|
المحاكمة والإرهاب.. عقلية التخوين في الخطاب العربي المعاصر |
الكاتب: تركي علي الربيعو الناشر: دار الريّس / بيروت / ط1/ 2001. * المختلف منفي ومطرود ومطارد، والآخر هو الجحيم كما قال جان بول سارتر ذات مرة، وهو العدو وحتى يعلن الشهادة بلسانه وبقلبه، ودار الدنيا لا يرثها إلا عباد الله الصالحون أو عباد الإيديولوجيا الحديثة، إنها دار حرب بين عباد الله وعباد الشيطان، تكتب فيها الغلبة مرة لهؤلاء ومرة أولئك. * كان الإطار المرجعي الفكري الذي حكم الدراسات التي جعلت من الذات العربية موضوعاً للتحليل النفسي يحتكم إلى شعار إيديولوجي، روّجت له الدراسات العربية بعد نكسة حزيران/ يونيو 1967، ومفاده أن التخلف العربي بجميع وجوهه، يمكن رده إلى التخلف الاجتماعي، وبصورة أخرى إلى سيادة القيم التقليدية العربية. * كان المثقف الثوري الراديكالي محكوماً بهاجس حرق الغابة، لا سيما أنه يبحث عن الطريق من خارج الغابة على حد تعبير محمد عابد الجابري في (الخطاب العربي المعاصر)، وذلك بحكم التأثير الخارجي فيه والذي ساهم في تكوينه الفكري والعقائدي، وكانت الراديكالية بالنسبة إليه تعني الانقلاب على الواقع، وعلى المجتمع بهدف تجاوز قرون التخلف التاريخي، ولكن الانقلاب على المجتمع لم يرو فضول المثقف العربي الراديكالي المسكون بهواجس (كبش المحرقة) والساعي إلى تضميخ نصبه بالدم، فجاءت الدعوة مع منتصف عقد السبعينات إلى إحراق المجتمع العربي، أي البجعة المحتضرة ثم بعثه من رماده من جديد، على أنغام الأوركسترا والسيمفونية التي يعزفها المثقف الثوري العربي. * كانت الدعوة إلى تقديم المجتمع العربي قرباناً على مذبح دولة الإكراه، قد مرّت من الخرم الضيّق لـ (وهم المطابقة) الذي يعشعش في تلافيف مثقفي السلطة. * في رأيي أن خطاب الهيمنة الذكورية هو خطاب السلطة الهرمية المطلقة بأمتياز، باختصار هو خطاب رعوي، لا يرى الناس على أنهم مواطنون بل رعايا، أضف إلى ذلك أنه خطاب فضائحي وسلفي في آن، فضائحي لأنه يستعير معظم دوافع التعبير عن نفسه من جنسانويات مبتذلة لا ترى الآخر إلا في كونه منفياً ومطروداً ومشكوكاً به ومادة لممارسة التعذيب واللذة معاً (استرقاقه وجعله مادة لممارسة جنسية تستعير معظم تعابيرها من حقل الصراعات والمنافسات كما يرى ميشيل فوكو)، وسلفي لأن السلفية على صعيد خطابنا القومي العربي كخطاب هيمنة ذكوري، ليس تهمة تقلل من شأنه أو تهدف إلى الحد من تأثيره. * على مسار التاريخ، كان الخطاب الإيديولوجي يتجاوز باستمرار حدود التعبير ليصب في إطار الممارسة بعدما أصبح معياراً للحكم. عندها يتحول الخطاب الإيديولوجي إلى راية حرب. فالعنف يكمن في بنية الخطاب. تشير دارسة سيميائية حديثة حول الخطاب السلطوي، إلى أن العلاقة الاجتماعية بين المخاطب (بكسر الطاء) والمخاطب (بفتح الطاء)، بين المرسل والمرسل إليه، بين السلطة والشعب، تأخذ شكلاً نحوياً (صيغة الأمر) يمضي في اتجاه واحد ولا يقبل التبادل اللغوي، وغالباً ما يتميز بالغموض، إذ إن الغموض من أقوى أسلحة السلطة، فالوضوح يخلق التبادل بين المخاطب والمخاطب وهذا ما لا تريده السلطة. * الخطاب هو السلطة. بعبارة أدق، إن امتلاك الخطاب هو امتلاك للسلطة فالمعرفة قوة. * إن جرثومة العنف نشأت في أحضان الدولة التسلطية وتكاثرت؛ وبذلك هيأت المناخ لنشوء العنف المضاد، وبذلك تكون قد وفرت كل مقومات الحرب الأهلية المرتقبة. * يلحظ المتابع لما يجري في أروقة الخطاب العربي المعاصر، أن هذا الخطاب ينوس بين بين، بين إعلان هزيمة المثقف وموته بآن، وذلك من خلال القول إن المثقف ينتج أوهاماً ثم يدور من حولها بحيث أصبحت هذه الأوهام أوثاناً في معبد المثقف لما يتحرر بعد من ربقتها. * على مسار طويل يمتد على طول العقود الماضية، ظل المثقف العربي متأرجحاً بين الثورة والثورة المضادة ولما تفارقه أحلامه السياسية بحيث ظل البعد السياسي هو الحاضر الغائب في خطابه وعلامته الفارقة. |