|
||||
|
||||
فـــــكــــر |
||||
التأصيل والحداثة.. مفارقة أم معانقة |
||||
الاستاذ زكي الميلاد* |
||||
المفارقة أو المعانقة بين التأصيل والحداثة، تتوقف على طبيعة فهمنا وتحليلنا لهذين المفهومين، ومنطقنا في التفكير نحوهما، فهل هما مفهومان يتعارضان ويتصادمان؟ أم يمكن لهما أن يتضايفا ويتجاورا؟ أم أنهما يتوافقان ويتعانقان؟ فما هو فهمنا لمفهوم التأصيل؟ وما هي طبيعة مجاله الذي يتحدد ويرتبط به؟ وما هو فهمنا لمفهوم الحداثة؟ وما هي طبيعة مجاله الذي يتحدد ويرتبط به؟ التأصيل يراد به الاستناد إلى أصل واضح ومتماسك، وهذا الأصل إما أن يكون على صورة دليل أو على صورة قاعدة. والدليل إما أن يكون من الشرع كتاباً وسنة، أو من العقل، أو من الإجماع. والقاعدة إما أن تكون من الفقه فتكون قاعدة فقهية، أو من أصول الفقه فتكون قاعدة أصولية، أو من العقيدة والكلام فتكون قاعدة كلامية، أو من اللغة فتكون قاعدة لغوية، أو من العرف فتكون قاعدة عرفية. وبهذا المعنى أن التأصيل هو منهج أو طريقة في النظر تستند على أصل واضح وثابت، ويراد منه إثبات أن المعارف الإسلامية قادرة على مواكبة حركة الزمن، وتجدد الحياة، وتطور العصر، وتقدم المدنية. ويتحدد مجاله بالقضايا والمفاهيم والمقولات الحديثة والمعاصرة والمتجددة، وقاعدته هي المعارف والعلوم والخبرات الإسلامية. أما الحداثة، هذا المفهوم بحاجة إلى تحرير لرفع الالتباس، ولضبط وتحديد المعنى والدلالة، فتارة يكون النظر لهذا المفهوم بالمعنى الخاص أو بالمعنى العام، وتارة يكون النظر له بالمعنى الفلسفي أو بالمعنى الإجرائي. والمقصود بالمعنى الخاص، هو المعنى الذي يحيل هذا المفهوم إلى الفضاء الفكري والأخلاقي الأوروبي، والانتساب إلى التاريخ الأوروبي، أي باعتباره مفهوماً أوروبياً من حيث المعنى والدلالة، ومن حيث النشأة والتكوين. والمقصود بالمعنى العام هو تجريد هذا المفهوم من إطاره وانتسابه الأوروبي، وإعطائه معنى عاماً ومتعدداً، بحيث يكون بإمكان كل أمة أن تستقل بمعنى خاص بها، ومن هنا جاءت الدعوة إلى الحديث عن حداثات وليس عن حداثة واحدة، وهذا ما يدعو إليه تيار ما بعد الحداثة في داخل الفكر الأوروبي نفسه. أما المقصود بالمعنى الفلسفي، فهو ربط مفهوم الحداثة بالفلسفة الأوروبية، والمقصود بالمعنى الإجرائي هو تجريد المفهوم من ذلك الارتباط بالفلسفة الأوروبية، ليكون معنى إجرائياً يتصل بالعلاقة بالزمن والعصر، وتجدد الحياة، وبناء المدنية، وصنع التقدم. أي بناء القدرة على مواكبة الزمن والعصر، وتجدد الحياة، والقدرة على بناء المدنية، وصنع التقدم. وتتحدد هذه القدرة في بعدين: البعد الذي يتصل بالمعرفة، والبعد الذي يتصل بالواقع أو بالزمن. والبعد الذي يتصل بالمعرفة، فإن الحداثة أو المعاصرة تعني اكتساب معارف العصر، والتمكن منها، وهذه المعارف لها ثلاث مجالات: 1- المعارف التي تتصل بالعلم، وتدخل في دائرة العلوم التجريبية، كالعلوم الطبيعية والتطبيقية والتقنية. 2- المعارف التي تتصل بالإنسان والمجتمع، وتدخل في دائرة العلوم الاجتماعية والإنسانية. 3- المعارف التي تتصل بالمنهجيات، وتدخل في دائرة علوم النقد والنص ومنهجيات العلوم الاجتماعية والإنسانية. والبعد الذي يتصل بالواقع، له علاقة بتكوين المعرفة بالعالم الذي نحن جزء منه، وبالعصر الذي نعيش حركته، وأن نعرف زماننا، وفي أي مرحلة تاريخية نحن نعيش. وبهذه المنهجية يمكن القول إننا بحاجة إلى التأصيل لكي نحافظ على ديننا وهويتنا وأخلاقنا وثوابتنا في كل عصر وزمان، وبحاجة إلى الحداثة لكي نواكب الزمن، ونتواصل مع العالم، ونفهم منطق العصر، ونجاري تطور العلم. فنحن بحاجة إلى بناء حداثة مستقلة تنطلق من فهم الحداثة الأوروبية ونقدها، وتعبر عن رؤيتنا للتقدم الذي نريده، وللمدنية التي نتطلع إليها. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * باحث في الفكر الإسلامي والإسلاميات المعاصرة، رئيس تحرير مجلة الكلمة. http://www.almilad.org |
||||
|