عودة إلى صفحة مكتبة النبأ

إتصلوا بنا

شارك في الكتابة

الأعداد السابقة

الصفحة الرئيسية

 
 

اللاعنف في الإسلام

الفصل الثالث.. اللاعنف في سيرة الرسول (ص) وأهل بيته(ع)

 

- الرسول الأعظم(ص) واللاعنف

إحدى أهم الأدلة على أنّ الإسلام يتّبع اُسلوب اللاّعنف هي منهجية الرسول الأعظم(ص) وسيرته في تعامله حتى مع مناوئيه، حيث إنّه (ص) قدّم للبشرية جمعاء خير شاهد على أنّ الإسلام يدعو إلى اللاّعنف وينبذ البطش والعنف.

ونذكر هنا بعض الشواهد:
 

- الإرفاق بالأسرى

عندما فتح الإمام علي (ع) خيبر أخذ فيمن أخذ صفيّة بنت حييّ بن أخطب فدعا بلالا فدفعها إليه، وقال له: يا بلال لا تضعها إلاّ في يدي رسول الله(ص) حتّى يرى فيها رأيه .

فأخرجها بلال ومرّ بها في طريقه إلى رسول الله (ص) على القتلى، فكادت تزهق روحها جزعاً، فقال رسول الله (ص) لمّا علم بذلك: أنُزعت منك الرحمة يابلال ؟

ثمّ عرض رسول الله (ص) عليها الإسلام، فأسلمت، فاصطفاها لنفسه ثمّ أعتقها وتزوّجها، فكانت امرأة مؤدّبة(1).
 

- من مكارم رسول الله (ص)

إن رسول الله (ص) لم يهدر دم أحد إلا إذا كان مستحقاً للقتل لعظيم جرمه، وكانوا قلة، كقاتل عمه حمزة، ومع ذلك فإن أكثرهم استأمن لهم بعض معارفهم، فأمنهم رسول الله (ص) وخرجوا من استتارهم، وجاءوا إليه (ص)  وأسلموا على يديه، فقبل إسلامهم وعفا عنهم.

وكان أحد هؤلاء: صفوان بن اُميّة، وقد فرّ يومئذ، فاستأمن له عمير بن وهب الجمحي رسول الله (ص)، فأمنه، وأعطاه عمامته التي دخل بها مكّة.

فلحقه عمير وهو يريد أن يركب البحر فردّه وقال: ياصفوان، اذكر الله في نفسك أن تهلكها، فهذا أمان رسول الله (ص) قد جئتك به.

فقال صفوان، وهو يستبعد ذلك حسب رأيه وحسب الموازين الحاكمة في الجاهلية سابقاً: اُغرب عنّي فلا تكلّمني .

فقال له عمير، وهو يريد أن يطمئنه: أي صفوان اُعلمك أنّ أفضل الناس وأبرّ الناس وخير الناس ابن عمّك، عزّه عزّك، وشرفه شرفك، وملكه ملكك .

فقال صفوان، وهو يبدي ما في قرارة نفسه وما انطوى عليه الجاهليون من الغدر: إنّي أخافه على نفسي .

فقال له عمير: انّه ليس كما تتصوّر، بل هو أحلم من ذلك وأكرم .

فاطمأنّ صفوان لما أراه عمير عمامة رسول الله (ص) التي بعثها إليه علامة لأمانه.

فرجع معه حتّى وقف به على رسول الله (ص)، فقال: هذا يزعم أنّك أمّنتني ؟

فقال (ص): صدق .

قال: فاجعلني بالخيار شهرين .

قال (ص): أنت بالخيار أربعة أشهر.
 

- مع عكرمة بن أبي جهل

وكذلك من الأشخاص الذين أُستأمن لهم فآمنهم رسول الله(ص)  عكرمة بن أبي جهل، حيث استأمنت له زوجته اُمّ حكيم بنت الحارث بن هشام وأخبرت زوجها بذلك وهي تقول له: جئتك من عند أوصل الناس، وأبرّ الناس، وخير الناس، لا تهلك نفسك وقد استأمنت لك فآمنك.

فجاء معها إلى رسول الله (ص) وأسلم على يديه، ثمّ قال: يا رسول الله مرني بخير ما تعلم فاعمله.

قال (ص): قل أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله وجاهد في سبيل الله.
 

- عفوه عن ابن الزبعرى

ينقل إن عبد الله بن الزبعرى كان يهجو رسول الله (ص) ويعظم القول فيه والوقيعة في المسلمين، وعندما فتحت مكّة فرّ منها، وبعد أن عرف أنّ الرسول (ص) رسول الرحمة والإنسانية رجع إلى مكّة واعتذر من الرسول (ص) ممّا بدا منه.

فقبل الرسول الأعظم (ص) عذره وأمر له بحلّة، وعلى أثر ذلك أسلم، وأنشد شعراً يقول فيه :

ولقد شهدت أنّ دينك صادق     حقّاً وإنّك في العباد جسيم

والله يشهد أنّ أحمد مصطفى      مستقبل في الصالحين كريم

وقال أيضاً :

فالآن أخضع للنبي محمّد           بيد مطاوعة وقلب نائب

ومحمّد أوفى البريّة ذمّة       وأعزّ مطلوب وأظفر طالب

هادي العباد إلى الرشاد     وقائد للمؤمنين بضوء نور الثاقب

إنّي رأيتك يا محمّد عصمة     للعالمين من العذاب الواصب(2)
 

- يهودي يحبس الرسول (ص)

عن أمير المؤمنين (ع) انّه قال: إنّ يهودياً كان له على رسول الله(ص) دنانير ، فتقاضاه.

فقال (ص) له: يا يهودي، ما عندي ما أعطيك.

فقال: فإنّي لا اُفارقك يا محمّد حتّى تقضيني.

فقال: إذن أجلس معك.

فجلس (ص) معه حتّى صلّى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخر والغداة، وكان أصحاب رسول الله(ص) يتهدّدونه ويتواعدونه.

فنظر رسول الله (ص) إليهم فقال: ما الذي تصنعون؟

فقالوا: يا رسول الله يهودي يحبسك؟

فقال: لم يبعثني ربّي عزّوجلّ بأن أظلم معاهداً ولا غيره.

فلمّا علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله وشطر مالي في سبيل الله(3).

- الإسلام والسجون

من الشواهد على أنّ الإسلام يتبع أُسلوب اللاّعنف إنّه لم يكن للرسول الأعظم (ص) سجن اطلاقاً، بل كان إذا أراد أن يودع أحداً في السجن ليوم أو لأيّام معدودات ـ أقلّ من أصابع اليد ـ كان يحفظه في دار كانت بباب المسجد .

وقد بقي هذا القانون حتّى زمان أبي بكر أمّا في زمان عمر فقد استأجر داراً وجعلها سجناً ليوم أو لبعض الأيّام لأشخاص قلّة(4).

بل حتّى الأُسراء لم يودعهم الإسلام في السجون أو المعسكرات وإنّما كانوا مطلقين، فمن شاء منهم أن يذهب إلى بلده ومن شاء منهم أن يبقى في المدينة المنوّرة، وهذا ما يستفاد من قوله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) (5). حيث كان الأسير يسير بحريته.
 

- عفوه (ص) عن الأعرابي

عن جابر بن عبد الله: إنّ النبي (ص) نزل تحت شجرة فعلّق بها سيفه ثمّ نام، فجاء أعرابي فأخذ السيف وقام على رأسه، فاستيقظ النبي (ص).

فقال الرجل: يا محمّد من يعصمك الآن منّي ؟

قال: الله تعالى.

فرجف وسقط السيف من يده.

وفي خبر آخر: إنّه بقي جالساً زماناً ولم يعاقبه النبي(ص) (6).
 

- رحلته (ص) إلى الطائف

لمّا اشتدّ بلاء قريش على رسول الله(ص) وعقيب وفاة ناصره وحاميه أبي طالب (ع) عانى الرسول (ص) من سفهاء قريش ما عاناه، حيث إنّهم تجرّؤوا عليه وكاشفوه بالأذى ونالوا منه ما لم ينل قومه في مكّة .

وقد كان معه آنذاك زيد بن حارثة مولاه، فأقام بينهم في الطائف عشرة أيّام لا يدع أحداً من أشرافهم إلاّ جاءه وكلّمه.

فقالوا: أخرج من بلادنا، وأغرّوا به سفهاءهم، فأخذوا يرجمون عراقيبه(ص) بالحجارة حتّى اختضبت نعلاه بالدماء.

وكان (ص) إذا أذلقته الحجارة قعد إلى الأرض فيأخذونه بعضديه ويقيمونه، فإذا مشى رجموه وهم يضحكون، بينما كان زيد بن حارثة يقيه بنفسه، حتّى لقد شجّ في رأسه شجاجاً، وما زالوا به حتّى ألجئوه إلى حائط لابنيّ ربيعة: عتبة وشيبة.

فعمد إلى الظلّ وانصرف عنه السفهاء، فأخذ  (ص) يناجي ربّه ويدعوه بالدعاء المأثور قائلا (ص): (اللهمّ إنّي أشكو إليك ضعف قوّتي، وقلّة حيلتي، وهواني على الناس، أنت أرحم الراحمين، وربّ المستضعفين، وأنت ربّي، إلى من تكلني؟ إلى عدوّ بعيد يتجهّمني، أو إلى عدوّ ملّكته أمري، إن لم يكن بك عليّ غضب فلا اُبالي، غير أنّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك، أو يحلّ عليّ سخطك، لك العتبى حتّى ترضى، ولا حول ولا قوّة إلاّ بك ).

فلم يدع على القوم أبداً، بل كان يقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.
 

- اللاّعنف في غزوة أُحد

عندما انكشف المسلمون يوم اُحد وانهزموا، عمد المشركون إلى رسول الله(ص) فرشقوه بالحجارة حتّى شجّ في وجهه وكلّمت شفته السفلى، وكادوا أن يقتلوه (ص) لولا حفظ الله تعالى له.

فقام (ص) رافعاً يديه نحو السماء وهو يقول: إنّ الله اشتدّ غضبه على اليهود حين قالوا: عزير ابن الله، واشتدّ غضبه على النصارى أن قالوا: المسيح ابن الله، وانّ الله اشتدّ غضبه على من أراق دمي، وآذاني في عترتي .

وفي الحديث: انّه (ص) كلّما سال الدم على وجهه المبارك تناوله بيده فرمى به في الهواء، فلا يرجع منه شيء .

وقد قيل له (ص): ألا تدعو عليهم ؟

فقال (ص): اللهمّ اهد قومي فإنّهم لا يعلمون .

ثمّ كان يقول(ص) أسفاً عليهم: كيف يفلح قوم خضّبوا وجه نبيّهم بالدم وهو يدعوهم إلى الله.
 

- عفوه عن هبّار

روي أنّ هبار بن الأسود كان ممّن عرض لزينب بنت رسول الله(ص)  حين خرجت من مكّة إلى المدينة، حيث روعها هبّار بالرمح وهي في الهودج وكانت حاملاً فلما رجعت طرحت ذا بطنها، وكانت من خوفها رأت دماً وهي في الهودج، فلذلك أباح الرسول(ص) يوم فتح مكة دم هبّار بن الأسود، ففرّ هبّار.

ثمّ قدم على رسول الله (ص) بالمدينة ـ ويقال أتاه بالجعرانة حين فرغ من حنين ـ فمثّل بين يديه وهو يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّك رسول الله (ص).

فقبل الرسول (ص) إسلامه وعفا عنه(7).
 

- مع ابنة الطائي

وفي التاريخ: انّه هجم جند الإسلام على جبل طي وفتحوه وأخذوا الأسرى إلى المدينة، فكانت بنت حاتم الطائي فيهم.

فمرّ بها رسول الله (ص) فقامت إليه وقالت: يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنُن عليّ منّ الله عليك.

فلم يجبها الرسول (ص).

وفي اليوم الثالث أشار لها الإمام علي بن أبي طالب (ع) أن تعيد طلبتها.

فقالت: يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن عليَّ منَّ الله عليك.

فعفى النبي (ص) عنها وقال: لا تعجلي بخروج حتّى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتّى يبلغك إلى بلادك.

ولمّا قدم من قومها من تثق بهم قالت لرسول الله (ص): قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ.

فكساها رسول الله (ص) وأعطاها نفقة، فخرجت معهم حتّى قدمت الشام.
 

- اللاّعنف مع الأعرابي

روي عن أنس أنّه قال: كنت مع النبي (ص) وعليه برد غليظ الحاشية، فجذبه أعرابي بردائه جذبة شديدة حتّى أثّرت حاشية البرد في صفحة عاتقه(ص) ثمّ قال: يا محمّد احمل لي على بعيريَّ هذين من مال الله الذي عندك، فإنّك لا تحمل لي من مالك ولا مال أبيك.

فسكت النبي (ص) ثمّ قال: المال مال الله وأنا عبده.

ثمّ قال: ويُقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي؟

قال: لا.

قال: لِمَ ؟

قال: لأنّك لا تكافئ بالسيّئة الحسنة.

فضحك النبي (ص)  ثمّ أمر أن يحمل له على بعير شعير وعلى الآخر تمر(8).
 

- مع عبدالله بن أبي اُميّة

جاء في تفسير قوله تعالى: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الأرض يَنْبُوعاً) (9) أنّها نزلت في عبد الله بن أبي اُميّة أخي اُمّ سلمة (رحمة الله عليها).

وذلك أنّه قال هذا لرسول الله (ص) بمكّة قبل الهجرة، فلمّا خرج رسول الله(ص) إلى فتح مكّة استقبله عبد الله بن أبي اُميّة فسلّم، فلم يردّ عليه السلام وأعرض عنه ولم يجبه بشيء، وكانت اُخته اُمّ سلمة مع رسول الله (ص) فدخل إليها فقال: يا اُختي إنّ رسول الله(ص) قد قبل إسلام الناس كلّهم وردّ إسلامي، فليس يقبلني كما قبل غيري.

فلمّا دخل رسول الله (ص) على اُمّ سلمة قالت: بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ! سعد بك جميع الناس إلاّ أخي من بين قريش والعرب رددت إسلامه وقبلت إسلام الناس كلّهم .

فقال رسول الله (ص): يا اُمّ سلمة إنّ أخاك كذّبني تكذيباً لم يكذّبني أحد من الناس، هو الذي قال لي: (لن نؤمن لك حتّى تفجّر لنا من الأرض ينبوعاً).

فقالت اُمّ سلمة: بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ألم تقل: الإسلام يجبّ ما كان قبله ؟

قال: نعم.

فقبل رسول الله (ص) إسلامه(10).
 

- اليوم يوم المرحمة

إحدى الشواهد المهمّة الدالّة على أنّ الإسلام يدعو إلى اللاّعنف هي المواقف المهمّة التي اتّخذها رسول الإنسانية (ص) إثر فتح مكّة المكرّمة.

فلمّا دخل المسلمون مكّة كانت إحدى الرايات في يد سعد بن عبادة وهو ينادي برفيع صوته: اليوم يوم الملحمة.. اليوم تستحلّ الحرمة . يا معشر الأوس والخزرج، ثأركم يوم الجبل .

فأتى العبّاس النبي (ص) وأخبره بمقالة سعد.

فقال(ص): ليس بما قال سعد شيء، ثمّ قال للإمام علي(ع): أدرك سعداً فخذ الراية منه وأدخلها إدخالا رفيقاً.

فأخذ أمير المؤمنين (ع) الراية منه وأخذ ينادي برفيع صوته: اليوم يوم المرحمة.. اليوم تصان الحرمة(11).
 

- أخ كريم وابن أخ كريم

وبعد أن فتح الجيش الإسلامي مكّة المكرّمة تجلّت أيضاً عظمة الإسلام وانبرت حقيقته الناصعة الداعية إلى اللين واللاّعنف ونبذ العنف والبطش ..

فبعد أن كان أسياد قريش يتفنّون في إيذاء النبي (ص) وأصحابه دار فلك الزمان وانقلبت الموازين وإذا بنفس هؤلاء الأسياد يمتثلون بين يدي رسول الرحمة (ص) وينظرون ما هو صانع بهم..

فيا ترى ماذا صنع معهم رسول الله (ص) ؟

فهل ردّ إساءتهم بمثلها؟

أم ماذا ؟

يقول المؤرخّون: لمّا دخل صناديد قريش الكعبة وهم يظنّون أنّ السيف لا يرفع عنهم، أتى رسول الله (ص) البيت وأخذ بعضادتي الباب ثمّ قال: لا إله إلاّ الله، أنجز وعده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده.

ثمّ قال: ما تظنّون ؟

وما أنتم قائلون ؟

فقال سهيل بن عمرو: نقول خيراً ونظنّ خيراً، أخ كريم وابن عمّ.

قال: فإنّي أقول لكم كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، ألا إنّ كلّ دم ومال ومأثرة كان في الجاهلية فإنّه موضوع تحت قدمي(12).
 

- هكذا كان رسول الله (ص)

روي انّه بعد ما قتل وحشي حمزة سيد الشهداء عم النبي (ص) بعث وحشي جماعة إلى النبي (ص) انّه ما يمنعنا من دينك إلاّ أنّنا سمعناك تقرأ في كتابك أنّ من يدعو مع الله إلهاً آخر ويقتل النفس ويزني يلق آثاماً ويخلّد في العذاب ونحن قد فعلنا هذا كلّه؟

فبعث (ص) إليهم بقوله تعالى: (إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً) (13).

فقالوا نخاف أن لا نعمل صالحاً؟

فبعث إليهم (ص): (إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (14).

فقالوا: نخاف ألاّ ندخل في المشيئة.

فبعث إليهم (ص): (يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ

لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (15).

فجاءوا وأسلموا.

فقال النبي (ص) لوحشي قاتل حمزة: غيّب وجهك عنّي فإنّني لا أستطيع النظر إليك.

وهذا منتهى ما قال له الرسول (ص).
 

- الإمام علي(ع) واللاعنف

على خطى رسول الله (ص) وطبق منهجيته المؤكّدة على اللاّعنف سار الإمام أمير المؤمنين (ع) واحتذى بخطاه المباركة حيث انّه (ع) راح يقدّم للبشرية جمعاء أعظم دروس في اللاّعنف التي بقي صداها يدوّي حتّى هذا اليوم في شتّى أنحاء العالم.

إنّ من يتمعّن في سيرة أمير المؤمنين (ع) العطرة ويتأمّل مواقفه الخالدة يتجلّى له كالصبح لذي عينين، أنّه (ع) كان يدعو بشكل حثيث إلى اللاّعنف والعفو والسلام، وكان يعتمد على اللين والصفح الجميل، فمن تلك المواقف الخالدة التي قدّمها أمير المؤمنين(ع) في مجال اللاّعنف هو :
 

- الإمام علي (ع) وصاحب التمر

عن أبي مطر البصري: إنّ أمير المؤمنين (ع) مرّ بأصحاب التمر فإذا هو بجارية تبكي فقال(ع): يا جارية ما يبكيك ؟

فقالت: بعثني مولاي بدرهم فابتعت من هذا تمراً فأتيتهم به فلم يرضوه، فلمّا أتيته به أبى أن يقبله.

قال: يا عبد الله إنّها خادم وليس لها أمر، فاردد إليها درهمها وخذ التمر.

فقام إليه الرجل فلكزه(16)!.

فقال الناس: هذا أمير المؤمنين!.

فربى الرجل(17) واصفرّ وأخذ التمر وردّ إليها درهمها، ثمّ قال: يا أمير المؤمنين ارضِ عنّي.

فقال(ع): ما أرضاني عنك إن أصلحت أمرك(18).
 

- مع ابن الكوّاء

هناك واقعة اُخرى يتجلّى فيها مدى سماحة أمير المؤمنين (ع) وعدم عنفه التامّ حتّى في قبال من يرميه بالشرك الذي يعدّ من الكبائر.

ففي أحد الأيّام كان أمير المؤمنين (ع) يصلّي صلاة الصبح فقال ابن الكوّاء من خلفه: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ) (19).

فأنصت الإمام علي(ع) تعظيماً للقرآن حتّى فرغ من الآية، ثمّ عاد (ع) في قراءته.

ثمّ أعاد ابن الكوّاء الآية، فأنصت الإمام علي (ع) أيضاً، ثمّ قرأ.

فأعاد ابن الكوّاء، فأنصت الإمام علي (ع) ثمّ قال: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ) (20) ثمّ أتمّ السورة وركع(21).

 

- قد عفونا عنك

بعث أمير المؤمنين (ع) إلى لبيد بن عطارد التميمي في كلام بلغه، فمرّ به أمير المؤمنين (ع) في بني أسد، فقام إليه نعيم بن دجاجة الأسدي فأفلته، فبعث إليه أمير المؤمنين (ع) فأتوه به، وأمر به أن يضرب، فقال له: نعم والله إنّ المقام معك لذلّ، وإنّ فراقك

لكفر.

فلمّا سمع ذلك منه قال(ع) : قد عفونا عنك إنّ الله عزّوجلّ يقول: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) (22).

أمّا قولك إنّ المقام معك لذلّ فسيّئة اكتسبتها، وأمّا قولك إنّ فراقك لكفر فحسنه اكتسبتها فهذه بهذه(23).
 

- عفو عن ذنب

بلغ من التزام أمير المؤمنين (ع) باللاّعنف إنّه حتّى مع الخوارج لم يلجأ إلى القوّة معهم وإنّما عكف على نصيحتهم وتذكيرهم بالحقّ ولكنّهم أبوا إلاّ محاربة المسلمين فحينذاك دافع الإمام (ع) عن الأمة.

ففي أكثر من مرّة يعاود متعصّبي الخوارج إساءتهم وتجاسرهم على أمير المؤمنين (ع) إلاّ أنّه (ع) كان يلتزم باللاّعنف في قبالهم، فضلا عن ذلك كان يحثّ المسلمين إلى عدم التعرّض لهم.

فقد نُقل انّه مرّت امرأة جميلة في عهد أمير المؤمنين (ع) فرمقها القوم بأبصارهم فقال أمير المؤمنين (ع) إنّ ابصار هذه الفحول طوامح وإنّ ذلك سبب هناتها، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجّبه فليمس أهله، فإنّما هي امرأة كامرأة.

فقال رجل من الخوارج: قاتله الله كافراً ما أفقهه!

فوثب القوم ليقتلوه، فقال (ع): رويداً إنّما هو سبّ بسبّ أو عفو عن ذنب(24).
 

- ليس لك عندي إلاّ ما تحبّ

بين الفترة والاُخرى كان أمير المؤمنين (ع) يشرع بنصيحة الذين تقمصوا الخلافة ويرشدهم إلى درب الصواب، ولكنهم غالباً

لم يلتزموا.

يقول قنبر مولى أمير المؤمنين (ع): دخلت مع أمير المؤمنين (ع) على عثمان فأحبّ الخلوة فأومأ إليّ بالتنحّي فتنحّيت غير بعيد، فجعل عثمان يعاتبه، وهو مطرق رأسه، وأقبل إليه عثمان، فقال: ما لك لا تقول ؟

فقال (ع): ليس جوابك إلاّ ما تكره، وليس لك عندي إلاّ ما تحبّ، ثمّ خرج قائلا :

ولو أنّني جاوبته لأمضّه      نوافذ قولي واختصار جوابي

ولكنّني أغضي على مضض الحشا      ولو شئت أقداماً لأنشبّ نابي
 

- قل أستغفر الله وأتوب إليه

نُقل انّه جيء بموسى بن طلحة بن عبيد الله، فقال له أمير المؤمنين (ع): قل: (أستغفر الله وأتوب إليه) ثلاث مرّات، وخلّى سبيله، وقال: اذهب حيث شئت، وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه، واتّق الله فيما تستقبله من أمرك واجلس في بيتك(25).
 

- عفوت وصفحت

جاء في التاريخ: إنّ الإمام علي (ع) كان إذا صلّى الفجر لم يزل معقّباً إلى أن تطلع الشمس، فإذا طلعت اجتمع إليه الناس، فيعلّمهم الفقه والقرآن، وكان له وقت يقوم فيه من مجلسه

ذلك.

فقام (ع) يوماً فمرّ برجل، فرماه بكلمة هجا فيها الإمام (ع)، فرجع عوده على بدئه، وأمر فنودي: الصلاة جامعة.

ثمّ صعد (ع) المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيّها الناس إنّه ليس شيء أحبّ إلى الله ولا أعمّ نفعاً من حلم إمام وفقهه،

ولا شيء أبغض إلى الله ولا أعمّ ضرراً من جهل إمام وخرقه،

ألا وإنّه من لم يكن له من نفسه واعظ لم يكن له من الله حافظ، ألا وإنّه من أنصف من نفسه لم يزده الله إلاّ عزّاً، ألا وإنّ الذلّ في طاعة الله أقرب إلى الله من التعزّز في معصيته،

ثمّ قال: أين المتكلّم آنفاً؟

فلم يستطع الإنكار، فقال: ها أنذا يا أمير المؤمنين.

فقال: أما إنّي لو أشاء لقلت.

فقال الرجل: إن تعفو وتصفح فأنت أهل لذلك ؟

فقال: عفوت وصفحت(26).
 

- من أين الرجل؟

حاول معاوية بن أبي سفيان مراراً قتل أمير المؤمنين(ع)، فقد أسرّ إلى بعض خاصّته أنّ من قتل علياً فله عشرة آلاف دينار.

فانبرى لذلك أحدهم، ولكنّه تراجع في اليوم التالي، معتذراً منه، وقال: أسير إلى ابن عمّ رسول الله، وأبي ولديه، وأقتله؟

لا والله .. لا أفعل !

فزيّد معاوية الأجر، فجعله عشرين ألف دينار.

فقبله أحدهم، لكنّه ـ هو الآخر ـ تراجع وامتنع .

فزيّده إلى ثلاثين ألف، فقبل المهمّة رجل من (حمير)، وخرج من الشام قاصداً الكوفة.

فجاء حتّى دخل على أمير المؤمنين (ع) في الكوفة، وعليه ثياب السفر، فقال له الإمام: من أين الرجل ؟

قال: من الشام .

وكانت عند الإمام(ع) أخباره، فاستنطقه، فاعترف، فقال له الإمام(ع): فما رأيك الآن ؟ أتمضي إلى ما اُمرت به ؟ أم ماذا ؟

فقال الرجل: لا ..

ولكنّي أنصرف.

فقال الإمام لقنبر: يا قنبر أصلح راحلته، وهيّئ له زاده، وأعطه نفقته(27).
 

- يا أيّها المدّعي لما لا يعلم

روي أنّ قوماً حضروا عند أمير المؤمنين (ع) وهو يخطب بالكوفة ويقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فأنا لا أُسأل عن شيء دون العرش إلاّ أجبت فيه، لا يقولها بعدي إلاّ مدّع أو كذّاب مفتر.

فقام إليه رجل من جنب مجلسه، وفي عنقه كتاب كالمصحف، وهو رجل آدم ظربّ طوال جعد الشعر، كأنّه من يهود العرب، فقال رافعاً صوته للإمام علي (ع): يا أيّها المدّعي لما لا يعلم والمتقدّم لما لا يفهم أنا سائلك فأجب .

قال: فوثب إليه أصحاب الإمام (ع) وشيعته من كلّ ناحية وهمّوا به.

فنهرهم الإمام علي (ع) وقال: دعوه ولا تعجلوه، فانّ العجل والطيش لا يقوم به حجج الله ، ولا بإعجال السائل تظهر براهين الله تعالى.

ثمّ التفت إلى السائل فقال: سل بكلّ لسانك ومبلغ علمك اُجبك إن شاء الله تعالى بعلم لا تختلج فيه الشكوك، ولا تهيجه دنس ريب الزيغ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم(28).
 

- مع أبي هريرة

جاء إلى أمير المؤمنين (ع) أبو هريرة وكان يكلّم فيه ـ وأسمعه في اليوم الماضي(29) ـ وسأله حوائجه فقضاها، فعاتبه أصحابه على ذلك، فقال(ع): إنّي لأستحي أن يغلب جهله علمي وذنبه عفوي ومسألته جودي(30).
 

- أمنت عقوبتك

دعا أمير المؤمنين (ع) غلاماً له مراراً فلم يجبه، فخرج فوجده على باب البيت، فقال: ما حملك على ترك إجابتي؟

قال: كسلت عن إجابتك، وأمنت عقوبتك.

فقال: الحمد لله الذي جعلني ممّن تأمنه خلقه، امض فأنت حرّ لوجه الله(31).
 

- هكذا هو اللاّعنف

عندما قاتل معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين (ع) وخرج عليه جائراً، استولى عسكر معاوية على الماء وأحاطوا بشريعة الفرات، فقال له رؤساء الشام: اقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشاً.

وبالفعل، حينما سألهم الإمام علي (ع) وأصحابه أن يسوّغوا لهم شرب الماء قالوا: لا والله ولا قطرة حتّى تموت ظمئاً كما مات ابن عفّان.

ولمّا رأى أمير المؤمنين  (ع) أنّه الموت لا محالة تقدّم بأصحابه وحمل على عساكر معاوية حملات كثيفة، حتّى أزالهم عن مراكزهم، وملكوا عليهم الماء، وصار أصحاب معاوية في الفلات

لا ماء لهم.

فقال للإمام (ع) أصحابه وشيعته: امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك، ولا تسقهم منه قطرة، واقتلهم بسيوف العطش، وخذهم قبضاً بالأيدي، فلا حاجة لك إلى الحرب.

فقال: لا والله لا اُكافيهم بمثل فعلهم، افسحوا لهم عن بعض الشريعة(32).

- اللاّعنف حتى مع قاتله

حينما ضرب ابن ملجم (لعنه الله تعالى) أمير المؤمنين(ع) على رأسه تلك الضربة التي انهدّت منها أركان السماوات، بقي الإمام(ع) يغشى عليه ويفيق، وفي تلك اللحظات الحرجة أفاق  (ع)، فقال له الإمام الحسن (ع): هذا عدوّ الله وعدوّك ابن ملجم قد أمكننا الله منه وقد حضر بين يديك .

ففتح أمير المؤمنين (ع) عينيه ونظر إليه وقال له بضعف وإنكسار صوت: يا هذا لقد جئت عظيماً وارتكبت أمراً عظيماً وخطباً جسيماً، أبئس الإمام كنتُ لك حتّى جازيتني بهذا الجزاء؟

ألم أكن شفيقاً عليك وآثرتك على غيرك وأحسنت إليك وزدت في اعطائك ؟

ألم يكن يقال لي فيك كذا وكذا فخلّيت لك السبيل ومنحتك عطائي وقد كنت أعلم أنّك قاتلي لا محالة؟  ولكن رجوت بذلك الاستظهار من الله تعالى عليك علّ أن ترجع عن غيّك، فغلبت عليك الشقاوة فقتلتني يا شقي الأشقياء.

فدمعت عينا ابن ملجم (لعنه الله تعالى) وقال: يا أمير المؤمنين أفأنت تنقذ من في النار؟

فقال له: صدقت.

ثمّ التفت (ع) إلى ولده الحسن (ع) وقال له: ارفق يا ولدي بأسيرك وارحمه، وأحسن إليه وأشفق عليه، ألا ترى إلى عينيه قد صارتا في اُمّ رأسه وقلبه يرجف خوفاً ورعباً وفزعاً .

فقال له الإمام الحسن(ع): يا أبتاه قد قتلك هذا اللعين الفاجر وأفجعنا فيك وأنت تأمرنا بالرفق فيه؟

فقال له: نعم يا بني ! نحن أهل البيت لا نزداد على المذنب إلينا إلاّ كرماً وعفواً، والرحمة والشفقة من شيمتنا، بحقّي عليك أطعمه يا بني ممّا تأكله، واسقه ممّا تشرب، فإن أنا متّ فاقتصّ منه ولا تحرقه بالنار، ولا تمثّل بالرجل، فإنّي سمعت رسول الله (ص) يقول: إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور .

وإن أنا عشت فأنا أولى بالعفو عنه، وأنا أعلم بما أفعل به، فإن عفوت فنحن أهل البيت لا نزداد على المذنب إلينا إلاّ عفواً وكرماً .
 

- اللاّعنف عند أهل البيت (ع)

من الدروس المفيدة التي قدّمها أهل البيت (ع) للبشرية قاطبة هي مواقفهم العملية الداعية إلى اللاعنف والسلم، واللين والعفو، والتغاضي عن الإساءة وعدم ردّها بمثلها.

فالتاريخ الإسلامي كان وما زال يحتفظ ويفتخر بمواقف آل الرسول(ع) التي يستفاد منها مدى اعتنائهم بمسألة اللاّعنف، والشواهد التالية نماذج على ما ذكر:
 

- أيّها الشيخ أظنّك غريبا

روي: إنّ شامياً رأى الإمام الحسن(ع) راكباً فجعل يلعنه، والإمام الحسن (ع) لا يردّ.

فلمّا فرغ أقبل الإمام (ع) عليه وضحك، وقال: أيّها الشيخ أظنّك غريباً ولعلّك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك ، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت إرتحالك كان أعود عليك لأنّ لك موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالا كبيراً.

فلمّا سمع الرجل كلامه بكى ثمّ قال: أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالاته، كنت أنت وأبوك أبغض خلق إليّ والآن أنت أحبّ خلق الله إليّ، وحوّل رحله إليه وكان ضيفه إلى أن ارتحل وصار معتقداً لمحبّتهم(33).
 

- شهيد اللاّعنف

كان الإمام الحسن(ع) ملتزماً باللاّعنف إلى أبعد الحدود، ففي كلّ حيثيات حياته المباركة بقى يؤكّد على اللاّعنف حتّى عندما دسّت جعدة بنت الأشعث السمّ القتّال إليه وذلك بأمر من معاوية.

فبعد أن أحسّ الإمام (ع) أنّ السمّ أخذ يقطّع أحشائه، بعث إلى أخيه الإمام الحسين(ع) ولمّا جاءه (ع) سأله عن الذي دسّ إليه هذا السمّ الفتّاك، فلم يفصح باسم قاتله.

يقول الإمام علي بن الحسين(ع): دخل الحسين على عمّي الحسن (ع) حدثان ما سقي السمّ، فقام لحاجة الإنسان ثمّ رجع فقال: سقيت السمّ عدّة مرّات، وما سقيت مثل هذه، لقد لفظت طائفة من كبدي ورأيتني أقلبه بعود في يدي.

فقال له الإمام الحسين (ع): يا أخي ومن سقاك؟

قال: وما تريد بذلك ؟ فان كان الذي أظنّه فالله حسيبه، وإن كان غيره فما اُحبُّ أن يؤخذ بي بريء، فلم يلبث إلاّ ثلاثاً حتّى توفّي صلوات الله عليه(34).

- الإمام الحسين (ع) واللاّعنف

من المؤسف حقّاً أنّ كثيراً من المسلمين ـ وحتى في هذه العصور المتطورة نسبياً ـ لا يطّلعون على تاريخ أئمة أهل البيت(ع) الأمر الذي جعلهم يتخبّطون في مغالطات كثيرة.

ولعلّ خير شاهد على ذلك هو أنّ كثيراً من المسلمين اليوم يجهلون أهمية قانون اللاّعنف الذي نصّ عليه رسول الله (ص) والأئمّة الأطهار (ع) وجاهدوا من أجل تحقيقه ليل نهار.

فهذا الإمام الحسين (ع) عندما خرج إلى الكوفة اعترضه الحرّ ابن يزيد الرياحي مع رجاله البالغ عددهم نحو ألف فارس فجعجع به وبعياله ومنعهم عن مواصلة الطريق.

آنذاك وفي منتصف الظهيرة أخذ الظمأ من الحرّ وجيشه مأخذاً عظيماً، فقال الإمام الحسين (ع) لفتيانه: اسقوا القوم وارووهم من الماء، ورشفّوا الخيل ترشيفاً، ففعلوا وأقبلوا يملؤون القصاع والطاس من الماء ثمّ يدنونها من الفرس، فإذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه، وسقي آخر، حتّى سقوها عن آخرها.

يقول علي بن الطعّان المحاربي: كنت مع الحرّ يومئذ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه، فلمّا رأى الحسين (ع) ما بي وبفرسي من العطش قال: أنخ الراوية! والراوية عندي السقّا، ثمّ قال: يا ابن الأخ أنخ الجمل ! فأنخته.

فقال(ع) : اشرب.

فجعلت كلّما شربت سال الماء من السقّاء.

فقال الحسين(ع): اخنث السقّاء: أي اعطفه، فلم أدر كيف أفعل، فقام (ع) فخنثه فشربت وسقيت فرسي(35).

وهكذا كان الإمام (ع) في يوم عاشوراء، حيث لم يبدأهم بالحرب، وإنما القوم بدؤه بالحرب والقتال حتى قتلوا جميع أهل بيته وأصحابه حتى الطفل الرضيع.
 

- الإمام السجّاد(ع) واللاّعنف

إنّ الذي يلاحظ سيرة الإمام علي بن الحسين (ع) العطرة ويتأمّل في دقائقها ويحقّق في مواعظها الكثيرة يتجلّى كالشمس في وضح النهار أنّه (ع) كان كأجداده الأطهار(ع) ، فهم لا يقابلون العنف بمثله وإنّما يلتزمون باللين واللاّعنف حتّى مع مبغضيهم.

فعن أبي عبد الله (ع) قال: كان بالمدينة رجل بطّال يضحك الناس منه، فقال: قد أعياني هذا الرجل أن اُضحكه ـ يعني الإمام علي بن الحسين (ع) ـ.

قال: فمرّ الإمام السجّاد (ع) وخلفه موليان له، فجاء الرجل حتّى انتزع رداءه من رقبته ثمّ مضى.

فلم يلتفت إليه الإمام (ع) فاتّبعوه وأخذوا الرداء منه، فجاءوا به فطرحوه عليه .

فقال لهم: من هذا ؟

فقالوا له: هذا رجل بطّال يضحك منه أهل المدينة.

فقال: قولوا له: إنّ يوماً يخسر فيه المبطلون(36).

دعوه

وروي انّه شتم بعضهم الإمام زين العابدين (ع) فقصده غلمانه فقال: دعوه فإنّ ما خفي منّا أكثر ممّا قالوا.

ثمّ قال له: أ لك حاجة يا رجل ؟

فخجل الرجل.

فأعطاه (ع) ثوبه وأمر له بألف درهم، فانصرف الرجل صارخاً: أشهد أنّك ابن رسول الله(37).

طب نفساً منا

ونقل أنّ هشام بن إسماعيل كان يؤذي الإمام علي بن الحسين في إمارته، فلمّا عزل أمر به الوليد أن يوقف للناس فقال: ما أخاف إلاّ من علي بن الحسين.

فمرّ به الإمام السجّاد (ع) وقد وقف عند دار مروان، وكان الإمام (ع) قد تقدّم إلى خاصّته ألاّ يعرض له أحد منكم بكلمة، فلمّا مرّ ناداه هشام: الله أعلم حيث يجعل رسالته .

وقد أنفذ الإمام (ع) إليه وقال: انظر ما أعجزك من مال تؤخذ به فعندنا ما يسعك فطب نفساً منّا ومن كلّ من يطيعنا(38).

الموعظة الحسنة

وكذلك روي أنّ شخصاً شتمه (ع) فقال: يا فتى إنّ بين أيدينا عقبة كؤوداً فإن جزت منها فلا اُبالي بما تقول، وإن أتحيّر فيها فأنا شرّ ممّا تقول(39).

والكاظمين الغيظ

و روي انّه كانت جارية تسكب على يدي الإمام السجّاد (ع) الماء، فنعست فسقط الإبريق من يدها فشجّه، فرفع رأسه إليها فقالت: إنّ الله تعالى يقول: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ).

قال: قد كظمت غيظي.

قالت: (وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ).

قال: عفا الله عنك.

قالت: (وَاللهُ يُحِبُّ الُْمحْسِنِينَ) (40).

قال: اذهبي فأنتي حرّة لوجه الله(41).

وعنك أغضي

وقد سبّه (ع) رجل فسكت، فقال: إيّاك أعني.

فقال (ع): وعنك أغضي(42).
 

- الإمام الباقر(ع) واللاّعنف

كذلك سار الإمام محمد الباقر (ع) على نهج أجداده الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) حيث انّه(ع) راح يقدّم للبشرية جمعاء خير دروس يستفاد منها حرصه الشديد على تربية المسلمين على اللين واللاّعنف.

يقول محمّد بن سليمان عن أبيه قال: كان رجل من أهل الشام يختلف إلى أبي جعفر (ع) وكان مركزه بالمدينة ويقول له: يا محمّد ألا ترى أنّي إنّما أغشى مجلسك حياءً منّي منك، ولا أقول إنّ أحداً في الأرض أبغض إليّ منكم أهل البيت، وأعلم أنّ طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أمير المؤمنين في بغضكم ولكن أراك رجلا فصيحاً لك أدب وحسن لفظ، فإنّما اختلافي إليك لحسن أدبك .

وكان أبو جعفر (ع) يقول له خيراً، ويقول: لن تخفى على الله خافية.

فلم يلبث الشامي إلاّ قليلا حتّى مرض واشتدّ وجعه، فلما ثقل دعا وليّه وقال له: إذا أنت مددت عليّ الثوب فأت محمّد بن علي(ع) وسله أن يصلّي عليّ واعلمه أنّي أنا الذي أمرتك بذلك .

قال: فلمّا أن كان في نصف الليل ظنّوا انّه قد برد وسجّوه، فلمّا أن أصبح الناس خرج وليّه إلى المسجد، فلمّا أن صلّى محمّد بن علي(ع) وتورّك وكان إذا صلّى عقّب في مجلسه، قال له: يا

أبا جعفر إنّ فلان الشامي قد هلك وهو يسألك أن تصلّي عليه .

فقال أبو جعفر (ع): كلاّ إنّ بلاد الشام بلاد صرد(43) والحجاز بلاد حرّ لهبها شديد، فانطلق فلا تعجّلنّ على صاحبك حتّى آتيكم.

ثمّ قام (ع) من مجلسه فأخذ وضوءً ثمّ عاد فصلّى ركعتين ثمّ مدّ يده تلقاء وجهه ما شاء الله، ثمّ خرّ ساجداً حتّى طلعت الشمس، ثمّ نهض فانتهى إلى منزل الشامي فدخل عليه فدعاه، فأجابه، ثمّ أجلسه وأسنده ودعا له بسويق فسقاه وقال لأهله: املؤوا جوفه وبرّدوا صدره بالطعام البارد .

ثمّ انصرف (ع) فلم يلبث إلاّ قليلا حتّى عوفي الشامي، فأتى

أبا جعفر (ع) فقال: أخلني فأخلاه، فقال: أشهد أنّك حجّة الله على خلقه وبابه الذي يؤتى منه، فمن أتى غيرك خاب وخسر وضلّ ضلالا بعيداً(44).
 

- اللاّعنف مع النصراني

لم يقتصر أهل البيت(ع)  في تعاملهم اللين، على المسلمين فحسب، بل حتّى مع ألدّ مناوئيهم من اليهود والنصارى والمشركين تجدهم (صلوات الله عليهم) ملتزمين باللاّعنف والسماحة قبال تجاسراتهم.

فقد روي أنّه جاء نصراني إلى الإمام الباقر (ع) وقال له: أنت بقر!.

فقال الإمام (ع): لا، أنا باقر.

قال : أنت ابن الطبّاخة !

قال: ذاك حرفتها.

قال: أنت ابن السوداء الزنجية البذيّة.

قال: إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت غفر الله لك، فأسلم النصراني(45).
 

- الإمام الصادق (ع) واللاّعنف

كما عكف الإمام الصادق (ع) على نشر علوم الإسلام وترويج معارف آبائه الطاهرين(ع) كذلك وفي ذات الوقت فانّه (ع) ظلّ يؤكّد على مسألة بيان قوانين الإسلام المهمّة التي حاربتها الحكومات الظالمة وعملت على محو آثارها من بين المسلمين .

ومن أهمّ هذه القوانين التي دعا إليها الإمام الصادق (ع) هو قانون اللاّعنف حتى مع المناوئين والمخالفين.

فقد أتاه رجل وقال له: إنّ فلاناً ابن عمّك ذكرك فما ترك شيئاً من الوقيعة والشتيمة إلاّ قاله فيك!

فقال أبو عبد الله (ع) للجارية: ائتني بوضوء.

فتوضّأ (ع) ودخل، فقلت في نفسي يدعو عليه، فصلّى ركعتين، فقال: (يا ربّ هو حقّي قد وهبته، وأنت أجود منّي، فهبه لي، ولا تؤاخذ بي ولا تقايسه).

ثمّ رقّ، فلم يزل يدعو، فجعلت أتعجّب(46).
 

- الإمام الكاظم(ع) واللاّعنف

كذلك كان للإمام موسى بن جعفر (ع) العديد من المواقف الخالدة التي لقّن من خلالها البشرية جمعاء دروساً بالغة الأهميّة في مسألة اللين واللاّعنف والدعوة إلى الإسلام بالتي هي أحسن، نذكر منها ما يلي:

إنّ العمريّ كان يؤذيه(ع) ويشتم الإمام علي (ع)، فقال له بعض حاشيته: دعنا نقتله، فنهاهم عن ذلك، فركب يوماً إليه فوجده في مزرعة فجالسه وباسطه، وقال له: كم غرمت في زرعك هذا؟

قال: مائة دينار.

قال: وكم ترجو أن تصيب ؟

قال: مائتي دينار.

فأخرج له صرّة فيها ثلاثمائة دينار، فقال: هذا زرعك على حاله يرزقك الله فيه ما ترجو.

فاعتذر العمري إليه وقال: الله أعلم حيث يجعل رسالاته وكان يخدمه بعد ذلك(47).

وهكذا كان الإمام الرضا والإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري والإمام الحجة (عليهم صلوات الله).
 

- الإمام الحجّة (ع) واللاّعنف

كثيراً ما يتردّد على لسان البعض من الناس قولهم: إنّ الإمام الحجّة (ع) إذا ظهر وجاء، فإنّه سوف يجري أنهاراً من الدماء ليطهّر الأرض من المجرمين وينتقم من غير المؤمنين ويأخذ ثاراته.

مثل هذه الشبهة التي لا أصل لها في الأخبار لا يبعد أن يكون منشؤها ومروّجها هم مناوؤا الإمام الحجّة (ع)، فهم يريدون بذلك الحطّ من شأن الإمام فضلا عن إقصاء الناس عن إمامهم الغائب الذي طالما انتظروه ودعوا له بالفرج .

وفي واقع الأمر إنّ الذي يلاحظ الأخبار المتعلّقة بسيرة الإمام المهدي (ع) وما سيكون من أحداث ووقائع لدى ظهوره (عجّل الله تعالى فرجه) يجد أنّه على نفس سيرة رسول الله (ص) والإمام أمير المؤمنين (ع)، فهو ينهض بالسيف ولكن ليس مع عامّة الناس ممّن

لا ذنب لهم ولا جرم، وإنّما هو (ع) يعمد إلى مغرضي الإسلام ومناوئيه ممّن يحاربونه ويعدّون العدّة ضدّ المؤمنين.

وإلا فإن العالم بأجمعه عند ما يعرفون الإمام (ع) وحقانيته وحقانية الإسلام ومذهب أهل البيت (ع) فإنهم يدخلون في دين الله أفواجاً.

من جانب آخر فإن الإمام(ع) لا يلجأ إلى السيف والقوّة حتى مع الأعداء إلاّ بعد أن يتمّ الحجج والبراهين عليهم فيردّونها ويأبون إلاّ أن يفسدوا البلاد وإيذاء العباد، آنذاك يقاتلهم(ع) ويقيم فيهم السيف .

ومن هنا وردت الروايات التي تنص على أنّه (ع) يسير بسيرة أجداده : رسول الله وأمير المؤمنين (عليهما الصلاة والسلام)، فهما (ع) كانا لا يقاتلان أحداً أبداً إلاّ بعد اليأس من صلاحه والاطمئنان بعدم قابليته للهداية .

ففي الحديث عن المفضّل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: ( إذا أذن الله عزّوجلّ للقائم في الخروج، صعد المنبر، ودعا الناس إلى نفسه وناشدهم بالله ودعاهم إلى حقّه، وأن يسير فيهم بسيرة رسول الله (ص) ويعمل فيهم بعمله) (48).

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله (ص): (المهدي من ولدي إسمه إسمي وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقاً وخُلُقاً، تكون به غيبة وحيرة) (49).

وعن الإمام الصادق (ع) عن رسول الله (ص) قال: ( المهدي من ولدي ... أشبه الناس بي خلقاً وخُلُقاً ) (50).

وقال أبو جعفر (ع): (في صاحب هذا الأمر سنّة من موسى(ع) وسنّة عيسى(ع) وسنّة من يوسف(ع) وسنّة من محمّد (ص) ... أمّا من محمّد فالقيام بسيرته وتبيين آثاره) (51).

وقد سُئل أبو جعفر (ع) عن القائم إذا قام بأي سيرة يسير في الناس؟ فقال(ع): (بسيرة رسول الله (ص) حتّى يظهر الإسلام، قلت: وما كانت سيرة رسول الله(ص)؟ قال: أبطل ما كانت في الجاهلية، واستقبل الناس بالعدل، وكذلك القائم(ع) إذا قام يبطل ما كان في الهدنة ممّا كان في أيدي الناس ويستقبل بهم العدل) (52).
 

- من بركات الإمام الحجّة (عج)

على خلاف ما يصوره البعض من أنّ الإمام الحجّة (عجّل الله تعالى فرجه) إذا ظهر فإنه سينتقم من الناس ويقتلهم، فهناك العديد من الروايات التي تنص على أنّ عهده(ع) سيكون عهد البركات والخيرات، إذ أنّ الفقر والظلم وغيرهما من المساوئ تنتفي آنذاك وتملأ الأرض قسطاً وعدلا .

وإلى هذا المعنى يشير أمير المؤمنين(ع) في حديث له قائلا: (بنا يفتح الله، وبنا يختم الله، وبنا يمحو ما يشاء، وبنا يثبت، وبنا يدفع الله الزمان الكلب، وبنا ينزل الغيث، فلا يغرنّكم بالله الغرور، ما أنزلت السماء قطرة من ماء منذ حبسه الله عزّوجلّ ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتّى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام، لا تضع قدميها إلاّ على النبات، وعلى رأسها زبيلها لا يهيجها سبع ولا تخافه ) (53).

وروى علي بن عقبة، عن أبيه قال: ( إذا قام القائم حكم بالعدل وارتفع في أيّامه الجور، وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، وردّ كلّ حقّ إلى أهله ، ولم يبق أهل دين حتّى يظهر والإسلام، ويعترفوا بالإيمان، أما سمعت الله سبحانه يقول: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السماوات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) ) (54).
 

- التربية على اللاّعنف

علاوة على اعتناء رسول الله (ص) والأئمّة الأطهار(ع)  بمسألة اللاّعنف في تعاملهم الشخصي مع الآخرين، فانّهم(ع)  في نفس الوقت أخذوا يؤكّدون على قضية تربية الآخرين من شيعتهم وغيرهم على اللين واللاّعنف.

فبين الفترة والاُخرى يعمد أهل بيت الرسالة(ع) إلى الناس سيّما الحواريين من أتباعهم الخلّص ويلقّنوهم دروساً بالغة الأهمية في ذلك، ومن خلال تلك المواقف الخالدة التي كان يتّخذها الأئمّة(ع) قبال مناوئيهم وغيرهم ممّن لا حظّ لهم بمعرفة قدر الإمام كان العديد من الناس يصلون إلى الحقيقة ويدركون عظمة الإسلام الذي يؤكّد على نبذ العنف حتّى مع ألدّ الخصام .

ولعلّ خير شاهد على هذا الاعتناء التربوي هو ما ضمّته طيّات التاريخ من مواقفهم الدالّة على أنّهم (عليهم السلام) يولون مسألة

تربية المجتمع الإسلامي على اللاّعنف إهتماماً طائلا، وكان منها ما يلي:

يا علي اقطع لسانه

ينقل أنّ رسول الله (ص) أعطى العبّاس بن مرداس أربعاً من الإبل، فسخطها، وأنشأ يقول :

أتجعل نهبي ونهب العبيد       بين عيينة والأقرع

فما كان حصن ولا حابس       يفوقان شيخي في المجمع

وما كنت دون امرئ منهما   ومن تضع اليوم لم يرفع

فبلغ النبي(ص) قوله فاستحضره وقال له: أنت القائل أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة؟

فقال أبو بكر: بأبي أنت واُمّي لست بشاعر.

فقال : وكيف؟

قال: قال بين عيينة والأقرع.

فقال رسول الله (ص) لأمير المؤمنين (ع): قم واقطع لسانه!.

قال: فقال العبّاس بن مرداس: والله لهذه الكلمة كانت أشدّ عليّ من يوم خثعم حين أتونا في ديارنا، فأخذ بيدي علي بن أبي طالب (ع) فانطلق بي ولو أدري أنّ أحداً يخلّصني منه لدعوته.

فقلت: يا علي إنّك لقاطع لساني؟

قال: إنّي لممض فيك ما أُمرت.

قال: ثمّ مضى بي، فقلت: يا علي إنّك لقاطع لساني؟

قال: إنّي لممض فيك ما اُمرت.

قال: فما زال بي حتّى أدخلني الحظائر، فقال لي: اعقل ما بين أربع إلى مائة.

قال: فقلت: بأبي أنت واُمّي ما أكرمكم وأحلمكم وأعلمكم.

قال: فقال رسول الله (ص) أعطاك أربعاً وجعلك مع المهاجرين، فإن شئت فخذها وإن شئت فخذ المائة وكن مع أهل المائة.

قال: قلت: أشر عليَّ.

قال: إنّي آمرك أن تأخذ ما أعطاك رسول الله (ص) وترضى.

قال: فإنّي أفعل(55).

وعن جعفر بن محمّد (ع) قال: انّه جاء شاعر إلى النبي(ص) فسأله وأطراه، فقال لبعض أصحابه: قم معه فاقطع لسانه، فخرج ثمّ رجع، فقال: يا رسول الله اقطع لسانه؟

قال: إنّما أمرتك أن تقطع لسانه بالعطاء(56).

 

- مع اليهودي

وهناك موقف آخر يدلّ على سماحة الرسول الأعظم (ص) ومدى التزامه باللاّعنف قبال المتجاسرين عليه وحرصه الشديد على تربية المسلمين على هذا القانون العظيم.

فعن أبي جعفر(ع) قال: دخل يهودي على رسول الله (ص) وعائشة عنده، فقال: السام عليكم!.

فقال رسول الله (ص): عليكم.

ثمّ دخل آخر فقال مثل ذلك.

فردّ عليه كما ردّ على صاحبه.

ثمّ دخل آخر فقال مثل ذلك.

فردّ رسول الله (ص) كما ردّ على صاحبيه.

فغضبت عائشة، فقالت: عليكم السام والغضب واللعنة يا معشر اليهود يا إخوة القردة والخنازير.

فقال لها رسول الله (ص): يا عائشة إنّ الفحش لو كان ممثلا لكان مثال سوء، إنّ الرفق لم يوضع على شيء إلاّ زانه، ولم يرفع عنه قطّ إلاّ شانه.

فقالت: يا رسول الله، أما سمعت إلى قولهم السام عليكم؟

فقال: بلى، أما سمعت ما رددت عليهم (عليكم) فإذا سلّم عليكم مسلم فقولوا سلام عليكم، وإذا سلّم عليكم كافر فقولوا عليك(57).

وقد ذكرنا حكم السلام على الكافر في الفقه(58).

 

- مهلا يا قنبر

عن جابر قال: سمع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) رجلاً يشتم قنبراً وقد رام قنبر أن يردّ عليه، فناداه أمير المؤمنين (ع) قائلا: مهلا ياقنبر، دع شاتمك مهاناً ترضي الرحمان وتسخط الشيطان، وتعاقب عدوّك، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ما أرضى المؤمن ربّه بمثل الحلم، ولا أسخط الشيطان بمثل الصمت، ولا عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه(59).

 

- اسمعوا ردّي عليه

هناك درس آخر يدلّ بوضوح على أنّ أهل بيت الرسالة (عليهم السلام) إنّما يعمدون إلى هكذا مواقف لعظمتهم ومدى فنائهم في ذات الله أوّلا، ولتعليم الآخرين على اللين والرحمة والتمسّك باللاّعنف في شتّى مجالات الحياة ثانياً.

فهذا الإمام علي بن الحسين (ع) ـ كما روى الشيخ المفيد(ره)ـ وقف على رجل فأسمعه الرجل وشتمه، فلم يكلّمه الإمام (ع).

ولمّا انصرف قال الإمام (ع) لجلسائه: قد سمعتم ما قال هذا الرجل وأنا اُحبّ أن تبلغوا معي إليه حتّى تسمعوا منّي ردّي عليه .

فقالوا له: نفعل، ولقد كنّا نحبّ أن تقول له ونقول، قال: فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الُْمحْسِنِينَ) (60).

فعلمنا انّه (ع) لا يقول له شيئاً.

قال: فخرج حتّى أتى منزل الرجل فصرخ به، فقال: قولوا له علي بن الحسين.

قال: فخرج إلينا متوثّباً للشرّ، وهو لا يشكّ انّه إنّما جاءه مكافياً له على بعض ما كان منه.

فقال له الإمام السجّاد (ع): يا أخي إنّك كنت قد وقفت عليّ آنفاً فقلت وقلت، فإن كنت قد قلت ما فيّ فأنا أستغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس فيّ، فغفر الله لك.

قال الراوي: فقبّل الرجل بين عينيه، وقال: بلى قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحقّ به(61).

 

- هل تعرف الصلاة ؟

عن أبي حازم في خبر قال: قال رجل للإمام زين العابدين(ع) هل تعرف الصلاة؟

فحملت عليه، فقال (ع): مهلا يا أبا حازم، فانّ العلماء هم الحلماء الرحماء ثمّ واجه السائل فقال: نعم أعرفها.

فسأله عن أفعالها وتروكها وفرائضها ونوافلها حتّى بلغ قوله: ما افتتاحها؟

قال: التكبير.

قال: ما برهانها ؟

قال: القراءة.

قال: ما خشوعها ؟

قال: النظر إلى موضع السجود.

قال: ما تحريمها ؟

قال: التكبير.

قال: ما تحليلها ؟

قال: التسليم.

قال: ما جوهرها ؟

قال: التسبيح.

قال: ما شعارها ؟

قال : التعقيب.

قال: ما تمامها ؟

قال: الصلاة على محمّد وآل محمّد.

قال: ما سبب قبولها ؟

قال: ولايتنا والبراءة من أعدائنا.

فقال: ما تركت لأحد حجّة.

ثمّ نهض يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته(62).

 

- خاطبنا بمثل خطابه

جاء في كتاب توحيد المفضّل: عن المفضّل انّه قال:

كنت ذات يوم بعد العصر جالساً في الروضة بين القبر والمنبر وأنا مفكّر فيما خصّ الله تعالى به سيّدنا محمّداً  (ص) من الشرف والفضائل ...

إذ أقبل ابن أبي العوجاء ـ ثمّ تكلّم بكلمات الكفر ـ فلم أملك نفسي غضباً وغيضاً وحنقاً، فقلت: يا عدوّ الله ألحدت في دين الله وأنكرت الباري جلّ قدسه الذي خلقك في أحسن تقويم وصوّرك في أتمّ صورة ونقلك في أحوالك حتّى بلغ إلى حيث انتهيت ...

فقال: يا هذا إن كنت من أهل الكلام كلّمناك، فإن ثبت لك حجّة تبعناك وإن لم تكن منهم فلا كلام لك، وإن كنت من أصحاب جعفر بن محمّد الصادق فما هكذا تخاطبنا، ولا بمثل دليلك تجادل فينا، ولقد سمع من كلامنا أكثر ممّا سمعت فما أفحش في خطابنا ولا تعدّى في جوابنا، وانّه الحليم الرزين العاقل الرصين، لا يعتريه خرق في جوابنا، ولا طيش ولا نزق، يسمع كلامنا ويصغي إلينا، ويتعرّف حجّتنا حتّى إذا استفرغنا ما عندنا وظننا إنّا قطعناه دحض حجّتنا بكلام يسير وخطاب قصير، يلزمنا به الحجّة ويقطع العذر ولا نستطيع لجوابه ردّاً، فإن كنت من أصحابه فخاطبنا بمثل خطابه(63).

 

 

- إنّهم تربّوا على اللاّعنف

في رحاب مدرسة الرسول الأكرم (ص) وتحت أكناف الأئمّة الطاهرين(ع)  نشأ العديد من القادة الأبرار والعلماء الأخيار الذين ملؤوا الدنيا بفضائلهم وكراماتهم وأخلاقياتهم الفاضلة.

ففي عهد كلّ معصوم تجد أنّ هناك الحواريين الذين أحدقوا بهم وجعلوا ينهلون من معين معارفهم ويقتبسون من بحر فضائلهم ويسيرون في سيرتهم على طريقة أئمّتهم الأطهار(ع) الذين طالما لقّنوهم دروسهم العملية في الدعوة إلى الإسلام عبر القول والعمل..

ومن تلك الدروس المهمّة التي تلقّاها الصفوة من حواري الأئمّة (عليهم السلام) هي مسألة اللين وعدم ردّ الاساءة بمثلها والتأكيد على اللاّعنف في التعامل مع الآخرين، نشير إلى بعضها.

 

- مَن أنت وما أنت؟

روى المفضّل عن الإمام الصادق(ع) انّه قال: وقع بين سلمان الفارسي (رضوان الله عليه) وبين رجل خصومة، فقال الرجل لسلمان: من أنت وما أنت؟

فقال سلمان: أما أوّلي وأوّلك فنطفة قذرة، وأمّا آخري وآخرك فجيفة منتنة، فإذا كان يوم القيامة ونصبت الموازين فمن ثقلت موازينه فهو الكريم ومن خفّت موازينه فهو اللئيم(64).

 

- دخل المسجد ليدعو له

وروي أنّ مالك الأشتر (رضوان الله عليه) كان مجتازاً بسوق وعليه قميص خامّ وعمامة منه، فرآه بعض السوقة فأزرى بزيّه فرماه ببابه تهاوناً.

فمضى الأشتر ولم يلتفت.

فقيل للرجل: ويلك تعرف لمن رميت؟.

فقال: لا.

فقيل له: هذا مالك صاحب أمير المؤمنين (ع).

فارتعد الرجل ومضى ليعتذر إليه وقد دخل مسجداً وهو قائم يصلّي، فلمّا انفتل انكبّ الرجل على قدميه يقبّلهما.

فقال: ما هذا الأمر؟

فقال: أعتذر إليك ممّا صنعت.

فقال: لا بأس عليك، فوالله ما دخلت المسجد إلاّ لأستغفرن لك(65).

 

- اتّق الله ولا تعجل

عن جرير بن مرازم قال: قلت لأبي عبدالله (ع): إنّي اُريد العمرة فأوصني.

فقال: اتّق الله، ولا تعجل.

فقلت: أوصني !

فلم يزدني على هذا.

فخرجت من عنده من المدينة، فلقيني رجل شامي يريد مكّة فصحبني، وكان معي سفرة فأخرجتها وأخرج سفرته وجعلنا نأكل، فذكر أهل البصرة فشتمهم، ثمّ ذكر أهل الكوفة فشتمهم، ثمّ ذكر الصادق (ع) فوقع فيه.

فأردت أن أرفع يدي فأُهشّم أنفه، وأُحدّث نفسي بقتله أحياناً، فجعلت أتذكّر قوله (ع): (اتّق الله ولا تعجل) وأنا أسمع شتمه، فلم أعدُ ما أمرني(66).

 

- موقف آخر

وهناك موقف آخر من مرازم المذكور يدلّ على أنّ مدرسة أهل البيت (ع) تربي أفرادها على مبدأ اللين واللاّعنف.

ففي بعض الأيّام كان مرازم عند الإمام الصادق (ع) وهو بمكّة فقال (ع) له: يامرازم ! لو سمعت رجلا يسبّني ما كنت صانعاً؟

قال: قلت: كنت أقتله.

قال(ع): يامرازم ! إن سمعت من يسبّني فلا تصنع به شيئاً.

قال: فخرجت من مكّة عند الزوال في يوم حارّ، فألجأني الحرُّ إلى أن صرت إلى بعض القباب وفيها قوم، فنزلت معهم، فسمعت بعضهم يسبّ أبا عبد الله (ع)، فذكرت قوله، فلم أقل شيئاً، ولولا ذلك لقتلته(67).

 


الهوامش:

(1) راجع بحار الأنوار: ج21 ص22 ب22.

(2) مناقب آل أبي طالب: ج1 ص167.

(3) أمالي الشيخ الصدوق: ص465 المجلس 71 ح6.

(4) جاء في كتاب تاريخ الإسلام السياسي: (ولم يكن السجن بمعناه المعروف الآن موجوداً في زمن الرسول، ولا في عهد أبي بكر، وإنّما استحدث في زمن عمر بن الخطاب، إذ كان الحبس لا يتعدّى في عهد الرسول منع المتّهم من الاختلاط بغيره، وذلك بوضعه في بيت أو مسجد، وملازمة الخصم، أو ينيبه عنه له فلم يكن السجن إذن مكاناً يحبس فيه المجرم كما كانت عليه الحال في عهد عمر، ومن جاء بعده من الخلفاء . (تاريخ الإسلام السياسي) حسن إبراهيم حسن: ج1 ص451 طبعة مصر.

(5) سورة الإنسان: 8.

(6) بحار الأنوار: ج18 ص60 ب8 ح19.

(7) راجع بحار الأنوار: 59 ص350-351 ب10.

(8) قريب منه في بحار الأنوار: ج16 ص230 ب9 ح35.

(9) سورة الإسراء: 90.

(10) راجع تفسير القمّي:ج2 ص26-27 سورة الإسراء: 90 ـ 93.

(11) مناقب آل أبي طالب: ج1 ص208 فصل في غزواته.

(12) بحار الأنوار: ج21 ص132.

(13) سورة الفرقان: 70.

(14) سورة النساء: 48 و116.

(15) سورة الزمر: 53.

(16) اللكز: هو الدفع بالصدر بالكف. لسان العرب: ج5 ص406 مادة (لكز).

(17) أي أخذه الربو، وهو علّة تحدث في الرئة فيصير النفس صعباً .

(18) بحار الأنوار: ج41 ص48 ب104 ح1.

(19) سورة الزمر: 65.

(20) سورة الروم: 60.

(21) بحار الأنوار: ج41 ص48 ب104 ح1.

(22) سورة المؤمنون: 96.

(23) بحار الأنوار: ج41 ص49 ب104 ح1.

(24) مناقب آل أبي طالب: ج2 ص113.

(25) مناقب آل أبي طالب: ج2 ص114.

(26) بحار الأنوار: ج41 ص132 ـ 133 ب107 ح45.

(27) السياسية من واقع الإسلام: ص171 ـ 172.

(28) بحار الأنوار: ج10 ص126 ح6.

(29) أي تكلّم عليه في الليلة التي قبلها في مسمع من الإمام(ع).

(30) مناقب آل أبي طالب: ج2 ص114.

(31) مناقب آل أبي طالب: ج2 ص113.

(32) راجع بحار الأنوار: ج41 ص145 ـ 146 ب107.

(33) مناقب آل أبي طالب: ج4 ص19.

(34) بحار الأنوار: ج44 ص148 ب22 ح15.

(35) بحار الأنوار: ج44 ب37 ص376.

(36) أمالي الشيخ الصدوق: ص220 المجلس 39 ح6.

(37) مناقب آل أبي طالب: ج4 ص157.

(38) بحار الأنوار: ج46 ص94 ب5 ح84.

(39) مناقب آل أبي طالب: ج4 ص157.

(40) سورة آل عمران: 134.

(41) مناقب آل أبي طالب: ج4 ص157.

(42) مناقب آل أبي طالب: ج4 ص157.

(43) الصرد: البرد، لسان العرب: ج3 ص248 مادة (صرد).

(44) بحار الأنوار: ج46 ص233 ـ 234 ب5 ح1.

(45) بحار الأنوار: ج46 ص289 ب6ح12.

(46) مشكاة الأنوار: ص218 ب4 فصل11.

(47) مناقب آل أبي طالب: ج4 ص319.

(48) بحار الأنوار: ج52 ص337 ب27 ح78.

(49) كمال الدين: ص286 ب25 ح1.

(50) كمال الدين: ص287 ب25 ح4.

(51) كمال الدين: ص329 ب32 ح11.

(52) بحار الأنوار: ج52 ص381 ب27 ح192.

(53) بحار الأنوار: ج52 ص316 ب27 ح11.

(54) بحار الأنوار: ج52 ص338 ب27 ح83.

(55) بحار الأنوار: ج21 ص160 ـ 161 ب28.

(56) دعائم الإسلام: ج2 ص323 كتاب العطايا ف2 ح1219.

(57) الكافي: ج2 ص648 باب التسليم على أهل الملل ح1.

(58) انظر كتاب: (رسالة في التحية والسلام) و(الفقه: مسائل السلام) للإمام الشيرازي (قدس سره الشريف).

(59) أمالي الشيخ المفيد: ص118 المجلس 14 ح2.

(60) سورة آل عمران: 134.

(61) راجع الإرشاد للشيخ المفيد: ج2 ص145 ـ 146 باب ذكر طرف من الأخبار لعلي ابن الحسين (ع).

(62) بحار الأنوار: ج81 ص244 ـ 245 ب16 ح35.

(63) توحيد المفضّل: ص39 محاورة المفضل مع ابن أبي العوجاء.

(64) من لا يحضره الفقيه: ج4 ص404 باب ومن الفاظ رسول الله (ص) الموجزة التي لم يسبق إليها ح5874.

(65) بحار الأنوار: ج42 ص157 ب124 ح25.

(66) العوالم: ج20 ص133 ح1.

(67) العوالم: ج20 ص134 ح2.

الرجوع  إلى قائمة محتويات الكتاب >>