الأقليات الإسلامية في مواجهة عالم متغير |
انعقد في القاهرة مؤخراً مؤتمرا تحت عنوان حقيقة الإسلام في عالم متغير وكان أحد محاور المؤتمر، موقف الإسلام من الأقليات غير المسلمة وواقع الأقليات المسلمة في العالم والمشاكل التي تعانيها وسبل تحقيق التواصل بين هذه الأقليات والعالم الإسلامي. ذهب المشاركون إن الإسلام لا يعرف الأقليات فهو يعترف بالتعددية الدينية والأثنية والعرقية، وتذكر الإحصاءات الواردة إن الأقليات الإسلامية في العالم تشكل 6.1 في المئة من سكان العالم، حيث يبلغ عددهم نحو 392 مليون نسمة، يتوزعون على 32 دولة، ويتمركز أغلبهم في آسيا 297 مليون نسمة، وفي أفريقيا 86 مليون وأوروبا حوالي 20 مليون نسمة. أكد المشاركون في المؤتمر، إلى أن الاقليات المسلمة تعاني العديد من المشكلات أهمها عدم اهتمام العالم الإسلامي لأوضاع هؤلاء المسلمين وقضاياهم، مطالبين بضرورة تمتين الروابط والصلات بين الأقطار الإسلامية وهذه الأقليات والاستفادة منها في تكوين قوة ضغط هائلة على صانع القرار الغربي بالذات. إذا احسن تنظيمها والاستفادة منها، كما يمكن أن يكون خطوة متقدمة في الحوار بين الإسلام والحضارات الأخرى، وبالخصوص الحضارة الغربية، والتصدي للدعايات الصهيونية. ولقد ذكر د.محمد عمارة (إن مصطلح الأقلية غريب على الفكر الإسلامي وعلى تراثنا الحضاري الآن مصطلح الأقلية أو الأكثرية كلاهما لا يحملان صفات إيجابية أو سلبية لمجرد أن هؤلاء أقلية أو أكثرية..). وأشار أيضاً إلى أن الإسلام يقوم على سنة التعدد والتميز وأكد د. عمارة إلى الحاجة إلى فهم جديد لموضوع الأقليات وأن تكون هناك معايير عالمية محددة تطبق على كل الأقليات حيث حذر من أن الغرب يلعب بورقة الأقليات ليحول ميزة التعدد والتميز التي أقامها الإسلام إلى نقمة مثيراً إلى قانون الحماية الأميركية وقانون التدخل في شؤون الدول بدعوى حماية الأقليات في المجتمعات العربية والإسلامية لتعمل لصالح الغرب. وأضاف أن من حق الأقليات إقامة الحرام والحلال الديني في الدولة الموجودة فيها، لكن ليس من حقها أن تكون فيتو ضد هوية المجتمع. كما أكد الدكتور محي الدين عبد الحليم – الأستاذ بجامعة الأزهر – أننا بحاجة إلى خطة جادة لجمع شتات الأقليات الإسلامية في الغرب، أميركا ونسعى لتوحيد جهودها بدلاً من التثبت والتشرذم لتتحول تلك الأقليات إلى جماعات قوية وضاغطة على الحكومات الغربية وتشكل رأس حربة في المهجر في الحوار مع الغرب والتقريب بينه وبين الإسلام. وبين أن الإسلام في المهجر يعانون من مشاكل اقتصادية وسياسية واجتماعية؛ دون مساعدة فعالة من ديار الإسلام لهم أو حتى من قبل المنظمات الإسلامية التي لا تهتم بهم. وكما ذكر د. عبد الحليم أهم المشاكل التي تعاني منها الأقليات المسلمة تتمثل في بروز النعرات القومية والشعوبية التي تؤدي إلى تفتيت وحدتها والحد من فاعليتها كذلك ذوبان بعض أبناء المسلمين في المجتمعات التي يعيشون فيها مما يهدد بالقضاء على هويتهم، إضافة إلى تهميشهم سياسياً واقتصادياً وضعف الاهتمام باللغة العربية، الذي يؤدي إلى زيادة هوة الانفصال بينهم وبين دينهم. ودعا محي الدين الحكومات والمنظمات الإسلامية بعملية استنفار إسلامي لدعم هذه الأقليات والاستفادة منها وإقامة الندوات والمتلقيات الفكرية المكثفة في الأقطار التي يعيشون فيها لتصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام، وإقامة المعارض وتشجيع الزيارات المتبادلة بين الأدباء والمفكرين المسلمين وأبناء هذه الأقليات وتشجيع النشاط الإعلامي الإسلامي في الغرب شريطة إعطاء اهتمام أخر بتنشئة الجيل المسلم الثاني في الغرب تنشئة إسلامية وتشجيعه على تعلم اللغة العربية. وأشارت – عضوة اللجنة الإسلامية للمرأة والطفل بالمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة – ايريس صفوت: إلى أن وضع نساء الأقليات الإسلامية في الغرب بعد أحداث 11 أيلول أصبح اكثر صعوبة خاصة مع التهميش الاجتماعي المتزايد وقالت أن الغرب منذ القرن التاسع عشر كون فكرة سلبية عن المرأة المسلمة وقدمها على أنها تعيش حياة منعزلة وراء أسوار الحريم، ومازالت هذه الصورة السلبية قائمة حتى الآن. وفي تحليلها عن المرأة المسلمة في الغرب اشارت الى إن نساء الأقليات الإسلامية في أوروبا وأميركا يواجهن مشاكل كبيرة عندما يلبسن الحجاب في المدارس والجامعات وأماكن العمل وغالباً ما يتعرضن لمشاكل التمييز العنصري. وطالبت كذلك بإنشاء قناة فضائية إسلامية لتخاطب الغرب باللغات الأجنبية وتوضح له الإسلام الصحيح. من جهته لفت الدكتور إبراهيم أبو محمد (رئيس المؤسسة الأسترالية للثقافة الإسلامية) الانتباه إلى أن الأقليات الإسلامية في أكثر بلدان العالم هي الأكثرية الحقيقية الساحقة، لكن الزيف وحرب الإحصاءات يتعمدان دائماً تقليل عدد المسلمين وإظهارهم على أنهم أقلية لخدمة أهداف سياسية معروفة، فإذا تم العدوان عليهم واجتياح حقوقهم فإنه يصورون إعلامياً وسياسياً على أنهم أقلية متمردة يجب تأديبها فتمر قضية اضطهادهم دون ضجيج على أنها شأن خاص أو مسألة داخلية لا يجوز التدخل فيها أو الاعتراض عليها. وأضاف أن الأقليات الإسلامية المتنبه في بلاد المهجر تشكل خط الدفاع الأول عن الوطن الإسلامي خصوصاً بعد أحداث 11 أيلول وأنها رصيد استراتيجي ضخم يمكن أن يؤثر في الأحداث إيجابياً لخدمة قضايا الأمة. إذا احسنا التعامل معها، واحسنا الاستثمار وجودها في الخارج. واقترحت الدكتورة فوزية العشماوي، أن يكون للدول والمنظمات الإسلامية دور إيجابي في دعم الأقليات المسلمة، والاستفادة من تواجدها في الغرب من خلال شراء مساحة في المجلات الأجنبية العالمية للتعريف بالإسلام ومبادئه ورسالته السمحة وكشف افتراءات وزيف الصهيونية. وبين الدكتور ديفيد توماس – بريطانيا – إلى أن الأقلية المسلمة في بريطانيا بدأت مع هجرة الباكستانيين والهنود منذ خمسين عاماً. موضحاً أن الدستور البريطاني لا يقوم على دين معين بل يقوم على العلمانية، لذلك طالب ديفيد المسلمين والمسيحيين في المجتمع البريطاني بالتعاون من أجل توصيل رسالة للعالم، مؤكداً أن بريطانيا اقتنعت الآن بمبدأ تعايش الأقليات وتعددها العقيدي لا اندماجها وتوحدها من واقع الخبرة والتجربة. اما د. غانم جواد من بريطانيا فقد كشف أن السنوات العشرة الأخيرة شهدت تغيراً في تركبية الأقلية المسلمة في بريطانيا الأمر الذي أثر إيجابياً على تصرفات المسؤولين البريطانيين تجاه المسلمين وخير مثال على ذلك زيارة ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز للمركز الإسلامي التركي. ولكن بعد أحدث 11 أيلول تصاعد موجات اليمين المتطرف في بريطانيا، وارتفاع نسبة البطالة بصورة كبيرة بين أعضاء الجالية الإسلامية على رغم ما تتميز به من الكفاءة والخبرة. كما تحدث في المؤتمر من البوسنة الدكتور مصطفى سيريتش قائلاً أن أوروبا ليست قارة نصرانية، لكنها مسلمة ويهودية أيضاً، لوجود المسلمين واليهود فيها، مذكراً بالمعاناة التاريخية القاسية التي عاشها المسلمون في البلقان، وأن المسلمين كان أمامهم خيارات أما الهجرة أو المقاومة وهذا ما دفع الطبقة الثرية من مسلمي البوسنة بالهجرة إلى تركيا حيث كانت تقدر بـ 4 ملايين. وأوضح أن الصعوبة في تعايش المسلمين والنصارى واليهود ترجع إلى وجود أزمة ثقة بينهم وتعطيل القانون الدولي والكيل بمكيالين وعدم الصدق. أما ما يخص المسلمين في إيطاليا فقد أصر ممثلي الجالية الإسلامية هناك على أن الحكومة الإيطالية وقعت اتفاقيات مع الكثير من الجماعات الدينية مثل الكنيسة النصرانية والجالية اليهودية والبوذية، بينما لم توقع بعد مع الجالية المسلمة، نظر لعدم توافر المؤسسات الإسلامية الكافية، مشيراً إلى أن هناك مساعي وجهود مكثفة تبذل لإنشاء مؤسسة إسلامية في إيطاليا، تدافع عن المسلمين، وتطالب بحقوقهم توازيها جهود أخرى تبذل داخل وزارة التربية والتعليم لتضمين المناهج الدراسية عن الحضارات والثقافات المتنوعة والمختلفة، بالمجتمع الإيطالي. أما واقع الجالية الإسلامية في بلدان أميركا الجنوبية، فلقد سلط الضوء عليه د. حلمي محمد نصر أستاذ الدراسات العربية بجامعة ساوباولو بالبرازيل قائلا بأن المسلمين البرازيليين استطاعوا بعد طول عناء تشكيل كيان إسلامي متماسك تمثل في عدد من المساجد والمدارس والمؤسسات الإسلامية. مشيراً إلى أن أول مدرسة إسلامية في البرازيل تم بناؤها في أوائل الستينات من القرن الماضي في فيلاكارون، وبدأت بنجاح نسبي كبير لكن لم تستطع مدرسة واحدة أن تسد الاحتياجات الكثيرة لأبناء المسلمين. وأوضح أنه لا يوجد للطائفة الإسلامية في البرازيل إلى الآن أي نوع من وسائل الإعلام فليست لهم صحيفة تنقل أخبارها وتوثق الصلات بين أقرانها في طول البلاد وعرضها، وتنقل إليهم أخبار المسلمين في العالم الإسلامي التي غالباً ما تصل إليهم محرفة عبر وكالات الأنباء التي يهيمن عليها الصهاينة. وليت لهم مجلة تنشر المقالات عن الإسلام وعظمته وترد على الافتراءات عن الإسلام، إلا ما يصله من مصادر مضللة وما يسمعه من أخبار مشوهة. أخيراً طالب الدكتور حلمي بضرورة إجراء إحصاء شامل عن الأقلية المسلمة في أميركا الجنوبية عموماً والبرازيل خصوصاً حتى يمكن دراسة كيانهم وإعداد خطة لمعاونتهم وتقويتهم في الوسط الذي يعيشون فيه، والتوسع في بناء مدارس إسلامية حسب توزيع السكان مؤكداً على ضرورة قيام الدول الإسلامية بإنشاء معاهد خاصة لتخريج الدعاة القادرين على إتقان لغة البلاد التي يرسلون إليها، ليتمكنوا من الحديث المباشر مع أبناء الطائفة التي يبعثون إليها، إضافة إلى إلمامهم بدراسة الأديان المقاربة حتى يمكنهم دحض الآراء الباطلة التي تثور من وقت لآخر ضد الإسلام ومبادئه وكذا تزويد المسلمين في الخارج بالكتب الإسلامية المستنيرة وترجمتها إلى لغة أهل البلاد للتعرف على سماحة الإسلام مع مد جسور التواصل. |