العلامة السيد جعفر الشيرازي يستعرض الآثار الإيجابية لمبدأ الاتقان في الأعمال على الصعيد الاجتماعي |
|||
قم/ النبأ: ضمن سياق المحاضرات الأسبوعية التي تقام في بيت الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره الشريف) بمدينة قم المقدسة، ألقى سماحة العلامة السيد جعفر الشيرازي محاضرة مهمة دارت حول موضوع الاتقان في حياة الإنسان، فيما يلي جانب منها: بداءةً قال سماحة السيد: من المسائل المهمة جداً في حياة الإنسان، مسألة الاتقان. والاتقان في الأمور يعني أداء عمل ما بإحكام وبدون خلل، فالله عز وجل خلق هذه الدنيا، وهذه العوالم، وفق أحكام وقوانين هي غاية في الدقة ونهاية في الاتقان. سئل الخواجة نصير الدين الطوسي ـ وهو أحد العلماء الكبار في الإسلام ـ السؤال التالي: ـ أفرض ـ وفرض المحال ليس بمحال ـ أنك كنت في مكان الخالق سبحانه وتعالى، فكيف ستخلق هذا الكون؟! هل ستدخل أية تعديلات وتغييرات على الأحكام والقوانين الجارية في الكون؟! فأجاب قائلاً: لو كنت في مكان الخالق سبحانه، لما غيرت شيئاً قيد شعرة، لأن جميع الأشياء الموجودة في الكون، ابتداءً من أدق الأشياء وانتهاءً بأكبرها وهي المجرات التي تضم المليارات من النجوم والكواكب السيارة، قد خلقها الباري تعالى على النحو الأتم والأكمل، وسائر هذه الأشياء يقوم على أساس الحكمة، ولذا فإن أي تغيير مخالفٌ للحكمة. قال سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم: (وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمر مرّ السحاب، صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون) النمل/ 88، كما أن العلم الحديث قد أثبت أن للكرة الأرضية عدداً من الحركات، ومنها حركة الأرض حول نفسها، والتي منها ينشأ الليل والنهار.
وأردف سماحة العلامة السيد جعفر الشيرازي يقول: إن جميع صنع الله عز وجل يقوم على أساس الاتقان، هذا بالنسبة إلى عالم التكوين، ووظيفة العلم تتمثل في اكتشاف القوانين الإلهية، وأن يكيف نفسه وفق هذه القوانين. تلك الطاقة التي يتولد عنها الكهرباء، في أول أمرها كانت كامنة في الماء، فإذا تحرك الماء فهذه الحركة عبارة عن طاقة بحد ذاتها، هذه الظاهرة تجري وفق قانون معين، وهذا القانون لم ينحصر اكتشافه في شخص بعينه، وإنما توجد هناك رواية تقول إن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قد أشرف على نهر أو مجرى مائي، فقال (لو شئتُ لاستخرجتُ من هذا الماء نوراً) وهو ما لم يفهمه الناس في وقته، ولكن فيما بعد توصلت البشرية إلى فهم مغزى كلام الإمام (ع) هذا. إن سائر القوانين التي وضعها الله سبحانه تتلاءم وتنسجم مع الفطرة الإنسانية، ولا يوجد بينها ما يخالف هذه الفطرة؛ ولذا فإن الضربات التي تتوالى على المسلمين، من جملة أسبابها أننا لا نؤدي أعمالنا وفق قاعدة الاتقان. ومضى سماحة السيد العلامة إلى القول:قبل بضعة سنوات كانت هنالك في بحر الشمال منصة لاستخراج النفط، كلف إنشاؤها عدة مليارات من الدولارات، وذات يوم انهارت تلك المنصة بصورة مفاجئة، فراح الخبراء يحققون في سبب انهيار المنصة، وبعد فترة توصلوا إلى هذه النتيجة وهي أنه كان مقرراً وقت بناء المنصة إجراء عملية لحام لبضعة سنتيمترات في هيكلها، ولكنهم تجاهلوا الأمر، وهكذا فبمرور الوقت صار الصدع في هيكل المنصة يزداد شيئاً فشيئاً حتى انهارت المنصة التي كلفت المليارات من الدولارات بكاملها.
وهناك قصة معروفة في التاريخ، وهي أنه حين دفن سعد بن معاذ أمر رسول الله (ص) بجمع لبنات، لتغطى بها ثغرة نافذة في القبر، فقال الأصحاب إنه الآن ميت فلا جدوى من سدّ الثغرة، عند ذاك قال رسول الله (ص): (إنّ الله يحبّ من العبد إذا عمل عملاً أتقنه). وأضاف سماحة السيد: إذن يجب أن يكون أساس العمل الاتقان، فإذا ما تساهل الإنسان في الأمور الصغيرة، فإن هذا التساهل لا يلبث أن ينجر إلى الأمور الكبيرة، لذا ورد في الروايات ما معناه أنّ من الكبائر أن يقترف الإنسان الذنوب الصغيرة ولا يراها شيئاً، وهناك مثل معروف يقول إن سارق البيض يصير سارق إبل. إن التساهل في إنجاز الأعمال المتعلقة بالناس، يعدّ خيانة، وهو من المحرمات. من المسائل الفقهية أن الطبيب إذا وصف الدواء الخطأ لمريضه، صار ضامناً، وهكذا فإن الإنسان إذا لم يكن دقيقاً في إنجاز الأعمال المرتبطة بالناس، فإن فعله هذا حرامٌ أولاً، لأنه ارتكب خيانة بحقهم، وثانياً أن الأجور التي يتقاضاها على هذا العمل حرام أيضاً، وثالثاً، يتعين عليه التعويض عن الأضرار التي يمكن أن تترتب على عمله. وفي ختام محاضرته، قال سماحة العلامة السيد جعفر الشيرازي: إن الحكمة من وراء تحديد أوقات الصلاة، هي تربية الإنسان المسلم على توخي الدقة والاتقان في التعامل مع المجتمع، وهو الأمر الذي طالما دعانا وحرضنا عليه الدين الحنيف، فعلى الإنسان أن ينظم شؤون حياته بحيث يعمّر دنياه وآخرته. وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
|