الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

  نصوص

صالح زامل : قتيل هو، يا أصدقائي

 عبد الكريم كاظم

 إذا قَدِمْتُ على الأهوالِ شَيْعَني             قلبٌ إذا شِئْتُ أن أسلاكمُ خانا

المتنبي

لست أنبئكم بالأمر لتهرعوا إلى تقديم فروض العزاء لزميلنا الدكتور صالح بن زامل، فأيّ جدوى إن شددتم على يديه وقد أخبرنا صديقنا العقيلي بحاله، هل فقدت كلمات العزاء قيمتها .. يبدو إنها صارت جوفاء، لا رنين لها ولا معنى، ألا من خارج على قسوة الموت .. لا عتب على الموت، بل العتب كله على العراق، ففي شوارعه يمارس الموت هوايته، إذ ليس له القدرة على صون أبنائه .. فكيف سيصون نفسه ؟

أيتها البلاد الخرقاء

أيها الفضاء اللعين

أين كنا،كيف كنا،أين أصبحنا،وكيف المآل ؟

أحقاً نموت بهذه الطريقة، أم هي أضغاث أحلام ؟

من يضفر أكاليل الموت لنا ؟

هل هم بشراً حقاً أم لا ؟

إن البشرية تتناسل نوعاً لا يصدق من المخلوقات العاطلة :

الحمقى

المرضى

القتلة

السفلة

والأنذال

لماذا يُصلب ـ هذا الشعب ـ مَشْرق كل شمس ومَغْربها ؟

ولا أحد يبالي، أو يصرخ

والآن ..

ماذا بقيّ للدكتور صالح؟

كيف يمكن أن ننكر واقعنا الخرب، ونكتم صوت الكلمة، مصرين على القول بأن القتل هو ما وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا (وأنا على آثارهم مقتدون) وهي وصفة عقيمة جداً من شأنها أن تفتح باب الموت حتى النهاية لنكتفي بالقول : أنا للموت ـ القتل وأنا إليه لمستلمون وبهذا نكون في موقع الصدارة بين أكثر شعوب العالم موتاً، حزناً ومشقة وأننا متورطون في وعود السماء جهاراً، ومن دون أمل في رحمة الله، ما زلنا ننظر إلى الموت في عينه وننصت ملياً إلى فقه القتل، فالعراق الذي ورثناه عن أسلافنا، ليس هو العراق الذي ـ كناـ نحلم به، بل نسخة مشوهة .. إنه بديل فقهي صنعه الفقهاء الجدد، أعني القتلة، على مقاسهم بعد أن أحالوه إلى صنم أجوف .

الضحية بسكينتها ومسالمتها كانت تهرب دوماً إلى السماء لتعوض عجز الأرض عن صنع العدل وحمايته ولكن الشيطان القابع أبداً أمام بوابة الحياة يتربص بنا ويفكر بأنتاج قوانينه المطلقة بهدف بقاء شريعة القتل، علماً أن كل الشرائع الأرضية منها والسماوية مهزومة سلفاً .. فكيف تقتل عائلة بهذه الطريقة الشنيعة ولا يضطرب الموت من براءة أبناء صالح .. زهير وبهاء أو كركرات زنيب، ألا يخجل القاتل من حواس الأم وهي تدفع الموت عن صغيرها النائم أياد ؟

هل سيبقى الدكتور صالح مواطناً عراقياً صالحاً أكثر توقاً لصنع الحياة والجمال، هل سيطلق العنان لحواسه من جديد، هل سيملأ الأرض .. نقداً وشعراً وحوار ؟

أيها المفجوع .. لم أستطع أن أكتب شيئاً وظلت الكلمات تتلعثم في خاطري، إنه عذاب متصل يحفر بالروح طوال الوقت، لقد أنهزم النقد يا أخي وأنتصر الموت

فأيّ صباح ينتظرك الآن ؟

صباحٌ أسود وكئيب

صباح من الدم والصرخة الخانقة

صباح من الدمع

صباح من الصمت واللغة الحائرة

صباح يفتح شبابيكه للموت

صباح يتيم

صباح مهزوم

صباح للطير بثوب الحداد

صباح للحشرجات

صباح للمسرات الغائبة

صباح للمتنبي وهو يردد :

أنا في أمة تدراكها الله

غريبٌ كصالح في ثمود

يا سيدي العزيز ..

أحاول يائساً أن أدفن وجهي وراء باب النافذة ، أجفف دموعي كي لا تصطدم عيناي بنظراتك البعيدة فالألم يا سيدي لا علاقة له بالآخرين،  أنه ألم صالح وحده وأنت تعرف ذلك، ولحظات العزاء تعود بالمحاولات المثقلة المرهقة التي يؤديها الأصدقاء بمحبة وتقدير تليق بك وبروحك النبيلة .

الكل يستطيع أن يسمع صوتك الحزين، تلك الغصة والحسرة بوضوح تام عبر هذا الحدث الجلل، لا أستطيع أن أفعل شيئاً آخر سوى أن ألتزم الصمت، لأنني لا أريد أن أصرخ من فرط الحزن .. بل أقول ما قاله السياب :

لك الحمد مهما أستطال البلاء

ومهما أستبد الألم  

 

خبر الاغتيال

تعرض الزميل مدير تحرير مجلة النبأ الناقد والباحث العراقي صالح زامل وعائلته في بغداد إلى فاجعة إنسانية اليمة في بغداد صباح يوم الثلاثاء 24/8/2006 عندما استهدفته محاولة ارهابية غاشمة بمنزله في حي القاهرة شرق بغداد، حيث تم زرع عبوة ناسفة أسفل شاحنة تحميل الغاز السائل كانت تقف قرب منزله مما أدى الى اصابته اصابة بليغة واستشهاد عدد من افراد عائلته وهم زوجته الأستاذة كاظمة خضر، وهي أخت الشاعر العراقي المقيم في ألمانيا عباس خضر، والابن الأكبر زهير (15 عاما) والأبن الثاني بهاء (10 اعوام) والبنت الصغرى زينب (7 اعوام) نتيجة لتعرضهم لحروق شديدة واصابة الطفل الأصغر إياد بأصابة طفيفة.

نتمنى لزميلنا العزيز الاستاذ صالح زامل الشفاء العاجل وان ينزل الله على قلبه الطمأنينة والسلوان، ونسأل الله تعالى ان يحشر زوجته وابنائه (رحمهم الله) مع المظلومين من اهل البيت (عليهم السلام).

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا