أطفال قتلة يتحولون إلى مرتزقة حرب

 ذكرت النيوزويك احصائيات رسمية صادرة عن الأمم المتحدة تشير الى أن هناك أطفالاً لم تتعد اعمارهم خمسة عشر عاماً قد شاركوا فيما يزيد على نصف عدد الحروب الدائرة في العالم في الوقت الحالي التي يصل عددها الى 55 حرباً او تلك التي وضعت أوزارها مؤخراً.

ويعلق الخبراء المعنيون بهذه القضية الشائكة على تلك الاحصائيات المخيفة بقولهم ان تجنيد واستقطاب الأطفال لخوض الحروب أمر يسير وبسيط التكلفة الى درجة ان الأطفال غدوا يمثلون جزءا مهماً في خوض المعارك الحربية في دول مثل كولومبيا وسريلانكا وسيراليون حيث تكثر الحروب الأهلية، وأصبح هؤلاء الأطفال يمثلون الاختيار الأفضل لمروجي وتجار الحرب والمتمردين.

وتأتي التطورات العالمية الأخيرة، وعلى رأسها موجة الحرب على ما يسمى بالارهاب، لتضيف الى خطورة الوضع بالنسبة لهؤلاء الأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة، والذين يتحولون رغم انفهم الى أدوات يستخدمها الآخرون مستغلين عدم قدرة هؤلاء الأطفال على الرفض بسبب حاجتهم الماسة للملبس والمأكل، لاسيما وان معظمهم يعيشون تحت خطر الفقر.

 ففي مناطق منسية في العالم مثل سيراليون  يتجرع اطفالها صورا من أبشع صور الارهاب النفسي والاذلال عن طريق اجبارهم على خوض الحروب، الأمر الذي أعطى للحروب الأهلية في تلك المناطق أبعادا أخطر من مجرد مما تسببه من أضرار مادية وبشرية، تتمثل في ميلاد جيل مجبول على العنف واللاهوادة.وعلى الرغم من تنبه المنظمة الدولية لخطورة هذا الأمر واصدارها في فبراير الماضي بروتوكولات بشأن حقوق الأطفال وادانتها لاستخدام الاطفال كجنود في المعارك الاهلية، فان الموقف بات من الخطورة ما يجعله يتطلب اجراءات اكثر قوة لمنع الاستغلال الجسدي والجنسي لهؤلاء الأطفال بهذا الشكل المنافي لكل قواعد الانسانية.

خطورة الموقف ولعل حديث بسيط مع أي من هؤلاء الأطفال، الذين فقدوا طفولتهم بعد ان ألقي بهم في غياهب الحروب والمجازر، يوضح مدى الخطورة التي آل اليها الموقف في دول مثل سيراليون تكافح من أجل النهوض من تحت خط الفقر، ويثبت انه لو لم يتم التدخل بشكل سريع وجاد، فإنه لا سبيل لمثل تلك الدول ان تنهض من كبوتها ولاستمرت في انجاب اجيال لا تمثل خطراً عليها فحسب ولكن على جميع الدول من حولها. أحد هؤلاء الأطفال يروي قصته مع الحروب وكيف تحول من كونه طفلاً بريئاً الى مقاتل شرس احيانا ونادماً احياناً اخرى. اسمه عبدالرحمن ويبلغ من العمر 15 عاماً. يقول: «اتذكر تلك الايام التي كانت تستيقظ فيها جدتي في الصباح الباكر لطبخ الطعام كي تبيعه. وكنت اذهب معها كي اجمع الصحون بعد ان يأكل القوم، كنت اذهب الى المدرسة كأي طفل ثم ارجع الى المنزل كي ألهو مع رفقائي. ولكن حدث ذات يوم عندما كنت استمع الى المدرسة في الفصل وأنا لن اتجاوز بعد الثامنة من عمري ان اقتحم مجموعة من المتمردين الفصل وهددوا بأن يقتلونا جميعاً اذا عصينا اوامرهم.

امعاناً في ارهابنا، احضروا رجلاً عجوزاً من المدرسة ثم اوقفوه امامنا ووضعوا اصابعه على المنضدة ثم فصلوا احد اصابعه عن يده امامنا.

ثم اخذوني امروني ان احمل بندقية معهم. ولكني رفضت، فما كان منهم الا اطلقوا النار بين قدمي كي اوافق. ولم اجد مفراً من الانصياع الى اوامرهم».

طفل للحرب ويقول طفل اخر يدعى اليو يبلغ من العمر 14 عاماً انه تم اختطافه عام 1998 عندما كان لا يزال في التاسعة من عمره. جاء ستة من المتمردين الى المكان الذي كنت اسكن فيه مع عائلتي واقتحموا منزلنا بحثاً عن الطعام. وقالوا لوالدي انهم يريدون طفلاً لكي يحارب معهم فأخذت امي في البكاء، واعترض ابي ولكنهم هددوا بقتله. ثم اخذوه ليناقشوا معه الامر وراء المنزل وهناك قتلوه، وجاء احدهم واصطحبني بالقوة. وبذلك اجبروني على المحاربة معهم. وفي اول معركة خضتها معهم قتلت احد الأشخاص في مدينة لونار. فقد حدث ان قام المتمردون باختطاف عشرة من المدنيين، وكان قائد المتمردين يسألهم عن مكان اختباء جنود الحكومة، وعندما رفضوا الرد عليه، امرني ان اقتل واحدا منهم وإلاّ اطلق هو النار عليّ. فأطلقت النار على صدره، فوقع صريعاً. بعد ذلك اصبحت قائداً لعشرة اولاد يحاربون مع المتمردين تتراوح اعمارهم من 15 عاماً الى 18 عاماً. ويستطرد اليو قائلاً: «طوال الوقت يحاول المتمردون اجبارنا على تدخين المارجوانا ويقولون لنا انها تساعد على وقايتنا من الأمراض التي تنتشر في مناطق الادغال والغابات التي ننتقل خلالها. وكانوا يضعون المخدرات في اجسامنا عن طريق فتح جزء من الوجه ووضع المخدرات به ثم ربط الجزء المفتوح بأي وسيلة. وبعد ان تتم هذه العملية اشعر بدوار شديد ووهن يصيب كل جسمي.

ويضيف اليو قائلاً: «لقد ارتكبنا جميع أنواع الجرائم والان نشعر بالخجل واللوم الشديدين. وفي الوقت نفسه يتملكنا الخوف من ان يأتي هؤلاء مرة اخرى ويجبروننا على خوض المعارك معهم ثانية. أتمنى ان اواصل دراستي وان احجم عن ممارسة تلك الاعمال الوحشية. فأنا لا ارغب في القتل ولا الاضرار بالناس.

لاشك ان حديث هؤلاء الأطفال مليء بالشجون واحيانا يصيب المرء بالهلع الشديد ما طبيعة الحياة في هذه الاجزاء المهمشة من الكرة الارضية، ويجعل اتخاذ اجراءات صارمة ضد هؤلاء الذين أجبروا هؤلاء الأطفال على انتهاج هذا المسلك امراً حتمياً والعمل على عدم تكراره امراً اكثر حتمية. فالمجتمع الدولي هنا مطالب بالتدخل بأسرع ما يمكن لحماية مستقبل هؤلاء الأطفال من الضياع.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا