الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

  ملف خاص

رؤية الإمام الشيرازي

لمفهوم الحزب

علاء حميد

 تشير البحوث السياسية الحديثة، للدور الفعال الذي تقوم به الوسائط السياسية (حركات، أحزاب، منظمات مجتمع مدني....)، في ضبط آلية التوازن السياسي بين مؤسسة الدولة والمجتمع والحد من تطاول واستيلائها (الدولة) على الحياة المدنية للمجتمع، لهذا تقع هذه التكتلات الاجتماعية في وسط المسافة القائمة بين الدولة والمجتمع وبالتالي مثلت تلك التشكيلات الاجتماعية مصداً مدنياً يقف بوجه تسلط النخب الحاكمة. فطالما ظل أفراد المجتمع بحاجة إلى ممثل سياسي ومدني ينوب عنهم في التفاهم مع النظام المسيطر على مقاليد الحكم، أو يتصدى إلى طغيانه السياسي ويطالب بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية لذلك يأتي النمط الحزبي كشكل من هذه الأشكال السياسية فهو الجهة السياسية الأكثر قدرة على توظيف العمل السياسي بشقيه، المشاركة في عمل الحكومة أو المعارضة لأجل مراقبة سلوك السلطة التنفيذية أثناء طرحها لبرنامجها السياسي. إذن تعدد وظائف هذا الكيان (الحزب) حسب الظرف الذي تعيشه المجتمعات ونوع أنظمتها السياسية منذ عشرينات القرن الماضي ادى إلى ارتفاع الجدل الفكري بين أوساط المجتمعات الإسلامية وخاصة في البلدان العربية حول الأهلية اللازمة لقيام الأحزاب المعبرة عن حاجات تلك الشعوب خصوصاً ما يتعلق بأطروحة الحزب الإسلامي، وهنا كان لتصدي المرجعية الإسلامية لمعالجة تلك الظاهرة الاجتماعية وكان لآراء الإمام الشيرازي خصوصية في هذا الشأن وكيفية التعامل مع مفردة الحزب تنظيراً وعملاً. فالمعايشة والاستيعاب للسيد الشيرازي امتدت لفترة طويلة مع الأحداث السياسية ومحنها المستمرة، حيث يؤكد الإمام الشيرازي على أن تكون صفة الحزب هي الأداة الاجتماعية التي تعمل على توعية وإرشاد أبناء الأمة، وترسيخ المطالبة المدنية بحقوقهم، لهذا يقول: ((أما الحزب بالمعنى السياسي الصحيح لهذه الكلمة فهو جزء من الأمة له هدف تقديم الأمة إلى الأمام وإصلاح المفاسد ودرء الأخطار فهو جزء من الأمة يمتاز عنها بالتنظيم وكثرة التفهم للواقع وكثرة العمل فيكون من الأمة والى الأمة) (فقه السياسة ص110). نلاحظ هنا ان السيد الشيرازي (قد) يضع مجموعة ضوابط تحكم سير وعمل النموذج الحزبي في الحياة الإسلامية التي تسعى لقيادة الواقع الإسلامي، خاصة الحاملة لرؤية شاملة تهتم بأسباب التأخر الفكري، مما جعل الإمام الشيرازي يطلق على صفة التنظيم السياسي (الحزب) بأنه طليعة تطرح شعار التغيير الاجتماعي والسياسي على ضوء كثرة التفهم للواقع وكثرة العمل. رافق تأسيس الأحزاب في المجتمعات الإسلامية، مجموعة ظواهر ساهمت بإعاقة عمل حركة الأحزاب في صناعة المبادرة السياسية لإصلاح حال الأمة الإسلامية من تلك الظواهر (الحزبية Patriotism) واقصد بها الولاء المغلق للحزب على حساب مصلحة المجتمع، لذلك قام الإمام الشيرازي (قد) بوضع قيود تحد من ارتداد أطروحة الحزب إلى نموذج شخصي يتحكم بمجموعة إفراد منتمين اليه، هذه القيود التي سماها السيد الشيرازي بالخصائص العامة للحزب والتي هي (النظام الداخلي، الشورى، الانضباط، الكسب المستمر) (الإمام الشيرازي التنوع الإنساني المبدع: ص185-186).

فقه السياسة

إن أهمية النظام الداخلي نابع من الوظيفة القانونية والسياسية في تفسير مواقف الحزب من الشأن السياسي العام، أيضا ضبط حركة أعضائه داخل إطاره ورؤيته السياسية، أما الشورى فهي آلية لتنضيج الآراء ومنح تحول الاختلاف السياسي في أن يصبح خلافا نفسيا اجتماعيا يدفع نحو الانشقاق والتشرذم، إذ إن الشورى تعلي من خاصية تداول الأفكار والرؤى السياسية، كذلك ما يتعلق بعامل الانضباط فهو مرتبط بمثابة النظام الداخلي وصلاحيته في التصدي للازمات السياسية التي يمر بها الحزب. تبقى مسألة مواكبة الحزب السياسي للواقع التاريخي الذي يعيشه المجتمع من تطور وتباين يصاحبه ظهور تصورات جديدة تعكس التغيرات التي تطرأ على أفراد المجتمع. عالج الإمام الشيرازي هذه القضية من خلال الاهتمام بعملية الكسب المستمر التي تدعم عامل إضافة طاقات ناشطة ومعاصرة لتلك المستجدات خلاف ما نلاحظه اليوم من شيوع ظاهرة انغلاق اغلب الأحزاب على أنصارها القدامى وعدم التفكير في إنتاج سلوك حزبي. إذ يدفع أفراد المجتمع بالانتماء إلى الأحزاب، ربما يغير هذا التوقف عن كسب أعضاء جدد هو الخوف من الاطلاع على التناقض الفكري الحاصل بين توجيهات بعض الأحزاب والمرحلة التي تعمل فيها فحينما نتساءل عن آليات التوعية التي تطرحها تلك القوى السياسية لأجل إصلاح منظومة الوعي الاجتماعي نجدها ضئيلة جداً ومحصورة في الدوائر المغلقة لذلك الحزب وهي أساسا محكومة بالمصلحة السياسية لوضع الحزب داخل وخارج السلطة، ولهذا ركز الإمام الشيرازي على أهمية الوسائل التي تتعاطى بها الأحزاب مع الجماهير، فنوعية الوسائل السياسية تكشف عن شرعية الأهداف السياسية المراد تحقيقها، لذلك وقعت تلك الأحزاب في مأزق التفريق بين الوسيلة والهدف وبالتالي أدى هذا الخلط الفكري إلى عدم تماسك الرؤية السياسية التي تقدمها تلك التنظيمات السياسية.

بل ما زالت بعض الأحزاب تستند على تاريخها السياسي دون قدرتها الاجتماعية في العمل بين فئات المجتمع، بينما نجد ان نشوء مقولة الحزب راجع إلى الحاجة لرفع تركة التخلف السياسي والاجتماعي.

لقد نظر الإمام الشيرازي نحو هذه المسألة من زاوية بان يكون هناك تلازم أخلاقي سياسي يعمل على توجيه سلوكية تلك الهيئات السياسية، حيث اكد على خاصية الأهداف المطلوب انجازها تنحصر في (استلام الحكم، قيادة الأمة، التغيير والتطوير). وهنا يسلسل السيد الشيرازي مشروعية التحرك الحزبي وكيفية تصنيف الأولويات السياسية، إن إلزام العمل السياسي بمبدأ أخلاقي كان من صدارة الطرح الفكري للسيد الشيرازي وهنا يشير السيد إلى الفارق النوعي بين نشأة الأحزاب في المجتمعات الأوربية وعن مثيلاتها في المجتمعات الإسلامية، ففي أوربا كان قيام الأحزاب مرتبط بتراكم اقتصادي-اجتماعي دفع بالنخب البرجوازية إلى انشاء وسيط سياسي يعبر عن تطلعاتها الاقتصادية والسياسية بينما في البلاد الإسلامية متأتٍ من الأزمة الفكرية والثقافية التي تمر بها تلك الشعوب، ولهذا أخذت تلك الأحزاب في المجتمعات الإسلامية طابعاً ايدولوجيا مرتفعا اهتم بمشاكل التاريخ متجاوزاً ما يعانيه المجتمع الإسلامي العربي، إذ ظلت الأحزاب الإسلامية واقعة تحت الاستفزاز الغربي وتأثيره على مقومات الشخصية الإسلامية، الإمام الشيرازي إذ يقطع مع هذه الإشكالية بجعل الحزب طليعة متقدمة في البناء والتغيير.

لقد انطلقت معالجة الإمام الشيرازي لموضوعة الحزب على ضوء مسيرة عمله المرجعي والفكري، ومواكبته لعدة تجارب سياسية أوجدت لديه الخزين الميداني المطلوب حول واقع الأحزاب، وتاريخ نشوئها،  وبالتالي كانت أفكاره ومقولاته ليست منفصلة عن الواقع لهذا امتاز في إصراره على مبدأ الشورى وجعلها معياراً تؤسس عليه المؤسسات السياسية والاجتماعية المانعة (الشورى) لنمو بذرة التسلط والاستبداد داخل أروقة الأحزاب والكيانات الاجتماعية. يبقى أن الأحزاب الإسلامية مازالت بحاجة إلى جهد مرجعي وفكري يبعث فيها روح الإبداع والتطوير فنحن اليوم نشاهد تجمعات سياسية لا تملك التوصيف السياسي المناسب لمفهوم الحزب وأخرى أصيبت بملل سياسي مزمن جاء نتيجة لما نظرت له في بدايات تأسيسها السياسي وبين ما تمارسه في الحاضر من ممارسات سياسية خلال دخولها مؤسسة السلطة، اذ تجد نفسها في تناقض سياسي بارز وهذا يؤكده عدم وضوح الطريقة التي تتخذ فيها الأحزاب قرارها السياسي لتصبح أطروحة الإمام الشيرازي في الشورى منهج علاج وممارسة تنقل الحزب من الابتعاد عن قضايا المجتمع إلى الاقتراب وتمازج مع متطلباته. لقد كانت البدايات الأولى لتأسيس الاحزاب قائمة على مطاليب متأثرة بتداعيات المشهد الدولي الراهن انذاك فرجوع الى تأريخ تلك التجمعات نكتشف انها أرتكزت على مقولات عامة غير متصلة بمسأئل الظرف العربي والاسلامي وكان للنموذج ألالماني وألايطالي ألاثر البارز في تكوين الخلفية السياسية من جعل المطلب مقدمة لكل شي وتعاليا عن ما يدور في الداخل العربي من تردي الواقع الاقتصادي وتخلفه الاجتماعي، وبالتالي أختزلت الحاجات المجتعمية من تنمية وتأهيل سياسي ضمن قضية التخلص من العدو، ليقع المظهر الحزبي في مأزق العسكرة وأعتماد أسلوب التعبئة السياسية الخالي من الجانب المدني، أن هذا التعاطي الحزبي مع الحياة الاجتماعية، سمح بانتشار نسق أغلاق في الرأي السياسي واكتفاء بتوصيف الحزب حول يحدث من أزمات واحداث دولية واقليمية، لذلك تقاطعت الاحزاب العربية والاسلامية حول القضية الفلسطينية. إن تعود على ممارسة الشورى وتبادل الحوار يعطي تلك المنظمات السياسية تجددا دائما أزاء ما يواجهها من محن وضغوطات يومية اثناء عملها السياسي، فاليوم تعيش الاحزاب ظواهر معاصرة منها تنافس الشركات العابرة للقارات، ومنظمات المجتمع المدني، في توفير وتسهيل أمور المجتمع ولذلك أكد السيد الشيرازي على الاهتمام بظاهرة المؤتمرات التي تعيد بعث روح المؤسسة بجميع أشكالها الوظيفية، إن المؤتمرات هي تنشيط وتوسيع بدائرة الحوار وصناعة الفكرة بين أفراد التنظيم الذين هم بحاجة لها، هكذا يضع السيد الشيرازي اللبنات الأولى لاجل قيام أحزاب تملك القوة اللازمة لاجل صناعة وعي سياسي مستنير يساهم في تشييد حالة اجتماعية وسياسية تقبل الجميع دون استنثاء. عكس حال بعض الاحزاب اليوم في المشهد العراقي الحاضر إذ الاحزاب محصورة بفئة دون غيرها وطبقة دون اخرى. لذلك عندما نتساءل عن اي الاحزاب استطاع كسب عناصر متنوعة الانتماء والولاء؟ الصورة الحزبية المعاشة تشير عكس ذلك بحيث تحولت بعض الكيانات السياسية الى طوائف مغلقة لتفارق التوصيف المتعارف عليه في العلوم السياسية من ان الاحزاب مجموعة تربطهم أطروحة سياسية واحدة ويسيرهم برنامج عمل يتكفل بأساسيات العمل السياسي من بناء دولة وتطوير مجتمع وعدالة في توزيع الثروة وفصل في السلطات والايمان بتداول سلمي للسلطة.

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا