|
||||
المرجعية والحياة |
||||
حاجتنا الفكرية ومسؤولية العلماء |
||||
فريد النمر |
||||
تعتبر إعادة إحياء الهوية الفكرية الإسلامية في العصر الحديث حاجة ماسة وضرورة ملحة في زمن اتسم بتغليب الفكر المادي والأنوي الفردي، في غياب كبير، لهيمنة الحالة العقدية والدينية بين أبناء المجتمع الإسلامي من جهة وفي ظل الصراعات الفئوية والجهوية من جهة أخرى. لذلك نرى أن استسقاء المعلومة وبناء الفكرة إن لم يكن مأخوذا من مصادره التشريعية والعقدية الأصيلة يعد ذلك من اللغو والسفسطة المقيتة التي تحل من المجتمع وتحلله عن كثير من أصالة الفكر بحجج واهية كالتخلف والرجعية والخشبية والى آخر تلك الثقافة المستوردة بعلب (النايلون) التي يحلو لها دائما نقد المرجعية أحيانا بتصورات مختلقة وكأن يجب على المرجعية أن تكون متوافقة مئة بالمائة مع الرغبات الشخصية، ناسين بذلك الاجتهاد وكيفية استنباط الرأي في المسائل المختلفة. لذا كان على العلماء والمثقفين الرساليين بذل الجهد الأوفر في تحقيق التوازن المعرفي في المجتمع وذلك ببعث روح الصحوة من جديد من خلال تحديث سبل نشر الثقافة الإسلامية مع المحافظة على ثوابت العقيدة والأفكار المكتسبة من محض الافتراءات والترهات. ومن هنا نجد أن الصحوة الإسلامية هي تلك الظاهرة الاجتماعية الجديرة التي تعنى بعودة الوعي للأمة وإحساسها بذاتها واعتزازها بدينها وكرامتها واستقلالها السياسي والاقتصادي والفكري، وسعيها للنهوض بدورها الطبيعي في بناء حضارة الإنسان باعتبارها...خير امة أخرجت للناس. ومن هنا يجدر بنا إن نتكلم عن هذه الصحوة من حيث الأسباب والجذور التاريخية بتسليط الأضواء عليها، ومن هذه الأسباب لا الحصر: 1- الأسباب الداخلية: ونعني بها امتلاك الأمة الإسلامية لمقومات فكرية حضارية ونظرية متكاملة متمثلة بالدين الإسلامي الحنيف، الذي يمتاز بشموله للقيم والأفكار والعقيدة والشريعة في شؤون الدنيا والآخرة. 2- الأسباب الخارجية: لقد افتتنت الأمة المسلمة بالحضارة المادية الواردة من شرق الأرض وغربها وغلبت على أمرها أمام هذا الهجوم الحضاري الجديد، وساهم في ذلك انحسار الإسلام من الناحية الميدانية بفعل عوامل متعددة ولمدة طويلة، وكذلك غياب القيادة الأمينة وانشغال حكام المسلمين بالأمور الشخصية وضمور روح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث ساعدت هذه العوامل على مضاعفة جهل الأمة بروح الإسلام إضافة إلى الشعارات البراقة التي رفعها المستعمرون في تحرير المسلمين وتطويرهم، وتزامن ذلك مع التطور التكنولوجي الذي استخدمه الغزاة كدليل لإثبات تطورهم ورقيهم الحضاري. وقد تنبأ لهذه الصحوة أساتذة الاجتماع والسياسة والمصلحون: فالأستاذ سميث في جامعة مونتريال له كتاب (الإسلام اليوم) صدر في الخمسينات، لفت نظر المسؤولين في بلاده إلى هذه الصحوة، وكذلك العالم الانكليزي وات اصدر كتاباً سنة 1964 بحث فيه الإسلام في العصور الوسطى وتوقع الصحوة ووصفها بأنها سوف تقود إلى أيديولوجية رابعة تحكم العالم المعاصر في نهاية القرن العشرين. على أن اخطر وثيقة بهذا الخصوص تعود إلى عالم روسي هو (زوجان وسكي) وكان هذا التنبؤ عام 1919م.. حيث تسائل متى وأين تأتي الثورة العالمية الثالثة مشيراً إلى الثورتين الفرنسية والشيوعية والى أن كل منهما قد فشلت من ناحية معينة. ولذلك فأنه يمكن أن نحدد الموانع والمعوقات للصحوة بالعوامل الداخلية والخارجية. أما العوامل الفكرية الداخلية فنقول وبإيجاز إن عدم الفهم الواعي والعميق للفكر الإسلامي من قبل المسلمين، وإن الظروف الاستثنائية جعلت النظرية السياسية والاجتماعية غير واضحة المعالم في أذهان العلماء وانعكس ذلك على آرائهم الاجتهادية، وتجلى ذلك من خلال اهتمامهم بالقضايا الفردية بشكل كبير مع إهمال واضح لقضايا الأمة الكبرى، إضافة إلى أن دخول بعض المندسين لتشويه حقيقة الإسلام وتأثر بعض البسطاء بالفكر المنحرف أوجد حالة التطرف في فهم الإسلام وعقائده مثل الغلو والسلوك المتطرف كالانعزال عن المجتمع لحفظ القداسة الشخصية.
الحلول الناجعة لذلك وفي سبيل الوصول إلى نظرية متكاملة لابد لنا من دراسة الإسلام دراسة موضوعية يمكن الاستعانة بها لتأسيس حضارة إسلامية تتمشى مع متطلبات العصر وتتطابق مع روح الشريعة بعيداً عن التمسك بالقشور والحرص على الجوهر من خلال استيعاب روح الشريعة والاعتماد على النصوص الصحيحة كي نتلمس الحلول الناجحة ضمن الخطوات الآتية: 1- الاهتمام بالعقل ودوره وأثره في تحديد البعد الشرعي على ضوء ملكات الأحكام، وبواسطة العقل ندرس الحالة المتطورة ومدى انطباقها مع الشريعة المقدسة في قواعدها العامة 2- على علماء المسلمين أن يتحروا الحق والحكم من الشريعة بملاحظة النصوص الصحيحة وبعد دراسة موضوعية لظروف النص ومتطلبات المرحلة الراهنة. 3- دراسة الأفكار ومناقشتها بعيدا عن الخلفيات المرتكزة في الذهن أو الأفكار السابقة ومن ثم تحري الدليل لإثباتها في إرجاعها لآراء الفقهاء المختصين لكي لا يضيع علينا سلامة الاستنتاج. 4- تجاوز الحالة الروتينية بالاهتمام للفقه الفردي كما في باب العبادات والتي تكاد تكون قد اكتمل البحث فيها، والتأكيد على دراسة فقه الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لرسم المنهج المتكامل في هذه الحقول. 5- محاولة دراسة الموضوعات دراسة مقارنة على ضوء معين يتيح لنا التعرف على بقية المذاهب الأخرى لكي لا يضيّع علينا نتائج عقول وإبداعات في مجالات مهمة ويجعلنا نعيش العقلية السلفية وتتعطل عندنا روحية الإبداع. 6- دراسة الواقع الموضوعي ومحاولة التمييز بين القضايا العلمية والمناهج التي يمكن توظيفها لصالح الإسلام وبين الأمور التي لها جذور حضارية مخالفة. 7- التأكيد على المنهج العقلي والتجريبي وتقبل النقد في مسألة المنهج والأسلوب والابتعاد عن التبرير الغيبي للمواقف والأساليب الخاطئة التي لا تمت إلى الغيب بصلة.
الأمراض المانعة للصحوة أما الأمراض التي تمنع حيوية الصحوة الإسلامية والتي يجب التوقي منها وتحذير العاملين من آثارها السلبية فهي: 1- الفرقة: وهو مرض يتزامن مع مسيرة البشرية على وجه الأرض وهو ناتج عن الفهم الخاطئ أو حب الذات أو النظرة السطحية أو عدم التمييز بين الأهم والمهم من الأمور وغيرها من العوامل، إننا لا نريد أن نغلق باب الاختلاف، لان الاختلاف من مستلزمات الإنسان وطبيعته البشرية، بل نريد أن نعرف كيف نتعامل مع اختلاف الآراء. 2- الغرور: وهو مدخل للشيطان يزين للإنسان عمله ويحقر في عينيه عمل غيره ولذلك فهو يعيش حالة الانفتاح والرضى بالنفس حتى يصل به الأمر إلى عدم قبول أي نقد أو نصح من الآخرين بل يعيش بحالة لا ينقد فيها نفسه ولا يراقبها مع تبرير وتوجيه لكل ما يصدر منه شخصياً. 3- السطحية: إن الفهم الإجمالي العام للإسلام ورد الفعل تجاه الحالة المأساوية التي عاشتها الشعوب الإسلامية وان كان عوامل مهمة ليقظة المسلمين وظهور المنادي بالعودة إلى الإسلام، ولكنها لا تكفي لأحداث العملية التغييرية والانقلاب الاجتماعي الشامل ما لم تمتلك الدراسات الميدانية للعمل والتطبيق. 4- الارتجالية: ونقصد بها عدم التخطيط والدراسة للقضايا والأحداث والمواقف، والتعامل معها على أساس ردود الفعل والعواطف لا على أساس التعقل والتخطيط. إذ بإعادة العقل إلى دائرة البحث والتحقيق والاستنتاج في طرح الموضوعات النافعة تتم معالجة القضايا التي تخص المسلم المعاصر وبصياغة جديدة تتماشى مع الحالة الاجتماعية المتطورة. وان تعيش الأمة واقعها الموضوعي وان تعيش روح التفاهم الفكري والحوار الموضوعي وان تمارس الأساليب الجذابة المبنية على فهم إسلامي عميق، كل هذه الأمور هي وسائل العلاج لبلوغ الصحوة هدفها المرجو.
ضرورة التحديث وكيف والتأريخ اثبت لنا الحاجة للحوار، إذ عمل الاستكبار على استثمار الخلافات المذهبية بين الشيعة والسنة، أو الخلافات السياسية كما في قضيته المشروطة والمستبدة في إيران وكما هو يظهر من جديد في العراق لذا يجب تحديث الحوزة نفسها لكي تؤدي دورها المرتقب بكفاءة واقتدار، وهذا التحديث يتلخص في عدة محاور: 1- محور الأفكار. إذ ينبغي أن نعدها بالزيت الفكري الذي يعمق وجودها في الأمة ويحصنها من التراجع أو التصدع والانهيار وذلك من خلال عمل تخصصي ومؤسساتي يعمل على تنقية الفكر مما لحق به من أفكار دخيلة نتيجة الدس والتحريف والروايات الموضوعة والأباطيل. 2- محور التبليغ والخطابة. وذلك بتدريب المبلغ على الخطابة وأساليبها الصحيحة الناجحة، وكتابة البحوث والبحث عن مقومات التوعية بتجدد دائم يلائم حاجات المجتمع. 3- محور الإدارة والمرجعية. قد أشار الإمام الشيرازي (قد) وكما أشار الشهيد الصدر (رض) إلى أهداف المرجعية ومهامها والمؤسسات التي تحقق هذه الأهداف باتفاق جازم وهو كما يلي: 1- نشر الأحكام الإسلامية على أوسع مدى ممكن بين المسلمين والعمل على تربية الأمة بكل قطاعاتها. 2- إشباع الحاجات الفكرية للعمل الإسلامي وذلك عن طريق إعداد البحوث في مختلف المجالات. 3- تربية العلماء وتأهيلهم لمهمتهم القيادية واختيار الأفراد القادرين على أداء دورهم القيادي وأبعاد الأفراد الذين يعيشون الحالة الفردية أو الانعزالية والذين لا تنتفع الأمة من وجودهم ولا يمتلكون مقومات إدارة شؤونها. إن على الواعين من أبناء الأمة أن يساهموا في عملية الإصلاح والبناء هذه من خلال:- دعم مؤسسات الحوزة المرتبطة بالمرجعية وبالأمة والتعامل مع المؤسسات الإصلاحية داخل الحوزة ودعم عملها من الناحية المالية وإرسال المال والوجوه الشرعية إليها لتكون واسطة في إيصالها إلى المرجع وذلك لترشيدها وتقويتها. |
||||
|