|
إزدهار عهد الكتاب الروسي مجدداً |
عاد الروس للانكباب على القراءة والمطالعة بعد فترة استمرت عدة سنوات تراجع خلالها اقبال المواطنين الروس على هذه العادة الجماهيرية التى ظلت تميز السوفيات لدهر من الزمان. ويلاحظ الزائر للعاصمة الروسية مؤخرا الاقبال منقطع النظير للمواطنين الروس على اسواق الكتب والاكشاك التى تنتشر فى كل مكان ناهيك على الاف المواطنين الذين تأبطوا كتبهم اثناء تنقلاتهم اليومية الطويلة فى القطارات ومترو الانفاق. وتقوم كل من ثمانية وعشرين دار للنشر والطباعة فى روسيا الاتحادية باصدار اكثر من مليون كتاب سنويا فيما ضربت رقما قياسيا غير مسبوق عندما اصدرت مجتمعة فى عام2000 فقط 455 مليون كتاب. وتزخر اسواق الكتب الروسية بالاعمال الفكرية والروايات المترجمة عن اللغات الاجنبية بعد ان غابت رقابة القسم الايدولوجى للحزب الشيوعى السوفياتى الذى لم يكن يسمح بترجمة المؤلفات التى لا تتناغم مع الرؤية الواقعية الاشتراكية. ويلاحظ النقاد الادبيون غياب الاقبال على الكتب الجادة لدى قراء العهد الجديد من الشباب الذين تتراوح اعمالهم بين 15 و 25 سنة وانكبابهم على مطالعة الروايات البوليسية المشوقة وكتب الجنس والجريمة. واعتلت هذه الموجة الاعمال التى ألفتها الكاتبة الروسية الكسندرا مارينينا التى تخصصت فى الروايات البوليسية بعد ان استفادت من تجربتها فى العمل فى الاجهزة الامنية وسارت على دربها فى السنوات الاخيرة الكاتبة بولينا داشكوفا. وتعتبر الكاتبة مارينينا من ابرز كتاب المرحلة المعاصرة حيث ألفت خلال عشر سنوات الاخيرة 24 رواية بوليسية طبعت فى 26 مليون نسخة لاقت اقبالا غير مشهودا لدى القراء من جيل الشباب. وتتميز روايات هذه الكاتبة بالاسلوب السهل البسيط الذى يعتمد على التشويق وهى تحظى باهتمام بين الشرائح التى تقرأ بهدف التسلى ناهيك عن ان بعض رواياتها تحولت الى اعمال سينمائية موفقة وخاصة رواية (كامينسكيا) التى تحدثت عن تجربة سيدة روسية تعمل فى الاجهزة الامنية. ومع ذلك فان شرائح هامة من القراء الذين يجنحون نحو التعرف على الادب الاكثر عمقا ويبدون اهتماما بمؤلفين من امثال بوريس اكونين الذى تتميز اعماله بحرفية لغوية رفيعة المستوى وموضوعات اجتماعية مثيرة تحظى باهتمام المتابعين للادب المعاصر رغم كونها تسعى لتحقيق النجاح التجارى بالدرجة الاولى. وعلى ضوء النجاح الذى حققته روايته الشهيرة (ازازبيل) التى تحدثت عن مصير احد المحققين الذى حاول ملاحقة النشاط الماسونى فى روسيا فى بداية القرن الماضى سرعان ما وجدت طريقها الى السينما على يد المخرج السينمائى الكسندر ادابوشيان الذى حول الرواية الى فيلم سينمائى ناجح جمع الملايين من المشاهدين حول الشاشة الصغيرة عندما عرض الاسبوع الماضى عبر احدى القنوات الروسية. ويعتقد النقاد ان نجاح الكاتب اكونين فى هذه المرحلة يعود الى حاجة الطبقة الوسطى من القراء الذين لا يريدون اجهاد انفسهم فى قراءة الادب الجدى الهادف ويرفضون فى الوقت نفسه الاعمال التجارية الهابطة ذات التوجهات الرخيصة. وحاولت الكاتبة المعاصرة تتيانا تولستايا التى تحمل نفس اسم عائلة الروائى الروسى العظيم الكسى تولستوى اعادة امجاد الادب الكلاسيكى الروسى من خلال اعمال ادبية رقيقة ورفيعة المستوى تعالج مشاكل اجتماعية جدية ابرزها روايتها (ثار كيس)التى تحدثت عن معاناة سيدة روسية فى الظروف المعاصرة. ولاحظ نقاد الادب ان الطلب ازداد فى الاونة الاخيرة على اعمال الكاتبة تولستايا بعد ان ظلت كتبها مكدسة على الرفوف فى سنوات انحطاط الذوق خلال التسعينات الامر الذى يفسر على بروز جنوح نحو الادب الملتزم. وعموما تحظى بالرواج لدى القراء الروس الكتب والمؤلفات التى تتحدث عن عالم الغيب والخيال وتفسير الاحلام وعلم النجوم والابراج وقراءة الكف والفنجان التى كانت ممنوعة ابان العهد الشيوعى على اساس انها ادبيات برجوازية لا تمت بصلة للنظرية الجدلية المادية. ومن الملاحظ ان مؤلفات واضعى النظرية الشيوعية ماركس وانجلز ولينين التى كانت مكدسة فى اسواق الكتب والمخازن والمكتبات قد غابت تماما ولم يعد لها اثر علما بان الدولة السوفياتية كانت تنفق الملايين من الدولارات على اصدار الادبيات الشيوعية ضمن توجهات السياسة الدعائية. وغزت الادبيات الغربية فى مختلف مجالات العلوم الاجتماعية وخاصة الفلسفة والعلوم السياسية وعلم الاجتماع الاسواق الروسية وتربعت بكل قوة مكان مؤلفات المنظيرين الشيوعيين. وللاسف فان المطبوعات الصادرة باللغة العربية كانت من اولى ضحايا العهد الادبى الجديد فى روسيا الاتحادية حيث اغلقت (دار التقدم) التى كانت تترجم الاعمال الادبية الى العربية ابوابها وتوقفت عن العمل دار ( مير) للنشر فيما لم يعد يصدر العدد العربى من مجلة اخبار موسكو التى كانت توزع فى الدول العربية ايام العهد السوفياتى. ويلقى النقاد الروس باللوم على دور النشر العربية لعدم حرصها على ايجاد موقع قدم لها فى سوق الكتب الروسية التى تحولت الى مرتع للادبيات الصهيونية. ويدعو هؤلاء النقاد الى ضرورة افتتاح اسواق للكتب العربية فى المدن الروسية والقيام بترجمة الاعمال الادبية البارزة من الروسية الى العربية وبالعكس من اجل ضمان التواصل الثقافى بين العالم العربى وروسيا عن طريق الكتاب الذى لا يزال اعظم سفير للثقافة. عن كونا
|