ارمسترونج عالمة الأديان: الجهاد أن يعمل المسلمون اعلاميا لجعل الإسلام قوة سياسية وثقافية |
تعد أرمسترونج واحدة من أهم من حاضروا وكتبوا عن الاسلام والغرب خلال الحقبة الماضية وترفض أن تلقب بالمستشرقة. وكان أهم كتبها التي حققت أعلي نسبة مبيعات هو تاريخ الله: أربعة آلاف عام من البحث, اليهودية, المسيحية, الاسلام وصدر عام1993 والقدس: مدينة واحدة وثلاثة أديان1996 وكتابها الأشهر الذي أعيد طباعته عدة مرات محمد: سيرة النبي وهو أحد أهم الكتب التي أرخت للسيرة النبوية حديثا, وبلغ حجم مبيعات كتابها عن التعريف بالاسلام مايزيد علي ربع مليون نسخة في الولايات المتحدة الامريكية في الشهر الذي أعقب أحداث سبتمبر. تقول أرمسترونج في حديث لها لصحيفة الاهرام المصرية أنه من المبكر جدا الحديث عن حدوث تغيير ما في الرأي العام الامريكي لأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت بمثابة صدمة هائلة للامريكيين وعادة ماتصاحب تلك الصدمات حالة من الحذر والاحباط وتضيف أرمسترونج بأن الأمر سيستغرق فترة طويلة ولاسيما اذا لم تكن هناك هجمات متتابعة, وتصف أرمسترونج الموقف في أمريكا بالخطورة الشديدة ذلك لأن تلك الاحداث أدت إلي ردود فعل عكسية ضد المسلمين الامريكيين ولكنها تشير إلي أنه بالرغم من وجود شعور بالعداء والغضب الشديدين لدي النخبة والرأي العام فإن أجد أهم الاشياء التي لمستها خلال فترة وجودها في الولايات المتحدة منذ سبتمبر الماضي وحتي الآن هو الرغبة الشديدة لمعرفة الاسلام والثقافة الاسلامية لدي الامريكيين فقد بيعت أعداد هائلة من الكتب التي تتناول موضوعات متعلقة بالاسلام. وعلي عكس ما يحدث في أوروبا حيث يدعي الكثيرون معرفة كل شيء عن الاسلام فإن الامريكيين أظهروا تعطشا شديدا للقراءة حول الاسلام, البعض منهم فعل ذلك بدافع تأصيل العداء غير أن الأكثرية فعلت ذلك بدافع الرغبة في المعرفة وتدلل أرمسترونج علي تلك المقولة ليس فقط من خلال رواج الكتب عن الاسلام وانما كذلك بحجم الجمهور الذي حرص علي حضور ندواتها وتقول أرمسترونج أنها حتي حينما كانت توجه انتقادات قاسية حول بريطانيا أو الولايات المتحدة كانوا يتقبلون تلك الانتقادات وهو أمر لم أكن أراه في أوروبا أو حتي في المجتمعات الليبرالية مثل هولندا وترجع أرمسترونج ذلك لوجود نوع من الاختلاف ما بين العقلية الامريكية والاوروبية. وتري أرمسترونج بأن الاتجاه العدائي ضد الاسلام في الغرب هو جزء من المنظومة القيمية للغرب والتي بدأت في التشكل مع عصر النهضة والحملات الصليبية وهي الفترة التي تصفها أرمسترونج بأنها بداية استعادة الغرب لذاته مرة أخري. فالقرن الحادي عشر كان بداية لأوروبا الجديدة وكانت الحملات الصليبية بمثابة أول رد فعل جماعي تقوم به أوروبا الجديدة وكان الاسلام هو العدو وكره الاوروبيون الاسلام مثلما يكره الناس في العالم الثالث امريكا الان لأنه يمكن القول بأن الاسلام آنذاك كان اكبر قوة عالمية حتي بدايات الدولة العثمانية وكان المسلمون في كل مكان في الشرق الأوسط, تركيا, ايران, جنوب شرق أسيا والصين اذن كان هناك اسلام وكان قويا. وبينما يمكن القول أن هناك أصوات شبيهة بأرمسترونج في الولايات المتحدة تدافع عن الاسلام وتسعي لتقديم صورة خالية من التحيزات المسبقة مثل جون أسبوزتيو ورئيس مركز الحوار الاسلامي ـــ المسيحي بجامعة جورج تاون وروجر أوين رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد إلا أن أرمسترونج تشير إلي النفوذ الذي تتمتع به أصوات أخري تصفها بالعداء الشديد للاسلام وتضرب مثالا بما حدث في جريدة النيويورك تايمز ومجلة النيويوركر والتي طلبت من أرمسترونج كتابة مقال عن الاسلام بعد أحداث سبتمبر ثم رفضت أن تنشره وفضلت أن تنشر بدلا منه مقالا للمستشرقة برنارد لويس مليئا بالاخطاء التاريخية والتفسيرات الخاطئة والصور الدعائية الجاهزة بينما مقال أرمسترونج كان حول النبي محمد كصانع للسلام وتقول أرمسترونج ان مقال لويس كان متماشيا مع الاجندة الخاصة لآلة الدعاية في حربهم ضد الارهاب وتعترف أرمسترونج بوجود انقسام حاد بين الاكاديميين الامريكيين المهتمين بالاسلام وهذا الانقسام أوجد معسكريين, معسكر يضم جون اسبوزيتر وامثاله ومعسكر يضم مارتين كرامر وبرنارد لويس الذين يجاهرون بصهيونيتهم. وهنا يأتي القلق حول موقف اسرائيل, ذلك أنه اذا استمرت الهجمات ضد المصالح الامريكية فإن هناك خوفا من أن يثير تساؤلات حول مدي أهمية اسرائيل للمصالح الامريكية وتتحول إلي عبء بدلا من حليف. وقد قامت أرمسترونج بزيارة لفلسطين في الثمانينات والتسعينات كجزء من إعدادها لمادة فيلم وثائقي حول رحلة القديس بولس غير أن زياراتها الأولي أصابتها بالصدمة وتقول أرمسترونج إنها صدمت حينما سمعت اليهود يطلقون علي العرب لفظة العرب القذرين لأن تلك اللفظة عينها كانت تستخدم ضد اليهود في أوروبا منذ حوالي ثلاثين عاما فقط.. وتقول إن ذلك أثبت لها عدم قدرة اليهود علي الاعتبار من معاناة الماضي وهي حقيقة حزينة ولكنها تكشف عن المشكلة الحقيقية لاسرائيل وهي كون اليهود غير قادرين علي تخطي سنة1939 فهم مازالوا عاطفيا أسري ذكري النازي وان كانت في جزء منها محاولة من قبل الساسة لاحتكار الرأي العام ولكن علي مستوي أعمق هناك بالفعل عدم قدرة بين الاسرائيليين لتصديق أنهم تركوا الماضي وراءهم فهم مازالوا ينظرون إليها كفترة من الضعف اليهودي بينما هي في الحقيقة فترة من القوة اليهودية لذا هم يرون ان العالم يعمل علي حصار إسرائيل بينما الحقيقة الان هي أن فكرة الحصار تسيطر علي العقلية اليهودية. وتضيف أرمسترونج أن الغرب يتحمل جزء كبيرا من المسئولية لهذه الفوضي الحالية. فالعالم الاسلامي لم يفعل شيئا ضد اليهود ولا الفلسطينيون فعلوا شيئا ضدهم وهم يدفعون ثمنا لاخطاء أوروبا ضد اليهود. ولكن اذا كانت امريكا تقف وراء اسرائيل فليس لاسرائيل أن تقلق مما يعتقده بقيمة العالم وهو أمر يؤدي للاحساس بالعجز الشديد فكل العنف الحادث في الضفة الغربية يلام عليه الفلسطينيون غير أن منطق الاشياء يقول لان الاستخدام المفرط للقوة لايجلب سوي العنف. لذا أري أن منفذي العمليات الاستشهادية هم يقومون بفعل سياسي بالدرجة الاولي وليس فعلا ديني وهو أمر يعكس اليأس التام ولاأعتقد أن الناس يمسكون بالمصحف ويقرأون القرآن ثم يقررون أن يذهبوا لإحداث تفجيرات بإسرائيل. الأمر اذا صور بهذا الشكل فهو لايخلو من سطحية شديدة. أنا أري أنهم أناس دفعت بهم اسرائيل لفعل ذلك تحت ضغط اليأس الشديد والقهر فالفلسطينيون لايملكون طائرات الـ ف ــ16 أو الاباتشي أو المدفعيات هم لايملكون ترسانة تساوي ترسانة اسرائيل العسكرية. هم لايملكون سوي أجسادهم وبعضهم قد لايكون متدين علي الإطلاق. الامر المحزن ــ علي حد قوله أرمسترونج ــ هو قدرة إسرائيل علي استخدام التأييد لتحويل الرأي العام العالمي ضد الفلسطينيين, ورغم اعتقادها بوجود نقلة نوعية في الطريقة التي ينظر بها إلي الشأن الفلسطيني في بريطانيا وأوروبا إلا أن الاستخدام الدعائي للتأثير الذي تحدثه العمليات الاستشهادية قد يؤدي لحدوث رد فعل عكسي.. ففي التغطية الصحفية التي ترد بعد كل حادثة تفجيرية نري الامهات والاطفال الإسرائيليين يرون معاناتهم, ولكن الامر لا يطبق بالمثل علي المعاناة الفلسطينية يجب علي أوروبا أن تلعب دورا افضل من ذلك غير أن فكرة العداء للسامية التي تصرخ بها, إسرائيل من وقت لآخر تهدف بالدرجة الأولي لافقاد أوروبا مصداقيتها كشريك وعامل اساسي في عملية السلام. هل سيناريو البوسنة اذن محتمل تكراره في أماكن أخري من أوروبا ضد الاقلية المسلمة؟ تجيب أرمسترونج بالنفي علي ذلك السؤال لأن البوسنة كانت ذات وضعية خاصة ولكن ظهور اليمين المطرف هو أحد مساويء الديمقراطية فكل النظم التي وضعها البشر لابد وأن تكون لها اخطاء هتلر انما جاء للحكم من خلال انتخابات حرة وديمقراطية. ولم تسلم أرمسترونج من توجيه الاتهامات لها بكونها متميزة للاسلام وتبرر اخطاء المسلمين بل إن الامر وصل باحد الاساتذة الامريكيين للقول بأنه لو لم يقرأ اسم كارين ارمسترونج علي كتاب سيرة النبي لتصور أن مؤلفة بالقطع لابد وأن يكون شخصا مسلما وترد ارمسترونج علي ذلك بقولها إنها لا تتهم بذلك لأن ما يفعله عالم الاديان هو من خلال قفزة تخيلية نضع انفسنا في الإطار الزمني والتاريخي الذي نزلت فيه الرسالة ولا نري فقط المعتقدات والتاريخ بل والاحساس بهذه الأشياء. وتقول ارمسترونج انا تعرضت لمضايقات عدة من منظمة إيباك( المنظمة الام للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة). تري ارمسترونج أن كلا الجانبين عليه مهمات عديدة للقيام بها للتعامل مع التطرف في كلا الجانبين فعلي المسلمين أن يدركوا أن الغرب هو حقيقة قائمة علينا أن نتعايش معها, وعلي بعض أئمة المساجد ألا ينسبوا للاسلام ما ليس فيه من هجوم علي أهل الكتاب, كما أن علي المسلمين أن يتعلموا استخدام وسائط الاعلام الغربية يجب ان يتعلموا آليات تكوين لوبي مماثل للوبي اليهودي من خلال استخدام النظام الديمقراطي الذي يعيشون في اطاره, وتقديم انفسهم بشكل ايجابي ذلك أن الجهاد الحقيقي هو أن يعمل المسلمون من خلال الميديا لجعل الاسلام قوة لا يستهان بها سياسيا وثقافيا. وللغرب اقول انهم لابد وأن يدركوا جيدا انهم يتشاركون كوكب الأرض مع آخرين, وأن هؤلاء الآخرين ليسوا اقل منهم شأنا, وفالغربيون لابد, أن يعملوا علي تطهير أنفسهم من الاحقاد الموروثة ضد الاسلام, وأن يروا الامور علي حقيقتها, سيكون الأمر صعبا بالفعل غير أن المجتمعات الاسلامية تملك كل الحق في منح الفرصة لتطبيق مفهومي الحياة والديمقراطية وفقا لشروطها هي, وليس وفقا لشروط يمليها الغرب, ذلك أن الطريقة التي فرض بها الغرب العلمانية علي بعض المجتمعات الاسلامية مثل تركيا وإيران تحت الشاه كانت لا تخلو من الإرهاب والديكتاتورية, لابد أن يدرك الغرب جيدا أن العلمانية ليست هي القوة المحررة للمجتمعات الاسلامية. |