الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

  إسلاميات

مفكرون غربيون في رحاب الإسلام*

أسامة النجفي

 إن دين الإسلام قائم على الرحمة والإحسان للإنسانية جمعاء قبل كل شئ وتشريعاته تستمد من هذه المبادئ. فها هو الرسول الأعظم (ص) يقول في الأحاديث الصحاح المتفق عليها بين السنة والشيعة (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) وقوله صلى الله عليه واله وسلم (لا ضرر ولا ضرار) أي يحرم الضرر بالآخرين ووجوب دفع الضرر، وقوله صلى الله عليه واله وسلم (خير الناس من نفع الناس) أي للإنسانية جميعا وليس فقط للمسلمين وما أعظمها من أحاديث تلخص كل مبادئ الإسلام وما ابعد الذين يدعون الإسلام (كالحركات السلفية والوهابية التكفيرية) ويعملون خلافه.

لقد شخص الكاتب والفيلسوف الأيرلندي (برنارد شو) حامل جائزة نوبل ذلك بقوله (الإسلام دين الديموقراطية وحرية الفكر هو دين العقلاء، ولكن هناك أمراً مهماً يجب ألا أغفله, وهو أن الإسلام شيء والمسلمون اليوم شيء آخر، الإسلام حسن ولكن أين المسلمون؟! وليس فيما أعرف من الأديان نظام اجتماعي صالح كالنظام الذي يقوم على القوانين والتعاليم الإسلامية) وفي هذا كفاية لمن يدعي أن الإسلام الحقيقي يدعو إلى الإرهاب. إن الإسلام وتراث النبي محمد(ص) قد افتخر به علماء الغرب وفلاسفتهم ودافعوا عنه بل ومن تشريعاته اقتبسوا في أنظمتهم الاقتصادية والاجتماعية.

إن موضوع اعتناق الإسلام من قبل مفكري الغرب وفلاسفته مازال بعيداً عن متناول الباحثين والمؤرخين والمفكرين. فما زالت الدراسات الإسلامية تتجاهل هذا الموضوع.

وفي الواقع تتزايد ظاهرة اعتناق الإسلام في الغرب بشكل ملحوظ. ومازالت أنباء من يعتنقون الإسلام تجد لها مساحة واهتماماً في الإعلام الإسلامي، وبشكل بسيط في الإعلام الغربي إلا في بعض الحالات، عندما يكون من اعتنق الإسلام شخصية معروفة أو ذا مركز علمي أو سياسي. لا أحد يعلم كم هو عدد المعتنقين للإسلام في الغرب. ولا توجد إحصاءات دقيقة بل هناك تخمينات وأرقام غير دقيقة تعتمد على الخبرة والتعامل مع المعتنقين. ففي فرنسا مثلاً، يتراوح عدد المعتنقين بين 50 ألف معتنق حسب تقدير أحد الباحثين الغربيين، إلى اكثر من 200 ألف معتنق حسب مصدر إسلامي في باريس. هذا التفاوت يعود إلى مبالغة المصادر الإسلامية من جهة وإلى محاولة التقليل من أهمية الموضوع من قبل الغربيين من جهة أخرى، إذ أن ما يقلق المراكز المسيحية هو كيف يتقبل الأوروبيون دين الإسلام وخاصة مثقفيهم المعروفين بدقة النظر والمنهجية العلمية؟ وفي هولندا، يقدر عدد المعتنقين للإسلام اكثر من 15 ألف شخص وسأحاول في هذه الدراسة الإجابة على التساؤل التالي: لماذا يعتنق الإسلام الكثير من مفكري الغرب ومثقفيهم على اختلاف توجهاتهم سوء أكانت الحادية أم دينية (مسيحية يهودية... الخ)؟

وسأختار كمثال هنا عينة تشمل عشرة أشخاص منهم. فاعتمادا على ما يقوله هؤلاء المفكرون والمثقفون والذي انقله حرفيا منهم كان القرآن أحد أهم أسباب هدايتهم لما فيه من الإعجاز العلمي كما سنتعرض إلى ذلك في هذا المقال وأيضا النظام المتكامل الموجود في الإسلام لقيادة البشرية نحو الكمال المنشود. هؤلاء المثقفون والعلماء والفلاسفة لم يتأت اعتناقهم للإسلام اعتباطا بل عن دراسة معمقة ودقيقة وبعد بحث كل الاتجاهات الفكرية الأخرى. والمقال التالي تم تلخيصه من عدة مصادر ليكون حجة على الناس وعلى مروجي الإلحاد وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب.

 

روجيه غارودي..من الماركسية إلى الإسلام

أستاذ الفلسفة المادية البارز والفيلسوف الفرنسي الماركسي سابقا البروفيسور روجيه غارودي اعتنق الإسلام بعد أن قرأ الديانات كلها. كان غارودي شيوعيا، لكنه طرد من الحزب الشيوعي سنة 1970م وذلك لانتقاداته المستمرة للاتحاد السوفيتي، وبما أنه كان عضواً في الحوار المسيحي الشيوعي في الستينيات؛ فقد وجد نفسه منجذباً للدين وحاول أن يجمع الكاثوليكية مع الشيوعية خلال عقد السبعينيات، هذا الأديب والمفكر شغل منصب رئيس المجلس الوطني الفرنسي من 1956-1958. اسلم جارودي في 11/ رمضان/ 1402هـ. وبدّل اسمه إلى (رجاء) واحدث إسلامه ضجّة كبيرة في الغرب. يقول غارودي عن اعتناقه الإسلام، أنه وجد أن الحضارة الغربية قد بنيت على فهم خاطئ للإنسان، وأنه عبر حياته كان يبحث عن معنى معين لم يجده، حسبما يرى غارودي، إلا في الإسلام. غارودي ظلّ ملتزما بقيم العدالة الاجتماعية، ووجد أن الإسلام، حسب فهمه، ينسجم مع ذلك ويطبقه بشكل فائق. وظلّ على عدائه للإمبريالية والرأسمالية، وبالذات لأمريكا.

روجيه غارودي حين أعلن إسلامه قال: أنا لم أعلن إسلامي إعجاباً بما قدّم الإسلام للناس فيما سبق من الزمان، بل بالأمل العظيم الذي يمكن للإسلام أن يقدمه للإنسان في مستقبله حينما يريد أن يتعايش لسلام على هذه الأرض. نعم فغارودي نظر إلى الموضوع بشكل مختلف، وهو أننا نحمل بعض القيم الإنسانية ولا نعرف قيمتها جيداً، وهذه الأخوة والمساواة وعدم احتقار الناس لأعراقهم ولغاتهم وأجناسهم إنها نعمة كبرى، هذا شيء كبير يفتقده الناس الآن في العالم لا يمكن أن يصير موحداً إلا إذا اعترف الناس بعضهم ببعض في حق الحياة، وأنهم أخوة لأنهم جميعاً من آدم (كلكم لآدم وآدم من تراب) و (ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى)، هذا مفهوم إنساني غير قابل للانغلاق، وهذا هو الذي يحتاج إليه الناس في المستقبل ولا يمكن أن يتوقف.

استمرت رحلة (روجيه غارودي) قرابة نصف قرن- معتمدا على البحث والحوار والفكر- بغية البحث عن الحقيقة الأزلية حتى أسقطت كل المعتقدات والفلسفات والأفكار، وانتهى المفكر العالمي (غارودي) إلى الحقيقة الأزلية: ان لا إله إلا الله محمد رسول الله.

 و أكد في مؤلفاته على أهم دوافعه في اعتناق الإسلام عندما تعرض للسجن: (أول مرة أتعرف فيها على الإسلام.. عندما أدى بي موقف إلى السجن ثلاث سنوات، و أصدر الكوماندوز الفرنسي حكما بإعدامي رميا بالرصاص، وأصدر أوامره إلى الجنود الجزائريين المسلمين، وكانت المفاجئة.. رفض إطلاق النار، وبعدها عرفت السبب.. إن شرف المحارب المسلم يمنعه من أن يطلق النار على إنسان أعزل).

 هذه صورة المفكر الذي يقول: (إن اعتناقي الإسلام لم يكن شيئا من قبيل التجربة، ولكنه كان شيئا كالإنجازات الكبرى في حياة الإنسان.. وعندما شرح الله صدري للإسلام تكونت لدي قناعة بأن الإسلام ليس مجرد دين يختلف عن بقية الأديان فحسب بل إنه دين الله، أعني بذلك أن الإسلام هو الدين الحق منذ خلق الله آدم.. الإنسان الأول.

يقول الدكتور (جرين) وهو أحد كبار الخبراء السياسيين في أمريكا ومن الذين اعتنقوا الإسلام وهو المؤسس والمنشئ لمركز الحضارة والتجديد في أمريكا. (وفي الندوة التي جمعتني مع البروفسور (روجيه غارودي) في دمشق سمعته يتحدث ويهاجم الرأسمالية منذ كان شيوعياً، وكلانا كان لديه نفس الهدف، وهو أن يدعم العدالة. وكلانا كان ضدّ التركيز على الثروة، لأنّ الاهتمام بجمع الثروة ليس بعدل. لقد اتّبع غارودي المبدأ الماركسي الذي يسعى لتحطيم الملكيّة، في حين أنّي كنتُ أعتبر الملكيّة مفتاحاً للحريّة. لكن كلانا كان يرى أن الملكيّة تؤدّي في النهاية إلى الظلم وعدم انتشار العدل، وكلانا كان يدعو إلى نظام يدعو إلى إنتاج واعطاء العدالة للجميع.. لذلك وجدنا أنّ الإسلام هو الحلّ الوحيد، فهو الذي يحمل العدالة في مقاصد الشريعة وفي الكليّات والجزئيّات والضروريّات، وأنا كمحام كنتُ أسعى إلى مبادئ ليست من وضع البشر..).

ويواصل د. كرين حديثه متطرّقاً إلى أنّ الغرب أخذ هذه الفضيلة من الشرق أي المقاصد والغايات ثمّ وسّعها وحوّلها سعياً وراء القوّة إلى مدنيّة كبيرة، وقد أدّت هذه القوّة إلى التحكّم بالعالم. وقد فقد الغرب هنا الدّوافع لحضارته ومدنيّته. وفي الواقع أنّ تحرّي العدالة ليس هدفاً في الغرب (لذلك بدأتُ أسعى وابحث عن العدالة. والمفارقة أنني عندما ذهبتُ إلى جامعة هارفارد وحصلتُ على شهادتي في القانون، مكثتُ هناك ثلاث سنوات لم أسمع خلالها كلمة العدل ولا مرّة واحدة).

ـــــــ

المراجع والمصادر:

الإسلام والغرب، الوجه الآخر

مجلة درع الإسلام/ العدد 37

روجيه غارودي من الإلحاد إلى الإيمان : لقاءات و محاضرات/ تأليف رامي كلاوي. - ط.2. - دمشق، سوريا : دار قتيبة، 1994

مجلة الوعي الإسلامي


* سننشر تباعا حلقات عن عشرة شخصيات ممن اعتنقوا الإسلام الحنيف

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا