الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

 

تداعيات سامراء

دعوة لاحتواء تداعيات الاعتداء على المقدس الاسلامي في سامراء

مرتضى معاش

[email protected]

النجاح او الفشل في مواجهة التحديات الخطيرة يمثل نقلة مرحلية نوعية في تأريخ الأمم والشعوب، ولعل الاعتداء على مرقد الإمامين العسكريين (ع) في سامراء شكل نقطة انتقال تحول كبيرة في حياة العراقيين خصوصا والمسلمين عموما وتحد كبير في تاريخ الامة المعاصر، فقد مثل الاعتداء زلزالا معنويا جعل من ذلك اليوم بداية لتاريخ جديد يؤرخ لإحداث جسام سوف تغير مسار الامة نحو إفرازات جديدة وإرهاصات خطيرة، وهنا تكشف الأمم عن معادنها الحقيقية عبر كيفية استجابتها للحدث التاريخي.

لقد احدث الاعتداء الآثم وإفرازاته شرخا عميقا في البنية الاجتماعية والحياتية بشكل عام للنسيج العراقي المتشابك، ورسم فجوة علائقية خطيرة بين تكوينات المجتمع العراقي.

ومع اعتماد وسائل الاعلام تأريخ هذه الواقعة كفاصل زمني بين مرحلتين مختلفتين ومع مرور الوقت أخذت تداعيات الاعتداء الآثم بالبروز على سطح الاحداث وفرض نفسها على المشهد الحياتي اليومي للعراقيين في سلم متصاعد نحو الهاوية!!!!.

ولعل التساؤل الاهم الذي سيقفز الى اذهاننا كعراقيين هو كيف يمكن احتواء تداعيات هذا الحدث الجسيم وانعكاساته الاجتماعية الشاملة، وما هو دور الفرد والمجتمع في تجاوز محنة هذه التداعيات التي طفت بوضوح كبير على سطح العلاقات العراقية / العراقية التي اخذت طابعا دمويا وانتقاميا منذ اللحظات الاولى التي اعقبت هذا الاعتداء الأثيم وكيف هي الاستجابة لهذا التحدي المصيري؟؟.

وكيف تفاعلت الجهات ذات العلاقة لا سيما الرسمية والدينية منها على وجه الخصوص بالاضافة رد فعل المواطن العراقي باعتباره المسؤول الاول عن حفظ مقدساته وإرثه الحضاري؟

لقد بدا للجميع ان حادث الاعتداء الآثم على مرقد العسكريين (ع) أخذ يهبط الى (فخ) النسيان والاهمال المتمًّعد من قبل المعنيين كافة، وإلاّ بماذا نفسر ضعف الاجراءات الاحترازية المتخذة بعد الحادث لعدم تكراره مع مراقد مقدسة أخرى، وبماذا نفسر نسف الكثير من المراقد الصغيرة المنتشرة في محافظة ديالى وضواحيها وقصباتها على سبيل المثال من قبل قوى تكفيرية ضالة؟

 لماذا هذا التلكؤ الواضح في اعادة اعمار المرقد الشريف المعتدى عليه، ولماذا لم نلمس موقفا عمليا مهما في هذا الجانب من الجهات ذات العلاقة وبالأخص الرسمية منها والدينية، مع اننا لمسنا لمس اليد حماسة المنظمات الدولية في هذا الاتجاه كموقف منظمة الامم المتحدة على لسان أمينها العام كوفي عنان او منظمة اليونسكو وغيرها من المنظمات الدولية الاخرى.

 ان الكلام وحده دائما يفضي الى نتائج لا تتعدى حدود الكلام فحسب، وان الادانة والاستنكار وحدهما لا يقودان الى رأب الصدع من دون فعل ملموس يضع النقاط فوق الحروف، ولعل المتغيرات التي طرأت في العلاقات المتوترة والمتشنجة بين مكونات الشعب العراقي لا سيما بين الشيعة والسنة مؤشر على وجود استراتيجية تهدف الى نشر الفوضى والاقتتال الداخلي، ولعل الاخبار التي تحدثت مؤخرا عن مسؤولية تنظيم القاعدة الارهابي عن هذا الحادث خير دليل على الاهداف التي خطط لها اعداء الاسلام والمسلمين وبدأوا بتنفيذها بدقة عالية. في مقابل ذلك هناك غياب واضح للحس الامني والدور المسؤول في مواجهة هذه الستراتيجية التكفيرية التي تهدف في اول ما تهدف اليه الى طمس التأريخ الاسلامي المشرف للعراقيين وابعادهم عن جادة الصواب وفصل العراقيين عن مسيرة أهل البيت عليهم السلام.

ان مهمة احتواء تداعيات حادث الاعتداء الجسيم على مرقد الامامين العسكريين (ع) لا تكمن في التصريحات والاستنكارات وحدها ولا هي حصرا على فئة بذاتها، لأن تأريخ ومسيرة أهل البيت الانسانية هي ملك الانسان اينما كان بلا حدود او تخصصات ثابتة، ولكن كما يقال ان اهل مكة ادرى بشعابها فاننا كعراقيين نتحمل المسؤولية الاولى بل القصوى في الحفاظ على هذه المراقد وقدسيتها من خلال الاعمال وليس الاقوال الرنانة التي لا ترقى الى مستوى الفعل ابدا.

 ولذلك ليس امامنا سوى ساحة الفعل الجاد الذي يسد الابواب والمنافذ التي قد ينفذ منها المعتدون التكفيريون لممارسة عدواناتهم من جديد على مراقد اخرى مقدسة من مراقد أئمتنا الاطهار (ع)، وهذا يحتاج الى تخطيط وبرمجة مسبقة تحدد خطوات عملية واضحة وتحدد ادوار المعنيين بصورة واضحة ايضا لمنع تكرار حدوث ما حدث في سامراء لقبة الامامين العسكريين عليهما السلام، ولايقاف التداعيات الاجتماعية والسياسية الشاملة والخطيرة التي خلفها الاعتداء الأثيم على المقدس الاسلامي في البنية العلائقية الشاملة للمجتمع العراقي بشكل خاص وللمجتمع الاسلامي والعالمي بشكل عام.

ولعل استجابة العراقيين والمسلمين الايجابية نحو الحدث هي التي سوف تؤسس لنقطة انطلاق جديدة تهدف الى تحقيق التعايش والتسامح والعيش المشترك واحترام الاديان.

ومن هنا فأن الذين ينطلقون لاحتواء هذا المتفجر لابد ان يعتمدوا عدة خطوات استراتيجية اساسية:

1- على الشيعة في العالم وخصوصا العراق ان لايغرقوا في تداعيات هذا الحدث ويتحولوا الى طاقة سلبية، بل لابد ان تتحول طاقاتهم نحو افعال ايجابية تتضمن التحرك الفعال لاعادة بناء المرقد المقدس وتحريك الساحة الاسلامية والعالمية من اجل حماية المراقد المقدسة والرموز الدينية. وهنا يبرز دور المرجعية الدينية الهام في التصدي لهذه المهمة عبر عقد المؤتمرات النوعية والجماهيرية في مختلف دول العالم وتشكيل الوفود الدبلوماسية من اجل عرض القضية على مستويات عالية.

2- بالنسبة الى سنة العالم وخصوصا سنة العراق فان مطالبون بتحويل ادوارهم نحو حماية كافة مقدسات المسلمين لان ذلك سوف يؤدي الى حماية كافة الرموز الاسلامية المقدسة، فكيف نتوقع من العالم ان يحترم رموزنا الدينية اذا كانت هناك فئات تكفيرية تهين الرموز الاسلامية وتستبيح المقدسات والانفس وتقتل الابرياء. كما ان سنة العراق مطالبون بدور اكثر فاعلية في مواجهة قضايا التكفير والتطرف واستباحة المراقد فكيف يمكنهم تحقيق العيش الآمن المشترك لانفسهم ولجميع الطوائف في العراق مادامت الاستباحة مستمرة ومادام المرقد المقدس في سامراء على حاله دون وجود رد فعل ايجابي حقيقي لايقف عند حد الشجب والاستنكار.

ومن هنا يتبين الدور الفعال للدول الاسلامية والمنظمات الاسلامية في تحقيق العيش المشترك بين الطوائف الاسلامية عبر ابتعادها عن التطيف وقمع الطوائف الاخرى، وعبر تفعيلها لميثاق اسلامي مشترك يجسد الاحترام الحقيقي للرموز الدينية ويحرم انتهاك الرموز والمراقد المقدسة ويحظر استباحة الدماء والاموال ولو بأي عذر كان.

3- على قوى الاحتلال في العراق او ما تسمى بالقوات المتعددة الجنسيات ان تتعامل بصورة منصفة مع الحدث وتطوراته الخطيرة، وان لاتستغل الحدث لتحقيق مكاسب آنية، فخطورة الحدث سوف تحدق بالجميع والآثار المستقبلية سوف تهدد السلم العالمي لما لاصطدام الطوائف والاديان من نتائج عنيفة تعصف بالتعايش العالمي والاستقرار الاقتصادي، حيث تعتمد حركة دولاب الاقتصاد العالمي على النفط المتواجد في المنطقة، وانفجار الحرب الاهلية بسبب تداعيات الحدث سوف يلهب المنطقة ويقطع امدادات النفط عن العالم.

4- على المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الانسان والحفاظ على الاثار الانسانية وتحقيق التعايش بين الاديان، التحرك لاحتواء تداعيات تفجير المرقد المقدس للامامين العسكريين عليهما السلام وعدم الانتظار والتفرج، فالعالم اليوم لايتحمل انفجارات طائفية ودينية جديدة تؤسس لصدامات اخرى، خصوصا ان عقلاء العالم وحكماءه يبحثون اليوم عن تحقيق عالم اكثر أمنا وسلاما وقدرة على تحمل الآخر. وقد كان لليونسكو حركة ايجابية من اجل اعادة بناء المرقد المقدس في سامراء ولكن هذه الحركة توقفت عند وسائل الاعلام ولم تكن فاعلة.

يجب ان لانستهين بالاحداث الجسام وتركها على حالها منتظرين ردود الافعال الانفعالية الغاضبة بل لابد ان نتحمل مسؤولياتنا في احتواء احداث سامراء، فكم من حدث ادى الى اشتعال الحروب منها عالمية كانت عندما سكت العقلاء وبقوا يتفرجون، فهل ننتظر ونتفرج من اجل اندلاع حرب أهلية هوجاء في العراق..؟

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا