سعدي الشيرازي.. الحادي والعشرين من ابريل يوما عالميا لتكريمه

سر في فجاج الأرض وانظر حسنها من قبل أن تضحي بلحدك ثاويا وقد قرن سعدي الشيرازي حكمته هذه بالعمل، فضرب في فجاج الارض منطلقا من شيراز الى بغداد في العراق والتحق بالمدرسة النظامية،

وأحاط بالعلوم الإسلامية ثم عاد الى شيراز وعندما دمر المغول بلاده غادرها الى الهند واليمن والحبشة ومكة المكرمة والمدينة المنورة ثم الى الشام، وهناك اشترك مع المجاهدين في الحرب المقدسة ضد الصليبيين حتى وقع اسيرا، وافتداه تاجر من حلب وزوجه ابنته، ولكن العيش لم يكن رغدا بينهما، أو أنه وهو الشاعر الجوال صائد لآليء الحكمة وطيور المعرفة لا يطيق أسر المكان، فطلقها ورحل الى مصر والمغرب ثم عاد عبر بلاد الروم «الأناضول» الى مسقط رأسه شيراز.

سبعة قرون مرت والعالم يردد حكايات سعدي وينشد قصائده الى أن أقرت منظمة الأمم المتحدة يوم الحادي والعشرين من ابريل يوما عالميا لتكريمه.

وقد اصدرت مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري كتابين عنه: الأول بعنوان مختارات من شعر سعدي الشيرازي بالفارسية مترجمة الى العربية وهو موضوع مقالنا هذا. والثاني بعنوان مختارات من شعر سعدي الشيرازي مترجمة الى الفارسية. وذلك بمناسبة ملتقى سعدي الشيرازي.

يقول أ. د فكتور ألكك في مقدمة الكتاب: «ندر أن تفاعلت أمتان عبر التاريخ في جميع حقول الحياة كما تفاعلت الأمتان العربية والإيرانية، ولاسيما في الحقل الثقافي، فمنذ العهد الأخميني مرورا بالساساني الذي سبق ظهور الاسلام والروابط قائمة بين الطرفين. إلا ان انتشار الإسلام في إيران أدى الى اختلاط شديد بين العرب وشعوب ايران في السكنى والتزاوج والتعامل الاقتصادي والثقافي وسائر مناحي الحياة».

انخرط الشعراء الفرس في أول الأمر في نظم الشعر بالعربية فكان منهم اسماعيل بن يسار وبشار بن برد وأبو نواس ومهيار الديلمي. وغيرهم. غير أن الشعوب الإيرانية التي كانت جزءا من المملكة الساسانية سابقا ظلت تتكلم بلغاتها ولهجاتها المحلية. إلا أن لغة من بينها عرفت بالفارسية الدّرية بدأت تتشكل كلغة مميزة وتفاعلت مع العربية، وازدهرت في بلاط السامانيين ومشرق إيران ونبغ فيها شعراء مبدعون، وكان من الطبيعي ان يتأثر شعراء تلك اللغة الناشئة بالنموذج الكامل للشعر العربي، لكنهم تميزوا بالقصص الشعري وبعض الفنون وطوروا قوالب القصيدة بما يتفق والموروث الفني الإيراني. وكان أغلب هؤلاء الشعراء ينظمون القصائد والمقطعات بالفارسية والعربية. وظهر نموذج لهذا التفاعل في الشعر فيما عرف باسم الملمعات، أي أن ينظم الشاعر قصيدته بالفارسية ويلمعها بنظم أبيات منها بالعربية.

يشتمل الكتاب على 62 نصا شعريا في الغزل والوصف والحكمة والمواعظ: لم التناحر في الدنيا أيا عجبا ممن يناحر فيها وهي لم تدم ما كان أعظم من لم يأبهوا أبدا بخفة الترب منها شأن كل عم وكل من خلقوا لاقوا مصارعهم طوبى لمن لم يحد منهم عن الحكم يعتبر سعدي الى جانب فردوسي وحافظ أحد أعلام الشعر الفارسي، فغزله يتميز بالشفافية واللطف والجمال، وهو في حكمه ومراثيه وترجيعاته وغزله يصوغ أدق المعاني في أبسط الألفاظ والتعابير وأكملها بلاغة: قالوا وقد لمحوا في الوجه صفرته ما بال وجهك يبدو وجه أموات فقلت: كلا، فوجهي صاغه ذهبا اكسير عشق به أحيا مسرّاتي اما نثره الأنيق في كتابه روضة الورد فهو نموذج للحلاوة والجاذبية، والرشاقة والتلوين في الموضوعات والحكايات والشعر والصور. انه كالبستان فيه أفانين الزهر والنبات.

ترجمت أشعاره ونتاجاته الى العديد من اللغات الحية كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والعربية والتركية والبولندية والروسية. فقد ترجم أندريه دوريه جانبا من نتاجه الى الفرنسية. وفريديش اكسن باخ وآدم أولثاريوس الى الألمانية. وكتب عنه الفيلسوف الفرنسي ديدرو، وشبهه الشاعر بايرون بالشاعر الغنائي الروماني كاتولوس. وتأثر به غوته. واقتبس من كتابه كلوستان هوغو. واعتبره الشاعر الأمريكي امرسن شاعرا فذا وقدوة. واعتبر الفيلسوف الأمريكي الكت نتاجاته على مستوى سقراط وأفلاطون ودانتي وشكسبير وملتون، وقد علقت الأمم المتحدة أبياتا من شعره على جدران مبناها في نيويورك.

أخيرا فإن سعدي الشيرازي هو أحد الشعراء الذين نهضوا بحركة شعرية جديدة. وأعطوا للأدب الفارسي مذاقه الخاص المتفرد، وساهموا بإعلاء شأنه حتى تعدى حدود الوطن الى الأوطان الإسلامية وإلى مصاف الآداب العالمية. (بيان الكتب)

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا