الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

ردك على هذا الموضوع

المعطيات الاقتصادية لمعالجة الارهاب

بقلم أ. د. عبد الرسول عبد جاسم

يعتبر الإرهاب من أخطر الظواهر التي تعاني منها المجتمعات الإنسانية في الوقت الحاضر، لما يعكسه من آثار سلبية في سبيل تقدم الأمم وازدهارها بسبب السلوك القاسي والهمجي والذي غالبا ما يتسم بالعشوائية، حتى أصبحت المنظمات الإرهابية وكأنها قوة سياسية لها ايديولوجية خاصة بها، على الرغم من أنها حسب اعتقادنا لا تمثل إلا توجها مزاجيا لا يخضع لمعطيات أو محددات تحكم سلوكها الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان القضاء عليها أو احتواءها، هذا إذا ما علمنا بأن نشاطها يزداد ويتفاقم لاسيما ما بين الشباب، مما يربك عمليات التطور الاقتصادي والاجتماعي. فإذا ما تناولنا مشكلة الإرهاب من الجوانب الاقتصادية بات من الممكن حصرها فيما يأتي:

1- الكوارث الطبيعية والتصحر والحروب (التي هي مزيج من عوامل اقتصادية وأخرى، منها سياسية واجتماعية …).

2- سوء التخطيط والاستثمار.

3- عدم توفر فرص العمل وتوزيع الثروة بشكل غير عادل.

لذا فإن الأمر يتطلب وضع الطرق والأساليب التي تساعد على تجنب بروز هذه الظاهرة والقضاء عليها، وعلى رأسها معالجة مسألة استفحال ظاهرة الفقر والفاقة وحيث يعم التخلف الاقتصادي والاجتماعي، وبذلك يصبح الإرهاب تعبيراً عن حالة لرفض الظلم الاقتصادي الذي يعمل بدوره على تأجيج حالة التمرد وتكريس الإرهاب، إذ إن حوالي ثلث العالم فقط يستأثر بأكثر من (90%) من ثروة العالم، بينما يتقاسم النسبة المتبقية ثلثا سكان المعمورة، وسوف يبقى الإرهاب ينمو ويتفاقم طالما بقي هذا الظلم، حيث تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن حجم الاقتصاد العالمي وصل في عام (2003) إلى حوالي (34) ترليون دولار، وأصبحت الدول تتسابق لزيادة نصيبها من الإنتاج العالمي والمقسم على الشكل الآتي:

1- 29% الولايات المتحدة الأمريكية.

2- 24% الاتحاد الأوربي.

3- 13% اليابان.

4- 7% الصين،الهند، أمريكا اللاتينية (مع الاختلاف في التوزيع النسبي فيما بينها).

5- 27% باقي أنحاء العالم بما في ذلك الشرق الأوسط.

ومما يذكر بهذا الخصوص، إن هذا الظلم قد انحصر على وجه التقريب في دول الشرق الأوسط وخاصة الدول الإسلامية والعربية منها، حيث يزداد عدد المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية، وكما تشير إليه البيانات المنشورة بهذا الخصوص وخاصة بالنسبة للدول العربية حيث أن:

1- مجموع إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لعموم البلدان العربية (22 دولة) هو اقل من نظيره في اسبانيا.

2- حوالي (40%) من سكان العرب وبحدود (65) مليون شخص أميون، ويشكل النساء ثلثي هذا العدد.

3- يعيش ثلث أبناء الشرق الأوسط على أقل من دولارين في اليوم، ولتحسين مستوى المعيشة هذا لابد أن يزداد معدل النمو الاقتصادي إلى أكثر من ضعف مستواه الحالي والبالغ أقل من (3%).

كل ذلك يعمل على زيادة التطرف والإرهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة، حيث أصبح العرب والإسلام مرادفين للإرهاب ولأسلحة الدمار الشامل، وهدفا للقضاء على الإرهاب، وهكذا يتضح بأن المنطقة تقف عند مفترق طرق، حيث يزداد في كل عام عدد الشباب المفتقرين إلى مستويات لائقة من العمل والتعليم، وبالتالي سيمثل ذلك تهديدا مباشرا لاستقرار المنطقة والعالم.

ومن هنا يمكن القول إلى أن السبب الجذري للعنف ذو طبيعية اقتصادية سببه الظلم وعدم العدالة في توزيع الدخل.

وتأسيسا على ذلك فلابد من وضع المعطيات الاقتصادية لتجنب هذه الظاهرة والقضاء عليها عن طريق إعادة النظر في البنى الاقتصادية، ووضع برامج لإصلاحها إصلاحاً شاملاً بما يعمل على اكتساب الاقتصاد الوطني حصانة مرضية، تساعد على تخطي الصعاب ومواصلة العمل الإنمائي الموجه بالعمل على حصر عجز الموازنة العامة، وتحسين مؤشرات المديونية قياساً بالناتج المحلي الإجمالي، وذلك من خلال الإجراءات الآتية:

1- إعادة تقييم الأوضاع الاقتصادية بما يهيئ الاقتصاد الوطني وجعله قادراً على التفاعل مع المستجدات المتمثلة في تنامي المنافسة، وتجاوز سياسات التصدير التقليدية وبما يعمل على متابعة الأوضاع الاقتصادية العالمية لتأمين الاتجاه الأفضل ودعم القدرة التنافسية للانتاج، وجعل أداء الاقتصاد الوطني أكثر قدرة ونجاحاً في التعاطي مع التطورات الاقتصادية الدولية الجارية والمرتقبة.

2- التوجه نحو بناء الأولوية لقطاع تكنولوجيا الاتصالات والشبكات وهما عنصران أساسيان في بناء اقتصاد متطور، والتهيئة للاستثمار والتكنولوجيا الحديثة، لكي ينهض الاقتصاد بوظيفته الحيوية في التنمية الاقتصادية، وتنشيط عملية تشغيل العاملين.

3- وضع خطة موجهة لتنمية الموارد البشرية والتأكيد على مسألة التدريب والإعداد المهني، وتكثيف عملية إعداد المختصين وخاصة في مجال الاتصالات والمعلوماتية وتنمية قدراتهم على استيعاب التكنولوجيا.

4- التوجه نحو الخصخصة وتعزيز نسقها وخاصة بالنسبة للأنشطة الاقتصادية التي تشكل عبئاً على الاقتصاد الوطني، وذلك عن طريق تشجيع القطاع الخاص وإبراز دوره الفاعل في عملية التنمية، والقضاء على البطالة والاضطلاع بعملية الاستثمار بما يعزز زيادة المردودات وتنشيط عملية التراكم وتحقيق الفوائض الاقتصادية.

5- وضع السياسات الكفيلة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية، وتشجيع الاستثمار وخاصة في مجالات البنى الارتكازية التي تحتاج إلى مبالغ طائلة، وتشجيع الصناعات التي تعمل على الارتقاء بمستوى التقانة ورفع كفاءة وقدرة العاملين في المجالات الفنية.

6- التعامل الناجع مع الإرهاب باعتماد المقاربة الدولية الشاملة والمتكاملة، وقوامها الحوار والتضامن والتعاون بين الدول في إطار الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، ومعالجة أسبابه، على أن تتم الحوارات بشكل تتجاوز فيه ازدواجية المعايير، ويساعد على بلورة رؤية مشتركة وتحديد القواسم المشتركة لمقاومتها.

7- الحد من آثار العولمة والقضاء على الاختلافات الاقتصادية والاجتماعية التي تغذي الإرهاب، وفي مقدمتها الفقر والتهميش كأن تقوم الدول بتأسيس صندوق عالمي للتضامن يعمل على إزالة الفوارق بين الشعوب والحد من أسباب التعصب والإرهاب.

8- التعاون ومن خلال المجتمعات العربية والإسلامية، من أجل الانخراط في مسار التطور والتحديث وتوطيد أسس الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، ودعم حقوق المرأة، وتعزيز العمل العربي المشترك، وتشجيع التجمعات الإقليمية، والتعاون والتكافل والتضامن بين الأمم.

وهذا ما يقتضي إعادة النظر في أنظمة الحكم وتعليم السكان والنخب السياسية والفكرية على الممارسة الديمقراطية والسياسة وحرية التعبير والإصلاح. هذا وان صياغة مثل تلك المهمات تتطلب وضع منظور إستراتيجي مهمته تفكيك ظاهرة الإرهاب فكرياً وسلوكياً، وعلى ضوء ما يشهده العالم من تحولات وتقدم في سبيل إرساء مقومات حياة اقتصادية واجتماعية وسياسية يعمها الرفاه والسلام.