التجنس والتوطين... قلق الطائفية والتهميش..!

في الوقت الذي تستثمر فيه بعض الدول التنوع السكاني الأثني والديني والقومي في تطوير بلدانها نلاحظ دولاً أخرى وبدافع من قلق الوجود (الأقلّي) تسعى إلى تخريب بنيتها التحتية من خلال عمليات الاستزراع البشري الذي يعني فيما يعنيه استفزازاً سافراً لمشاعر شعوبها بل اعتداءً واضحاً على حقوقها المشروعة في ممارسة الحكم على أساس تشكيلها الأغلبي الديمغرافي.

ولعل مفردة الاعتداء هنا في هذا التوصيف قد تمضي وفق صيرورة اختزالية، لتكون في نهاية المطاف نتيجة حتمية، وبتعبير آخر أن تهميش طائفة معينة أو استبعادها على أساس انتماءها الديني أو القومي، قد يدفع هذه الطائفة إلى دخول حلبة الصراع الطائفي وبالتالي بلوغ مرتبة الاعتداء على الحقوق الأساسية للإنسان، تلك الحقوق التي كفلها القرآن الكريم، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وبذلك يمكن القول أن الطائفية بمعناها البسيط لا تتجاوز توصيفاً لمجموعة أو أمة معينة تتميز عن غيرها بجملة من الصفات التي لا تدخلها حتماً في إطار التمايز المخل بالقانون الطبيعي للمجتمع.

فالطائفية أو الهوية أو القومية بالمعنى المشار إليه أعلاه يمكن توظيفها كآلية للتبادل الثقافي والحضاري، والعلمي، ليؤدي بالنتيجة إلى أن يضع الأمة المتنوعة في مصاف الأمم المتقدمة ولا أدل على ذلك من التطور الخرافي، وإن كان تقنياً، الذي وصلت إليه أميركا من خلال استيعابها لدروس الحرب الأهلية الدموية بين الشمال والجنوب لتسن دستور يكفل هذا التنوع ويستثمره في بناء الدولة.

وبالمقابل نلاحظ الفشل الذي نال عملية الاستزراع البشري خصوصاً في يوغسلافيا السابقة والاتحاد السوفيتي السابق الذي أدى إلى نشوب حرب طائفية دموية لا زالت آثارها إلى يومنا هذا ماثلة للعيان.. واليوم وبعد أن نظر المفكرون والباحثون للشورى والديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان وغيرها من المفاهيم التي تنظم القواعد العامة لحياة الجماعات، نلاحظ دول بعينها في منطقتنا تستصدر القوانين التي تهدف إلى تغيير البنية الديمغرافية لسكانها.

فقوانين الجنسية ومشاريع التوطين المقترحة في دول تسكنها الاغلبية الشيعية مثل البحرين والعراق ما هي إلا وسائل يراد توظيفها في تحقيق أهداف لا ترمي في الحقيقة إلا إلى زعزعة الكيان الاجتماعي، وبالتالي فان تلك القوانين تقضي بأن يمر طالب التجنس بفترة إقامة مشروعة ثم يتخلى عن جنسيته الأصلية ثم يمر بفترة ريبة أولى وريبة ثانية حتى يعتبر مواطناً عادياً له من الحقوق ما لغيره من المواطنين الأصليين.

نرى واضعيها هذه الأيام قد اختزلوا كل الإجراءات المذكورة أعلاه فضلاً عن غيرها لأهداف سياسية وتوظيف غير مشروع لضمان بقاء السلطات الحاكمة فترة ما لا نهائية في الحكم.

فمن خلال تحويل الأغلبية الشيعية (في العراق والبحرين) إلى أقلية، في ظل التطورات الكبرى التي يمر بها العالم، في لحاق صوري بقطار التطور الحضاري، يمكن أن تعتبر هذه العملية آلية جديدة - قديمة للبقاء في الحكم الذي يريد دائماً استبعاد طائفة - وخصوصاً كما ذكرت الشيعة - وتقريب أخرى لإناطة رسم مستقبل البلد بيد هذه الأقلية المستبدة يلاحظ أيضاً سواء في هذه العملية (التوطينية) أو في غيرها خلال تاريخنا المعاصر - يلاحظ كيف تم (تعقيد) مفهوم الطائفية، وتحويله إلى وسيلة سياسية، للتنكيل والإبعاد والاضطهاد، بدلاً من استثمار هذا التنوع الطائفي في البناء والتبادل والتعود على قبول الآخر.

ولعل علم الاجتماع كان واضحاً في تعريف مثل هذه النظم السياسية بقوله (نظام سياسي اجتماعي متخلف، يركز على معاملة الفرد كجزء من فئة دينية) لا كمواطن له ما لغيره من الحقوق وعليه ما على غيره من الواجبات.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا