الأمة الواحدة

الكتاب: الأمة الواحدة

المؤلف: السيد محمد الحسيني الشيرازي

الناشر: هيئة محمد الأمين (ص)-الكويت

الطبعة: ط1، 2002م.

الصفحات: 48ص، قطع وسط

عرض: بشير البحراني (عضو تحرير موقع قطيفيات)

بين أيدينا واحد من الكتب التي يتبلور فيها مرتكز من أهم المرتكزات الفكرية للإمام المجاهد آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره الشريف)؛ وهي مسألة (الوحدة الإسلامية) أو (الأمة الإسلامية الواحدة).

في البداية يقف الإمام المؤلف عند معنى (الأمة الواحدة)، حيث ورد هذا المصطلح في القرآن الكريم في قوله تعالى: {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}، وفي قوله عز وجل: {وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون}. فيذكر سماحته بأن المفسرين اختلفوا في معنى (الأمة الواحدة)، ولكنه يظهر من سياق الآية بأنها تدل على وحدة العقيدة والأمة ورسالة الأنبياء، ويستفاد من الآية أيضاً أن الخطاب موجه إلى العباد كافة بأن يكونوا أمة واحدة تجتمع على دين وكلمة واحدة، ولذلك ينبثق السؤال: أين هذا الاجتماع؟ وأين هذه الوحدة التي يتحدث عنها القرآن الحكيم؟

ويجيب سماحة الإمام المؤلف بأن «الواقع الحالي يكشف لنا وبكل وضوح أن الوحدة التي أشار لها القرآن الكريم غير موجودة بين أبناء الأمة الإسلامية، أو بين البشر أجمع، نعم كانت في عهد الرسول الأعظم (ص) واليوم حلَّ العكس منها» [ص11].

فالعالم الإسلامي يعيش حالة من التفرقة والتشتت مما أدى إلى ذله واستعباده وتجزئة أراضيه من قبل المستعمرين والطامعين، بحيث تحول إلى دويلات وإمارت متبعثرة هنا وهناك.

والإمام المؤلف لا يضع كل اللوم على أعداء الإسلام فحسب، بل يقول: «نحن لا نضع اللوم كله على أعداء الإسلام من الغرب والشرق، بل يجب أن نضع بعضه على أنفسنا نحن فنوبخها؛ لأننا بأنفسنا وبأيدينا عبّدنا الطريق للمستعمرين لغزو بلادنا الإسلامية بتركنا العمل بأوامر الله تعالى، فسلبوا واغتصبوا ما تزخر به بلادنا من ثروات، بل إنهم تمكنوا أن يجردوا الإنسان المسلم من شخصيته الإسلامية، وقد تم لهم ذلك عن طريق محو الشخصية الإسلامية، وطمس وتشويه الثقافة والأفكار الإسلامية الصحيحة، ودسوا بدلاً عنها أحكاماً وقوانين وضعية مزيفة، خدمة لمصالحهم ومطامعهم التي كانوا يصبون إلى تحقيقها» [ص12].

فكل ما يجري لنا من حالة تشتت وتفرقة كانت لنا مساهمة في صنعه حتى ولو كان ذا بصمة ونسج غربي، فالمسلمين هم من فسح المجال للترويجات الغربية والأحكام المزيفة بالدخول إلى عقر ديارهم، وزاد الطين بلة أنهم لم يتصدوا لها إلا باستثناء القليل من العلماء الذين يعدون على عدد الأصابع، ولذلك يقول الإمام المؤلف: «من الواضح أن اليد الواحدة لا تصفق، ولذا لم يتمكنوا من منعها كلها، بل منعوا جزءاً يسيراً منها، أما الباقي فقد تسرب إلى شعوب البلاد الإسلامية، واختلط بنفوس المسلمين، بحيث أخذ الناس يستمرئون أفكارهم ويتلبسون بها بدون شعور» [ص12].

نعم، أعرض المسلمين عن ذكر الله سبحانه وتعالى وعن اتباع أوامره واجتناب نواهيه، ولذلك حقَّ عليهم أن يعيشوا حالة الفرقة والعيش الضيق الضنك من الناحية المادية والروحية، يقول جل جلاله: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً}.. هكذا يفلسف الإمام المؤلف ما يحياه المسلمون اليوم من ضيق المعيشة وضنكها، وذلك بالاستناد إلى الآيات القرآنية الكريمة.

ويقرر سماحة الإمام المؤلف أن رفع حالة الضنك والضيق في المعيشة مرهون بـ«الرجوع إلى الله، والعمل بما يكون فيه مرضاته، وتطبيق أحكامه. وبالإضافة إلى ذلك جعل سيرة المعصومين (ع) المبدأ الأساس في العمل، والاقتداء بهم في كل حركة وسكون» [ص15].

*نقاط الضعف في الأمة الإسلامية:

يعدد الإمام المؤلف بعض نقاط الضعف التي أوجدها المسلمون بأنفسهم فسهلت للعدو مهمة التغلغل والوصول إلى استعمارنا وتحقيق أهدافه ومطامعه بدون أي مشقة. ومن أهم وأبرز هذه النقاط ما يأتي:

1- التخلف العلمي والجهل المتفشي في كافة مجالات الحياة وبشكل واسع. هذا على الرغم من أن الإسلام يحث بقوة على طلب العلم ويجعله في مقام الفريضة على كل مسلم ومسلمة.

2- عدم وجود التنظيم الذي هو بمثابة العمود الفقري لتوحيد ولملمة الطاقات والصفوف.

3- انعدام الوحدة والأخوة الإسلامية التي تحدث عنها القرآن الكريم.

*سبل الخلاص وتشكيل الأمة الواحدة:

أول الأمور المهمة التي يطرحها الإمام المؤلف في سبيل الخلاص وتبديل حالة التفرقة إلى حالة الوحدة والأخوة؛ هو تأسيس منظمة أو مؤسسة أو هيئة قوية تأخذ على عاتقها تحقيق هذه المهمة، على أن تكون في بلد تسوده الحرية، وذلك من أجل أن يتمكن أعضاؤها من القيام بدورهم دون فرض أو ضغوط، وعلى هؤلاء الأعضاء أن يعملوا على تحقيق بعض الأهداف الرئيسة، وأولها تنظيم المسلمين وتوحيد طاقاتهم، وثانيها نشر الوعي الأصيل المنبثق من القرآن الكريم وسيرة أهل البيت (ع) كبديل عن باقي الثقافات الأخرى. ويطرح الإمام المؤلف فكرة التأليف وإصدار الكتب في مجال وحدة الأمة الإسلامية كخطوة عملية من الخطوات التي يمكن اتخاذها لتحقيق مآرب وأهداف هذه المنظمة (المؤسسة/الهيئة).

ولا يغيب عن الإمام المؤلف التأكيد على ضرورة أن يلتزم الأعضاء بالأخلاق الكريمة، والصفات الحميدة، وبالوعي، والإخلاص، والتفاني، لأنه بذلك سيستطيعون تبديل الأمور السلبية إلى مضاداتها الإيجابية؛ فتتبدل حالة حب الذات والامتيازات الشخصية إلى مبدأ الشعور بالمسؤولية ورعاية حقوق الآخرين، وتتبدل حالة التفرقة إلى حالة الاجتماع والوحدة.

*مسؤولية المسلمين:

يشبه الإمام المؤلف حال بعض المسلمين بحال العبيد الأميركان حينما طالب (ابراهام لينكولن) بتحريرهم ومساواتهم بأخوتهم البيض، فما كان منهم إلا ثاروا رافضين التحرير وطالبين البقاء على العبودية، وذلك لأنهم لم يذوقوا طعم الحرية ولو لمرة واحدة.. وهكذا حال بعض المسلمين الذين لا يقبلون بفكرة الأمة الإسلامية الواحدة، أو يتصورونها فكرة مثالية، وذلك بسبب رسوخ فكرة وحالة التفرقة والتشتت بينهم.

يقول الإمام المؤلف عن ذلك: «مثل هذا الأمر تراه يجري الآن عند بعض المسلمين، إذ أنهم يرغبون بالتفرقة والتشتت بدلاً من الوحدة والأخوة، وذلك تلبية لنداء الشهوة والشيطان والعصيان، ومثل هذه الأمور تصب في صالح الاستعمار الذي يدعو إليها، ويعمل ليله ونهاره على خلق مثل هذه الأجواء المضطربة التي من خلالها يسعى إلى تحقيق غاياته وأهدافه العنصرية» [ص25-26].

ولذلك لا بد من تحمل المسلمين لمسؤولياتهم بإخلاص، ويجب محاولة التصدي للمخططات الاستعمارية الهادفة إلى تشتيتنا والاستيلاء على خيرات بلادنا، ولن يتم ذلك دون أن نبدأ بالعمل على تغيير ما بأنفسنا تغييراً جذرياً، وذلك بالرجوع إلى القرآن الكريم وسيرة أهل البيت الطاهرين (ع)، كما يجب العمل على تنمية عقول أبنائنا حتى يتمكنوا من موجهة الأهواء والانحرافات، وأن نطلب العلم لأنه من يحفظ الإنسان من المهلكات، وأن نعمل بجهد على تربية أسرية سليمة.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا