|
||||
تنمية |
||||
تحدي الفساد أمام التنمية العراقية |
||||
المهندس مصطفى فؤاد الصادق مراجعة الدكتور أكرم محمد علي |
||||
خطورة الإرهاب كبيرة، لكن خطر الفساد أكبر، وأكبر بكثير، ولا خلاص للعراق الإ مع التحرر من الفساد، والتحرير منه. ماذا يقول الأكاديميون والخبراء في هذا المجال ؟ مكافحة الفساد في المجتمع يجب ان يتم على صعيدين: العمل علي صعيد المجتمع ككل وهذا ما يجب ان تقوم به الحكومة لمكافحة الفساد، والعمل على الصعيد الداخلي للمؤسسات وفي إطار العمل المؤسساتي، وهذا ما يجب ان تقوم به الإدارة العليا لكل مؤسسة لمكافحة الفساد والسيطرة عليه.
أولا: ما يجب علي الحكومة أن تفعله لمكافحة الفساد ؟ 1- تثقيف المجتمع وتحويل الولاء بصورة تدريجية من العائلة والعشيرة الى الأمة والدولة. 2- انتشار التعليم الذي سيساعد علي تطوير الطرق العلمية لمعالجة المشاكل الحكومية والإدارية. 3- خلق رأي عام يرفض الفساد إما لأنه خطأ من الناحية الأخلاقية، أو انه غير مجد من الناحية العلمية أو للسببين معا. 4- التنمية الاقتصادية الشاملة مع تعزيز تكافؤ الفرص وتكريس العدالة، فلمكافحة الفساد يعتقد الأخصائيون بأنه يجب جعل أكبر عدد من أفراد المجتمع مناهضا للفساد، وذلك عبر تنمية التجارة والصناعة التي تمهد تمهيدا فاعلا لزيادة نسبة ودور المتمتعين في المجتمع بالرفاه المادي نسبيا وبالثقافة والالتزام بالمبادئ والقيم الأخلاقية والفضائل وحرية الفكر والتعبير عن الرأي، وحين يصبح أكبر عدد من أفراد المجتمع من هذا الصنف الذي يطلقون عليه بالطبقة الوسطى بحسب تعبيرهم تصبح قاعدة مكافحة الفساد عريضة اجتماعيا، لأن هذه الشريحة معروفة تاريخيا بمناهضتها للفساد، أو لأن الإنسان غالبا إذا تمتع بالرفاه المادي نسبيا وبالثقافة والالتزام بالمبادئ والقيم الأخلاقية والفضائل وحرية الفكر والتعبير عن الرأي وما نحو ذلك، فسيكون مناهضا للفساد. وتعزيز هذه الشريحة يأتي من خلال وضع إستراتيجيات إقتصادية واجتماعية لجعلها الشريحة الكبرى في المجتمع من حيث العدد، ومن حيث المكانة الاجتماعية ليكون لها التأثير. 5- ترسيخ الديموقراطية التي إذا نضجت ستلغي المركزية والفساد الناتج عنها. 6- تنمية الشريحة المهنية ودفعها لرفع مستواها الحرفي والمهني والأخلاقي وزيادة ترابطها. 7- نشر النفوذ والثروة والمكانة الاجتماعية بين أفراد المجتمع عامة، كي لا تكون حكرا على السياسيين. 8- زيادة أعداد المحاسبين المهرة وإعلاء شأنهم، والاعتراف بدورهم ومكانتهم قانونيا وميدانيا واجتماعيا. 9- التطبيق الحكيم والحازم للقوانين الخاصة بالتفتيش الإداري والمالي. 10- ترويج القيم الدينية والأخلاقية. 11- التحفيز على القيام بالواجب وباتقان وعدم ارتكاب الفساد بطرق مختلفة بما في ذلك الترغيب والترهيب. 12- تحديد الرواتب بشكل يمنع الموظف من التفكير في إرتكاب جريمة الفساد، ويرى أن الثمن سيكون باهضا. 13- السيطرة الصارمة والقاطعة على الحدود مع دول الجوار ومنع المعاملات المشبوهة التي تتم في معظمها علي الحدود ومن أهمها تجارة المخدرات وتجارة الأسلحة والاتجار بالبشر وما أشبه ذلك كونها معاملات تحتاج للفساد الإداري والاقتصادي والسياسي لكي تتم. 14- مكافحة طرق غسيل الأموال، فحين تصبح الأموال المستحصلة من الفساد غير قابلة للتنظيف أو الغسيل أو التبييض، يصعب تداولها وتصبح عمليات الفساد مكشوفة، وملاحقتها القانونية والقضائية أقل تعقيدا، ولا يتمكن المجرم من إستثمار تلك الأموال المستحصلة. 15- وضع إستراتيجيات تكافح البطالة والتضخم اللذين يولدان الفساد في كافة أشكاله ومنه الفساد الاقتصادي والاجتماعي. 16- تطوير أداء الأحزاب السياسية وتصحيح وترسيخ مفهوم التحزب إلى الإيجابي. 17- تحديد القطاع العام من خلال خصخصته بعيدا عن الثورية وحرق المراحل ومع الدعم التدريجي والمؤقت والمشروط للقطاع الخاص، لأن الفساد أكثر شيوعا وانتشارا في القطاع العام. 18- جعل الفرص الاقتصادية أكثر من الفرص السياسية في المجتمع، ولاسيما الفرص السياسية التي يمكن أن تجند لتحقيق مكاسب اقتصادية، كي لا يكون الانجذاب للعمل السياسي والانخراط فيه لانعدام الفرص الاقتصادية وللحصول على الرفاه والاقتدار الاقتصادي عبر العمل السياسي لأن ذلك يؤدي إلى نمو وانتشار الفساد، وتدهور الأداء السياسي والاقتصادي و... الخ. 19- ترسيخ ودعم إيجابيات الاقتصاد الحرّ الذي يعتمد على السوق، فحين تقوم الحكومة بلعب دور السوق سيكون الفساد الاقتصادي والسياسي مروعا. 20- مكافحة البيروقراطية الإدارية بتكريس اللامركزية الإدارية والمرونة في القوانين والأساليب الإدارية في مؤسسات الدولة أو التابعة للدولة. 21- استحداث نظام جديد لتقييم الأداء في المؤسسات الحكومية. 22- تشكيل لجنة عليا مستقلة تماما لمكافحة الفساد على ان: أ- تمتلك صلاحيات قانونية كافية ورادعة. ب- تكون مستقلة فعلا وتقوم بتقديم تقاريرها إلى أعلى سلطة، وبصورة مباشرة وليس من خلال أي جهة أخرى تشريعية كانت أم تنفيذية. ت - يكون موظفوها خارج نطاق الخدمة المدنية. ث- يجب أن تشكل هذه اللجنة العليا لجان استشارية تتشكل من المواطنين ومنظمات المجتمع المدني وتضم منتقدي الحكومة، ومن المعارضين للدولة أيضا. ح- يجب أن تضم اللجنة العليا لجانا مستقلة لكسب ثقة الجماهير من جهة، وثقة منظمات المجتمع المدني من جهة ثانية، وثقة ممثلي الشعب في البرلمان.
ثانيا:ما يجب أن تقوم به داخليا الإدارة العليا لكل مؤسسة لمكافحة الفساد والسيطرة عليه الإدارة العليا يجب ان يكون لديها القناعة بان هناك مشكلة تعاني منها المؤسسة وهي الفساد اولاً، كي تكثف جهودها لتطويقه والسيطرة عليه ومعالجته والوقاية من عودته باتخاذ القرارات الحاسمة، كما على الإدارة العليا التمييز بين معالجة الفساد الداخلي للمؤسسة والذي يتعلق بالموظفين الذين يعملون في المؤسسة والفساد الخارجي والذي يتعلق بالزبائن أو عملاء المؤسسة. وفي مجال مكافحة الفساد الداخلي يجب اتخاذ الخطوات الآتية:- 1- الاهتمام بدرجة الأمانة، النزاهة، الالتزام وانخفاض قابلية الانزلاق في الفساد عند اختيار الموظفين، إلى جانب الكفاءة الفنية والحرفية والمهنية. 2- تغيير الثواب والعقاب الذي سيواجهه الموظف مقابل أدائه. 3- إقرار وتطبيق فاعل لكل ما يزيد من احتمال كشف عمليات الفساد، وليس ذلك تسهيلاً للمتابعة فالملاحقة والمعاقبة فقط، بل لخلق قناعة راسخة عند الموظفين بحتمية كشف وانكشاف عمليات الفساد، ومن ثم حتمية العقاب بحجمه العادل والرادع، وهذا بدوره يستدعي وضع أنظمة داخلية لمكافحة الفساد. 4- تغيير مواقف الموظفين تجاه الفساد من خلال التثقيف والإصلاح والتحصين وزرع الأخلاق والفضائل. 5- تغيير النظام الإداري للمؤسسة بحيث يمنح قدراً من حرية التصرف للموظفين، لأن انعدام الحرية المذكورة تعني المركزية الإدارية التي تساهم في تغذية الفساد. 6- تخصيص موارد وأرباح المؤسسة بصورة عادلة. 7- تضعيف حوافز الفساد في المؤسسة. 8- تقليل وتضعيف العلاقة المباشرة بين الزبون والموظف باستخدام معطيات تكنولوجيا المعلومات والكمبيوتر. 9- تصميم نظام داخلي بسيط وعادل لتقويم أداء الموظفين، وربط نتائج التقويم مباشرة بالراتب الشهري والترفيعات والعلاوات والجوائز والتقديرات. 10- جعل التكاليف المادية والمعنوية المترتبة على الفساد باهظة وحاسمة وعادلة، وبما لا يفتح الباب للتسقيط، أو إشاعة الفاحشة، أو خرق حقوق الإنسان وحرياته وكرامته. 11- تضعيف الشخصانية وتعزيز وتكريس الثقافة المؤسساتية في إدارة المؤسسات، بإيجاد الانتماء المؤسساتي من خلال تغيير طرق اتخاذ القرار وإتباع الطرق الشورية والديموقراطية في اتخاذ القرار، ولاسيما عندما يكون القرار عاما ويرتبط بمصالح الجميع وليس في الأمور التقنية والاختصاصية.
ولضمان النجاح في مواجهة الفساد على الصعيدين المتقدمين يجب الانتباه إلى أمور منها: * محاسبة تكاليف مكافحة الفساد المادية وغير المادية، لتحاشي تجاوز تفوقها على خسائر وتكاليف الفساد نفسه، فكثيرا ما يتم تبرير تجميد فإلغاء خطط مكافحة الفساد بهذا العنوان. * المراجعة الدورية المتواصلة لآليات ووسائل مكافحة الفساد. * يجب أن لا تفتح عدة جبهات في مرحلة واحدة، بل يجب أن ندرك بأن الإصلاح تدريجي والمكافحة يجب أن تنجز بهدوء تام وخطوة فخطوة، وتبدأ من معالجة الجذور، والعلل والأسباب، لا القشور، وبمساعدة وإنقاذ المتورطين في الفساد للعودة إلى واحة النزاهة والنظافة. كما يجب ان نتذكر بأن النجاح لن يكتب لمكافحة الفساد إلا إذا كانت مع الدعم السياسي الجدي، ومن أعلى سلطات البلاد التي يجب أن تكون قدوة ومثالا يحتذى به في النزاهة والأمانة والشفافية، ولابد أن تكون جهود مكافحة الفساد ولجانها نزيهة وشفافة، بعيدة عن التشهير والتسقيط والتسييس وما نحو ذلك. * المواطنون هم حجر الزاوية في نجاح خطط ومشاريع مكافحة الفساد، فلابد من تثقيفهم لإدراك التداعيات والانهيارات الخطيرة والكبيرة العامة والفردية المترتبة على الفساد، وتعارض الفساد مع الأخلاق والفضائل والقيم والمبادئ الدينية والوطنية والإنسانية، والإيجابيات التي تترتب على النزاهة، وعلى عدم المساهمة في الفساد، بل وبالمساهمة في الرقابة على الفساد، لكن لن يكون باستطاعة المواطنين الوفاء بوظيفة المراقبة على الفساد إلا إذا تمَّ التأكد من تحقيق أعلى درجة من الشفافية في التعامل مع الأموال العامة. فالنـزاهة والشفافية من المحاور الرئيسة التي تدور حولها عمليات مكافحة الفساد. * للفساد أسباب عديدة ومتنوعة منها على سبيل المثال: الفردية في فرق العمل، الفساد الإداري، الفساد القانوني، انعدام الاستقلال القضائي، افتقاد الرقابة والمساءلة، انعدام المأسسة، طبيعة الأنظمة السياسية الحاكمة، وانهيار الأخلاق، وانتشار الفساد العالمي العابر للقارات، فالحل الأحادي لن ينفع، كما أن الحل المحلي أو القطري لابد وأن يعالج الفساد المتسلل من الخارج مع بعض الشركات العابرة للقارات من جهة، ويساهم في خلق إرادة دولية متحدة لمكافحة الفساد عالميا من جهة ثانية، ويستفيد من تجارب الدول المتقدمة في مكافحة الفساد من جهة ثالثة، ويتعاون مع المنظمات والمؤسسات الدولية المختصة أو ذات العلاقة في هذا الاتجاه من جهة رابعة بما ينسجم مع واقعنا وقيمنا ومبادئنا، وذلك مثل منظمة الشفافية الدولية، والبنك الدولي. والمأزق الكبير لجهود مكافحة الفساد يتمثل في دفع جهود المكافحة المذكورة في إتجاه حصرها في التشهير بحالات فساد فردية محدودة، علاوة على الوقوع في فخ التسييس وتسوية الحسابات لتسقيط هذا وترفيع ذاك. انه المأزق الكبير والخطير لمشكلة خطيرة، لا تقل خطورة عن الإرهاب اليومي الذي يعاني منه الشعب العراقي، وانني لا يساورني الشك في الانتصار على الإرهاب، لكن الشك كل الشك يتجسد أمامي متغولاً حين أراجع حسابات الهزيمة والانتصار في معركة مواجهة الفساد في العراق الجريح في ضوء الأداء الحالي لمكافحة الفساد إلى جانب الانغماس الكامل في مكافحة الإرهاب، وأخشى أن تُذبح الديمقراطية في العراق بخنجر الفساد بعد أن يكسر الشعب خنجر الإرهاب... لأنه خنجر غير مرئي، وضحاياه غير مرئيين، وهم كل العراقيين تقريبا، ولأنه..... ولأنه يوقف عجلة التنمية ويصادر ميزانيات إعادة الإعمار وينشر الفقر ويأصله ويخلق شرخا عميقا بين السلطة والشعب، ومن ثم بين الديمقراطية الفتية والشعب، وتتبخر الآمال لا قدرّ الله - فعلى أقل تقدير: هل تحمكت المعايير المطلوبة لمكافحة الفساد في اختيار أعضاء الحكومة العراقية الجديدة ووفقا للاستحقاقات الانتخابية وبعيدا عن المحاصصة والطائفية والتوافقية؟ وهلْ ستكون مكافحة الفساد فعلا على رأس أولويات الحكومة الجديدة ؟ ______________________________________________________________________________ * معهد الإمام الشيرازي الدولي للدراسات – واشنطن Siironline.org المصادر: 1- السيطرة على الفساد – روبرت كليتجارد – ترجمة د. علي حسين حجاج – مراجعة فاروق جرار. 2- تعريف بكتاب شبكة الفساد (كيف تقوم حركة عالمية بمحاربة الفساد)- بيتر آيجن - دار كامبوس - فرانكفورت 2003 – من: ليتركس الألمانية - مراجعة هايكه فريزل - ترجمة لؤي المدهون. |
||||
|