|
||||
|
||||
تحقيقات |
||||
سدس سكان العالم يغرقون في الامية: الاستغلال البشع للطفولة والحكومات تتنكر لحقوق الاطفال في التعليم |
||||
تحقيق: محسن الذهبي* |
||||
كانت المناداة بحقوق التعليم من خلال الاعلان العالمي لحقوق الانسان بداية الحملة المكثفة التي قادتها الامم المتحدة لدعم الحقوق الانسانية للفرد جنبا الى جنب مع الحقوق السياسية المدنية، فيما اكدت اتفاقية حقوق الطفل عدم قابلية هذه الحقوق للتجزئة بعضها عن بعض بعد ان امست هذه الاتفاقية قانونا ملزما منذ اليوم الثاني من شهر ايلول (سبتمبر) عام 1990. وبموافقة الجمعية العامة للامم المتحدة عليها اذ صادق 191 بلدا في العالم (باستثناء الولايات المتحدة الامريكية والصومال) مما يعني ان 96 في المائة من سكان العالم قد وافق على حفظ حقوق الاطفال وقد جاء في المادة 28 من الاتفاقية ما يجعلها تعترف بحق اطفال العالم جميعا و دون تمييز بالتعليم وتوفيره مجانا والزاميا مع الحماية الكاملة لكرامة الطفولة في شؤون التاديب، والتعاون دوليا للقضاء على الجهل والامية نهائيا. فيما اعتبرت الماده 29 الحكومات هي الضامن الاول لحق التعليم كدعامة تقوم عليها ممارسة حق المواطنة، وتمتد مواد الاتفاقية لتشمل مسائل مهمة من حياة الاطفال كالصحة والتغذية والمساواة بين الجنسين ومنع الاستغلال بكل انواعه. لكن المؤسف ان يحتفل العالم بالذكرى 16 لهذه الاتفاقية وبالرغم من كل الجهود الاممية والتي بذلت منذ عقد الستينات من القرن الماضي لنصل في نهاية الامر الى واقع مأساوي مروع، فالارقام المتوفرة تصرخ في وجة العالم عن احوال الطفولة بسوداوية الواقع المعاش اذ امسى التقدم نحو تحقيق شعار (التعليم للجميع) يسير ابطأ من السلحفاة، فقد خابت تلك الامال العريضة التى رسمها مؤتمر جوفيان وبقىشعار ادخال جميع اطفال العالم الى المدارس الابتدائية بحلول عام 2000 حلما لم يتحقق وتراجعت الاولويات المركزية للمؤتمر ليكون عام2015 هو الهدف المنتظر وبفعل الواقع تراجعا الى درجة كبيرة من الخطورة، ودفعت اموراً اساسية الى مواقع التهميش كالمساواة بين الجنسين في التعليم مثلا. فلا تزال الدلائل تشير الى ان التحاق الاناث بالمدارس مازال دون المستوى المطلوب. فقد جاء في مقدمة تقرير صادر عن منظمة اليونسيف حول حق التعليم ووضع الاطفال في العالم ان نحو مليار من البشر دخلوا القرن الحادي والعشرين وهم غير قادرين على قراءة حرف واحد او كتابة اسمائهم ناهيك عن عدم القدرة على تشغيل حاسب آلي او فهم نموذج بسيط ويعيش هؤلاء واكثر في فقر مدقع مرير وصحة سيئة اسوأ من اولئك الذين يجيدون القراءة والكتابة. وتوقعت التقارير ان يرتفع العدد ليشكل نحو سدس سكان الكرة الارضية من الاميين. ويعترف الامين العام السابق للامم المتحدة كوفي عنان في تقرير اممي بان اكثر من 130 مليون طفل ثلثيهم من الاناث محرومين من حق التعليم نهائيا ولا أمل في معالجة امرهم في الوقت الحاضر وما هذا سوى انتهاك صارخ لحقوقهم وهدر للطاقات الكامنة وتبديد للانتاجية البشرية. فيما ينمو ملايين من اطفال العالم الثالث وسط اوضاع تعليمية دون المستوى المطلوب بل مزرية في اغلب الاحيان. وتوضح البيانات ان اثنين من كل ثلاثة اطفال لا يتلقون تعليما ابتدائيا هم من الفتيات، ويقدر عددهن باكثر من 73 مليونا من بين 130 مليونا الذين هم خارج المدارس ويقدر مجموع اطفال العالم الذين هم في سن الدراسة الابتدائية بنحو 625 مليون وهذا يعني ان 21 في المائه هم خارج المدرسة و 79في المائه فقط يحظون بفرص تعليم متفاوتة في المستوى والنوع. ويشكل اقليم الدول الافريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى واقليم بلدان جنوب اسيا اكبر نسبة في عدد الاطفال غير الملتحقين باي تعليم. ان حق التعليم ليس قضية اخلاقية وعدالة ووضع اقتصادي فحسب بل هناك ترابط واضح بين تعليم الفتيات وبين معدلات الوفيات ولاسيما وفيات الاطفال، فزيادة نسبة 10 في المائه في تعليم الفتيات بالمرحلة الابتدائية يوفر تخفيضا في نسبة الوفيات للاطفال بمعدل 1.4 من كل 1000 وفاة كما ان اي ارتفاع بمستوى التعليم وحتى الدراسة الثانوية سيمكن من تخفيض هذه النسبة لتصل 5. 6 من كل 1000 وفاة، وهذا يعني ان تعليم سنة دراسية واحدة سيحول دون وقوع الاف من حالات الوفاة بين الاطفال في كل دولة بالاضافة الى تقليل نسبة وفيات الامهات بسبب الحمل والولادة، ففي البرازيل مثلا يبلغ معدل انجاب المراة الامية بين 5 الى 6 مواليد بينما ينخفض المعدل بين 1 الى 2 لكل أم حصلت على تعليم ثانوي مما يساهم في تحديد الانجاب. ان الامية تبدو اليوم كحقيقة محزنة من حقائق الحياة اليومية لملايين الاطفال في العالم وخصوصا للفتيات فمجرد كونهن اناث قد يؤدي ذلك الى بقائهن قعيدات البيوت، وكثيرا ما يكون التعليم بعيد المنال مما سيحول الملايين الى جيش من العاطلين أو في احسن الاحوال ايادي رخيصة تكد وتكدح في مهن لا تتناسب واعمارهن يسوقهن سوط الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي. ان التعليم وحده من اهم العوامل التي تحمي من المخاطر التي يتعرض له الاطفال فقد جاء في النتائج التي توصل اليها المؤتمر الدولي حول عمالة الاطفال المنعقد في اوسلو بالنرويج ان ما يقدر باكثر من نحو 250 مليون طفل قد وقع في براثن العمالة اغلبهم لم يحصل على اي نوع من التعليم وحتى اولئك سعيدي الحظ الذين التحقوا بالمدارس فيواجهون عشرات المشاكل لعدم وجود مدرسة قريبة او عدم ضمان فرصة تعليم مستمر لاسباب مادية. و كذلك يشكل اعداد المعلمين المؤهلين الى المستوى المطلوب عقبة اخرى. ففي العديد من البلدان ذات الدخل الواطىء يعاني الاطفال من مشاكل مدرسية كثيرة فالغرف المعتمة وعدم الاهتمام بالصحة والتميز بين الجنسين لتصل في بعض الحالات بعدم وجود حتى اللوح الخشبي الاسود المعد للكتابة، ثم هناك الاكتظاظ في الصف الواحد وخاصة في الصفوف الاولى فنجد ان طالبين اثنين فقط من بين خمسة طلاب يجدون مكانا للجلوس كما في بنغلادش التي يصل عدد طلاب الصف الى 77 طالبا وبعض مدارس العراق التي قد يفوق هذا الرقم في الفترة الاخيرة ليصل الى90 طالبا كما في غينيا ودول الساحل الافريقي. ومع ذلك يبقى الكثير محروما من امكانية الدخول الى المدرسة او الحصول على فسحة للوقوف او الجلوس او على قدر يسير من اهتمام معلم ينوء باعباء تفوق طاقته او على فرصة لالقاء نظرة على كتاب مدرسي ممزق يستأنس بصورة الملونة. ويلجأ المعلمون الى فرض نظام صارم وممارسة العنف والعقاب ضد الاطفال مما يشجع هؤلاء الصغار على ترك مقاعد الدراسة. ويقدر خبراء اليونسيف ان هناك اكثر من 150 مليون طفل في البلدان النامية يبدأون الدراسة في المدارس لكنهم لا يصلون الى الصف الخامس الابتدائي، فيخرجون دون اي مهارة حياتية ودون ان يفهموا القراءة والكتابة او الحساب، هذا وقدشكل ازدياد عددالسكان بقفزات هائلة خلال العقود الماضية عقبة اخرى امام الخطط المرسومة لاستيعاب الطلبة الجدد في المدارس، ففي جنوب الصحراء الكبرى مثلا كان يظن الخبراءالحاجة الى 45 مليون مقعد اضافي في المدارس مع نهاية القرن وفعلا تم توفير 56 مليون مقعد ومع ذلك لايزال يحتاج الاقليم الى 11مليون مقعد اخر لتلبية الحاجة.هذا ويمكن ان نؤشر الى ان الازمات التي تعيشها شعوب العالم الثالث ابتداء من ازمة الديون المتفاقمة والحروب والصراعات الاقليمية والمحلية والكوارث الطبيعية عاملا اخر واثاراً واضحة على مستوى الملايين من الاطفال في تلك البلدان التي قلصت ميزانيتها مما قلل فرصة الصرف على التعليم، فأطفال افغانستان والعراق والسودان والصومال واخيرا لبنان هم اول ضحايا هذه الحروب المدمرة والتي طالت حتى مقاعد الدراسة بالاضافة الى ان الحكومات ذاتها تعج اروقتها بالبيروقراطية وسوء الادارة حتى انها لا تعطي احصائيات دقيقة عن احوال الطفولة. * كاتب عراقي مقيم في بريطانيا |
||||
|