتدي الحجاب، هنالك ثلاث طرق
متصورة في هذه الحالة، أحدها الجبر، وأهل الحكمة يقولون بأن الجبر لا
دوام له، وهو ذو أثر محدود جداً؛ إذ بمجرد زوال عامل الجبر تعود
المرأة إلى حالتها الأولى؛ فإذا أجبرت المرأة على ارتداء الحجاب في
موضع معين، فإنها سرعان ما تطرحه جانباً في موضع آخر، إذا ما أتيح
لها المجال لذلك.
الجبر لا دوام له
وأثره محدود جداً؛ إذ بمجرد زوال عامل الجبر تعود الحالة الأولى... |
وأردف سماحة آية الله محمد رضا الشيرازي
يقول: لا يوجد طريق يمكن أن يؤدي إلى المطلوب، سوى طريق الإقناع،
يعني إقناع المرأة بأهمية الحجاب، وهذا لا يتأتى إلا عبر برامج
وأنشطة ثقافية مقبولة. وكل ما تم تأليفه من كتب في هذا الشأن،
يسيرٌ جداً، ولا يفي بالغرض، على حين نشهد في المقابل تعاظم
واتساع الهجمة الثقافية الأجنبية. |
يقول أحد الأخوة المؤمنين الذين يقيمون في
الغرب: كنت حاضراً في بعض المجامع، حيث عقد اجتماع ضم مجموعة من
المثقفين المسلمين والمسيحيين رجالاً ونساءً، وقد تطرقت أثناء حديثي
إلى موضوع الحجاب. وكان من جملة الحاضرين امرأة مسيحية إيطالية، وقد
أعلموني بأن تلك المرأة صارت ترتدي الحجاب فيما بعد، لأنها حصلت
لديها قناعة بهذا الأمر.
إذن، ليس جميع الناس معاندين للحق، بل ربما لم
يعرض عليهم الحق ليعرفوه؛ فيتعين علينا أن نبذل ما بوسعنا، من أجل
نشر الثقافة الدينية في أوساط الناس... إن الشباب والشابات يحتاجون
إلى الزواج، لكن الكثير منهم لا يجدون الإمكانية المادية للزواج،
ونحن – للأسف – نتبع فقط الطرق السلبية، على هذا الصعيد، وننهى عن
مقارفة الإثم وحسب، وهذا أمر جيد، غير أنه يحتاج إلى مكمل.
الناس ينظرون عادةً إلى
الأعمال قبل الأقوال، فيجب أن نقدم من خلال أعمالنا وكلامنا نماذج
عملية صحيحة ليأخذ بها المجتمع... |
2- هناك مسألة أخرى ومهمة جداً تتعلق بالطرق
العملية في التعامل مع الشباب؛ إن الناس ينظرون عادةً إلى الأعمال
قبل الأقوال. يقول أحدهم: ذهبت إلى العراق فصادفت أشياءً عند بعض
المتدينين، جعلتني أشك في ديني وفي أمر آخرتي، وراحت تحدثني نفسي أنه
لو كان هناك وجود للآخرة حقاً، فلماذا تصدر مثل هذه الأشياء عن بعض
المتدينين؟!. |
يضيف هذا الشخص: وظللت أتصارع مع نفسي، حتى
التقيت ثلاثة من السادة العلماء، وزالت الشبهة عني على أثر لقائي
بهم.
يُنقل أن رجلاً فقير الحال، جاء عند المرحوم
الحاج حسين القمي – رحمة الله عليه – وكانت لديه حاجة مهمة يريد
قضاءها، فقال له: إما أن تقضي حاجتي، أو تقتلني(!!)، فقال له المرحوم
القمي: أنا لا أستطيع أن أقتلك، وهنا خطرت شبهة على ذهن القمي، وهي
ألا يكون قد كذب في كلامه هذا، فنادى بالرجل وقال له مستدركاً:
أستطيع قتلك، إلا أنني أكره ذلك.
وهكذا كان المرحوم القمي دقيقاً إلى أبعد
حدًّ، بحيث كان يتجنب حتى مجرد شبهة من كذب أن ترد على كلامه. والذين
أدركوا أمثال هذا العالم، تأثروا بشدة بحيث أضحوا أناساً متدينيين
وصالحين.. هذا هو التعامل الاجتماعي الباعث على الهداية والصلاح
والإيمان؛ إذ إن الناس ينظرون إلى تلك الأعمال والسلوكيات ويأخذونها
في الاعتبار.
إلى ذلك، قال سماحة آية الله السيد محمد رضا
الشيرازي: يجب علينا أن نقدم من خلال كلماتنا وحركتنا وسلوكنا نماذج
عملية صحيحة ليأخذ بها المجتمع؛ ذلك لأن الشباب سيستلمون يوماً ما
زمام المجتمع، فإذا كانوا صالحين، قادوا المجتمع نحو الصلاح أما إذا
كانوا فاسدين، فسيجرون المجتمع إلى الفساد.
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
|