الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

ردك على هذا الموضوع

من تراث الجلادين

 

قتل الأسير ووضع رأسه في حجر أقرب الناس إليه

ثمة لون من ألوان العذاب دلت ممارسته على قسوة بالغة وهو قتل الأسير وقطع رأسه ووضعه في حضن زوجته أو أبيه.

وأول من مارس هذا اللون من العذاب معاوية بن أبي سفيان فإنه لما قتل الإمام علي بن أبي طالب واستولى معاوية على السلطة أخذ معاوية يحاسب أصحاب علي على تصرفاتهم السابقة ويطالبهم بالبراءة من علي فان لم يبرأوا جرد لهم السيف وأعد لهم أكفانهم وحفر لهم قبورهم وقتلهم أمام قبورهم المحفورة وأكفانهم المنشورة (العقد الفريد 3/ 234).

ولما استتب له الأمر فرّ منه عمرو بن الحمق الخزاعي وكان معه أنصار علي فأذكى عليه العيون والأرصاد واعتقل امرأته وحبسها في سجن من سجون دمشق، ثم أمسك بعمرو فقتله وقطع رأسه وأمر أحد أعوانه بأن يدخل على المرأة في سجنها وأن يضع رأس زوجها في حجرها (بلاغات النساء 64 و الديارات 179 و 180).

وسار من بعده بهذه السيرة هشام بن عبد الملك، إذ أمر برأس الإمام زيد بن علي بن الحسين، فوضع في حجر والدته ريطة بنت عبد الله بن محمد بن الحنفية.

وقابل عامر ابن إسماعيل قائد الجيش العباسي ما صَنع هشام، بأن أمر أن يوضع رأس مروان الحمار آخر الحكام الأمويين في حجر ابنته (بلاغات النساء 145).

ولما قتل المنصور إبراهيم بن عبد الله بن الحسن قتيل باخمرى بعث برأسه إلى أبيه عبد الله بن الحسن وهو مسجون عنده، فلما وضع الرأس بين يديه قال: أهلا وسهلا يا أبا قاسم، والله، لقد كنت من الذين يوفون بعهد الله إذا عاهدوا، ولا ينقضون الميثاق، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل، ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ثم تمثل (مروج الذهب 2/237 وزهر الآداب 1/76).

فتى كان يحميه من الذل سيفه

ويكفيه سوءات الأمور اجتنابها

ولما قتل المستعين، أمر المعتز برأسه، فوضع بين يدي جاريته التي كان يتحظاها، فأخذت تصرخ: يا قوم أخذتموني غصبا ثم تجيئوني برأس مولاي فتضعونه بين يدي (الديارات 170).

ولما أصدر المقتدر أمره إلى ناوزك بقتل الوزير ابن الفرات وولده المحسن، جاء ناوزك إلى الحجرة التي كان ابن الفرات معتقلا فيها، وجلس، وبعث عجيبا خادمه ومعه جماعة من السودان فضرب عنق المحسن ابنه وجاءوا برأسه إلى أبيه، فوضعوه بين يديه، فارتاع لذلك ارتياعا شديدا، ثم عرض هو على السيف فضربت عنقه (الوزراء للصابي 71).

وفي السنة 321 اعتقل القاهر كلا من القائد علي بن يلبق وأبيه القائد يلبق والقائد مؤنس المظفر ودخل القاهر إلى موضع اعتقالهم فذبح علي بن يلبق بحضرته، واخذ الرأس إلى أبيه، فوضع بين يديه فلما رأه جزع وبكى بكاء عظيما، ثم ذبح يلبق وأخذ الرأسين إلى مؤنس ثم أمر القاهر فَجُرَ رأس مؤنس إلى البالوعة، وذبح كما تذبح الشاة والقاهر يراه (تجارب الأمم 1/267 و 268).

صبراً: الحبس، ومن حبس شيئا فقد صبره (لسان العرب).

والقتل صبراً: نصب الإنسان للقتل.

وقد نهى النبي (ص) عن صبر ذي الروح وكل ذي روح يصبر حيا ثم يرمى حتى يقتل صبراً ومنه قيل للرجل يقدم فيضرب عنقه، قتل صبراً يعني أنه أمسك على الموت.

في سنة 37 قتل قوم من خوارج البصرة عبد الله بن خباب بن الارتّ، صاحب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، لاقوه يسوق حمارا، وكانت امرأته معه، فسألوه عن الخلفاء الأربعة الراشدين فأثنى عليهم فامسكوا به، وأضجعوه، وذبحوه ثم أخذوا امرأته وهي حبلى متم، فبقروا بطنها (الطبري 5/81 و 82).

وفي السنة 38 قتل محمد بن أبي بكر الصديق عامل مصر للإمام علي، وهو ابن 28 سنة، قتله معاوية بن حديج، من أصحاب معاوية بن أبي سفيان ووضعه في جيفة حمار، ثم أحرقه فجزعت عليه أخته أم المؤمنين عائشة جزعا شديدا وأخذت عياله إليها ولم تأكل منذ ذلك الوقت شواء حتى ماتت (ابن الأثير 3/357).

وأول من سن قتل الأطفال والنساء في الإسلام معاوية بن أبي سفيان، فإنه بعث بسر بن أرطاة وبعث معه جيشا، وأمره أن يسير في البلاد فيقتل كل من وجده من شيعة علي بن أبي طالب وأصحابه، ولا يكفوا أيديهم عن النساء والصبيان، فاجتاح المدينة ومكة والسراة واليمن قتلا وهدما، ووجد ابنين صبيين لعبيد الله بن العباس في اليمن، فأخذهما وذبحهما بيده، بمدية كانت معه ثم إنكفا راجعا إلى معاوية (الأغاني 16/266).

أقول: لما أخذ بسر الصبيين ليذبحهما، قام أمامه رجل من بني كنانة، فحامى عنهما، فقال له بسر: ثكلتك أمك، لم عرضت نفسك للقتل، فقال: اقتل دون جاري، فقتله بسر، ثم قدم الغلامين فذبحهما فخرج نسوة من بني كنانة، فقالت إحداهن لبسر: هذه الرجال تقتل، فما بال الولدان، والله ما كانوا يقتلون في جاهلية ولا إسلام والله إن سلطانا لا يشتد إلا بقتل الضرع الضعيف، والشيخ الكبير، ورفع الرحمة، وقطع الأرحام، لسلطان سوء، فقال بسر: والله لهممت أن أضع فيكن السيف قالت: والله، انه لأحب إلي إن فعلت، ثم إن بسراً قتل مائة شيخ من أبناء فارس باليمن لأن ابني عبيد الله بن العباس كانا مستترين في بيت امرأة من أبنائهم (شرح نهج البلاغة 3/14 و 16).

وخاطر رجل أن يقوم إلى زياد بن أبيه وهو يخطب فيقول له: أيها الأمير من أبوك؟ ففعل، فقال له زياد: هذا يخبرك، وأشار إلى صاحب الشرطة فقدمه فضرب عنقه (العقد الفريد 1/ 54).

وفي السنة 51 قتل معاوية بن أبي سفيان حجر بن عدي الصحابي الناسك الزاهد مع ستة من أصحابه وهم شريك بن شداد الحضرمي، وصيفي بن فسيل، وقبيصة بن ضبيعة، وكدام بن حيان، ومحرز بن شهاب، وعبد الرحمن بن حسان، وكانت التهمة التي استوجبوا بها القتل أنهم شيعة الإمام علي وإنهم أبوا أن يتبرءوا منه، وكان مقتل الستة الأولين في وضع بالغ القسوة فان معاوية أمر أن يطالبوا بالبراءة من علي، فان أبوا، فتحفر قبورهم أمامهم وتهيأ لهم أكفانهم ثم يقتلون من بعد ذلك ولما مشوا إلى حجر بالسيف ارتعد، فقيل له: إنك زعمت أنك لا تجزع من الموت فقال: وكيف لا اجزع وأنا أرى قبرا محفورا، وكفنا منشورا، وسيفا مشهورا.

أما السادس عبد الرحمن بن حسان فإنه أحضر أمام معاوية فسأله عن قوله في علي، فرده معاوية إلى زياد وأمره أن يقتله شر قتلة، فدفنه حيا (الطبري 5/ 275-277 وابن الأثير 3/472-488).

وفي السنة 60 قدم الكوفة مسلم بن عقيل داعيا للحسين بن علي عليه السلام وهو في طريقه إلى العراق، فنزل على هاني بن عروة، ولما أحس به عبيد الله بن زياد عامل يزيد على الكوفة، حارب مسلما وأسره ثم أحضر هاني بن عروة وقال له: جئت بمسلم فأدخلته دارك، وجمعت له السلاح والرجال، فقال: جاء على بابي ونزل علي فاستحيت من رده ولزمني من ذلك ذمام، فأمر ابن زياد بمسلم فاصعده إلى أعلى القصر ورمي به إلى الأرض، وأمر بهاني فاخرج إلى السوق فقتل، فقال الفرزدق:

إذا كنت لا تدرين ما الموت فانظري

إلى هانيء في السوق وابن عقيل

إلى بطل قد هشم السيف وجهه

وآخر يهوي من طمار قتيل

(ابن الأثير 4/35 و 36)

وفي السنة 60 لما قتل عبيد الله بن زياد مسلم بن عقيل، وهاني بن عروة، دعا بعبد الأعلى الكلبي، وكان قد قبض عليه، وهو يريد أن يمضي إلى مسلم بن عقيل لينصره، فقال له: أخبرني بأمرك، فقال: أصلحك الله إنما خرجت لأنظر ما يصنع الناس فاستحلفه يمينا أنه صادق في قوله فأبى أن يحلف فأمر به فضربت عنقه (الطبري 5/ 370 و 379).

وكان عمارة بن صخلب الأزدي، استعد لنصرة مسلم بن عقيل، فلما قتل أحضره عبيد الله بن زياد، قال له: ممن أنت؟ قال: من الأزد قال: انطلقوا به إلى قومه، فضربت عنقه فيهم (الطبري 5/ 379).

ألوان من المثلة

وأول مثلة، حصلت في الإسلام جرت في موقعة احد، فإن هند أم معاوية والنسوة اللواتي معها مثلن بالقتلى من المسلمين، فجدعن أنوفهم، وصلمن أذانهم، واتخذت هند منها خدما وقلائد، وبقرت هند بطن حمزة، عم النبي صلوات الله عليه، وأخرجت كبده فلاكتها ثم لفظتها (الأغاني 15/197).

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 14/271 و 15/12: لما قتل حمزة عم النبي صلوات الله عليه، جاءت إليه هند بنت عتبة أم معاوية بن أبي سفيان، فمثلت به، قطعت مذاكيره، وجدعت انفه، وقطعت أذنيه، ثم جعلت ذلك مسكتين (سوارين) ومعضدين (دملجين) وخدمتين (خلخالين) حتى قدمت بذلك مكة وأمرت نساء قريش ممن كن معها بالمثلة وبجدع أنوف وأذان من قتل من المسلمين في موقعه احد فلم تبق امرأة إلا وعليها معضدان ومسكتان وخدمتان.

أقول: وبذلك سميت هند أكلة الأكباد، وكانت تعير بذلك ويعير به ابنها معاوية يقال له: ابن أكلة الأكباد.

والظاهر أن معاوية بن أبي سفيان ورث عن والدته هذه الخصلة، وهي الرغبة في المثلة، بحيث اضطر عبد الله بن عامر بن كريز إلى أن يلقي عمامته على جثة صديق له من أصحاب علي قتل في إحدى معارك صفين حماية له من أن يمثل به، وذلك الصديق، هو عبد الله بن بديل وكان قد همم يضرب الناس بسيفه تريد معاوية، وصمد نحوه فلما اقترب منه نادى معاوية أصحابه ويلكم الصخر والحجارة إذ عجزتم عن السلاح، فرضخه الناس بالصخر والحجارة حتى أثخنوه فسقط فقتلوه فجاء معاوية وعبد الله بن عامر فوقفا عليه، فألقى عبد الله بن عامر عمامته على وجه عبد الله وترحم عليه، وكان له أخاً صديقا من قبل، فقال معاوية: أكشفوا عن وجهه فقال عبد الله: لا والله لا يمثل به وفيَّ روح، فقال معاوية: أكشف عن وجهه فإنا لا نمثل به قد وهبناه لك (شرح نهج البلاغة 5/196 و 197).

ومن المثلة قطع الرأس وحمله من موضع إلى موضع، وأول رأس حمل في الإسلام رأس بنان الرومي بطريق الشام كان قائد الجيش الرومي الذي حارب المسلمين، وقتل بنان في المعركة، فقطع رأسه وحمل إلى أبي بكر الصديق، فغضب وقال: أيستنون بفارس والروم؟ لا يحمل إلي رأس وإنما يكتفى بالكتاب والخبر.

أما أول رأس حمل في الإسلام لرجل مسلم فهو رأس محمد بن أبي بكر الصديق، أمير مصر، قتله معاوية بن حديج بالاتفاق مع عمرو بن العاص، وحمل رأسه إلى معاوية بن أبي سفيان بدمشق.

ولما قتل عبيد الله بن زياد عامل الكوفة ليزيد بن معاوية مسلم بن عقيل في السنة  61 هـ، أمر بجثته، فصلبت وأمر برأسه، فقطع وبعث به إلى دمشق، فكان أول قتيل صلبت جثته من بني هاشم، وأول رأس حمل من رؤوسهم إلى دمشق (مروج الذهب 2/46).

ومن أشد ألوان المثلة إيلاما ما قام به قتله الحسين عليه السلام في وقعة الطف إذ أوطؤوا الخيل صدره وظهره، ثم قطعوا رأسه ورؤوس أصحابه، ونصبوها على رؤوس الرماح إلى الكوفة، ثم إلى دمشق، وحمل معها نساء الحسين وبناته وأطفاله وتفصيل ذلك: أن الحسين لما ورد الطف في إثنين وسبعين رجلا، سير إليه عبيد الله بن زياد عمر بن سعد في أربعة ألاف، وكتب إليه: إذا قتلت حسين فأوطئ الخيل صدره وظهره، فلما قتل الحسين وأصحابه انتدب عمر بن سعد منهم عشرة فداسوا بالخيل بدن الحسين حتى رضوا صدره وظهره، وقطعت رؤوس القتلى وسلبوا ما كان عليهم من الثياب، وتركت جثثهم عارية، ومالوا على ثقل الحسين ومتاعه، فنهبوه، ومالوا على النساء، وكانت امرأة منهم تنازع ثوبها عن ظهرها حتى تغلب عليه، فيذهب به منها، وبعث عمر بن سعد برأس الحسين إلى ابن زياد من ساعته، وأقام بعد المذبحة يومين ثم ارتحل إلى الكوفة ومعه رؤوس القتلى على أطراف الرماح، وحمل معه بنات الحسين وأخواته، ومن كان معه من الصبيان، فاجتازوا بهم على الحسين وأصحابه صرعى، فصاح النساء ولطمن خدودهن، ثم أدخلوا الرؤوس ومعها النساء والأطفال على ابن زياد فأبدى ابن زياد للنساء والأطفال من التشفي والشماتة ما لم يكن عجيبا من أصله الدنس، وطينته الخبيثة فإنه خاطب النساء والأطفال بقوله: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم واكذب إحدوثتكم، ثم وجه كلامه إلى إحدى الفتيات فقال لها: كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟ قد شفى الله نفسي من طاغيتك، والعصاة المردة من أهل بيتك، فبكت الفتاة وقالت له: لعمري لقد قتلت كهلي، وأبرت أهلي وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي، فان يشفيك هذا، فقد إشتفيت، ونصب عبيد الله بن زياد رأس الحسين بالكوفة وداروا به فيها، ثم سرح رأس الحسين ورؤوس أصحابه مع نساء الحسين وبناته وأطفاله إلى يزيد بن معاوية بدمشق، للتفصيل راجع الطبري 5/ 400-407 وابن الأثير 4/46-94 واليعقوبي 2/243 - 246 الأخبار المطول 231-261 ومروج الذهب 2/41-47.

ولما قتل الحسين عليه السلام صعد عبيد الله بن زياد المنبر وقال: الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه، وقتل الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي وشيعته، فلم يفرغ من مقاله حتى وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي، فقال له: يا ابن مرجانة إن الكذاب ابن الكذاب هو أنت وأبوك والذي ولاك وأبوه، فقال عبيد الله بن زياد علي به فوثب فتية من الأزد فانتزعوه من الشرط وأخذوه إلى أهله، فأرسل عبيد الله إليه من أتاه به، فقتله وصلبه في السبخة (الطبري 5/458 و 459).

وفي السنة 122 مثل يوسف بن عمر الثقفي عامل العراق للأمويين بجثة الإمام الشهيد زيد بن علي بن الحسين، فقطع رأسه وصلب بدنه بالكناسة بالكوفة، وكان هشام بن عبد الملك بعث زيداً إلى الكوفة، فاجتمع الشيعة إليه وبايعه منهم أربعون ألفا وقالوا له: نحن نضرب عنك بأسيافنا وحلفوا له الإيمان المغلظة، وجاء إليه مسلمة بن كهيل، فقال لزيد: أنشدك الله كم بايعك؟ قال: أربعون ألفا قال: فكم بايع جدك؟ قال: ثمانون ألفا، قال: فكم بقي معه؟ قال ثلاثمائة، قال: نشدتك الله أنت خير أم جدك، قال: جدي، قال: فهذا القرن خير أم ذلك القرن؟ قال ذلك القرن، قال: أفتطمع أن يفي لك هؤلاء، وقد غدر أولئك بجدك؟ وكتب إليه عبد الله بن الحسين بن الحسن يصده عن الخروج، فلم يصغ إليه وأمر أصحابه بالاستعداد وألح يوسف بن عمر عامل العراق في البحث عنه، فخاف أن يؤخذ وتعجل في خروجه، فلما خرج كان مجموع من وافاه مائتين وثمانية عشر رجلا، واشتبك مع جند الشام في عدة معارك في داخل الكوفة، كان الظفر فيها له وحمل نابل بن فروة العبسي من أهل الشام على نصر بن خزيمة من أصحاب زيد فضربه بالسيف فقطع فخذه، وضربه فقتله، ولم يلبث نصر أن مات وحمي الوطيس، فقاتل معاوية بن إسحاق الأنصاري بين يدي زيد قتالا شديدا حتى قتل، ثم رمي زيد بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى فثبت في دماغه، فأحضروا له طبيبا فانتزع النصل فلما نزع منه النصل مات، فدفنه أصحابه في نهر يعقوب، سكر أصحابه الماء ودفنوه ثم أجروا الماء فدل يوسف على قبره، فاستخرجه وقطع رأسه وصلب بدنه بالكناسة هو ونصر بن خزيمة، ومعاوية بن إسحاق، وزياد الهندي، وبعث الرأس إلى هشام، فعلق على باب دمشق ثم أرسل إلى المدينة، وبقي البدن مصلوبا إلى أن مات هشام، وولي الوليد بن يزيد، فأمر به فانزل واحرق (ابن الأثير 5/229-247).

المثلة بسحب الجثث

ومن ألوان المثلة سحب جثث القتلى والموتى والبغداديون يسمونه: السحل.

وأول ما ظهرت هذه المثلة القبيحة بدمشق ثم انتقلت منها إلى بغداد ومما يبعث على الأسى إن هذا اللون من المثلة مازال قسم من عامة بغداد يمارسونها.

وأول ما بلغنا عن هذا اللون من المثلة ما صنع بيوسف بن عمر، الذي كان أمير العراق للوليد بن يزيد، فلما قتل الوليد هرب يوسف من العراق وورد البلقاء، فاستخفى بها ولبس زي النساء، وجلس بين نسائه، وبلغ يزيد بن الوليد خبره، فبعث إليه من وجده بهذا الزي بين نسائه فاخذ وحبس بدمشق، ولما ظهر أمر مروان بن الأموي الملقب بمروان الحمار، عمد يزيد بن خالد القسري إلى السجن فاخرج يوسف بن عمر وقتله انتقاما لأبيه الذي قتله يوسف، ولما قطعت عنق يوسف، شدوا في رجله حبلا طويلا، وجعل الصبيان يجرونه في شارع دمشق، فتمر به المرأة، فترى جسدا صغيرا وكان قصير القامة جدا، فتقول: في أي شيء قتل هذا الصبي المسكين.

وقال بعضهم: رأيت يوسف بن عمر، وفي مذاكيره حبل وهو يجر في دمشق ثم رأيت بعد ذلك يزيد بن خالد القسري قاتله وفي مذاكيره حبل، وهو يجر في ذلك الموضع (وفيات الأعيان 7/111و 112).

أول من عذب من النساء في الإسلام

وأول من عذب النساء في الإسلام معاوية بن أبي سفيان فإنه لما صالح الحسن اشترط على نفسه أن لا يؤاخذ أحدا من أصحاب علي بما كان منه قبل المصالحة، فلما تمكن واستتب له الأمر تتبع من كان من أنصار علي ففر من عمرو بن الحمق الخزاعي فأذكى عليه العيون والأرصاد واعتقل امرأته وحبسها في سجن بدمشق ثم أمسك بعمرو فقتله، وقطع رأسه، وأمر احد أعوانه بأن يدخل على المرأة في سجنها، وأن يضع رأس زوجها في حجرها (بلاغات النساء 64 والديارات 179و180).

قتل المرأة بالسيف

كان القتل بالسيف مقصورا على الرجال ولذلك فإن مصعب بن الزبير لما قتل عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري بالسيف أنكر الناس ذلك وأعظموه واعتبروه عمر بن أبي ربيعة المخزومي (من أكبر الكبائر) ولما قتلت جارية ببغداد في السنة 549 سيدتها ذكر ابن الجوزي في المنتظم 10/159 أنها أخرجت إلى الرحبة وقتلت (كما يقتل الرجال) أي أن عنقها قطع بالسيف مما يدل على أن قتل المرأة بالسيف كان منكراً عند الناس.

إلا أن التاريخ سجل لنا أسماء أشخاص فاضت فيهم القسوة فمارسوا أعمال قتل النساء كالشجاء وحمادة الصفرية (الحيوان للجاحظ 5/589و 590) أخذ الشجاء فقطع يدها ورجليها ثم قتلها (الحيوان للجاحظ 5/589) ولم يكتف بقطع الأطراف والقتل فدفعته القسوة إلى صلبهن عاريات (العقد الفريد 1/221 و 222) وكان يشتمهن عندما يباشر قتلهن فكن يجبنه إجابات جارحة.

قال زياد لامرأة عدا فقالت له: كلا والله إن القتل ليزرعنا، فلما هَمَ بقتلها تسترت بثوبها فقال لها: أتتسترين وقد هتك الله سترك واهلك قومك؟ فقالت: إي والله أتستر ولكن الله ابدي عورة أمك على لسانك إذ أقررت بان أبا سفيان زنى بها ثم قتلت (بلاغات النساء 143).

وولي بعد زياد ولده عبيد الله فكان مثلاً لوالده في القسوة والفسولة والبغي، فقد اخذ عبيد الله بن زياد عروة بن أدية، فأمر به فقطعت يداه ورجلاه، ثم أمر أن يصلب على باب داره فصلب، ثم قطع رأسه وبعث به إلى ابنته فجاءت الابنة وجثة أبيها مطروحة بين يديي ابن زياد، لتأخذها فتدفنها، فقال لها ابن زياد: أنت على دينه؟ فقالت: كيف لا أكون على دينه وما رأيت قط خيرا منه، فأمر بها فقتلت مع أبيها (انساب الإشراف 4/2/88و89).

وكان عبيد الله بن زياد، يتلذذ بتعذيب النساء وقطع إطرافهن بمحضر منه وقد جيء إليه بامرأة فقطع رجلها، وقال لها: كيف ترين؟ فقالت: إن الفكر في هول المطلع لشغلا عن حديدتكم هذه، ثم أمر، فقطعت رجلها الأخرى وجذبت، فوضعت يدها على فرجها، فقال: لتسترينه، فقالت له: لكن سمية أمك لم تكن تستره (بلاغات النساء 134).

وقتل عبيد الله بن زياد، الدلجاء من بني حرام بن يربوع، وكانت من مجتهدات الخوارج، فلما طلبها يقتلها، قيل لها: إن الله قد وسع على المؤمنين في التقية فاستتري فأبت، فوجه إليها عبيد الله فاحضرها وقطع يديها ورجليها وطرحها في وسط السوق (إعلام النساء1/119).

ــــــــــــــــــــــــــــــ

* المصدر: موسوعة العذاب، عبود الشالجي، الدار العربية للموسوعات، بيروت/ لبنان، الطبعة الثانية/ 1999.