محمد محفوظ  لـ" شبكة النبأ": المصطلح الأجدى بالاستخدام، هو التقدم إلى الإسلام باختياراته الكبرى ومثله العليا

بطاقة تعريفية بالمحفوظ

* أصدر عدداً من المؤلفات القيمة، ومنها: (الأهل والدولة: بيان من أجل السلم المجتمعي)، (الفكر الإسلامي المعاصر ورهانات المستقبل)، (الحضور والمثاقفة: المثقف العربي وتحدّيات العولمة)، (الأمة والدولة: من القطيعة إلى المصالحة لبناء المستقبل)، وصدر له حديثاً كتاب بعنوان: (الإسلام ورهانات الديمقراطية).

* إضافة لكتاباته المختلفة في الصحف والمجلات- هو مدير تحرير مجلة (الكلمة) الصادرة في بيروت، وهي مجلة تعنى بشؤون الفكر الإسلامي وقضايا العصر والتجدد الحضاري.

* يلاحظ في كتاباتكم المختلفة استخدامكم لعبارة: (التقدم إلى الإسلام)، بدلاً من عبارة: (العودة إلى الإسلام).. ما السر في هذا الإستخدام؟

إن التقدم والتطور ناموس كوني وحقيقة إنسانية ثابتة. إذ أن جميع الكائنات الحية الموجودة على هذه البسيطة، لا تتوقف عن التطور والانتقال من حالة إلى أخرى. ومجموع القيم والمنظومات العقدية والفكرية، هي التي تحدد تجاه سير التطور والتقدم.

لهذا فإن المصطلح الأجدى بالاستخدام، هو التقدم إلى الإسلام باختياراته الكبرى ومثله العليا، التي لا زال الإنسان يكدح من أجل التوصل إليها وتمثلها في واقعه المعاش، لا العودة إليه باعتباره حبيس حقبة تاريخية معينة.

وإن الإنسان على وجه هذه البسيطة سيبقى أبداً في حاجة إلى الإسلام بقيمه ومبادئه ونظمه، لكي يفقه وجوده ويكون له معنى. وعلى هذه فإن الإسلام كقيم ومبادئ، هي متقدمة على واقع الإنسان وحركة حياته.

لهذا فإن مهمة الإنسان في هذا الوجود، هي السعي والكدح للوصول إلى ذلك المثال، وتجسيد تلك القيم في الواقع. قال تعالى: {إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه}.. وعلى هذا فالإنسان (الفرد والجماعة)، هو الذي يتقدم إلى الإسلام، وهو دائماً يعيش متقدماً على الواقع. بمعنى أن الوحي وهو المعطى الأساسي في الدين الإسلامي، يبقى خارج الزمن وداخل فيه في آن. أي أن الوحي يشكل مجموعة من القيم والمبادئ المطلقة والخالدة، والتي لا تتأطر بزمان أو مكان محدد. وفي المقابل فإن العودة إلى الإسلام، تحمل في طياتها بعداً زمنياً غير مقصود. لهذا فإن التقدم في رحاب المستقبل واختيارات الإسلام الكبرى، يُعد هو الشعار والمضمون المناسب لمعطى الوحي وحركة الإسلام الخالدة.

 *الدعوة للتجديد في الفكر الإسلامي مسألة مثارة، لكن ممن يفترض أن يكون هذا التجديد؟ وهل للتجديد ضوابط وأدوات معينة؟

في إطار الضوابط والأدوات، من المهم التأكيد على هذه المسألة المحورية، وهي: ضرورة الاعتماد على الحجة والبرهان. فهو المنهج العلمي والموضوعي الذي ينبغي الاستناد إليه في عملية التجديد. ولقد استفاضت آيات من القرآن الحكيم في مقام الاعتماد على مقتضى العقول وحجيته.. قال تعال: {وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} [الرعد: 4].

وذم قوماً لم يعملوا بمقتضى عقولهم فقال عز ذكره {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون}[آل عمران: 65].

فما ثبتت حجيته بدليل قطعي من شرع أو عقل أخذ به، وما لم تثبت حجيته أي لم يقم على اعتباره دليل لا يؤخذ بالاعتبار في عملية الاجتهاد والتجديد.

والمسلم المعاصر أحوج ما يكون اليوم، إلى تطوير نمط علاقته بالنصوص، حتى تصبح علاقة حيوية وفاعلة وبعيدة عن كل أشكال الحرفية والجمود. فالعلاقة الواعية من النصوص، هي وسيلتنا لإزالة كل أشكال الغبش الذي حجب الرؤية السليمة، وأدخلنا في متاهات ودهاليز، عمقت الفهم القشري لتعاليم الدين، وأخرجتنا من صميم الحركة التاريخية.

فلا مناص لنا اليوم إلا تجديد وعينا بالإسلام، فهو وسيلتنا لنتمكن في الأرض.. والتجديد ليس خضوعاً لضغوطات الواقع، وليس توفيقاً تعسفياً مع حاجات العصر، وإنما هو استنطاق أصيل لثوابت النص لاستيعاب المتغيرات وتقديم الحلول والإجابات وفق القواعد العامة والأصيلة.   

 *عن المركز الثقافي صدر لكم كتاب بعنوان: (الفكر الإسلامي المعاصر ورهانات المستقبل)، فما هي دوافعكم في تأليفه؟

إن الإنسان على وجه هذه البسيطة سيبقى أبداً في حاجة إلى الإسلام بقيمه ومبادئه ونظمه، لكي يفقه وجوده ويكون له معنى. وعلى هذه فإن الإسلام كقيم ومبادئ، هي متقدمة على واقع الإنسان وحركة حياته.

بإمكاننا أن نكثف الدوافع في تأليف الكتاب في المقولة التالية: إن الخروج من المأزق، وتحقيق الانطلاقة الحضارية، لا تتأتى بالهروب إلى الماضي أو الهروب إلى راهن الآخرين. وإنما بصناعة راهننا وفق قيمنا الإنسانية والحضارية، وبعيداً عن كل الأشكال والأطر الفصامية التي تزيدنا تردداً وبعداً عن الغاية المنشودة.

وإن الانخراط بالإسلام في هموم العصر وتطلعاته، تتطلبان تجاوز الحالة العاطفية المجردة، والعناية الفائقة بالممارسات الإيجابية البناءة، التي تسعى جاهدة إلى إشعال الشموع بدل لعن الظلام، والإضافة والإسهام النوعي، بدل الانشغال في القيل والقال، واستحضار قيم الإسلام الخالدة، التي صنعت العصر الأول للإسلام، بدل الانزواء في كهف الماضي وصومعة المتصوفين.

* ما هي أبرز المتطلبات الذاتية لبلورة أفق المشاركة للخطاب الإسلامي المعاصر؟

بإمكاننا أن نحدد هذه المتطلبات في الآتي:

أولاً: حضور النهضة: بمعنى أن الشرط الأول الذي ينبغي أن يتوفر في الفضاء المعرفي والحركي الإسلامي، للمساهمة الجادة في مسيرة الأمة والحضارة، هو أن يكون الواقع الإسلامي المعاصر، يعيش النهوض في مختلف مجالاته وأبعاده. لأن غياب هذا الحضور، سيعني استمرار الجمود والاستلاب والتبعية والانسلاخ، وكلها عوامل أو حقائق لا تؤدي إلى قيمة المشاركة والمساهمة، بل تؤدي إلى اعتماد متعاظم على الآخرين في كل شيء، ويواكب هذا الاعتماد تدميراً مستمراً للقوى الذاتية أو منابع القوة الحقيقية في الجسم الإسلامي.. بينما حضور النهضة في الفكر والممارسة، يعني استحداث الجهود الذاتية، وعوامل النمو الطبيعية في المحيط الاجتماعي، حتى تتولد حركية دائمة وصيرورة متجهة نحو التطوير والبناء لتجاوز الحال إلى المؤمل، والواقع إلى الطموح.

وإن حضور قيم النهضة في المجتمع الاجتماعي، هو الذي يفتح أبواباً جديدة لرؤية المستقبل وبلورة آفاقه، كما أن الإمكانات والقدرات التي يتضمنها أي مجتمع لا يمكن توظيفها في عملية التقدم الإنساني، إذ لم تكن هناك نهضة في المجتمع، يتحرك بحوافزها، ويسعى (بفعل الروح والقيم التي توفرها) نحو الاستفادة القصوى من كل الإمكانات المتوفرة في الإنسان والطبيعة.

لهذا فإننا نجد أن مصير المشروعات التي تستعير الحوافز ومظاهر النمو الفشل. لأنها لا تؤسس في البناء الاجتماعي، الأسباب الذاتية لصناعة الكفاءة الإنسانية القادرة على توظيف الإمكانات واستمرارها بما يخدم مشروع البناء والعمران الحضاري.

ثانياً: التعامل الإيجابي مع الراهن:

أن المتطلبات الذاتية التي ينبغي توفرها في الفضاء الحركي الإسلامي المعاصر للمشاركة الجادة في مسيرة الأمة والوطن، هو حضور قيم النهضة في مناحي الحياة المتعددة، ومقاومة كل أسباب الجمود والترهل والكسل والتخلف، والتعامل الإيجابي والحكيم مع الراهن، حتى لا يدخل الوجود الإسلامي المعاصر في معارك وهمية أو جانبية..

وهذا لا يعني بطبيعة الحال القناعة التامة به، أو اعتباره إقنوماً مقدساً لا يمكن تغييره أو تطويره بل هو:

1- قدرة نفسية تتجسد في إرادة جمعية وتصميم وتخطيط مشترك، يتجه إلى تحقيق الانسجام المطلوب بين الإنسان وراهنه، حتى يتسنى له معرفة وملامسة مكامن القوة التي ينطلق منها في مشروعه الإنساني والحضاري.

2- النفاذ إلى القوانين التي تتحكم بسيرورات تطور المجتمعات الإنسانية، تمهيداً للوصول إلى معرفة الواقع الاجتماعي وسياقه التاريخي، وإمكانات الفعل والتطوير التي يزخر بها.

3- تهيئة النفوس والعقول للاستفادة القصوى من التطورات وعمليات التقدم السريعة التي يزخر بها راهننا. وهذه التهيئة عبارة عن حد وسط بين الذوبان المطلق في الجديد، وبين التيبس والتخشب عن ممارسة الدور الفاعل. فهي قدرة إنسانية تسعى إلى مواكبة الجديد دون الذوبان فيه، واستلهام حسناته وهضم نقاط قوته، والتحصن الذاتي من سيئاته ومساوئه. كما أنها لا تجعل الوجود الحركي الإسلامي ينهزم أمام مشاكله، ويرضخ لتحدياته، بل تغرس في نفوس أبنائه العزة بالذات والإيمان بقدرتها، وتجعلهم يتحملون شظف العيش وضنك الحياة من أجل تجاوز تلك المشاكل والتحديات باقتدار.

 *ولكن، هل باستطاعة الوجود الإسلامي أن يتجنب المعارك الجانبية أو الوهمية؟

إننا نرى أن المتطلبات الذاتية، التي ينبغي توفرها في الفضاء الحركي الإسلامي المعاصر للمشاركة الجادة في مسيرة الأمة والوطن، هو حضور قيم النهضة في مناحي الحياة المتعددة، ومقاومة كل أسباب الجمود والترهل والكسل والتخلف، والتعامل الإيجابي والحكيم مع الراهن، حتى لا يدخل الوجود الإسلامي المعاصر في معارك وهمية أو جانبية، وحتى يستفيد من كل الفرص التي يوفرها الراهن في سبيل البناء، وحتى نحدد لأنفسنا خريطة أولويات نلتزم بمتطلباتها، ونوفر مستلزماتها.

وهذه دعوة مفتوحة من أجل القراءة الدائمة والواعية للراهن، حتى يكون تعاملنا معه حكيماً. ومن أجل توفير المتطلبات الذاتية في المشروع الإسلامي المعاصر للمشاركة النوعية والمستديمة في مسيرة الأمة والوطن.

 *الإسلام والديمقراطية، هذا هو موضوع كتابكم الجديد الذي ننتظر معكم ولادته، ماذا تناولتم في هذا الكتاب؟

الكتاب الجديد الذي نحن في صدد الانتهاء منه، ينطلق ويتناول مسألة الإسلام والديمقراطية وعلاقتهما ببعض المفردات الحيوية كالتنمية والوحدة والاختلاف وحرية التعبير والشورى.. وينطلق هذا الكتاب من حقيقة أساسية مفادها: أن منطق الاستبداد، لا يأبد الأنظمة، ولا يفضي إلى الاستقرار، وإنما يفاقم العيوب، ويعمق التوترات، ويفجر الخصوصيات. وإننا بحاجة إلى تحول نوعي وتطور استراتيجي في فكرنا السياسي والاستراتيجي، يعمق خيار الديمقراطية في واقعنا، ويسعى نحو صناعة حقائقه ووقائعه، ويحارب كل موجبات الاستبداد وحالات التهميش والتمييز، ومواقع النبذ والإقصاء.

وعلى هدى قيم الإسلام العزيز، والتواصل مع مكتسبات الإنسان والحضارة، نخلق فضائنا الحر، ونمارس حريتنا وتعدديتنا، ونجسد حضورنا وشهودنا، ووقائع وحقائق الدفاع عن حريتنا وحرية غيرنا.

والحرية لا تعني بأي حال التفلت من القيم ومحاسن العادات والأعراف الاجتماعية، وإنما تعني استخدام إرادتنا والتعامل مع راهننا بما ينسجم والمثل العليا والضمير والوجدان..

والحرية هي التي تعيد صياغة علاقتنا بمفاهيمنا وأفكارنا. فبدل أن تكون علاقة جامدة، اجترارية، سكونية، تتحول بالحرية إلى علاقة تفاعلية، تواصلية، ابتكارية.

حاوره: حسن آل حمادة - القطيف

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا