الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

  تحقيقات

صناعة الكتاب العراقي..

التلكؤ.. وعزوف المؤلف العراقي..

* علي عطوان الكعبي

هل حقا أن (الكتاب كلام ميت) كما يقول جالينوس (يبعث عند القراءة)؟ وهل حقا هو (ادم الحياة) كما يقول احد الشعراء؟ وإذا كان الكتاب كل هذا وغيره، فلعلنا نجد فيه ما يفسر العلاقة الحميمة بين الكتاب والإنسان.

تلك العلاقة التي تتجاوز الاتصال الشكلي بين الطرفين، لتمتد عراها وخيوطها، متخذة حركية التماثل في المراحل الحياتية لكليهما، فالكتاب وهو يمر مرحلة التكوينية يقترب كثيرا من مراحل حياة الإنسان، حين يبدأ بفكرة تجسدها الكلمات لتخرج إلى عوالمها في طيات الأوراق، نامية عبر محطات أخر في التنضيد والتصحيف والطبع فيتكامل وليدا بين يدي قارئه، ليسايره سيرة الصداقة في رحلة قد تنتهي بالشيخوخة والهرم لكن على المستوى الشكلي لا على مستوى الفكرة التي تظل حية نابضة، وهذا عينه ما يصيب الإنسان في فناء الجسد، فإذا كان الإنسان بناء الله فالكتاب بناء الإنسان وهذه الأهمية في التواؤم والتناغم تقيض لهذا الكائن أن ينال العناية والاهتمام الكبيرين، وتفرض على صنوه الإنسان أن يمد يد الرعاية في البحث والاستقصاء تطويرا وتصميما.

 وفي العراق بلد الحرف الأول وبلد القراءة والكتابة نجد قصورا كبيرا قد صاحب صناعة الكتاب بسبب الإهمال والقيود التي كانت تفرض عليه بحيث غدت صناعته لا ترقى في أحوالها إلى درجة الإقبال على قراءته فضلا عن أنها تراجعت بصورة كبيرة وملفتة للنظر وخصوصا في الحقبة السوداء للنظام السابق، فتخلفت عن مثيلاتها في دول عربية مجاورة على اقل تقدير.

 وانطلاقا من رغبة التعرف على المشاكل والملابسات التي تكتنف وتعيق هذه الصناعة وتعرقلها آثرنا أن نتوجه إلى العاملين من ذوي الاختصاص في بيئة هذا الكتاب وصناعته، من ناشرين وأصحاب مطابع لمعرفة آرائهم ووجهات نظرهم والوقوف على أسباب تلك المعوقات، من خلال طرحنا لثلاثة أسئلة في هذا الموضوع هي:

أولا: على الرغم من قدم صناعة الكتاب في العراق إلا أن هذه الصناعة ظلت متلكئة؟

ثانيا: ما سبب عزوف المؤلف العراقي عن التعامل مع الناشر العراقي وإقباله على الناشر في البلدان العربية؟

ثالثا: هناك الكثير من المطابع الحديثة التي وصلت إلى العراق إلا أن هذه الصناعة تعاني من رداءة الطباعة والإخراج؟

وقد جاءت إجاباتهم متفقة تارة ومختلفة تارة أخرى تأسيسا على توجهات كل منهم في رؤيته التي يرى..

 

الأيدي العاملة غير الماهرة والعمل الروتيني من أسباب تأخر صناعة الكتاب لدينا

عدنان سلمان صاحب مكتبة عدنان أجاب قائلا:

صحيح ان صناعة الكتاب قديمة في العراق ولكن السبب في نظري يعود إلى أن الأيدي العاملة لدينا غير ماهرة، وان اغلب المطابع لدينا هي مطابع حكومية، فالعامل فيها يتقاضى راتبا وهو لذلك لا يحرص على إخراج الكتاب بمظهر لائق، فالطباعة عالم فن بالدرجة الأولى والكتاب العراقي مطلوب في الخارج، وله قراء في البلدان العربية ولكن العمل الروتيني هو الذي أدى إلى تأخر صناعته لدينا.

وأجاب محمد عبد الرحمن حياوي صاحب مكتبة النهضة قائلا:

استطيع القول إن العراق أول من صنع الكتاب في العالم العربي والإسلامي، صحيح أن مصر ولبنان تطورتا من حيث الطباعة والإخراج، ولكن العراق هو الأقدم والسبب في رأي يعود إلى الدولة، فالدول الأخرى التي تهتم بصناعة الكتاب وتيسر للناشر أن يصدر الكتاب ويوزعه، ولكن العراق هو الدولة الوحيدة التي فيها الناشر محروم من النفاذ إلى الخارج، ولهذا نحن أحيانا نهرب الكتب لكي نعرضها في المعارض خارج العراق، فلو كان متاحا لنا أن نوزع في الخارج لكانت صناعة الكتاب قد تطورت وازدهرت كما هو حاصل اليوم في مصر ولبنان وسوريا.

إن السبب يعود إلى القارئ الذي تراجع عن قراءاته واقتنائه الكتاب..

أما ضياء الأمين مدير مطبعة شركة آب للطباعة فقال:

اعتقد أن الأسباب كثيرة:

1- أنا ارجع ذلك إلى القارئ الذي بدأ يتراجع في قراءاته واقتنائه الكتاب.

2- ن المكائن الموجودة لدينا في العراق هي مكائن قديمة جدا يمتد عمرها إلى 20 سنة تقريبا وربما 30 سنة، إلا القليل منها.

3- العامل الذي يعمل على المكائن غير مؤهل وغير كفوء، وغير متخصص، فهو لا يعرف ما الذي يريده الناشر أو الشارع بالإضافة إلى العاملين على التصميم الذين تنقصهم الخبرة وهم دخلاء على مهنة التصميم والكمبيوتر.

4- استعمال نوعية الورق الرديء والأحبار الرديئة في الغالب والتي تصب في أسباب رداءة صناعة الكتاب.

 

 السبب يعود إلى عدم دعم الدولة وإهمالها هذا الجانب المهم..

حيدر محمد، مدير مطبعة دار المعري قال:

إن موضوع أي صناعة في بلد ما يتطور مع تطور الزمن ونحن قد عشنا فترة زمنية في بلدنا كان جل الاهتمام فيها منصبا على السلاح والصناعات العسكرية، في حين أهمل الجانب الآخر الذي هو صناعة الكتاب والاهتمام بها حتى أننا لم نمتلك ماكنة طباعة اكثر من موديل عام 1982م على سبيل المثال، حتى نهاية التسعينات في حين سنوات السبعينيات كان هناك دعم من قبل الدولة لتنمية هذه القطاعات الخاصة الصناعية، فازدهرت الصناعة في تلك الفترة وبعد الإهمال الطويل وصلت المكائن إلى مرحلة الشيخوخة، لعدم توفر المواد الاحتياطية والإدامة، فانعكس الأمر على صناعة الكتاب والجانب الثقافي بصورة عامة، هذا بالإضافة إلى أن التطور الصناعي والتكنولوجي في العالم لم يصلنا، وما زلنا نعمل على خبراتنا السابقة كما أن العاملين هم في الغالب من العمال، وليس من ذوي الكفاءات، فالكتاب يمر بمراحل صعبة يؤديها العامل وليس الماكنة الحديثة.

 

المؤلف العراقي يلجأ إلى الخارج وهو خسران..

وعن سؤالنا حول سبب عزوف المؤلف العراقي عن التعامل مع الناشر العراقي وإقباله على الناشر في البلدان العربية؟ أجاب الأستاذ عدنان سلمان صاحب مكتبة عدنان:

إن المؤلف العراقي يلجا إلى الخارج وهو خسران، فهو صحيح سيقوم بطبع مؤلفاته في البلاد العربية، ولكن حين يتفق مع الناشر يقوم بدفع مبالغ النشر وتكلفة الطبع، وهذا حال الكثير من المؤلفين العراقيين، فهم في الوقت الذي يدفعون فيه للناشر العربي المبالغ النقدية لنشر كتاباتهم يطالبون الناشر العراقي بالدفع المالي عن الطباعة والنشر، ثم إن الكتاب الأدبي هنا لدينا لا يكون الإقبال عليه كثيرا، وهذا ما يعرض الناشر العراقي إلى الخسارة بالإضافة إلى هذا فنحن ليس لدينا عملية تصدير للكتاب بل لدينا قوانين روتينية منذ الخمسينات ما زالت تطبق حتى اليوم، وهذا ما لم يحصل في الدول العربية إذ يعدون عملية إخراج الكتب في الكمارك نوعا من التهريب عند مشاركتنا في معارض الكتب أو غيرها، فانا استغرب من حال المؤلف العراقي الذي يدفع لدار الناشر العربي ويطالب الناشر العراقي بحقوق النشر والطبع، خذ مثلا المؤسسة العربية للدراسات والنشر للأستاذ ماهر الكيالي، إذا لم يدفع المؤلف العراقي مبلغ 600 أو 700 دولار لا يقوم بنشر أي كتاب، ولكن ذلك لا يحصل لدينا بحجة البحث عن فرصة القراءة والتعريف الخارجي، وقد يتحمل المؤلف العراقي ما يتحمل من سوء المعاملة والإهمال من قبل الناشر العربي، أخيرا أقول نحن فقراء إلى التعامل الخارجي فنحن نمنحهم عصارة جهدنا وفكرنا ولا نحصل مقابلا على ذلك.

المؤلف العراقي يلجا إلى الناشر العربي لان مجال عمله أوسع..

أما مدير مكتبة النهضة الأستاذ محمد عبد الرحمن حياوي، فقد أجاب عن سؤالنا قائلا:

- في الواقع أجد أن هذا السؤال يتعلق بالسؤال الأول لماذا؟ لان الناشر العراقي محدود النشاط والحركة في بلده وبالتالي عند نشره كتاب مؤلف عراقي سيطبع كمية قليلة تتناسب مع حجم الطلب في العراق، فالمؤلف العراقي يلجا إلى الناشر العربي لان مجال عمله أوسع فبدلا من طبع الكتاب في العراق بواقع 500 نسخة يطبع في لبنان بواقع 5000 نسخة ويوزع وينشر عربيا، والمؤلف بين الشهرة والانتشار وهذا حق مشروع.

وأجاب الأستاذ ضياء الأمين، مدير مطبعة شركة آب للطباعة قائلا:

- الكلفة العالية التي يطبع بها الكتاب في العراق تشجع المؤلف على الذهاب إلى الخارج، اعتقد أن الكلفة العالية التي يطبع بها الكتاب هنا في العراق قياسا إلى الكلفة الواطئة التي يتم بها طبع الكتاب ذاته في لبنان أو الأردن، هي ما يشجع المؤلف والناشر على ذلك، فالكتاب يمكن أن نطبعه بدولارين في لبنان على سبيل المثال ربما تكلفنا طباعته في العراق خمسة دولارات ثم هناك في الدول العربية الطباعة متقدمة وفرصة التوزيع والانتشار اكبر.

 

الجانب الفني

كما أجاب الأستاذ حيدر محمد مدير مطبعة دار المعري قائلا:

- إن الأمر يتعلق بالجانب الفني.. فكما سبق وأشرت أن هذا الأمر يختص بالجانب الفني لان مراحل صناعة الكتاب تؤدى بأساليب بسيطة وغير متقدمة، بالإضافة إلى أن المواد الأولية غير متوفرة بنوعية جيدة على مستوى الورق والأحبار، فتجليد الكتاب لدينا غالبا ما يكون بشكل يدوي، والسبب المباشر كما أظن يعود إلى تأخر هذه الصناعة في العراق التي لم تلق الدعم الكافي ما يدفع بالمؤلف العراقي إلى الاتجاه نحو الخارج.

كما أجابوا عن سؤالنا حول وجود الكثير من المطابع الحديثة التي وصلت العراق إلا أن هذه الصناعة ظلت تعاني من رداءة الطباعة والإخراج؟

وقد قال الأستاذ عدنان سلمان:

إن السبب في ذلك يرجع إلى المواد الأولية، فنحن لدينا مطابع وأيدي عاملة ماهرة لكن الكلفة تكون عالية وبالتالي سيقل الهامش الربحي، فمثلا إن الحبر لا يستخدم منه الأصلي بل أن التاجر العراقي يأتي بأنواع رديئة من الأحبار وعند عملية فرز الألوان لا تكون النتيجة جيدة، أي أن رداءة المواد الأولية في صناعة الكتاب هي التي أدت إلى تأخير هذه الصناعة، وهذا سبب مباشر، كما اعتقد أن القائمين على طباعة الكتاب همهم الأول هو الربح وهذا ينعكس على الجانب المادي وعلى الكتاب.

في حين أجاب الأستاذ محمد عبد الرحمن حياوي قائلا:

هذا الأمر يعود في الواقع إلى عدم وجود مدرسة مهنية تعلم الطباعة وأصولها فتخرج كوادر مدربة فنية بل اغلب الذين يعملون في هذا المجال تدفعهم الرغبة التجارية وأسباب رأسمالية لغرض الربح، فلم يأت أناس متخصصون في العمل الطباعي، فمثلا لو أن كل ناشر لديه مطبعة بلا شك سيحرص على إخراج الكتاب بأجمل ما يكون، أنا أتوقع أن يحدث تطور باختلاف الزمن والحركة الطبيعية للمجتمع، وقد حدث فعلا مثل هذا الآن، لقد كانت مطبوعاتنا القديمة في مطبعة النهضة مثلا مطبوعات جيدة، بل أنها طبعت أكثر من 400 عنوان وهذا ما زاد على إصدارات وزارة الثقافة في فترة الثمانينات، لان مؤسس مكتبة النهضة الأستاذ عبد الرحمن الحياوي، كان يمتلك ذوقا عاليا بالإضافة إلى كونه عضوا في اتحاد الناشرين العرب، فكان يحرص على أن يضاهي كتابه كتاب لبنان ومصر، وهذا دليل على أن الناشر العراقي قادر على أن يقارع الآخرين في هذا المجال.

وأجاب الأستاذ ضياء الأمين قائلا:

أنا ارجع السبب في تأخر ذلك إلى الوضع الأمني فقد هاجرت بعض الكفاءات العراقية في هذا المجال ما جعل القائمين على المطابع الحاليين من غير ذوي الاختصاص وليس لديهم الخبرة، وبالرغم من وجود بعض معاهد الصناعة التي تهتم بالتدريب والتعليم إلا أن خريجي تلك المعاهد والمدارس وغيرها لا يمارسون اختصاصاتهم بحثا عن العائد المادي، بعيدا عن ذلك مما يؤثر بشكل سلبي على صناعة الطباعة والكتاب.

أما الأستاذ حيدر محمد فأجاب قائلا:

أنا قلت إن الكتاب يمر بمراحل عديدة وهذا الأمر يتطلب خطاً صناعيا كاملا فصاحب المطبعة لا يستورد المطبعة على أساس إنتاج كتاب، لأنه ينظر بمنظار مادي، أي انه لا يستورد مكائن طباعية تؤدي جميع مراحل الكتاب ليكون جاهزا فيخرج بشكل لائق، يضاف إلى ذلك رداءة المواد الأولية التي تكون غالبا غالية الثمن، كما أن هناك قلة خبرة العاملين، لذلك يجب توفير الأساليب الحديثة للارتقاء بالطباعة ومستوى التدريب، إذ لدينا في العراق كوادر متميزة في هذا المجال.

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا