المعلوماتية بعيون إسلامية |
يرى البعض أن ظاهرة العولمة سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو ثقافية، قديمة قدم الإنسان إلا أن البعض الأخر، قد اختزل الزمن وأرخ لها من ستينات القرن الماضي حتى تبلورت ووصلت إلى ما وصلت إليه اليوم. ولم يكن الجدل الدائر حول نشؤها أخذ من الزمن أغلب الباحثين والمفكرين بأنها من القضايا الشائكة العصية على الوضوح لما لها من إمكانية التوسع والتطور بل منهم ما اعتبرها أيدلوجية جديدة سلبت عنها صفتها. ولعل ما أنتجته من آثار على مستوى الواقع جعل هؤلاء المفكرين ينزعون نحو توضيح مراميها وأهدافها أكثر من تعريفها، فمنهم من اعتبرها استراتيجية أمريكية قررت في مرحلة ما بعد الإمبريالية أو استمرار للأخيرة ولا بد من الوقوف بوجهها ومقاومتها وذلك باعتزالها والابتعاد عنها. ومنهم من اعتبرها واقعاً موضوعياً متحققاً كالقدر وليس لأمريكا أو لسواها أي دور فيها) وبالتالي، وخوفاً من التخلف عن اللحاق بركبها لا بد من الدخول في حركيتها، بوصفها صيرورة في طور التشكل، وحتى نكون جزءاً من هذا التشكل. ومن بين هذين الرأيين الذين ينطويان على إطلاق يخل في (محاولة) فهم الظاهرة، يبرز رأي ثالث يؤكد أنها لا هذا أو لا ذاك بل هي واقعاً موضوعياً يحقق في نفس الوقت للأخر ثنائية القبول والممانعة، وبالتالي يمكن الاستفادة في إيجابياتها دون سلبياتها. وفي خضم هذه الثورة التقنية والمعلوماتية والاتصالاتية شاع في الآونة الأخيرة مفهوم القرية الكونية بعد أن وصلت سرعة الاتصالات إلى ما يوازي الأرقام الفلكية فالكمبيوتر والانترنيت والستلايت الرقمي وغيرها حقق هذا المعنى في مستوى يشار إليه بالبنان، وبذلك أصبحنا هدف جاهز للاحتواء من قبل الجزء وأداة أو سوقاً للاستهلاك والقبول بما يوضع أو يفرض علينا من سلع وخدمات ومعلومات وثقافة ولعل الأخيرة هي أخطر ما يفرض من نمط للمعيشة يجافي التنوع وقبول الأخر وهذا بالتأكيد عكس ما يطرح الإسلام من معنى آخر (للعالمية) التي تقضي بقبول الناس كافة ضمن إطار التعايش والاجتماع والتعاون فالتقنية الحديثة بكل أشكالها تمثل نتاج الدول الصناعية منذ الستينات ولم يتم نشرها بين مجتمعاتنا إلا منذ التسعينات وهذا التخلي الطوعي من قبل الشركات الصناعية لا يشكل أدنى تهديد بهذه الشركات بل يمكن القول أننا للأسف في حالة الوقوف بانتظار تنازلات أو تخليات باتت في نظر منتجها متخلفة على الرغم من عدم برأتها. وترمي هذه العملية سواء بقصد التسويق أو لغير هذا القصد إبقاء حالة الاستلاب والانتظار السلبي الذي يعتبر مظهراً واضحاً لمجتمعنا لم تخرج بسببه من حالة التفكك والجدل الارسطي حول مفاهيم كثيرة وخصوصاً مفهوم العولمة الطاغي هذه الأيام وما قد يترتب جراء ذلك من نتائج خطيرة قد ترتقي إلى مستوى تهديد ثقافتنا وحضارتنا ما لم تتبلور استراتيجية إسلامية لمواجهته، وليس المقصود بالمواجهة هو الامتناع والرفض بقدر ما تعني السعي المتواصل والفعال إلى استعياب المنتج بل المحاولة الجادة للانطلاق من مستوى المتقدم التي وصلت الدول المتقدمة فضلاً عن التركيز الشديد على تعميق الوعي بمفاهيمنا السمحاء التي كان لها قصب السبق في وضع اللبنة الأولى لمعنى العالمية وما تعني من القبول للثقافات والقوميات والأعراق ضمن الإطار لا يخل في خصوصيتها التي لا تتعارض مع ما يريده الخالق تبارك وتعالى. |