من كابول إلى نيويورك: ( مقالات عن صراع الإسلام و الغرب) 

 

الكتاب: من كابول إلى نيويورك

( مقالات عن صراع الإسلام و الغرب)

المؤلف: وليد نويهض

الدار:  دار ابن حزم

الطبعة: الأولى، 1422هـ-2002م

عرض: د. بشرىالشقوري

من كابول إلى نيويورك" هو عنوان كتاب جديد المفكر العربي وليد نويهض،  تناول  فيه بعض القضايا المتعلقة بصراع الإسلام و الغرب.والكتاب مقسم إلى مشاهد ثلاثة، نعرضها بتركيز شديد غير مخلين ببنية النص:

  المشهد الأول: الإسلام و الغرب…ماضيا...

حاول المؤلف أن يقرأ هذه العلاقة على مستويين:

    المستوى الأول: قراءة هذه العلاقة في صورة نمطية،  يلاحظ الكاتب أن مراجعة موضوعية  لتلك العلاقة بين الطرفين تكشف أن جذور التوتر بينهما  ليست حديثة التكوين، بل تعود إلى زمن سحيق بسبب تلك العلاقة الممتدة إلى أكثر من ألف سنة، و ما رافقها من صراعات سياسية  وعسكرية على خطوط التجارة، و محاولات السيطرة على البحر المتوسط.

 و قدم الأستاذ وليد  مجموعة من الشواهد/الكتابات  التي  تشير إلى أن جذور الصراع تعود إلى ذاك الزمن، إلا أن تأثير تلك الكتابات اقتصر-في رأيه- على حلقات ضيقة من النخب و المثقفين، و لم تتحول إلى سلوك عام للمجتمعات، أو سياسة عامة للدول الأوربية.

 أما المستوى الثاني لهذه العلاقة: فقراءة زمنية لهذه العلاقة في صورتي الغالب  والمغلوب، حيث يمكن ترتيب هذه القراءة النقدية لتطور العداء في سياق تاريخي (أندلسي) مر في ثلاث فترات: الأولى المرحلة الطليطيلة، والثانية القرطبية، و الثالثة الغرناطية. فقبل طليطلة كانت نظرة الغرب للمسلمين تمزج بين الدونية و الخوف، و بعدها انتقلت أوربا من الدونية إلى الإعجاب بحضارة المسلمين، و بعد قرطبة تراجع الإعجاب بحضارة المسلمين واستحال الإعجاب إلى نظرة ندية متساوية، ثم انقلبت الموازين و باتت النظرة استعلائية فوقية؛ و حين سقطت غرناطة أخذت أوربا تنظر إلى المسلمين بازدراء. إلا أن الاعترافات ( بهذه العلاقة النمطية) جاءت متأخرة زمنيا بعد أن لعب صراع القوى إلى التنافس على خطوط التجارة دوره  في حفر صورة نمطية سياسية عن الإسلام و المسلمين عززها اختلاف المصالح و تفاوت العادات و التقاليد. فأوربا التي تبدلت بابتعادها عن تلك الأنماط التي كانت سائدة في فترة ما قبل الاكتشافات الجغرافية و نهوض القارة صناعيا، تبدلت نهضتها إلى الآخر التابع لعالمها المتفوق.

 فالنظرة لم تعد تقتصر على الدين بل دمجت تلك التصورات المنقولة و المتوارثة من الماضي بتلك الصورة الحية التي تعكس تفاوتا في السلوك الاجتماعي، و أعيد تفسيرها  انطلاقا من نزعة تقدم "المركز" على تخلف "الأطراف" فاختلط الاقتصادي بالثقافي و بات الأول مقياسا للثاني.

  أما المشهد الثاني : الإسلاميون .. و الدولة المعاصرة،

 فتناوله المؤلف في المحاور التالية:

المحور الأول تطرق فيه الكاتب لمفهوم الدولة الحديثة كما يراها الإسلاميون:

 فبعد سرده لمجموعة من الكتابات التي تمحورت حول التأصيل و التجديد في الفكر الإسلامي المعاصر،طرح الكاتب هذا السؤال المحوري: هل هناك خلافات فعلية على الحل بين ما يسمى بتيار الإصلاح  وتيار الصحوة؟ و بتحليله لهذين التيارين يخلص الباحث إلى أن أزمة الفكر المعاصر تبدأ من خلل منهجي في قراءة الواقع التاريخي و تحليل أسباب التفاوت القائم بين العالم الأوربي و العالم العربي،حيث أدى هذا الخلل المذكور إلى قراءة نصوصية لمشكلة واقعية، فاعتبرت المدارس الفكرية أن الحل هو في الفكرة و ليس في التاريخ، الأمر الذي دفعها إلى تغيير النص لا تغيير الواقع، فانشق عن المحاولة من يدافع عن النص في وجه من يريد استبداله.

 بعد ذلك تناول الباحث مراحل التكوين التاريخي للفكر الإسلامي المعاصر بقراءته لنصين كتبا حديثا عن تطور الفكر الإسلامي المعاصر و خصوصا في جانبيه السياسي و الحركي ليتم التعرف على مسألتين: تطور الواقع السياسي للمجتمعات  و تحول طموحها من محطة إلى أخرى، ثم تطور الفكر السياسي للجماعات و انتقال وعيها من سياق إلى آخر، ثم انشقاقه واندفاعه إلى الأمام، و أخيرا عودته لإعادة تنظيم نفسه. و هو أمر أكد للكاتب أن الحركات الإسلامية تنظيمات سياسية قبل أن تكون دينية.

المحور الثاني:الإسلاميون كما تراهم الدولة الحديث..

هنا يطرح الكاتب " إشكالية معرفية" تواجهها  الدولة الحديثة، تتجسد - الإشكالية- في عجزها عن تفسير حداثة الجماعات الإسلامية؛ ذلك التركيب المعقد الذي يجمع بين زمنين و مكانين متغايرين تاريخيا، فالبحث عن عواملها وأسبابها-يقول المؤلف- يجب أن يتم في الحاضر و مشاكله التي تبدأ بالبحث عن هوية و الدفاع عن ثقافة و تاريخ، و تنتهي بأزمات اجتماعية و اقتصادية و تنموية.

 و تعقيدات خطاب الأصالة و الأصولية كما يقول الكاتب "تبدأ من هذا السؤال المفارق الذي يشير إلى جواب مركب يجمع بين عناصره قوة الموروث و الحاضر المأزوم. هذا لا يعني أن خطاب الأصالة هو نتاج فشل التحديث، بل ربما هو نتاج التحديث بعينه، و بقدر ما نتوغل في التحديث نتوغل في البحث عن الماضي. و بقدر ما يتقدم التحديث سيتقدم خطاب الأصالة. إنها مفارقة تاريخية تقوم على عدالة متناقضة لكنها أساسا ليست متناقضة بل منطقية جدا. فالشيء كما نعلم ينتج ضده، و النقيض لا يستقيم إلا بنقيضه، و هو نتاج تناقض النقيضين، و الضد بحاجة إلى ضده ليتقدم."

 ومن ثم يقدم  الكاتب حلا للمعضلة يتجاوز كلام المؤامرة و يباشر في قراءة عاقلة للإشكالية المفارقة ثانيا، و يطرح ثلاثة حلول لتجاوز المشكلة، أولها، تصحيح مفهوم الحداثة،  وثانيها، يقضي باستفادة الدولة من القديم الموروث لتنظيم التحديث؛ أما الحل الثالث فينبني على فكرة مثالية واحدة، وهي وقف تدخل الدولة في تفاصيل حياة الأهل و تخفيف قبضتها الحديدية و الحد من محاولات سيطرتها على المجتمع. منبها إلى أن هذه الحلول تظل نظرية و ليست عملية؛ لأن التطبيق بحاجة إلى قيادة واعية تلجأ إلى الحلول العقلانية لفك الاشتباك بين الطرفين.

  المحور الثالث: الإسلاميون و الصراع على مسألة الديمقراطية...

 يرى الكاتب أن الخلاف حول هذه المسألة هو خلاف في المفهوم و المصطلح و ليس في الجوهر؛ و ذلك حين يتم تناولها كمفهوم تتداخل فيه مسائل الفقه و الحكم و التشريع و الليبرالية و العلمانية و التغريب  والغرب…

وعلى هذا الأساس يمكن قراءة الكثير من المتشابهات و المتقابلات بين التراث والحداثة في سياق متناقض بين خطين: الأول، يقبل بها لأنها أساسا موجودة في التراث و هناك ما يقابلها، و الثاني يرفضها لأنها غير موجودة و ما هو موجود لا ينسجم مع المعروض.

  المحور الرابع: صلة العنف الاجتماعي بتنظيمات الجهاد..

 من خلال السرد الزمني لحركات الإسلام السياسي وتفرعاتها-يشير الكاتب- يلاحظ أن مصدر " العنف الأصولي"  وأساسه هو "العنف الاجتماعي"،  ذلك أن ظاهرة العنف تعيد إنتاج نفسها في كل فترة زمنية في سياقات سياسية مختلفة.

  المحور الخامس: الدولة و المجتمع و الديمقراطية  و شروط التسوية التاريخية...

 فقراءة فكرة الديمقراطية في العالم العربي و تطور منظوماتها الأيديولوجية ليست قراءة نظرية بل هي أساسا قراءة تاريخية ترتبط بتطور فكرة الجماعات السياسية و دور الدولة في قيادة التحول الاجتماعي و الاقتصادي و الدستوري للبلاد.

 هذا الأمر يحيلنا إلى إعادة قراءة المشكلة انطلاقا من محاولة الإجابة عن سؤالين: تحليل طبيعة الدولة و دورها في تلبية حاجات المجتمع..والثاني:  تحليل طبيعة المجتمع وصولا إلى تفكيك إيديولوجية الجماعات السياسية و موقفها من الدولة الوطنية.

بكلمة، إن انعدام المجتمع السياسي عطل إلى حد كبير نضوج فكر سياسي يتطور سليما و بهدوء كما يحصل في المجتمعات الأوربية، فالديمقراطية لا تنمو في مجتمعات غير سياسية ترفض الأنظمة فيها حق الخصم في التفكير والحركة،  ولا تكترث بدور الرأي العام في صوغ القرارات الرسمية..

  و يختم الكاتب بحثه بمشهد ثالث: الإسلام و الغرب..حاضرا، مقدما بعض الأمثلة من الواقع الراهن (حركة طالبان..)  و يخلص الباحث في النهاية إلى أن الاقتصاد هو البعد الأساس في صراع الغرب والإسلام، و مشككا فيما يسمى بحرب الحضارات( =مقولات فوكوياما  وهانتغتون) فهي-في رأيه- ليست حربا دينية حتى و لو تغطت بالقضايا الدينية.                                  

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا