الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

 

استطلاع مصور

مكتبة الروضة الحيدرية: كنز معمر من العلوم والمعارف

 استطلاع وتصوير:النبأ

عندما نقول (مكتبة الروضة الحيدرية) فإننا نعني إرثاً ضخما من العلوم والمعارف جذوره ضاربة في أعماق التاريخ الحضاري الإسلامي.. عزَّ مثيله، فهي من المؤسسات الحضارية المعمرة التي أنشأت أجيالاً يُعتد بها من العلماء الأعلام والباحثين الأجلاء، ولا عجب، فالمكتبة المذكورة تخطت الألف عام عمرا.. فهي ترجع إلى القرن الثالث الهجري، يوم لم تكن النجف الاشرف غير بُليدة لا يبعد أقصى بيت فيها عن جدار الصحن الشريف إلا بضع مئات من الخطوات.

ولعل في استعراض التاريخ المشرق لهذا الكنز العريق، والمترع بالعلم والمعرفة، ما يبرر الهفو الروحي صوبها، فهي الخلف الشرعي لسلف كريم، وإنها مخرج سليم من خضم مأساة مروعة.. فعندما أقدم (طغرل بك)على جريمته العامدة المروعة المتمثلة بإحراق المكتبة السابورية ببغداد التي قال عنها (ياقوت الحموي) إنها (لم يكن في الدنيا أحسن كتبا منها، كانت كلها بخطوط الأئمة المعتبرة وأصولهم المحررة)، فقد هاجرت الكتب الناجية والمخطوطات الباقية من تلك المحرقة لتحط الرحال في كنف الصحن العلوي الشريف فتلقى من الأمن والأمان في حمى إمام البلغاء وزعيم المتكلمين، علي بن أبي طالب عليه السلام، فكان ذلك بداية تأسيس (مكتبة الصحن الشريف) التي تطورت حثيثا بفضل دأب الملوك والأمراء والسلاطين الحريصين على نشر وإشاعة العلم والثقافة، على تنميتها وتكثير موجوداتها، ومع تطورها تغيرت أسماؤها، فهي (الخزانة العلوية) وهي (المكتبة الحيدرية) وهي (الخزانة الحيدرية) وظلت كذلك إلى أن استقر عليها الاسم الحالي (مكتبة الروضة الحيدرية).

وعلى الرغم من أن حريقا مدمرا نكب المؤمنين من روادها عام 755 للهجرة، أفقدها كثيرا من نفائسها ومن بينها مصحفا فريدا من ثلاثة أجزاء بخط الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، إلا أن من قيَّضهم الله تعالى للحفاظ عليها، مدوها بنصل البقاء وعوامل التجدد والنشاط، ومن بين أولئك الاماجد (صدر الدين الكفي- المعروف بالآوي) الذي أعاد تأسيس المكتبة على أنقاض ذلك الحريق المؤسف.

 

المكتبة اليوم

واليوم إذ نلبي رغبات النفس التواقة إلى معرفة تفاصيل هذا الكنز الرائع فإننا نبدأ مع يافطة خطت بالكاشاني الأنيق فوق باب تقع على يمين الداخل إلى الصحن الشريف من باب الطوسي كتب فيها (مكتبة الروضة الحيدرية– تم إعادة تأسيسها عام 1426هـ).. ثم ندلف عبر مدخل متواضع ونرتقي سلما إلى طابق أعلى فيبهرنا المنظر.. إنها المكتبة التي رصت على رفوفها أكثر من خمسة وعشرين ألف كتاب في شتى فروع العلم والمعرفة مع جناح خاص بالصوتيات والمرئيات يضم أكثر من ألفين وخمسمائة قرص مع مستلزمات الاستفادة منها وخاصة الحواسيب وما يتعلق بها من أجهزة ووسائل مع تسهيلات للمطالعين لاقتناء ما يرغبون بشرائه من أقراص مقابل مبالغ رمزية تسهيلا للاستفادة من محتوياتها ونشر مضمونها بهدف نشر وإشاعة العلم والمعرفة. وأُلحق بالقسم جناح للتنضيد ينضد الكترونيا كل ماله علاقة بالمكتبة، وثمة جناح آخر يهتم بتغذية وإدامة موقع المكتبة على شبكة المعلومات الدولية (الانترنيت) الذي يستطيع متصفحو الشبكة زيارته على العنوان التالي: WWW.HAYDARYA.COM..

 

تدافع وتواضع

على الرغم من إن المكتبة في وضعها الراهن تمتد على مساحة طابقين، وفيها الكثير من القاعات والمقصورات المخصصة للمطالعة والبحث.. إلا إنها لا تتسع لكل طلاب العلم الذين يقصدونها الذين يبلغ عددهم 300-400 مراجع في بعض الأيام، خصوصا وان الاستعارة الخارجية متوقفة في الوقت الراهن.. لذا نرى أن بعض المطالعين يتنازلون عن رغبتهم في الجلوس على الكراسي المريحة خلف المناضد الأنيقة ويحسمون أمر التزاحم والتدافع على الكراسي، فيتواضع بعضهم ويفترش الأرض التي زينت بالسجاد الفاخر.. يفرش عليها كتبه وأوراقه فينسخ ويقرأ براحة تامة يضيف الهدوء الذي يسود القاعات عليه جوا من الصفاء الروحي والسمو الفكري ويساهم طاقم موظفي المكتبة باكمال مستلزمات الاستفادة بتعاونهم ودماثة أخلاقهم، حيث يستمتع الجميع من الجالسين على الكراسي الوثيرة أو على السجاد الثمين بما لذ وطاب من كتب قيمة وصحف مطهرة.

يقول الأستاذ هاشم الباججي من طاقم إدارة المكتبة:

- المكتبة تعاني من ضيق مكاني يحد من امكانية تنفيذ المشاريع الطموحة المخطط لها، لذا فإن من المؤمل إضافة الطابق الأرضي الذي يستخدم حاليا كمخزن لهيئة الصحن إلى عموم مساحة المكتبة، ولو أن طموحنا هو الحصول على بناية بمساحة خمسة آلاف متر مربع ضمن منشآت الصحن الشريف وهذا ما نأمل تحققه في مرحلة لاحقة.. فعندنا من المشاريع ما هو قيد التنفيذ، وأخر بانتظار الفسحة المكانية المضافة التي نسعى للحصول عليها، ومن تلك المشاريع التي هي قيد التنفيذ:

1- قسم خاص بالنساء يشمل كافة محتويات القسم الرجالي، ولا ينقصه في الوقت الحاضر ليكون جاهزا لتقديم خدماته للأخوات المؤمنات غير نصب أجهزة التبريد والعمل جار لإكمال نصبها.. وكانت للنبأ جولة في هذا القسم الذي يبعث على الإعجاب.

2- قسم المخطوطات، ومع إن مكان هذا القسم مخصص وموجود، إلا إن من بين المشاريع المقبلة الهادفة التي تطويره تتضمن نقل المخطوطات الثمينة والرائعة التي لم تستلمها المكتبة لحد الآن بسبب الظرف السائد، إضافة إلى الحاجة الماسة إلى تزويد القسم بمستلزمات وخبراء صيانة المخطوطات وأجهزة استنساخها لتكون في متناول الراغبين من الطلاب والباحثين والمحققين.

وأكمل الأستاذ الباججي:

- فيما هناك مشاريع مستقبلية طموحة تنوي إدارة المكتبة تنفيذها ومن بينها تأسيس قسم خافص بالأطفال والناشئين، وجناح لكتب الشبهات التي ألفها أعداء الاسلام ومناوؤا المذهب، وقسم خاص بالدوريات من مجلات وصحف، وقسم يختص بإقامة الندوات والدورات العلمية والثقافية، فيما انجزنا تأسيس جناح خاص هو عبارة عن مكتبة فرعية تختص بالكتب الخاصة بالإمام علي بن أبي طالب عليه السلام يبلغ مجموع محتوياتها أكثر من ثمانمائة كتاب بمختلف اللغات تتوزع على جوانب مختلفة منها ما تعلق بسيرته وحياته عليه السلام، وما يختص بنهج البلاغة وشروحاته والعمل جار بالتنسيق مع عدد كبير من المكتبات الأخرى للوقوف على الكتب والمخطوطات ذات العلاقة لاقتنائها أو استنساخها من أجل تنمية هذه المكتبة التي صارت موردا رائعا للباحثين في مجال اختصاصها.

 

الأنشطة المشتركة

وللمكتبة علاقات ومساهمات علمية قيمة مع جهات مماثلة كالمكتبات الكبرى المعروفة والجامعات غير ما أشرنا إليه بخصوص استكمال جناح المكتبة الخاصة بالإمام علي عليه السلام، حيث جرى مفاتحة العديد من الجامعات لأغراض التنسيق وتبادل المطبوعات والأقراص إضافة إلى الجهد الاستثنائي الذي بذلته إدارة المكتبة من أجل إخراج وإنجاز مشروع الفهرسة العربية الموحد الذي تضطلع جهات سعودية بإكماله في بحر عام 2006.

يقول الأستاذ علاء الأعسم مسؤول قسم الفهرسة في المكتبة:

- كان لمكتبة الروضة الحيدرية دور في التنبيه إلى الهفوات التي اشتمل عليها نظام الفهرسة العربية الموحد الذي سيعتمد النظام العالمي المعروف بالمختصر LC)) والمعتمد من قبل مكتبة الكونجرس الأمريكي والذي تهمل مكتبتنا على وفقه، فالمشروع المطروح يحرمنا من إيجاد أبواب ملائمة لكثير من الكتب ما جعلنا ننبه إلى ضرورة تلافي ذلك قبل أن يصار إلى إقراره وإغلاق باب الاعتراضات والمقترحات بصدده حيث من المقرر أن يصار إلى إلزام المكتبات المعنية بالعمل به والتقيد بنظامه عام 2007.

وتبقى مكتبة الروضة الحيدرية بيئة علمية فكرية رائعة تخدم العلم والعلماء والطلاب والباحثين والمحققين خصوصا وان العاملين عليها عناصر كفوءة على قدر واسع من العلم والثقافة يجعلهم يفيضون على ذلك الجو نكهة من السعادة والمتعة وهو غاية ما يطمح إليه المطالع، خصوصا وانه في كنف سيد البلغاء والمتكلمين والمدخل إلى مدينة العلم حيث يقول الرسول الأعظم (ص).. (أنا مدينة العلم وعلي بابها).  

نأمل أن نرى المكتبة وقد نجحت في تحقيق كل مشاريعها الطموحة التي لا تهدف إلا لخدمة العلم والعلماء والباحثين.

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا