الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

  وجهات نظر

حرب الأفكار

زكي الميلاد

  حرب الأفكار مقولة أمريكية جديدة، جاءت في سياق مواجهة الإرهاب. وذلك بعد أن أدرك الأمريكيون ضرورة تجديد النظر في سياساتهم لمواجهة الإرهاب، وبعد أن ظهرت لديهم بعض الشكوك في إمكانية الفوز السريع والحاسم في هذه المعركة.

وقد ارتبطت هذه المقولة بثلاثة اتجاهات، تعددت فيما بينها منظورات الرؤية، وطرائق الفهم والتحليل، ومحددات الأفق والمكان والزمان.

الاتجاه الأول وعبر عنه وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد حينما دعا في أكتوبر 2003م، إلى تشكيل وكالة جديدة تساعد على مواجهة ما أسماه حرب الأفكار الخاصة بالإرهاب الدولي. وذلك في سياق حاجة الإدارة الأمريكية ووزارة الدفاع إلى إعادة تنظيم للتعامل بشكل أكثر فاعلية مع تهديدات القرن الحادي والعشرين. واعتبر أنه من أجل الفوز بالحرب ضد الإرهاب علينا حسب قوله أن ننتصر في حرب الأفكار. ويقصد بهذه الحرب معركة الفكر مع أولئك الذين تجندهم الشبكات الإرهابية في كافة أنحاء العالم. ويعلل ذلك بأن في مقابل كل إرهابي يعتقله التحالف حسب قوله أو يقتله أو يردعه أو يثنيه، هناك آخرون يتدربون. لذلك لا بد من خوض حرب الأفكار لمنع الجيل الجديد من الإرهابيين في تنظيم صفوفه، بدون أن يعترف بأن الحرب ضد الإرهاب ستكون طويلة وصعبة وخطرة. وهناك من يفسر هذا الموقف بأن رامسفيلد بات راغباً في أن يبدو أكثر اعتدالاً، خصوصاً مع ما يقال عن تسريب مذكرة داخلية تساءل فيها رامسفيلد نفسه عن (هل نحن سائرون إلى النصر أو الهزيمة في حرب الإرهاب؟) ولعله بات مقتنعاً بإعطاء دور أكبر لوزارة الخارجية في مكافحة الإرهاب.

 الاتجاه الثاني وقد عبر عنه الكاتب الأمريكي توماس فريدمان الذي نشر مجموعة مقالات حاول فيها شرح وتحليل مفهوم أو مقولة حرب الأفكار. وكأنه يريد أن يقوم بدور تحديد وضبط مكونات هذا المفهوم، وطبيعة المجال الذي يتصل ويتحدد به. والتصور العام الذي ينطلق منه سمعه كما يقول ذات يوم من المحلل المتمرس في قضايا الشرق الأوسط عبد الله شليفر الذي يرى بأن الحرب العالمية الثانية كانت حرب النازيين، الذين استخدموا ماكنة ألمانيا لفرض هيمنة العنصر الكامل، الجنس الآري. والحرب الباردة كانت حرب الماركسيين، الذين استخدموا ماكنة الاتحاد السوفيتي لفرض هيمنة الطبقة الكاملة. وكانت 11 سبتمبر حرب الأصوليين، الذين استخدموا التفجيرات الانتحارية لفرض هيمنة الدين الكامل، الإسلام السياسي. وبهذا التصور يحاول فريدمان أن يحدد المجال الجديد لحرب الأفكار، ويبعث على الثقة والأمل بالفوز في هذه المعركة، التي مرت بثلاثة أطوار تاريخية. الطور الأول الذي انتصر فيها الغرب على النازيين في النصف الأول من القرن العشرين. وفي الطور الثاني انتصر فيه الغرب أيضاً على الشيوعيين في النصف الثاني من القرن العشرين. وبقيت أمام الغرب معركة الطور الثالث وهي مع الأصوليين، والتي بدأت مع بداية القرن الحادي والعشرين.

 ولعل ما يريد قوله فريدمان من هذا الكلام أن الغرب الذي انتصر على النازيين في زمن سابق، وعلى الشيوعيين في زمن آخر، فإنه باستطاعته أن ينتصر على الأصوليين في معركته الراهنة.

 وأما عن طبيعة المهمة في حرب الأفكار فيرى فريدمان أنها بصورة أساسية ينبغي أن تكون في داخل المجتمعات الإسلامية نفسها، وبإشراك المعتدلين في هذه المعركة، فهو يعتقد أن الأكثر أهمية هو إيجاد سبل لجعل المجتمعات التي يأتي منها هؤلاء الأصوليون هي التي تردعهم أولاً، فهي- أي هذه المجتمعات- الوحيدة التي تعرف أناسها، وهي الوحيدة أيضاً حسب تقدير فريدمان القادرة على كبح متطرفيها. ولأن هؤلاء كما يضيف ليسوا دولة خاضعة للردع التقليدي أو القواعد الدولية، وليسوا أفراداً يردعهم الخوف من الموت. وليس بوسعنا والكلام لفريدمان تغيير المجتمعات والثقافات الأخرى بأنفسنا. ولكننا أيضاً لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي من دون أن نفعل شيئاً في وجه هذا التهديد المتصاعد. وهنا يصل فريدمان إلى طبيعة المهمة التي يراها في حرب الأفكار، وهي المشاركة مع قوى الاعتدال في هذه المجتمعات العربية والإسلامية بمساعدتها على خوض حرب الأفكار، وهذا يتطلب تعزيز المعتدلين في العالم العربي، ويدعو الغرب لتبني أساليب وتكتيكات تساهم في تعزيز مكانة ونشاط هؤلاء المعتدلين.

وبعد مجموعة مقالات كتبها توماس فريدمان حول مفهوم حرب الأفكار، التي يتحدد من خلالها كما يقول الانتصار أو الهزيمة في الحرب ضد الإرهاب، اكتشف أن الأفكار لا تنتشر لوحدها وإنما ضمن سياق معين. فالسياق السيء يخلق مناخاً خصباً حسب قوله لانتشار الأفكار السيئة والعنف، وهذا بدوره نابع من ما يسود تلك المجتمعات من مشاعر بالإذلال والغضب. والنتيجة التي يتوصل إليها بقناعة كبيرة هي أنه من المستحيل الحديث عن تحقيق النصر في حرب الأفكار في العالم العربي المسلم بدون التحدث عن الشيء الأكثر أولوية كما يصفه، والذي يمنح الناس الكرامة والأمل، وهذا الشيء حسب تقديره هو العمل. ويستشهد ببعض الأرقام والحقائق التي يرى بأن من يطلع عليها يمضي في البكاء، ومن هذه الأرقام أن من بين 90 مليون شاب عربي تراوح أعمارهم ما بين 15-24 سنة، هناك 14 مليونا منهم بدون عمل. إلى غير ذلك من أرقام مفزعة. وبناء على ذلك يحاول فريدمان أن يطور من رؤيته حول مشاركة القوى المعتدلة في حرب الأفكار، ويرى بأن هذه القوى يمكنها أن تبرز للسطح من بين الطبقة المتوسطة المتنامية داخل المجتمعات العربية والإسلامية مع الإحساس بمشاعر الكرامة والأمل.

 ويختم كلامه بالقول أن الشباب الذين ينمو ضمن سياق فرص اقتصادية حقيقية، وفي ظل سيادة القانون، وحق التكلم والكتابة في أي شيء يرغبونه لن يكونوا بالتأكيد راغبين في تدمير العالم، وإنما سوف يريدون أن يكونوا جزءاً منه.

الاتجاه الثالث وعبر عنه الكتاب المشترك الصادر في نيويورك عام 2003م، بعنوان (النضال هو من أجل الديموقراطية.. كيف نربح حرب الأفكار في أمريكا والعالم؟) لمجموعة من الباحثين وبإشراف الكاتب الأمريكي جورج باكير. ويرى هذا الاتجاه بأن الانتصار في حرب الأفكار يبدأ من أمريكا نفسها، ويمتد على مستوى العالم برمته. يبدأ من أمريكا بإصلاح حضارتها وديمقراطيتها أولاً، وبالنضال من أجل الديموقراطية في العالم ثانياً. وفي هذا الشأن يقول جورج باكير أن ضربة 11 سبتمبر كشفت عن نواقص الإدارة الأمريكية، بل والحضارة الأمريكية، فالديموقراطية الأمريكية مريضة وبحاجة إلى علاج، وهناك أزمة ثقة بين الشعب الأمريكي وحكومته. ويوجه نقده إلى المجتمع الأمريكي ويعتبره من أكثر المجتمعات قسوة ولا مساواة في العالم، فتوزيع الثروة فيه غير عادل على الإطلاق، وتوجد فيه طبقة فقيرة جداً بل ومعدمة، وهذا لا يليق ببلد غني جداً كالولايات المتحدة الأمريكية. وبالتالي والكلام لباكير فان النظام الليبرالي الأمريكي بحاجة إلى علاج، والحضارة الأمريكية ليست منزهة عن العيوب على عكس ما يزعم أنصارها المتشدقون بالقيم الديموقراطية والاقتصاد الحر وغير ذلك من الشعارات.

هذه الاتجاهات الثلاثة عكست طبيعة النزعات التي شكلت منطلقات الاهتمام بمقولة حرب الأفكار، وهي النزعات التي حددت اتجاهات الفهم والنظر لهذه المقولة. فرامسفيلد ينطلق من نزعة كيف تواجه الولايات المتحدة الأمريكية بكفاءة عالية تهديدات القرن الحادي والعشرين، ولأنه مسكون بهاجس الأمن والدفاع والتفوق العسكري لأمريكا في العالم، لذلك فهو لا يستطيع أن ينظر لهذا المفهوم إلا من زاوية أمنية وعسكرية. ومن هذه الزاوية يتحدد أيضاً صورة المجال عنده لحرب الأفكار. أما فريدمان فهو ينطلق من نزعة ان أساس المشكلة هي في داخل المجتمعات العربية والإسلامية، والعلاج بشكل أساسي يأتي من داخل هذه المجتمعات نفسها. لذلك يدعو الغرب لمساعدة هذه المجتمعات في التخلص من أفكار التطرف والعنف والإرهاب بدعم قوى الاعتدال فيها. في حين ينطلق جورج باكير من نزعة أن الاعتلال موجود في داخل أمريكا نفسها، وعليها إصلاح نفسها قبل إصلاح العالم.

وأما معركتنا نحن في حرب الأفكار فهي في المرتبة الأولى مع التخلف الذي أورثنا كل هذا الجهل والفقر والجمود والتحجر.

ـــــــــــــــــ

 * باحث في الفكر الإسلامي والإسلاميات المعاصرة، رئيس تحرير مجلة الكلمة.

http://www.almilad.org

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا