القشطيني يكتب في الشرق الأوسط...

كتب خالد القشطيني مقالاً في جريدة الشرق الأوسط يعنوان (وداعا لابن السماحة وشيخ السلام: الشيرازي) بعددها الصادر في 27/12/2002م جاء فيه..

فقد الإسلام في الأيام الأخيرة عالما من ابرع علمائه واكثرهم تحرراً وتطوراً وإنسانية، وهو الإمام السيد محمد حسن الشيرازي، العالم العراقي المولد والنشأة. توفاه الله في إيران عن خمس وسبعين سنة، حمل معه من كربلاء والنجف تلك الميزة التي طالما تميز بها علماء هاتين المدينتين المقدستين، واقصد بها روح الثورة والتحرر، حتى قورن رحمة الله عليه بمحمد عبده والكواكبي والافغاني، لكنه تميز عن هؤلاء بدعوته إلى اللاعنف وتحاشي الحرب وسفك الدماء، وهو طبعاً ما حملني إلى الكتابة عنه.
كني الفقيد بصاحب الألف كتاب، فقد عاش مكرساً جلّ حياته للدرس والبحث والتأليف. وإذا كانت حياته قد تمخضت عن مثل هذا الإنتاج، فمن البديهي أن نتوقع منها تنوعاً هائلاً في المواضيع والاهتمامات والاجتهادات، لا سيما وهو على ما تميز به من تفكير حر وتطلع إلى التجديد والتحدي الذي جعله هدفاً لغضب ونقمة السلطات في كلا البلدين، حيث اضطر إلى النزوح من العراق والوقوع تحت ضغط النظام الثوري في إيران الذي فرض عليه الإقامة الجبرية في قم. وكانت من حسراتي في الحياة أن اقضي يوماً في تلك المدينة المشرفة دون ان استطيع زيارته والالتقاء به.
كثيرا ما نستطيع اختبار تنور المرء وتحرره في موقفه من المرأة، يصدق ذلك على رجال الدين كما يصدق على رجال العلم والسياسة، ولآية الله الشيرازي موقف مجيد على هذا الصعيد، كان يحض على ضرورة تعليم المرأة على سائر المستويات والدرجات. وطبق ذلك على بناته حتى أوصلهن إلى مرحلة التدريس والوعظ، كان له ايمان عجيب في عظمة الفكر وحرية الفكر فتفرد في منفاه بامتناعه عن تكفير الأدباء والعلماء والمفكرين مهما اختلفوا عنه رأيا وخرجوا عن السبيل مروقاً. هكذا لم يكفر سلمان رشدي أو يضم رأيه لهدر دمه، كلا ولا كفر الشيوعيين أو الماركسيين.
تعرض في كتابه «السبيل إلى انهاض المسلمين»، إلى مسألة العنف واللاعنف، والحرب والسلام، فتوغل في ابراز الجوانب السلمية والإنسانية عن الدين الإسلامي. وكان من ملاحظاته الطريفة ان آل البيت، وهو من سلالتهم، تحاشوا عبر تاريخهم الطويل زج انفسهم أو أنفس اصحابهم بالقتل وسفك الدماء، تمسكوا غالباً إن لم نقل دائما، باللاعنف والسلامية، لكنه كعالم مجتهد، لم يخف عنه بالطبع الحروب التي خاضها المسلمون، وهنا نجده يعطي هذا الاجتهاد، وهو ان القتال بالنسبة للمسلم حالة اضطرار، مثلها في ذلك مثل أكل الميتة، كما قال لا يجوز القتال للمسلم ما لم تفرضه الضرورات عليه.
يورد الفقيد رحمه الله أمثلة علمية رائعة عن الطريقة التي انتشر بها الإسلام في الجزيرة العربية واستطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يؤمن ولاء القبائل وسكان مكة ويوطد السلام بمجرد الأساليب السلمية، الدبلوماسية، العفو، العدل، الإحسان، والتسامح.
في هذه الأيام الحالكة التي أصبح فيها الإسلام والمسلمون موضع سخرية وتجريم الآخرين، ما أجدرنا بأن نترجم وننشر ما كتبه الشيرازي ودعا إليه لنظهر هذا الجانب المشرق من دين محمد، لا، بل وأهم من ذلك، ان نعلمها لأولادنا بدلا من كل هذا التركيز على الحرب والسيف والمعارك التي نشأنا عليها.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا