التحالف بين اليمين المسيحي الأميركي واللوبي اليهودي وضعت لبناته في عهد ريغان

اقام غاري باور، المسيحي المحافظ الذي نشأ في ولاية كنتاكي وكان والده يعمل بوابا، ووليام كريستول، الاب الروحي للمثقفين اليهود بمدينة نيويورك، ومنذ فترة ليست بالقصيرة، صداقة حميمة وتحالفا قويا غير متوقع، باعتبارهما رمزين من رموز اليمين. وقد وقف الاثنان معا في قضايا مثل الدفاع عن قيم العائلة وتعيين كليرانس توماس لعضوية المحكمة العليا.اما القضية التي توحدهما الان فهي اسرائيل، كما ان تأييدهما العميق لها يشير الى عمق هذا التأييد من قبل كل فئات اليمين الاميركي. ان هذا التأييد يأتي من فئات كثيرة. فهو يأتي من الصقور المهتمين بقضايا الامن القومي الذين ينظرون لاسرائيل باعتبارها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط والحليف الوحيد الذي يمكن للولايات المتحدة ان تعتمد عليه، كما يأتي من المتعصبين الدينيين الذين يعتقدون ان اسرائيل هي ارض الميعاد التي وعد الله باعطائها الى اليهود. وقد وجه كثير من المفكرين الذين يقودون ذلك القسم من الحزب الجمهوري الذي يعتبره الرئيس جورج بوش قاعدته السياسية، انتقادات عالية الصوت لجهوده لصنع السلام في الشرق الاوسط، متهمين تلك الجهود بانها محاولات مشوشة تعرقل حملة الادارة نفسها ضد الارهاب. ويقول خبراء الاستراتيجية ان التحول العميق في الحزب الجمهوري لصالح اسرائيل يعبر عن تحولات اعمق في طبيعة الحزب. ونسبة لان اغلبية اليهود كانت تصوت لصالح الحزب الديمقراطي فقد كان الرؤساء الجمهوريون قادرين دوما على الاختلاف مع اسرائيل. وقد رفض الجنرال ايزنهاور مثلا، ان يدعم الحملة التي قامت بها بريطانيا وفرنسا واسرائيل ضد مصر عندما قامت الاخيرة بتأميم قناة السويس. ودخل الرئيس جورج بوش الاب في نزاعات متعددة مع اسرائيل.

اما الان فيقوم غاري باور، (55 سنة)، بارسال رسالة يومية تصل الى حوالي 100 الف من المسيحيين المحافظين، تدافع عن اسرائيل ومطالبها. وقام كريستول، (49 سنة)، وهو محرر مجلة «ويكلي ستاندرد» بنقد سياسة بوش الشرق اوسطية في مجلته وفي مذكرات تنشرها مجموعة برئاسته تسمى «مشروع القرن الاميركي».

وقال كريستول: «نحن نعتقد انه لا يمكن ان تقوم قائمة لعملية سلام احد اطرافها يدعم الارهاب. وليس في وقت تنخرط فيه انت في حرب ضد الارهاب».

وهذان الرجلان لا يقفان وحدهما في الساحة، فقد تم التعبير عن نفس هذه الرسالة بكل حدتها من قبل دعاة السوق الحر في وول ستريت جورنال، ومقدمي البرامج الاذاعية مثل راش ليمبوف. فقد قالت صحيفة «وول ستريت» في افتتاحيتها هذا الاسبوع: «فجأة تحول الرئيس الذي بلغت شعبيته عنان السماء لموقفه المبدئي، الى منتحل شخصية. فقد كل مؤشرات سياسته الخارجية». وقد ترافق هذا التعليق مع عودة وزير الخارجية كولن باول من الشرق الاوسط وهو خالي الوفاض.

وجاء في «ناشونال ريفيو» الحاملة الاخرى لشعلة اليمين الاميركي: «كانت السمعة التي تتمتع بها الادارة تتسرب مع كل تصريح جديد».

جذور التفكير اليميني الجديد كانت قد غرست مع رونالد ريغان، عندما نجحت نزعته المتطرفة في العداء للشيوعية، ودعوته لشبكة قوية من الدفاع الصاروخي، في جذب مجموعة قوية من المحافظين الجدد المؤيدين لاسرائيل، الذين كانوا في صفوف الحزب الديمقراطي مثل جين كيركباتريك، التي عملت سفيرة له في الامم المتحدة، وريتشارد بيرك، الذي عمل مساعدا لوزير الدفاع. وقد تمكن الرئيس ريغان الذي كان مؤيدا قويا لاسرائيل، من فتح الباب واسعا لليمين المسيحي المحافظ في الحزب الجمهوري. وفي ما يعتبر حاليا نقطة تحول تاريخية في بناء التحالف الجمهوري الجديد، اعطى ريغان مكانا مرموقا للمحافظين المسيحيين، عندما اعلن امام مؤتمر الخطباء الانجليكانيين: «انتم لا تستطيعون ان تعتبروني منكم، ولكنني اعتبركم مني».

التيار الذي اطلقه ريغان بلغ اشده الان، وليس امام الرئيس بوش سوى ان يتعامل مع حزب جمهوري تغير بصورة جوهرية.

ويقول مارشال ويتمان، اليهودي المحافظ الذي كان فيما مضى قائدا لحملات التحالف المسيحي: «للمرة الاولى في تاريخ الحزب الجمهوري، هناك مجموعة قوية مؤيدة لاسرائيل تطالب باهتمام البيت الابيض».

ويعزو المحافظون في الحزب الجمهوري، دعمهم لإسرائيل الى عوامل كثيرة، بضمنها تأثير اليهود الذين أصبحوا محافظين في الفترة الأخيرة، وتصاعد نفوذ منظمة المواجهة والاهتمام الشعبي بالنموذج المحافظ الجديد. وتابع كريستول خطى أبيه. ففي سنة 1972 حينما كان طالبا في جامعة هارفارد، قام بتوزيع نشرات أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية، لصالح السيناتور هنري جاكسون. لكن ذلك المرشح الديمقراطي المؤيد لوجود جيش قوي، فشل في مسعاه. وقال كريستول: «انا بشكل عام مع تطوير القوة العسكرية الأميركية ومع دعم الأنظمة الديمقراطية في العالم، ودعم اسرائيل هو جزء من هذا».

لكن آراءه آلت به بعد فترة قصيرة للتحول إلى الحزب الجمهوري، حيث أصبح رئيس الفريق العامل مع دان كويل نائب الرئيس الأسبق.

وتعرف كريستول إلى باور عندما كان الاثنان يعملان تحت إدارة وليام بينيت، في وزارة التعليم أثناء فترة حكم ريغان. وكلاهما ناضل لاعادة فرض القيم العائلية التقليدية في قاعات الدراسة. وخلق هذا العمل المشترك صداقة قوية بينهما، بحيث ظلت اسرتاهما ولأكثر من عقد تقضيان العطلة معا.

ويأتي دعم باور لإسرائيل من مصدر آخر مختلف عما يدفع كريستول في موقفه المناصر لإسرائيل، وهو مناصر للروح المحافظة من منطلق مختلف. وكان باور قد فشل في الحصول على ترشيح حزبه للانتخابات الرئاسية لسنة .2000 ويقول: «أنا اختلف كليا عن اصدقائي في الحزب الجمهوري، من حيث انني أعرف ماذا يعني للأسرة التي يستمر معها الراتب الى يوم الأربعاء بينما تستمر الفواتير حتى يوم الجمعة».

وأصبح باور مناصرا للحزب الجمهوري حينما كان طالبا في الثانوية، حيث شاهد آنذاك ريغان وهو يلقي خطابا سنة 1964 في «باري غولد ووتر».

وينبع دعم باور لإسرائيل، حسب قوله، من علم اللاهوت والآيديولوجيا. فـ«كأنجيليكاني، أؤمن بالكتاب المقدس، ووفق الكتاب فان الرب اقام عهدا لليهود بانه سيعطيهم الأرض (الفلسطينية)».

اضافة الى ذلك، يدعو باور الولايات المتحدة واسرائيل بـ«الحليفين» بصيغة تذكر بأجواء الحرب الباردة، ويتحدثان عن اجواء يواجه فيها الاسلام الديمقراطيات الغربية.

ولا يستطيع باور وكريستول أن يكتشفا عبر كل احاديثهما الطويلة، متى وجدا هذا الالتزام المشترك تجاه إسرائيل. لكن كريستول يتذكر انه سأل صديقه أي ردود فعل يلقى من انصاره تجاه مواقفه الخاصة بالشرق الأوسط. قال باور آنذاك: «إنهم يتفقون معي، وانهم متحمسون ايضا لارائي». ويتذكر كريستول، إن ذلك كان اول اكتشاف له بانهما لم يكونا فقط محافظين دينيين ومؤيدين لإسرائيل، بل أن هذا التأييد مسألة مهمة بالنسبة لهما.

وينسب الجمهوريون تأييد المحافظين لإسرائيل الى عدد من الاعتبارات بما فيها تأثير اليهود غير المحافظين وبروز التيار اليميني المسيحي، الذي يعتقد بوجوب التأييد الكنسي لإسرائيل. كما حرص حزب الليكود في إسرائيل على إقامة علاقات مع المحافظين. وبعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) ، توفرت لدى عدد من المحافظين الذين تبنوا اتباع سياسة خارجية متشددة، قناعة بأن إسرائيل يمكن أن تلعب دورا مهما في الحرب ضد الإرهاب.

كذلك فان تخلي باتريك بوكانان وأتباعه عن توجهاتهم الجمهورية ساهم أيضا في إسكات أصوات المحافظين الذين كانوا أشد انتقادا لإسرائيل. وقال ريتشارد لاوري، المحرر في «ناشيوناال ريفيو»: كان ذلك جزءا من تحرك استهدف معظم من لا يؤيدون إسرائيل ومعظم أنصار العرب. فهؤلاء عمليا أصبحوا خارج الصورة».

خلال الستينات من القرن الماضي وما سبقها تضمنت حركة المحافظين عناصر من أمثال جمعية جون بيرش ، التي كانت تعتبر معادية لليهود. وهذه العناصر هي الأخرى تلاشت. وفي بعض الأحيان، حدثت توترات في التحالف المؤيد لإسرائيل بشأن قضايا مثل تمكن الأصوليين المسيحيين من تحويل بعض اليهود للمسيحية. وقد جاء في شرائط مسجلة أفرج عنها مؤخرا وتضم حديثا بين القس بيلي غراهام والرئيس الاسبق ريتشارد نيكسون إن اليهود اليمينيين هيمنوا على وسائل الإعلام. وفي اعتذاره الصادر مؤخرا ، قال غراهام، البالغ من العمر الآن 83 عاما إنه كان عليه أن لا يتفق مع نيكسون.

حجم التأييد الذي تتمتع به إسرائيل الآن داخل الكونغرس بات واسعا بطريقة تشمل الحزبين الرئيسيين وبرامج عملهما، مع تنسيق النائب توم ديلي (عن تكساس) وهو المحافظ الذي يتزعم جناحا في أغلبية المجلس ، لجهوده مع النائب الديمقراطي عن كاليفورنيا توم لانتوس، لجهودهما من أجل إصدار قرار التضامن مع إسرائيل.

وقد قال ويتمان: «إن لدينا واحدة من أكثر حالات الزواج التي شهدناها على مر الزمان إثارة بين المجموعة الجديدة من المحافظين الجدد واليمين المتدين وهم يؤيدون إسرائيل بحماس، ويتجسد هذا الأمر في بيل كريستول وغاري باور». (الشرق الأوسط)

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا