الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

ردك على هذا الموضوع

العنف والإرهاب رؤية عربية

 

تبرز أهمية المثقف في قدرته على فرز المفاهيم التي تسهم في بناء الحياة بطريقة سليمة من خلال التركيز على وضع الأحداث في نظام معرفي يتعاطى مع الكليات والتفاصيل من حوله بطريقة عصرية وحضارية دون عنف وإقصاء وتهميش..

وبما أن العالم وخصوصا العالم الاسلامي والعربي يشهد حوادث عديدة لعل أبرزها موجة الارهاب غير المسبوقة وحركات العصيان المدني، يصبح من المهم التعرف على الكيفية التي يقرأ بها المثقفون هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر الأخرى...

وخصوصا ان هذه الايام تحمل معها بذورا لتأسيس مراحل مهمة جديدة من التاريخ عبر مفاهيم ظهرت إلى الساحة بإشكاليات تبحث عن تغيير للواقع المتأزم، مثل إشكالية الإصلاح وتعريف مفهوم الإرهاب وتزلزل الديكتاتوريات المهترئة ونزول الجماهير إلى الشوارع.

ومن هنا استطلعنا آراء مجموعة من أهل الرأي والثقافة ومن مناطق مختلفة حول موضوعات العنف والإرهاب والإصلاح والعصيان المدني والديكتاتورية.

النبأ: ما هي برأيكم الأسباب التي تدفع بعض الجماعات العربية والإسلامية لممارسة التطرف والإرهاب؟ وما هي أهم النتائج التي تتمخض عن التطرف والإرهاب؟

أحمد راسم النفيس: أحد أخطر هذه الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها الإنسان المسكون بوهم العظمة والتفوق هو القتل والعدوان واستخدام العنف والإرهاب كسلاح أثير ومفضل من أجل سحق من يراهم، ذلك المصاب بداء الوهم، في حالة ضلال أو انحراف عقائدي ويتعين محاربتهم والقضاء عليهم.

وهذا عين ما ارتكبته تلك الجماعات المسماة بالإسلامية مدفوعة بهاجس العظمة والطهارة المزعومة التي يفتقد العالم إليها عداهم بالقطع، ولا شك أن هذا يشكل إجابة على الأسئلة الأربع الأولى عن سبب تفشي ظاهرة العنف (لأنك لا ترى الجاهل إلا مفْرطا أو مفَّرطا) والمشكلة التي يعيشها الإنسان المسلم هو جهله بحقيقة دينه وحقيقة نفسه وحقيقة العالم من حوله، فهو يرى نفسه عالما ويزداد إحساسه بالعلم والعظمة بعد أن يشهد له أشباه الناس بهذه الأعلمية، ثم يأخذ في الاجتراء على الحقيقة شيئا فشيئا ويبدأ في طرح فتاواه على جماهيره من الغوغاء، أتباع كل ناعق، بدءا من فتاوى انتهاك الأعراض إلى نهب أموال المسلمين إلى إباحة سفك دمائهم وهو ما فعله القرضاوي.

العجيب أنني وأثناء متابعتي لملف القرضاوي لفت إنتباهي أن أحد الحضور في مهرجان التضامن معه ضد الخطر الصهيوني الأمريكي المزعوم، كان واحدا من شيوخنا الأجلاء وهو نذير شؤم، لإن مواقف علمائنا ينبغي لها ألا تصب في دعم هؤلاء الجهلاء مهما كان المبرر وراء ذلك حتى ولو كان هذا المبرر هو الوقوف في وجه أمريكا.

أحمد شهاب: يبدو لي أن تحليل ظاهرة الإرهاب يستدعي المرور على عدة عوامل أدت بمجملها إلى تفجر العنف في العالمين العربي والإسلامي، أولها ما يمكن أن نطلق عليه العوامل الداخلية: منها على سبيل المثال ما يتعلق بالقراءة (القشرية) للنصوص الدينية ومحاولة استلهام سنة السلف واقتفاء أثرهم بصورة حرفية وقشرية، والابتعاد عن القراءة المعمقة والرصينة التي دعا إليها القرآن الكريم في ألفاظ عدة (يتدبر، يدكر، يعقل، ينظر) وما نتابعه يوميا من خروج بعض المسلمين على القانون العام أو انتهاك الحرمات المدنية بقلب بارد في الكثير من الدول يشير إلى حجم الأزمة التي تعيشها بعض الجماعات الدينية، وهو الأمر الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالتطرف الفكري الذي نعتقد أنه يعيد إنتاج نفسه بصورة مختلفة حسب الزمان والمكان الذي يكون فيه.

ومن العوامل الداخلية فقدان الدولة الوطنية الحديثة للشرعية، لكونها غير قابلة للمحاسبة من قبل شعبها، ولعدم تطبيقها القانون بعدالة ومساواة، كما لا يستطيع أغلب المواطنين الوصول إلى درجة التأثير في العملية السياسية ولذا فإنها لا تنال الرضا الوطني، وعدم الرضا هو مظهر من مظاهر فقدان الشرعية وهو دافع للخروج على الدولة وتخلخل أمنها باستمرار.

ومن العوامل الداخلية غياب التنمية الاقتصادية، وانتشار الفقر والبطالة، وسوء توزيع الثروة، والتفاوت الطبقي الحاد بين الناس، وانعدام العدالة الاجتماعية، والذي يتلازم عادة مع انتشار الفساد وغياب الشفافية، إن سياسات الإصلاح الهيكلي التي قامت بها بعض الدول أدت إلى تضخم توقعات الناس بينما كان الواقع يشهد ضعفا في الأداء الاقتصادي العام، وهو ما أدى إلى إحباط عام كانت له آثار واضحة على الاستقرار السياسي.

في الجانب الآخر تبرز العوامل الخارجية التي يمكن تلخيصها بالتدخل الأجنبي في المنطقة، وسيطرتها على الثروات، وتحكمها في مصائر الشعوب بما مثل استفزازا للمشاعر الدينية والوطنية، ودائما هناك من الطامحين من لا يهاب الموت، ويعتقد فيه سبيلا وحيدا لتحرير الأرض واستعادة الهوية.

ومن العوامل الخارجية سيادة حالة من التوتر على المستوى العالمي، وبغض النظر عن أسباب تلك التوترات فإن الأجواء المشحونة عالميا ساهمت في انبعاث أعمال إرهابية أخذت طابعا تحرريا عرقيا أو جهاديا دينيا وحفزت الكثير من الخلايا النائمة لاتخاذ إجراءات عنيفة متفجرة.

في الشق الثاني من السؤال، يمكن إجمال أهم النتائج التي تتمخض عن تنامي ظاهرة التطرف والإرهاب في الآتي: على المستوى السياسي: نلاحظ تراجع مسيرة الإصلاح السلمي، وغياب التفاهمات الداخلية بين أطراف الساحة المشتركة، وارتفاع حدة التوتر بين النظم الحاكمة والتنظيمات السياسية.

أما على المستوى الثقافي: فتأخر عملية الحراك الفكري، وتراجع مسيرة الإبداع الثقافي والعلمي، وسيادة حالة الجمود والتقليد بدل الاجتهاد والتجديد، والتضييق على حرية الرأي، وملاحقة أهل الفكر والمبدعين.

على المستوى الاقتصادي: يؤدي العنف إلى الخمول الاقتصادي، وهروب رأس المال وتعثر المشاريع التنموية، وتعثر الخطط الإنمائية، وانخفاض الثقة باقتصاديات الدولة. وعلى المستوى الاجتماعي: إزدياد حدة الاحتقان بين الطوائف والتيارات والمذهبيات المختلفة، وتضعضع السلم الأهلي، واتساع الجفوة بين أعضاء المجتمع الواحد لا سباب ثقافية/ تاريخية.

الشيخ عبد الله اليوسف: لممارسة العنف من قبل بعض الجماعات أسبابه المختلفة، ويمكن تحديد أهم الأسباب المشتركة في النقاط الآتية:

 1- الفهم الخاطىء للدين: من أهم أسباب ممارسة العنف هو فهم بعض النصوص الدينية بطريقة خاطئة، وبعيدة عن سياقاتها ودلالاتها ومضامينها، وهذا ناتج من عدم التعمق في النصوص الدينية، وعدم أهلية من يتصدى لذلك، كما أن لقراءة المفاهيم الإسلامية بصورة مغلوطة أكبر الأثر في تبني خيار العنف، كما هو الحال في فهم مفهوم الجهاد، ومفهوم التكفير.

 2- الدكتاتورية: من أهم أسباب العنف أيضاً هو شيوع الدكتاتورية والاستبداد في العالمين العربي والإسلامي، مما أدى ببعض الجماعات لتبني هذا الخيار الخاطىء، واعتباره هو الخيار الوحيد للتغيير، فغالباً ما تنمو تيارات العنف في المجتمعات التي يسود فيها الرأي الواحد، والفكر الواحد، والحزب الواحد، بينما لإنرى ذلك في المجتمعات التي تسود فيها الحريات العامة، واحترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون، وشيوع قيم التسامح والحوار واحترام الرأي الآخر.

 3- الظلم العالمي: ويتجلى ذلك بوضوح في المعايير المزدوجة التي تمارسها السياسة العالمية، ودعم المجتمع الدولي للممارسات الإسرائيلية ضد العرب والمسلمين؛ بيد أن هذا قد خلق شعوراً بالغبن والظلم لدى فئات كثيرة في المجتمع المسلم مما شجع على نمو العنف، ولا شك أن سيادة العدل العالمي سيؤدي إلى التقليل من نمو هذه الظاهرة الخطيرة.

ونحن ضد تبني خيار العنف تحت أية أسباب، ولكن أردنا أن نوصف أساس المشكلة، من أجل العمل لوضع الحلول لمعالجتها.

 أما عن أهم النتائج التي تتمخض عن التطرف والإرهاب فهي كثيرة، إذ إن ذلك يشوه صورة الإسلام في نظر الآخر، ويؤدي إلى سفك الدماء البريئة، ويؤخر النمو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ويضعف من حالة الأمن الاجتماعي، ويساهم في هروب الكفاءات العلمية...الخ.

السيد محمود الموسوي: أحياناً يتم الحديث عن ظاهرة العنف المجرّدة تجاه السلطات، كأسلوب تمارسه الجماعات الإسلامية للوصول إلى أهدافها السياسية، وهذا النوع من الممارسة قد يكون مبرّراً في حال استخدام السلطة الأسلوب نفسه في إخماد مطالبات الناس لحقوقها، وهذا ثابت حيال الأنظمة العربية التي تحاول الحفاظ على سلطتها من خلال القمع، إلا أن الشيء غير المبرر إطلاقاً هو استخدام العنف في الممارسة الدينية بشكل مطلق، أو في الممارسة السياسية بشكل ابتدائي، وهذا أحد مصاديق التطرف والإرهاب.

وأسباب مثل هذا التطرف هي الخلفية الفكرية التي تعيشها هذه الجماعات، وطرق انتهالها للمعرفة الدينية، ويمكن أن نلخص ذلك في سببين:

الأول: نظرة تلك الجماعات لنفسها بأنها حق مطلق لا يقبل الخطأ، وبالتالي فإن الآخرين، وإن انتسبوا إلى الدين الإسلامي لا يحق لهم الإجتهاد المغاير، وإن حصل ذلك فإنهم يحتسبون من صنف الباطل.

الثاني: القراءة المجزوءة للنص الديني، المقطوع من حيثياته، وفهم القرآن الكريم من دون مرجعيات معصومة لتقوم بتسديد الفكر والنتائج، فتقطع آيات الجهاد عن سياقاتها، ليتداخل القتال مع الجهاد ويصبح مفهوماً رديفاً، بينما الجهاد مفهوم أعم من القتال، وهذا يعود سببه إلى افتقارهم المرجعية التي قال عنها الله تعالى: (ومَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)، فأهل البيت (عليهم السلام) الذين قال عنهم الرسول أنهم لا يفترقون عن القرآن وعن الحق هم صمّام الأمان لا ي فهم غير معصوم لنصوص القرآن الكريم، وإن نكرانهم (ع) يعد دخولاً في متاهات الانحراف الفكري الذي يؤّدي إلى الإرهاب والتطرف ليتلبّس بلباس الدين.

 هذا ما نلحظه في مجريات الساحة الإسلامية اليوم، ولا شك أن أثر ذلك سيعود على الدين نفسه بالدرجة الأولى، فينفر الناس من الدين لإن ذلك انحراف عن القاعدة التي أعطاها الله عز وجل لنبيه الكريم (ص) في قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لإنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.

نزار حيدر: برأيي، هناك عدة أسباب، تدفع ببعض هذه الجماعات إلى ممارسة العنف والإرهاب، يجمعها حالة الإحباط الشديد التي أصيب بها العرب والمسلمون منذ أمد ليس بالقصير، مما يمكن هذه المجموعات، من تعبئة وتجنيد المغرر بهم من أبناء الأمة.

فعندما يقف المواطن في البلاد العربية والإسلامية، أمام جدار سميك من اليأس واللاأمل والقنوط، يفصل بينه وبين المستقبل، عندها لا يجد أمامه إلا البحث عمن ينتشله من هذا الواقع المزري، وان كان بطريقة القتل والموت، وعندما يظل يبحث عن طريق للخلاص، لا يجده، وللأسف الشديد، إلا عند جماعات العنف والإرهاب التي تعده بالجنة، بدل النار، إذا ما قتل نفسه بالطريقة التي سيختارونها له، تحت مسمى الجهاد والمقاومة، ولو وجد هذا المواطن، طريق الخلاص من اليأس للانتقال إلى مستقبل أفضل، في ظل نظام سياسي ديمقراطي يحترم حقوقه، فلا يصادر حريته أو يسحق كرامته، لما اختار أساليب مجموعات العنف والإرهاب. أما الأسباب التي تقف وراء اختيار هذه المجموعات للعنف والإرهاب، فهي على ما أعتقد، كما يلي؛

أولا: التفسير الخاطئ للدين، ولنصوصه وتاريخه.

إن فقهاء التكفير، يجتزئون آيات القران الكريم من سياقها القرآني والتاريخي، ليستنتجوا منها ما يتلاءم ومفهومهم، للحياة والدين والإنسان والآخر.

فالديمقراطية عندهم، مثلا، فكرة وإردة من بلاد الكفر، لا يجوز الأخذ بها في بلاد المسلمين، والانتخابات مشروع غربي لا يحق للمسلم تبنيه، والليبرالي كافر مرتد يلزم قتله حتى لا يستشري خطره في الأمة، وغير المسلم، مباح ماله ودمه وعرضه، للمسلمين، والمرأة عورة كلها، لا يحق لها أن تمارس أي نشاط اجتماعي، أو تتدخل في الشأن العام، والأحزاب، فكرة غربية يجب قتل من ينتمي إليها، وهكذا.

لقد ابتلي المسلمون بأنصاف الفقهاء هؤلاء، الذين راحوا يحللون ويحرمون على هواهم حتى انتهى بهم المطاف إلى أن يفتوا في دماء الناس، التي حرمها الله تعالى أشد تحريم فراحوا يجيزون قتل هذا وذبح ذاك وإعدام ذلك، بحجج وبراهين وأدلة (فقهية) ما أنزل الله تعالى بها من سلطان.

ثانيا: فإن هنالك السبب الطائفي الأعمى والبغيض الذي يدفع بالبعض إلى ممارسة الإرهاب، ضد شرائح مذهبية معينة، بعد أن أخرجوهم أولا، وبفتوى منهم، من الدين ومن ملة المسلمين، ليبيحوا دمهم على الهوية والانتماء المذهبي.

ويعود تاريخ هذا النوع من التفكير الطائفي الإرهابي، إلى عهد الدولة الأموية التي تجرأت على قتل سبط رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الإمام الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله (ص)، عندما فسروا للإمام سبب إقدامهم على قتله، بقولهم (بغضا لأبيك)، فالقتل هنا لم يكن لخلاف في الرأي أو الدين أو لجريمة إقترفها الإمام، أبدا، وإنما بسبب حالة البغض والحقد التي كان قد تشبع بها القوم على الإمام (أخو رسول الله).

لقد امتلأت كتبهم وصحائفهم بالفتاوى التكفيرية الطائفية الحاقدة، ضد شيعة رسول الله وأهل بيته الغر المحجلين، والتي لا تزال تغذي موجات العنف والإرهاب التي يمارسها الجهلة والناعقين، ضد الموالين لمدرسة أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، جيلا بعد جيل.

ثالثا: إن لكل ظرف سياسي، دوافع يوظفها الإرهابيون لممارسة العنف والإرهاب، ففي حالة العراق، مثلا، هناك مجموعات تمارس الإرهاب، فقط لأنها خسرت السلطة التي ظلت في أيديهم، وبلا منازع، على مدى نيف وثمانين عاما، فراحوا يمارسون العنف والإرهاب من أجل إعادة عقارب الزمن إلى الوراء، ليستولوا على السلطة المطلقة التي فقدوها يوم أن سقط الصنم، ونظام الطاغية الذليل، من جديد.

كما أن هناك مجموعات أخرى تمارس الإرهاب، لأنها لا تريد أن ترى للأغلبية الشيعية أو للأقلية الكردية، دور يذكر في النظام السياسي الجديد، وهؤلاء هم فلول مجموعات من القوميين العرب والطائفيين، ممن يطلق عليهم بالسلفيين السنة، والسنة منهم براء، براءة الذئب من دم يوسف.

إن الإرهاب يؤخر ولا يقدم، ويدمر ولا يبني، وصدق رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) إذ قال ؛ (من عامل بالعنف، ندم).

نضير الخزرجي: إن موئل الأسباب إنما يعود إلى ثقافة الجماعة أو الحزب أو الفئة، فالقاسم المشترك لكل هذه الجماعات هو تشربها بثقافة السيف ووضع ثقافة السلم وراء ظهرانيها، وتتضاعف المشكلة في الجماعات والتنظيمات والأحزاب السياسية بعامة والإسلامية بخاصة، فهذه الأحزاب حينما أرادت أن تثقف أفرادها تثقيفا سياسيا فإنها وضعت على موائد الأفراد تجارب المجموعات السياسية والمسلحة في أدغال أمريكا اللاتينية، وهي في مجموعها تجمعات يسارية آمنت بالسلاح والقوة طريقا للوصول إلى الحكم ولو على أشلاء الناس أنفسهم الذين يدعون الدفاع عنهم، وبعض الجماعات الإسلامية التي حاولت الابتعاد عن ثقافة العنف القادمة من المجاميع اليسارية تكهفت بثقافة السلف ولكن في جانبه العسكري المتزمت فقط، فعرفوا أن منتهى التوحيد هو حمل الناس عليه بالسيف فارضين ثقافة البداوة على المجتمع العربي والمسلم، وبعض المجموعات المسلحة تتحرك بثقافة العشيرة ما قبل مجيء الإسلام حيث كانت الغنيمة والسطو على الآخرين مبلغ الرجولة، وهذه الثقافة المندكة بالجاهلية تتكرر بين عصر وآخر وان بصور مختلفة بل وبعضها مشابه لما كان يفعله بعض السلف وهذا ما لمسناه في أفغانستان والجزائر ونجده اليوم في العراق.

ولا أعدو الحقيقة إذا ما قلت أن بعض الجماعات العربية والإسلامية تقودها ثقافة سقيفة بني ساعدة، وحتى الجماعات العلمانية من الجماعات المسيسة تلمس في بعض تصرفاتها أو تصرفات أفرادها نزوعهم إلى هذه الثقافة حتى وإن أظهروا معارضة لثقافة الإسلام نفسه.

في الواقع أن بعض الجماعات المسيسة تربي أفرادها على ثقافة العنف وهذا نستشعره حتى في الجماعات الإسلامية الناشئة في بلاد الغرب، فهي تحرم كل شيء أسمه غرب مع أنها تستفيد من إيجابياته، بل تربي الطفل على كراهية القانون والمجتمع الغربي بدلا من أن تحمله على التعامل معه بإيجابية وروح منفتحة بوصف الإسلام رحمة للعالمين وليس دين قومية معينة وهو منفتح على البشرية جمعاء، ولهذا فإن الثقافة السائدة لدى بعض الجماعات هي ثقافة {واقتلوهم حيث ثقفتموهم} البقرة191، وليست ثقافة {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} الأنبياء:107.

لقد فهمت هذه الجماعات أن الإسلام هو إسلام الغزوات الحربية وإسلام السيف، دين أسلمة الناس تحت حد الحراب! بالطبع لا يمكن وضع اللوم كله على هذا الجيل، لإن المادة التي يتثقفون عليها هي مادة العنف، بل وبعض المناهج التربوية تعلمهم كراهية المسلم وتكفيره بمجرد أنه لا يتفق مع هذا المذهب أو ذاك في بعض الفروع الفقهية، وتوزع في بعض المواسم الدينية الملايين من الكتب والكراسات وبلغات مختلفة في تكفير بعض المسلمين!!.

على أن القراءة الواعية للتاريخ الإسلامي ومطالعة فاحصة لتشريعات الإسلام وتطبيقاته يكتشف فيها المرء أن ما قيل عن الإسلام والسيف، الإسلام والحدود، الإسلام والعنف، إنما هي صيحات صماء أُريدَ منها صك أسماع الناس وحجبهم عن الإسلام المحمدي إسلام الرحمة والمحبة، وقد أجرى علماء التاريخ مسحا لعدد قتلى حروب المسلمين في عهد النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، من الطرفين، فهو قد تجاوز الألف بين شهيد وقتيل بقليل، فبعض الكتاب جاوزهم الألف ببضعة أشخاص خلال أكثر من 80 غزوة وسرية وحرب، وأوصلهم البعض بالتحديد إلى ألف وثمانية عشر شخصا، وقال ثالث إن عددهم وصل إلى ألف وأربعمائة شهيد وقتيل، وقال آخر إن عدد شهداء المسلمين في كل معارك الرسول وهي كلها دفاعية بلغ مائة وخمسون مسلما. (انظر: الصياغة الجديدة للشيرازي، ص352).

وحتى في ما يثار من ضجة مفتعلة حول القصاص، فإنه لم يتعد ما قطع من أياد على سبيل المثال عدد أصابع اليدين، وفي الأصل أن علة الاختلاف بين المذاهب الإسلامية في كيفية إقامة حد قطع يد السارق على سبيل المثال، بين أن يكون من المعصم أو الأصابع فقط بلحاظ أن اليد من المساجد السبعة في الصلاة، تعود إلى ندرة الحدث ووقوعه، لإن الحد لم يقم إلا على نفر قليل، وغامت وغابت صورته في أذهانهم ولا يملك فقهاء المسلمين صورة كاملة عن كيفية إجراء الحد ولهذا اختلفت المدارس الفقهية. وبعض الفقهاء المعاصرين يذهبون إلى تجميد الحدود وتعطيلها في ظل غيبة الإمام المفترض الطاعة الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وذلك لعدم توفر كامل شروط إقامتها.

وما لا يختلف عليه اثنان، أن العنف والتطرف ينتجان العنف والتطرف المضاد، ومن يزرع العنف لا يحصد السلام، ومن يغرس التطرف يجني الدمار، ولهذا كانت التربية القرآنية شاخصة أمام مسيرة المسلمين {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} فصلت: 34، وثقافة {اُدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} النحل:125، وثقافة {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} الأنبياء:7، والعودة في معرفة التكليف الشرعي إلى الراسخين في العلم لإنه {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم}آل عمران:7.

النبأ: كيف نتمكن من احتواء حالات التطرف والإرهاب أو استئصاله جذريا؟

أحمد شهاب: إذا اتفقنا على أن التطرف يعني حالة فكرية نظرية تسبق الإرهاب كممارسة عملية، فيمكن أن نتصور الحلول بمنهجية مختلفة تماما عن الحلول الأمنية التي تمارس في مختلف أنحاء العالم. يستلزم تفكيك خطاب العنف والإرهاب، البدء من تفكيك الايديولوجيا التي تمنح للعنف مبرراته، من خلال تسليط الضوء على الأفكار المتشددة وكشفها تحت أشعة الحوار الموضوعي، ومن خلال المزيد من حقن الانفتاح، فالحوارات الهادئة هي الوصفة الأنجع لفك طلاسم ظاهرة العنف المتشعبة.

المطلوب الانتقال إلى مجتمع الحوار بما يعنيه من تعدد قنوات التعبير عن الرأي، والاستماع إلى مختلف الآراء برحابة صدر، وتفهم احتياجات ومبرارت كل أطراف المجتمع، وأخيرا مناقشة كل الشؤون العامة مع الناس بوضوح وشفافية لإنه شأنهم.

نقول ذلك دون أن ننزلق في تعميميات الحلول الجذرية، فثمة حالات يصعب احتواؤها لتغلغل الخلل في تراكيبها الفكرية، وربما أبرز مثال تسعفنا به الذاكرة موقف الخوارج المتمرد على حكومة أمير المؤمنين عليه السلام على رغم ما تميز به حكمه من عدل، وسعة في التعبير عن الرأي، فقد جاء أحدهم ذات يوم إلى المسجد وعلي (ع) جالس وحوله أصحابه. فصاح ـ لا حكم إلا لله ولو كره المشركون ـ فتلفت الناس، ثم صاح لا حكم إلا لله ولو كره المنافقون، فرفع علي رأسه إليه، ثم صاح الرجل، لا حكم إلا لله ولو كره أبو حسن، فقال (ع) إن أبا حسن لا يكره أن يكون الحكم لله. ثم قال حكم الله انتظر فيكم، فقال له الناس هلا ملت يا أمير المؤمنين فأفنيتهم؟ فقال (ع) إنهم لا يفنون وإن منهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة.

نعم، هذه الحالات يمكن التقليل من شأنها وخطرها بالمزيد من الحريات، وبالمزيد من الحوارات التي تسلط الضوء على مكامن الخلل، ووضع تلك الجماعات في دائرة الصراع مع النفس والأفكار، وعلى كل حال تفيد التجارب المشابهة أن الايديولوجيا الصارمة إن وجدت متسعا ربيعيا في مناخ الضغط والسرية، فإنها لا تستطيع الصمود طويلا في مناخات الانفتاح والتعددية، وبالتالي فإن ترسيخ الديمقراطية والانفتاح السياسي على المستوى الفكري والسلوكي كفيلان بإنهاء بوادر العنف.

عبد الله اليوسف: لا حتواء التطرف والإرهاب، والقضاء عليه، لا بد من معالجة أسبابه ومسبباته، ويمكن لنا أن نقترح مايلي:

 1- وضع برنامج فكري: يحتاج معالجة ظاهرة العنف إلى وضع برنامج فكري متكامل، يعالج الأسس الفكرية والدينية التي يرتكز عليها دعاة العنف، ويوضح بجلاء حقيقة المفاهيم الإسلامية التي يبني عليها دعاة العنف فكرهم، ولابد من تصدي كبار العلماء والفقهاء لمعالجة هذه المشكلة الخطيرة. كما أن من المهم للغاية تشجيع قيم وثقافة الحوار والتسامح، والتحلي بأخلاقيات الاختلاف، واحترام التنوع المذهبي والديني والعرقي.

 2- الإصلاح الشامل: يحتاج العالمان العربي والإسلامي إلى تبني خيار الإصلاح الشامل، الذي من أهم مرتكزاته إشاعة الحريات العامة، واحترام حقوق الإنسان، والتداول السلمي للسلطة، وفصل السلطات الثلاث، وسيادة القانون أمام الجميع، وتكافؤ الفرص، والتوزيع العادل للثروات؛ فمثل هذا الإصلاح سيساهم في صنع أجواء من القدرة على التعبير عن الرأي من دون خوف أو قلق، وسيكون الجميع تحت طائلة المحاسبة والمراقبة وهو ما يسهم في تبني خيار الحوار بدلا من العنف.

 3- العدل العالمي: إن تبني المجتمع الدولي لسياسة العدل العالمي، وحل المشكلات القائمة بميزان العدل، وتطبيق القانون على قدم المساواة، ومساعدة الدول الفقيرة، واحترام إرادة الشعوب، كل ذلك سيخلق شعوراً بالمساواة والعدل، وسيقلل من العنف.

محمود الموسوي: عندما نريد استئصالا جذرياً لحالات التطرف والإرهاب، فهذا يعني أنه ينبغي علينا أن نتجه نحو الجذور لمعالجتها، وهذه المشكلة هي في الأساس مشكلة ثقافية وفكرية حيث تشكل عقل الإنسان بمجموعة من المفاهيم الخاطئة لتكوّن لديه أيديولوجيا، سيكون مستعداً للموت في سبيلها، لذلك فإن المعالجة الفكرية هي الأهم في مكافحة الإرهاب، إلا أن هذه الخطوة لا يمكن أن تكون مجرّدة من إصلاحات كثيرة مصاحبة لها، وهي إتاحة الحرية الفكرية في البلدان الإسلامية والسماح للتعدّد أن يأخذ مداه، وتأسيس منتديات الحوار والتداول الفكري، ودعم المؤسسات التثقيفية ومراكز البحث الفكري لتقوم بدورها باقتدار، فنحن في الوطن العربي آخر ما نفكر فيه هو دعم المشاريع الثقافية بشكل عام، فإسرائيل على سبيل المثال تنفق إسرائيل على البحث العلمي والتعليم أكثر مما تنفقه الدول العربية مجتمعة، وهذه مأساة حقيقية ينبغي الإلتفات إليها.

نزار حيدر: إذا أردنا أن نستأصل الإرهاب من جذوره، يلزم أن ننجز انقلابا ثقافيا وفكريا هائلا، يغير الوعي ويصحح المفاهيم.

هذا من جانب، ومن جانب آخر، يلزم أن يشمل هذا الانقلاب مستويين أساسيين، هما السلطة السياسية، والعلماء والفقهاء، فهما المسؤولان المباشران عن كل فساد أو مرض أو داء يصيب الأمة، وإلى ذلك أشار رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بقوله ؛ (فئتان، إذا صلحتا صلح العالم، وإذا فسدتا، فسد العالم، الفقهاء والحكام)، أو كما في قوله الآخر ؛ (إذا فسد العالم- بكسر اللام- فسد العالم- بفتح اللام-)، وفي قوله (الناس على دين ملوكهم)، وفي غيرها من الأقوال المأثورة الكثيرة التي وردت في السنة النبوية الشريفة، والتي أكدت على أن هاتين الشريحتين هما المسؤولتان، أولا وقبل أي واحد آخر، عن فساد الأمم والأمراض المزمنة التي تصاب بها.

فلا زال الاستبداد السياسي هو الحاكم في بلداننا، ولا زالت صورة الحاكم الأوحد، هي التي تملأ حياة الناس، ولا زالت الأنظمة الشمولية التي تستولي على السلطة مع تعاقب الأجيال والأزمنة، هي الآمرة الناهية، ولا زال فقهاء السوء هم المسيطرون على عقول الناس، ولا زالت الفتوى الدينية التكفيرية والطائفية، هي التي تقود الأمة، ولا زال فقهاء البلاط، هم الذين يسيرون دفة الدين، إلى حيث الوجهة التي يريدها السلطان، لا زال كل ذلك، فإن من الصعب جدا أن يتم استئصال العنف والإرهاب من جذوره، إذ لا يمكن أن نتصور طريقة مناسبة لتحقيق هذا الهدف الإنساني السامي، إذ كيف يمكن ذلك، ومنابع الإرهاب وأسبابه وعوامله هي التي تقود الناس وتدخل في كل مفصل من مفاصل حياتهم؟

نضير الخزرجي: الوضع يختلف من دولة إلى أخرى ومن مجتمع إلى أخر، لكن الأمر بشكل عام يتطلب تسليط الضوء على مصادر الإرهاب والتطرف الفكرية والعقيدية والاقتصادية، وتناول المصدر منفردا أو كلا في محاولة لا يجاد أسباب نشوء التطرف والإرهاب، وما يصلح في بلد قد لا يصلح في بلد آخر.

وبشكل عام فإن المجتمعات الخارجة من عنق الطغيان أو التي تتلمس طريقها نحو الحرية بحاجة إلى ثقافة السلام والمحبة والقبول بالاختلاف والرأي الآخر، ونبذ ثقافة السلاح والعنف وإن تصورت أنه الطريق الأوحد في التحرير، ولنا في المعارضة العراقية تجربة حية، فشعار القوة والسلاح والسيارات المفخخة والكفاح المسلح لم يأت في تجربة العراق خلال حكم نظام صدام حسين أكله وإنما كان مضيعة للوقت وهدراً للأنفس بلا طائل، ويشار أن الفقيه الراحل السيد محمد الشيرازي (قدس سره) عندما امتنع عن مناصرة العمل العسكري في العراق وطلب في بداية الثمانينيات من القيادة الإيرانية وقف الحرب العراقية الإيرانية وطلب من المعارضة البحث عن سبيل آخر للنضال في العراق من أجل كسب الحرية، راحت بعض الحركات إلى تلمس الشرعية من علماء آخرين كانوا يرون العمل المسلح، فالسيد الشيرازي شخّص في مرحلة متقدمة جدب الحرب والكفاح المسلح داخل العراق بخاصة وفي غيره بعامة، ودلّت التجربة على صحة استنتاجه فلا الحرب عملت على إسقاط نظام بغداد في حينها والعمل العسكري لم يزح صدام عن كرسيه، فكان يضرب المعارضة تحت الحزام ولا تكاد تصل قبضتها جسده.

وفي تجربة العراق الحالية وفي تجربة الجزائر قبل سنوات فإن المجتمعات المسلمة بمسيس الحاجة إلى ثقافة الأدعية السجادية، فربما الظرف الذي يعيشه المجتمع العراقي اليوم شبيه بالظرف الذي عاشه المجتمع العراقي بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، في حينها شخّص الإمام علي بن الحسين السجاد عليهما السلام ببصيرته الثاقبة أن الوضع بحاجة إلى تطهير ما شاب النفوس وران على القلوب وتنزيهها من الغل والعنف وسفك الدماء وتوجيهها نحو الوداعة والطمأنينة وغمد السيوف وحقن الدماء، ولذا فإن إشاعة ثقافة السلم والأدعية السجادية وبث الوعي بحظر الدماء وحقنها يساعد المجتمع على تجفيف منابع الإرهاب والتطرف.

وإذا آمنا بأن الفقر مجلبة للكفر ويفتح الأبواب على جهنم، فإن في تجربة العراق الحالية يتطلب من السلطة إيجاد السبل الكفيلة برفع الفقر عن كاهل المجتمع العراقي، ذلك أن معظم الشباب الذي ينساق إلى العمل العسكري إنما ينساق بدوافع مادية تغلف بعضها أغلفة طائفية وعشائرية ومناطقية، وإذا أمكن توفير العمل للشباب فهو طريق نحو تجفيف منابع الإرهاب والتطرف وإذا لم يتوفر ذلك لكل عراقي فإن الطريق الأسلم الذي كان ينبغي على الحكومات المؤقتة السابقة أن تولي أهمية كبيرة لقانون الضمان الاجتماعي الذي طبقه المسلمون الأوائل بحيث يشمل جميع العراقيين صغاراً وكباراً نساءً ورجالاً، فمن لا يملك قوت يومه يتكفل بيت المال بإعالته وأهل بيته ومن لا يجد ما يجنيه من عمله كامل قوت عياله يتكفل بيت المال بسد البقية، ومن انهارت تجارته يقوم بيت المال برفع الثقل عن كاهله حتى يستعيد عافيته ثانية وهكذا.

ولا شك أن انهيار حكم صدام أفرغ إلى الشارع العراقي ملايين العاطلين كان النظام قد جندهم في أصناف العمل المسلح مثل جيش القدس، والحكومة الحالية تتحمل عبء كفالتهم، ولا أرى من تطبيق الضمان الاجتماعي لكل العراقيين بديلا، ويكون من المعيب أن يستفاد المجتمع الغربي والبريطاني بخاصة من قوانين الضمان الاجتماعي التي جاء بها الإسلام ويطبقها في حياته اليومية ولا نعيد نحن المسلمين فتح ملفاتنا المختومة بشمع الاستبداد والعلمانية وإحياء الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية التي فيها منفعة العباد والبلاد، لا سيما وأن قادة عراق اليوم قد ذاقوا وعوائلهم حلاوة الضمان الاجتماعي في أوروبا، وبعض الساسة العراقيين وعلى مستويات عليا تستفيد عوائلهم حتى يومنا هذا من الضمان الاجتماعي في بريطانيا وغيرها.

وأعتقد أن الدستور الجديد في جانبه الاقتصادي ينبغي فيه إحياء قانون الضمان الاجتماعي، وإذا كان الخبراء الاقتصاديون لم يطلعوا على الضمان الاجتماعي الإسلامي للفصل الظالم الذي حصل بين الديني والدنيوي من العلوم، فإن البركة في رجال الدين من أعضاء البرلمان الجديد أن يعيدوا للأسرة العراقية كرامتها ببث الحياة في قانون الضمان الاجتماعي حتى لا يمد الفقير يده إلى لئام خلق الله ولا ينظر إلى ما في أيدي الأغنياء ولا يتطلع الشاب إلى لحى لئيمة تستغل عوزه وضعفه لقتل النفس المحترمة مقابل ثمن بخس دولارات معدودة. جاء في كتاب المناقب في وصف الوضع الاجتماعي والاقتصادي خلال فترة حكم الإمام علي عليه السلام، قوله عليه السلام: (ما أصبح بالكوفة أحد إلا ناعماً إن أدناهم منزلة ليأكل البر ويجلس في الظل ويشرب من ماء الفرات)، والبر والظل والماء دلالة على توفر المأكل والدار والمشرب، فحتى يستعيد العراق عافيته والمجتمع المسلم في كل مكان، ينبغي إعادة الروح إلى قوانين الإسلام الحضارية ومنها قانون الضمان الاجتماعي.

النبأ: ما هيَ علاقة المنظومة المعرفية العربية بانتشار التطرف والإرهاب؟ وهل النظام المعرفي معبأ بالعنف، التطرف والكراهية للآخر؟ وهل يشكل النظام المعرفي العربي عقبة أمام التطور نحو الإصلاح والديمقراطية؟

أحمد راسم النفيس: هل حقا يمتلك المسلمون نظاما معرفيا أم عدة نظم معرفية أغلبها لا يمت لكلمة نظام ومشتقاتها بصلة من قريب أو من بعيد.

والأمر يشبه إلى حد كبير تلك النظم السياسية العربية التي هي عدة (نظم قمعية ربما داخل البلد الواحد) لا يربطها رابط إلا التعاون على القمع وتسليم المطلوبين للعدالة العشوائية العربية!!

ولا أدري كيف يمكن لنا أن نصدق أن أغلب ما يطرحه خطباء المنابر الفضائية من حملة السيوف الخشبية ينتمي لا ي نظام أو لا ي معرفة عدا منظومة العويل والصراخ العربية القديمة التي هي ليست بمنظومة ولا تقدم أي معرفة والتي يتمنطق بها حملة السيوف والخناجر والسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة.

أحمد شهاب: ابتسار المنظومة المعرفية العربية بكونها منظومة واحدة يمكن الحكم عليها بدرجة واحدة هو أحد المشكلات المعرفية الراهنة، فالمجتمعات العربية تختلف وتتفاوت في تراكيبها، وليس صحيحا أن نحكم عليها بطريقة واحدة. هذا الابتسار هو أحد أسباب فشل الحلول التي جُبلنا على تقديمها لا زماتنا المتفاقمة.

نحن نعتمد عادة على استيراد الحلول ونكتشف لا حقا وبعد تجارب وإخفاقات كثيرة أنها غير ملائمة وغير مجدية لمجتمعاتنا، فنجاح استراتيجية في بلد (وإن كان عربيا) لا يعني أنها صالحة لكل البلدان العربية الأخرى، فوجود نسق عربي في مواجهة أنساق كلية أخرى لا يعني أنه لا توجد تعددية داخل هذا النسق.

هذا التحرير للمنظومة المعرفية العربية هام جدا ويعطينا قدرة أكبر على اكتشاف حلول مبتكرة من نسخ هوية وتركيبية كل مجتمع والخروج من حالة التعميم، وإن كنت لا أنفي إمكانية الإتكاء على ثلاثة مكونات أساسية يمكن- بعد ملاحظة التباينات المجتمعية - الاطمئنان بأنها تشكل ملامح جامعة للمجتمعات العربية وهي الدين والتراث واللغة العربية. ومن خلال ملاحظة تفصيلية لهذه المنظومة سنجد الكثير من جوانب التعقيد وربما التناقض يختلط فيها المقدس بالأرضي، والديني بالعلماني، والتراثي بالتجديدي، والعقلاني بالخرافي، والعلمي بالخيالي، والرمزي بالواقعي.

وفي ظل غياب رؤية واضحة ومنهجية في التعامل مع هذه الثنائيات بين من يريد إلغاء أحد طرفيها، وبين من يريد التلفيق بينهما قسرا تولدت حالات من التطرف الفكري مرة إلى اليمين وأخرى إلى اليسار، بما أفقد الأمة سمة الاعتدال والشهود والوسطية، خذ على سبيل المثال موقف بعض تيارات العمل الإسلامي من الديمقراطية، ستلاحظ مقدار الغبش الذي يعتري رؤيتنا العربية لها، فبعض الجهات تصر على معاداة الديمقراطية كممارسة ودعوة وحتى كـ (كلمة) ، ولا تتردد من أخراج المختلفين معها عن الدين والعقيدة والمبدأ، وتلجأ إلى إلغاء وتكفير التوجهات الوطنية والإسلامية الموسومة بالاعتدال والقابلة للديمقراطية. والأمر لا يختلف عند توجيه النظر إلى جماعة الليبراليين العرب في موقفهم المتشنج ضد التيارات الإسلامية والمحافظة، وسعيهم الدائم لا لغائها وتهميشها وتحريض السلطات عليها، بما يكشف عن مثالب الخطاب العربي بما فيه خطاب أولئك الذين يدعون حراسة الديمقراطية وصيانتها.

بالتالي، وإجابة على الجزء الثاني من السؤال يمكن الاتفاق على أن هذه المنظومة تحتشد فيها صور التطرف والعنف والإقصاء، لا سيما وهي ترتكز على تراث معادي لنهج السلم الاجتماعي، وتستبطن رغبة في تهميش الآخر ومعاداة المختلف، وتبرير الظلم والعدوان، وقد حشرت هذه (المخلفات) كجزء من المنظومة المعرفية العربية.

أما عن عائقية هذه المنظومة للتطور والحركة نحو الإصلاح والديمقراطية، فلا شك بأن نزعات الغلو والتطرف التي استبطنت هذه المنظومة أسهمت دوما في إفشال أو إضعاف المشاريع الإصلاحية، إنها تعمل على إشاعة مناخ متوتر على المستوى الاجتماعي والسياسي، وتحاول أن تجد التبريرات اللازمة لا لغاء الآخر وتضييق مساحات العيش المشترك، كما أنها والأهم من ذلك عمدت إلى تضييق فرص (الإبداع الفكري)، وأصبح المفكر الجرئ مهددا في حياته وسمعته وحريته إذا مارس عمله الإبداعي فأنتج متنا بدل أن يسجل حواشي. في مثل هذه المناخات كيف يمكن أن تتولد الأفكار الخلاقة؟ وكيف تتراكم المعارف والعلوم وتتكون ثقافة حديثة تنتشل هذا العالم من مسلسل التأخر الذي يدور فيه؟ وكيف له أن يساهم في نقد الأفكار والمقولات الثقافية المعطلة لحركة الإصلاح الديني والسياسي والمعيقة للتحول الديمقراطي وهو يعيش إرهاباً فكرياً؟

عبد الله اليوسف: لا يمكننا أن نتحدث عن منظومة عربية واحدة، بل توجد منظومات متغايرة، ولكن يمكن القول أن بعض المنظومات المعرفية العربية قد ساهمت في خلق العنف وتنميته وذلك من خلال عدم التسامح المعرفي، وعدم احترام التنوع الديني والمذهبي، وتشجيع أحادية الرأي والفكر، والقضاء على أي رأي مخالف أو لا أقول العمل على تهميشه وإقصائه،كل ذلك أوجد البيئة المناسبة لنمو ظاهرة العنف، إذ لا يمكن أن ينمو العنف إلا في ظل أحادية الرأي وغياب التسامح.

ولا شك في أية منظومة فكرية تقوم على المفردات السابقة تشكل بذاتها عقبة كأداء أمام أي إصلاح أو تغيير.

محمود الموسوي: عندما نقرأ المشهد المعرفي العربي، فإن ما يرتسم أمامنا هو حالة انفصال النخبة المثقفة عن المتبنيات المعرفية للسلطة، وكلا المنحيين يحاولان أن يشكلان رؤية للحياة، وإن ما يمكن أن يعطي مبرراً لحالات الإرهاب والتطرف هي متبنيات بعض الحكومات الداعمة لبعض المشاريع الأحادية التي تدّعي أنها الحق المطلق وغيرها هو الشر المطلق.

إن لدى الكثير من التيارات الفكرية في الوطن العربي والإسلامي أفكاراً وتطلعات نحو الإصلاح والديمقراطية، وهذه التيارات بمجموعها يمكن النظر إليها كنظام معرفي عام، من خلال جمع المساحات المشتركة بينها، وأبرز مسألة هي الإصلاح وإطلاق الحريات، إلا أن هذه التيارات نفسها مبتلاة بأمراض السلطة، فلا يوجد بداخلها الحريات اللازمة وهي مريضة بأمراض كالتعصّب وإلغاء الآخر، فمن غير الممكن أن تصل هذه الجهود إلى مطلب سائغ وهي مبتلاة بذات الداء، ففاقد الشيء لا يعطيه، ووجود الأدبيات المتناغمة مع الإصلاح والديمقراطية لا يعني شيئاً إذا كان خالياً من أي تمظهر خارجي في الفعل والأداء.

نزار حيدر: إذا اعتبرنا أن الإعلام، هو انعكاس للمنظومة المعرفية العربية، وهو كذلك، فسنكتشف العلاقة الحميمة بين هذه المنظومة وظاهرة التطرف والإرهاب.

إن المتتبع للإعلام العربي، يكتشف، وبكل سهولة، أنه معبأ بالفعل، بالعنف والتطرف والكراهية للآخر.

أنه، وببساطة، لسان حال إما الفكرة القومية الشوفينية التي تحرض ضد الآخر غير العربي، أو النهج الطائفي الذي يحرض ضد الآخر المذهبي.

هذا من جانب، ومن جانب آخر، ما برح هذا الإعلام، يبرر للأنظمة الشمولية والاستبدادية الديكتاتورية، التي سببت كل هذه المصائب والآلام للمواطن الذي يعيش في ظلها.

إنه يهتم بأحوال الحاكم بكل تفاصيلها، ولا يعير اهتماما يذكر بأحوال الناس.

انه يضيع الحقيقة على الناس، من خلال خلط الأوراق، وخلط الحابل بالنابل، وتبرير الاستبداد والديكتاتورية والظلم.

تصور، مثلا، أن الطاغية الذليل صدام حسين، لا زال هو رمز القومية العربية والبطولة والتحدي والصمود الذي يعرفه هذا الإعلام، كنموذج، للمواطن العربي.

كذلك، فإن أنظمة شمولية متخلفة، كالتي تضج بها البلدان العربية، لا زالت بالنسبة لهذا الإعلام، هي رمز التطور والتنمية، في الوقت الذي تعرف فيه الشعوب، أنها هي السبب الحقيقي للامية والتخلف والمرض والركود الاقتصادي، للبلاد.

هناك رسالة مشبوهة أخرى، يسعى هذا الإعلام لتبليغها إلى المواطن في البلاد العربية والإسلامية، وهي التأكيد على أن مصدر وسبب كل مصائبنا، إنما هو الغرب، في محاولة منه لتبرئة ساحة الأنظمة والحكام، وهذا ما يساهم إما في تخدير المواطن، إذا ما شعر بأنه عاجز عن فعل شيء ما ضد هذا الخطر الوهمي بعيد المنال بالنسبة إليه، أو انه سيندفع لتجنيد نفسه في صفوف مجموعات العنف والإرهاب، التي خدعته بشعارات المقاومة والجهاد، ليضرب هذا العدو، لإضعافه وإنقاذ الأمة من شروره، على حد زعمه.

كما أن مثل هذه الرسالة، تزيد الفجوة اتساعا بين المواطن والإصلاح الذاتي المطلوب، بعد أن يظل يحلم بالتغيير من خلال ضرب العدو المصطنع، أما عندما يتيقن المواطن من أن المشكلة منا وفينا، وان العيب فينا وفي داخلنا، فانه سيتجه إلى تشخيص المرض والخطر بشكل صحيح، وعندها، فسيوظف جهده بطريقة صحيحة تمس الواقع لتغيره، فلا يعيش الوهم طوال حياته.

إن الإعلام العربي، بهذه الطريقة، يساهم في تخدير عقول الناس، وإشغالها عن النظر فيما هو السبب الحقيقي لمشاكلهم، ألا وهي الأنظمة الشمولية الاستبدادية والديكتاتورية.

وليس عبثا أن قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم، وهو يشير إلى هذه الحقيقة الاجتماعية الكبرى، بقوله: {إن الله لا يغير ما بقوم، حتى يغيروا ما بأنفسهم}، في تحديد واضح إلى أن أصل التغيير في الأمم، ذاتي، وليس خارجي، وان الخطوة الأولى باتجاه التصحيح، إنما تنبع من الذات وليس من الخارج. أما الإعلام العربي الذي يمثل المنظومة المعرفية العربية، فيحاول لي عنق الحقيقة، من خلال إشغال الشعوب بأعداء، ما كانوا ليصنعوا لبلداننا وشعوبنا، لولا المرض الداخلي الذي تعيشه هذه الشعوب، والذي يتجلى بسلطة الأنظمة الشمولية الاستبدادية.

إنها رسالة تخدير للشعوب، أو رسالة تحريضية ضد الآخر، لإلهاء الناس وإبعاد تفكيرهم عن اصل المشكلة.

نضير الخزرجي: المشكلة أن الخطاب الإحيائي العروبي والإسلامي شابته مفاهيم ابتعدت عن محور الحق وأبعدت معه البعض عن دائرة الصواب مع اعتقاد الخطاب الإحيائي أنه يمثل منتهى الصواب ودونه الخطل، فعلى سبيل المثال إن الأحياء العروبي بوصف الإسلام يعود لمرجعية عربية أنتجت ممارسات مغلوطة على مستوى التطبيق وصفها الأخر المسلم غير العربي بالشوفينية والعنصرية المقيتة، وفي الجانب الإسلامي فإن البعض فهم الخطاب الإحيائي لموضوعة الجهاد على سبيل المثال تتمثل في حمل السيف واستعداء الأخر وقتل الناس على الهوية المذهبية أو الدينية أو المناطقية وغسل عقول الشباب بماء الورد المتدلي من ظفائر الحور العين التي كلّت أحداقها بانتظار عريسها الإنسي، أو الجلوس مع النبي والصحابة على مائدة واحدة لا فرق بين أن تكون مائدة الإفطار أو الغذاء أو العشاء، ولكنه ليس  (كالعشاء الأخير) لحواريي عيسى (عليه السلام) في الجمعة المباركة، في حين أن سنام الجهاد هو جهاد النفس، والجهاد الابتدائي منزوع الشروط في الوقت الحاضر، ولا يعني الجهاد الموت السريع أو تلقي رصاصة واحدة من فوهة عدو ومن بعدها تناول كأس الحياة الأبدية من حوض الكوثر، وتحضرني هنا قصة حصلت مع أحد الشباب في محضر الفقيه الراحل السيد محمد الشيرازي عند بدايات الحرب العراقية الإيرانية، عندما طلب الشاب من الفقيه الراحل أن يدعو له بخاتمة الشهادة والاستشهاد، فامتنع رحمه الله عن ذلك، وتفاجأ الشاب من رد سماحته، فألحق رحمه الله رده بكلام رقيق وكبير فقال له: يا بني أني أدعو الله لك بالشهادة بعد أن تبلغ من العمر عتيا وتكون قد أحييت أشواط حياتك وسني عمرك بالعمل للإسلام وللمسلمين وقدمت لوطنك الشيء الكثير.

ومن التطرف الوقوف على النصوص بشأن دار الإسلام ودار الكفر، فصار بعض المسلمين وهم يعيشون بحبوحة الحياة في الدول الغربية ويتنعم أولادهم بمزاياه يربون أولادهم على معاداة المجتمع الغربي بوصفه دار كفر، وهذا الجمود على النص هو الذي أوقع حركات إسلامية عدة والكثير من الشباب في فخ الفهم الخاطئ لمعنى دار الإسلام ودار الكفر، وعدم الاخذ بالاجتهادات الناضجة التي ترى على سبيل المثال ان اي ارض وان لم تكن في دائرة المحيط الاسلامي إذا استطاع المسلم تأدية اموره الدينية دون ان يلاحقه احد أو يعارضه، فهي دار اسلام، هذا الفهم المتقدم للنص توقفت عنده شرائح من المجتمع تغذيها فتاوى السلف والغر الخلف من رجال الدين، فصار المسلم الذي لا يتفق معه في المذهب عدوا حرم على نفسه ذبيحته والزواج منه أو التزويج له، وبعضهم اراد ان يتمحض التوحيد فاجاز له نفس المسلم الاخر وعرضه وماله، وما نلحظه من اعتداء بعض المجموعات المسلحة في الدائرة العربية والاسلامية على أسر رجل الامن وإختطاف النساء والإعتداء عليهن ثم قتلهن حيث أدخلوا ممارساتهم القميئة في باحة الجهاد، فصار من الجهاد الإعتداء على العرض قبل القتل، وصار من الجهاد تعذيب الضحية قبل ذبحها، وصار من الجهاد التمثيل بالضحية وهي حية والرقص فوق جثمانها.

ولا إشكال أن المنظومة المعرفية العربية بلحاظات الماضي والتاريخ المظلم معبأ بالكراهية، ولعل ما يحدث في العراق دلالة على ذلك، وما يحصل اليوم له جذوره التاريخية، وحتى مفهوم الشعوبية التي أطلقتها الثقافة العروبية إنما لها اندكاكات في التاريخ الاسلامي الاول الذي كان فيه العربي يتزوج من غير العربية على مضض ولا يزوج له، وحتى إذا اراد ان يتزوج من غير العربية فإن على عائلة المرأة ان تلتحق بالموالاة بعشيرة عربية، حتى يرتفع شأنها، أو ما يسمى بـ (التجريش) عند بعض العشائر العراقية، وهذا الفهم الخاطئ للاخوة الاسلامية نجد امتداداتها حتى يومنا هذا في دول عربية واسلامية عدة بل وفي المدينة الواحدة، والا ما الذي يدعو ابن المدينة (مجازا) الانتقاص من غيره القادم من القرية أو من مدينة اخرى والذي يتفق معه في قواسم مشتركة كثيرة، غير الثقافة الخاطئة؟ فيطلق عليه اوصافا جاهلية اماتها الاسلام مثل وصف (اللفوّه)، أليس من الغريب ان يرفع مجتمع مدينة مقدسة شعار (ألف مصري ولا بصري) في اشارة إلى ابن البصرة، وهو الشعار المتعارض نصا وروحا مع الاسلام والوطنية؟

النبأ: هناك حركة إصلاح قوية يمر بها العالم، لا سيما في العالمين العربي والإسلامي، تتمثل باندفاع الشعوب نحو الشوارع للقيام بعصيان مدني شامل يهدف إلى إسقاط الحكومات والقيام بالتغيير، برأيكم ما سبب هذا التحرك في هذه المرحلة؟

احمد شهاب: الفرضية الاساسية تقول ان انتشار التعليم والانفتاح الاعلامي والنشاط الاقتصادي يؤدي إلى تغيرات عميقة في أي نظام اجتماعي، ان رؤية العالم المتقدم وقراءة التجارب المتطورة هي دافع لا حداث تغيرات تستهدف الخروج من الواقع السيء.

 غالبية المجتمعات العربية والاسلامية تتفق اليوم على العناوين العريضة للاصلاح وضرورته غير القابلة للجدل، انها تتفق على عمق الفساد ودرجة السوء التي وصلت اليها الأوضاع العربية الراهنة، فاصبح قطاع عريض من الشعوب اكثر تطلعا نحو المستقبل.

الانفتاح والتعليم وقراءة تجارب العالم المتقدم أحدث تطور في مصدر السلطة.. في السابق كان مصدر السلطة هم النخبة الحاكمة المدعمة بالقوة الدينية أو العسكرية أو المالية، أما اليوم فقد أصبح مصدر السلطة تحقيق رضا المواطنين، لتوضيح الفكرة.. إلى وقت قريب نسبيا - ولايزال في بعض الدول - يتم التعامل مع الشعوب كرعايا، وينظر لهم كجزء من متاع الحاكم يتصرف فيهم كما يشاء، اما اليوم فإن الرعية تحولت إلى مواطنة والمواطنة تعني حقوق وواجبات وشراكة سياسية ومساواة وطنية، ومن المؤكد ان تنامي الفهم الحديث يدفع الجمهور في العالمين العربي والاسلامي إلى طرح تساؤل ربما لم يكن من أحد اهتماماته سابقا وهو: هل يحق لا ي شخص مهما كانت مواصفاته العلمية أو المالية أو الفنية أن يقرر بمفرده مصير المجتمع؟

ربما يقال أن مفهوم المواطنة ليس عميقا في بلداننا، هذا القول صحيح وواقعي إلى حد كبير، هو صحيح لإننا نفتقر في الداخل وإلى حد كبير لـ (ثقافة المواطنة)، وأستطيع القول أنه وإلى وقت قريب جدا لم يكن للوطنية مكان في أجندتنا السياسية أو الثقافية، بل وتعرض المفهوم لمحاولات التهميش والمصادرة من قبل بعض الجهات (الدينية أو القومية) لإنها لم تر منه سوى جنبة التناقض مع الأممية والقومية.

 وهو واقعي لإن الدول العربية والاسلامية تسعى حتى الآن لمقاومة ضغوط التعامل بالمساواة الوطنية وتجاهل قوانين الحقوق الدولية، وتصر على التعاطي مع الشعوب كرعية لا حقوق ولا امتياز لهم، لكن مما لا شك فيه أن مفهوم المواطنة أخذ بالترسخ والتنامي بصورة سريعة وعميقة لإنه أصبح من قوام الدولة الحديثة ونأمل أن يتعمق مصابنا بهذا الداء في أسرع وقت ممكن.

عبد الله اليوسف: نحن الآن في الألفية الثالثة، وهي فترة متطورة في حياة البشر، وقد ساهمت التكنولوجيا الحديثة من قنوات فضائية وانترنت ووسائط اتصال أخرى في تقريب المسافات، وفي جعل العالم قرية كونية صغيرة، مما جعل المجتمعات المختلفة تستفيد من تجارب بعضها البعض، وما شاهدناه في أوكرانيا وقرقيزيا وغيرهما يشجع الشعوب العربية على تبني نفس الخيار لا حداث تغيير حقيقي في العالمين العربي والإسلامي، وما حدث مؤخراً في لبنان يعطي نموذجاً لما يمكن أن يحدث في أماكن أخرى.

محمود الموسوي: إن الأماني التي تروم التغيير والإصلاح موجودة في ذهنيات المجتمع العربي والإسلامي، ولكنها مكبوتة، وعامل الكبت إما أن يكون بفعل السلطات نفسها وطرق تدبيرها وتعاملها مع أي رأي مغاير لسياستها أو بسبب نوع الثقافة التبريرية التي تسكن عقول الناس، مما لا يساهم في خلق جو إئتلافي وتعاوني للمطالبة بالحقوق، وهذه المشكلة بحاجة إلى أن يكتشف الناس القيادات ذات الكفاءة، والمتصدّية بإخلاص لقضايا الأمة، لكي ينهضوا بعمل حقيقي في الميدان.

أمّا السبب وراء إرتفاع وتيرة المطالبات والمسيرات المطلبية هو الحصول على بعض المنافذ بفعل الضغط العالمي العام على الممارسات الديكتاتورية في الدول، وأخذها مأخذ الضمانات، بل بعضها أخذها مأخذ الرهان، وهذا خطأ فادح، فإلإنسان يمكنه أن يستفيد من المساحات المتاحة أي كان سببها، إلا أن ذلك لا يدعوه إلى التبني إلى حد المراهنة، هذا هو الفارق بين المنحيين.

نزار حيدر: عندما يرى المواطن في البلاد العربية والإسلامية، العالم من حوله، وقد تغير نحو الأفضل، وعندما يشاهد هذا التقدم الهائل في مجالات الحياة، ويسمع أو يقرأ عن التطور اليومي في مختلف مستويات الحياة، يقف ليتساءل، ترى، لماذا لم يشملني كل ذلك؟ لماذا يتطور الآخرون وأتخلف أنا؟ لماذا لم تشملني الحكومة بالرعاية الصحية؟ لماذا لم تشمل برامج التطور العلمي والتكنولوجي، ابني أو ابنتي؟ لماذا لا يتطور دخلي السنوي كما يتطور دخل الآخرين في هذا العالم؟ وبلدي أغنى بلاد العالم، بالفعل أو بالقوة، لا فرق؟ ما الذي إستفدته، أنا المواطن المسكين الذي يكد ليل نهار، ويهتف في الشوارع، بالروح بالدم، تحية للقائد الرمز، من دون أن يلمس أي تغيير، لا في نمط حياته ولا في نمط حياة أبنائه، وهم الجيل الجديد الذي يفترض أن يعيش منذ الآن، نمط حياة تختلف كل الاختلاف عن الحاضر؟.

لماذا يتمتع الآخرون بالحرية والكرامة، وأنا سجين، لا حرية لي ولا كرامة؟ لماذا يحق للآخرين أن يتحدثوا بصوت مرتفع، فينتقدوا الحاكم، مثلا، وأنا ممنوع علي انتقاد حتى بواب الحاكم؟ لماذا يتمتع الآخرون بحرية التعبير، وأنا مقموع الرأي، لا يحق لي أن انبس ببنت شفة، أو ألقى مصيري المحتوم، القتل، أو التغييب في قعر السجون؟ لماذا يصرف الآخرون ثرواتهم في بناء الجامعات ومعاهد البحث والأكاديميات المتخصصة، وأنا تصرف حكومتي موارد بلدي في بناء السجون واستيراد أجهزة القمع والسلاح الفتاك وتوسيع الأجهزة الأمنية، كما وكيفا؟.

هذه الأسئلة، والملايين منها، بدأت تراود المواطن في بلداننا، وأثار في نفسه وعقله ووجدانه، الكثير الكثير من الحوافز التي راحت تدفعه دفعا للخروج إلى الشارع، معربا عن شعور مكبوت في داخله، يحاول أن يظهره بشتى الطرق، وبمختلف وسائل التعبير التي أتمنى أن تنحصر في الإطار السلمي، ولا تتجاوزه إلى العنف، طبعا إذا استوعبت الأنظمة هذا التغير في ذهنية الناس، أما إذا أصرت على سياساتها القديمة التي تتهم كل حركة احتجاج داخلي، مؤامرة مدعومة من الخارج، ينفذها غوغاء يريدون تقويض الأمن في مملكة الرئيس، فأجزم، أن الناس سيختارون طرقا أخرى للتعبير عن وعيهم الجديد الذي زرعته التساؤلات المشروعة التي باتت تضغط على المواطن بحثا عن أجوبة عملية ومشاريع حلول.

نضير الخزرجي: في اعتقادي ان اسقاط الحكومات بالمفهوم الثوري عملية غير محمودة العواقب وهي بوابة موصدة إذا فتحت فانها تنفتح على سقر. نعم فإن العصيان المدني بالمفهوم الحضاري وعدم استعمال العنف سبيل اسلم لتحقيق المصلحة الوطنية، على ان الاصلاح ينبغي ان يأتي من الداخل وليس وصفة تفرض من الخارج كوصفة مشروع الشرق الاوسط الكبير الذي يراد فرضه بتصورات غربية، واذا كانت الحكومات في دول العالم الثالث على قدر من الوعي والادراك لما يحاك لدولها، فإن عليها ان تجري مصالحة مع شعوبها لإنقاذ ما يمكن انقاذه. كما ان الدعوة إلى اسقاط الحكومة ولو عن طريق العصيان المدني ينطوي على مخاطر كبيرة ينبغي لرواد العصيان التفكير بالتغيير بعيدا عن اسقاط الحكومة بطريقة استئصالية وانما بطريقة ترميمية تأخذ مداها مع الزمن، لإن العملية الديمقراطية ثقافة قبل ان تكون ممارسة، والممارسة الناجحة انما تتأتى من ارضية ثقافية ناجحة.

وما يحصل في بعض البلدان من عصيان مدني هو محصلة طبيعية لسنوات من الاحتقان والكبت السياسيين، لكنه ينبغي في الوقت نفسه الحذر، وعدم الاندفاع وراء تجربة العراق الحالية، لأن العراق حالة استثنائية، لم يكن للشعب العراقي فيما جرى من حرب وسقوط النظام في التاسع من ابريل- نيسان العام 2003 ناقة ولا جمل، وما حدث كان نتيجة لتصفيات قديمة على مستوى رأس الهرم في البلدين.

النبأ: هل يمثل العصيان المدني اسلوبا حضاريا جديدا يكون بديلا عن العنف، وهل برأيك سوف يحقق اهداف التغيير؟

أحمد راسم النفيس: الحديث عن آليات التحرك سواء كان عصيانا مدنيا أو من خلال التظاهر السلمي هو فرع على التصور الأصلي للإصلاح الذي نرغب في تحقيقه وعندما تصبح الغايات عظيمة ومشروعة فلن نقف عاجزين عن العثور على الأداة المناسبة التي تمكننا من تحقيق ما نصبو إليه من خير ورفعة وكرامة بل ويصبح حينها استخدام العنف والقوة أمرا لا ضرورة له لإن التزامنا بمنهج الحق والعدل سيمنحنا قوة معنوية وأخلاقية إضافية يصعب مقاومتها أو دفعها عن مسارها (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون).

أحمد شهاب: العصيان المدني هو أكثر من كونه بديلا عن العنف، انه تعبير عن الواجب الوطني الذي يلزم على كل انسان ان يتخذه للجهر بنوع الحكومة التي يستحقها، فمن حق الناس أن يقولوا في العلن عن شكل الحكومة التي يستحقونها، وماذا يريدون من تلك الحكومة؟ تحقيقا لفرضية رضا المواطنين والقبول الجماعي.

قبول المواطنين الجماعي يعني ان وجود حكومة مهما كانت مقبولة لا يبرر تخلي المواطنين عن ضمائرهم وعن دورهم كـ (شهود) على المسيرة السياسية في البلد، وعن حق الافصاح عن رأيهم فيما يعتبرونه حقا وخيرا ونموذجا افضل وارقى، والا ما معنى المشاركة السياسية والديمقراطية؟ وكيف تتحقق مفاهيم العيش المشترك؟

في هذا السياق يكون العصيان المدني أحد أرقى الأشكال الحضارية المعاصرة للتعبير عن رفض الأخطاء والممارسات السلبية التي تقع خارج نطاق القانون أو الأخطاء الناجمة عن فرض القوانين التعسفية، وهو دلالة على صحة وعافية الضمير الجماعي.

 بالنسبة للجزئية الثانية من السؤال.. يصل العصيان المدني إلى غاياته كلما تمسك به المجتمع كأحد حقوقهم الأساسية، انت تعلم (وقد ذكرت ذلك سابقا) ان مجتمعاتنا العربية تفتقر- والى حد كبير- المعرفة بحقوقها المدنية والسياسية، حتى في الدول التي فيها برلمانات وانتخابات وديمقراطية نسبية تكاد تلحظ عليها وبصورة مزعجة غياب ثقافة الديمقراطية وثقافة الحقوق المدنية، وهو ما ادى إلى تردد الناس من اعلان رفضهم على القرارات والقوانين التعسفية والمجحفة، وتعلموا ان من صفات المواطن الصالح أن يلجم لسانه وقبلها ضميره عن اتخاذ موقف أو الجهر به.

 لذلك فإن المهمة الأولى التي تقع على عاتق المنابر الاعلامية واصحاب الرأي دفع هذه الفئات إلى ممارسة الحرية كأمر واقع، والتعبير عن الحقوق الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعبادية والمطالبة بها، والتشهير بمن يريد سلبها أو الانتقاص منها فلماذا نُظلم ونخجل من فضح من ظلمنا؟ لقد حرم الله الجهر بالسوء الا لمن تعرض للظلم والاضطهاد والتمييز وسلب الحقوق فعليه الجهر بالسوء الذي تعرض له دون تردد (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم).

عبد الله اليوسف: العصيان المدني يمثل أسلوبا من أساليب عديدة يمكن تبنيها للتغيير السلمي، وهو بلا شك من أفضل الخيارات لتحقيق أهداف التغيير، أما العنف فقد ثبت بالتجربة في غير بلد إسلامي أنه لا يحقق إلا المزيد من القمع وتأخير الإصلاح تحت ذريعة مواجهة العنف، وقد حان الوقت للشعوب العربية والإسلامية أن تتبنى خيارات سلمية فعالة كالعصيان المدني، والمظاهرات السلمية، والاضراب الشامل، لا حداث تغيير حقيقي في مسيرة البلدان الإسلامية.

محمود الموسوي: العصيان المدني هو مفردة من مفردات العمل السياسي غير العنفي، ومع تواصل هذا الجهد وتنظيمه تنظيماً جيداً وادارته بفاعلية، مع الإستمرار والحفاظ على السلوك الحضاري النابع من القيم الدينية التي تأمر بعدم الإعتداء وبالرفق من جهة، وتأمر بالثبات والصبر على الحق وإن طال السرى، من جهة أخرى، لا شك مع ملاحظة كل ذلك ستؤدّي إلى نتائج إيجابية، خصوصاً إذا رافق ذلك الحوار الجاد من الطرفين، وتبني أجندة واضحة في العمل نحو التغيير والإصلاح.

نزار حيدر: لا شك أنه يمثل قمة الممارسة الحضارية، ولقد اهتدت إليه الكثير من شعوب الأرض، قبل ذلك، ونجحت في تحقيق أهدافها، كالهند مثلا في حركة المهاتما غاندي السلمية ضد الاحتلال البريطاني، وجنوب أفريقيا في حركة نلسون مانديلا ضد عنصرية البيض.

إنها أسلوب حضاري تهتدي إليه الشعوب المظلومة، فهل ستهتدي الأنظمة الشمولية إلى حلول حضارية وسلمية مماثلة، لتهتدي إلى ما ينقذ الأمة من مخاطر العنف والإرهاب والتخلف والجهل والأمية؟.

إنها معادلة ذات طرفين، الشعوب من جانب، والأنظمة الحاكمة، من جانب آخر، فإذا كانت الشعوب قد اختارت وسيلة التغيير السلمية، فهل ستبادرها الأنظمة إلى نفس الخيار، أم تبادر إلى السوط لتشهره بوجهها؟.

أتمنى أن تفهم الأنظمة ما تريده الشعوب، من إصلاح جذري يؤمن لها أولا وقبل كل شيء، المشاركة الحقيقية، وليست القرقوشية، في الحياة العامة، ليشعر المواطن بآدميته وحريته وكرامته، فإن المواطن بلا مشاركة حقيقية، كالبهيمة المربوطة، همها علفها، ولقد ولى ذلك الزمن الذي ترضى به الشعوب أن تكون بهيمة الحاكم، يعلفها، ليحلبها فقط.

نضير الخزرجي: تعرف الأشياء بأضدادها، فضد العنف هو السلم، واذا كان العنف مرتعه وخيم فإن السلم مرتعه رحيم، والرحمة عبقة الشذى، ولذلك كان النبي محمد (ص) رحمة للعالمين، حينما كان يحزن على من لا يؤمن برسالة الاسلام وحزنه نابع من أرضية الرحمة، فهو يحزن ويغتم لإنه عليه الصلاة السلام، كان يتطلع إلى هداياتهم لا تصفيتهم ونماء نفوسهم لا قطف رؤوسهم، ولهذا خاطبه الرب الجليل في اكثر من موقف في القران المجيد تسلية له من ذلك قوله تعالى: {فلعلك باخع نفسك ألاّ يكونوا مؤمنين} الشعراء:3 وخاطبه في سورة فاطر:{فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} الآية:8 والحسرة في اللغة: شدة الحزن، أي يا رسول الله لا تهلك نفسك على من لا يؤمن حسرة ولا ينبغي ان يغمك حالهم ومآلهم، ومن رحمته على امته انه حينما اعتدى اهل الطائف عليه جسديا طلب منه احدهم الدعاء عليهم، فرفع يده إلى السماء وقال: اللهم اهدي قومي فانهم لا يعلمون.

 من هنا فإن كان العصيان المدني مآله إلى التغيير الايجابي فنعما هو والا فإن التفكير ينبغي ان يكون جديا في طريقة العصيان، وقد نجح العصيان المدني في بولندا في عهد حركة التضامن العمالية في التغيير لإنه جاء على نار هادئة دون عنف وسلاح.

واذا امكن خلق النظام الشوروي الديمقراطي عبر العصيان المدني فانها مقدمة لتحصين البلد والمجتمع من الانقلابات العسكرية التي تبدأ بالبيان رقم واحد ثم تقف على مادة واحدة من الدستور المؤقت يستغلها رأس النظام في اصدار القرارات تلو الأخرى وفقا للمادة س من الدستور المؤقت.

واذا ما وصلت دول المنطقة إلى ما وصلت اليه اسبانيا من الحصانة بالضد من الانقلابات فحينئذ نبشر المجتمعات العربية والمسلمة بمستقبل زاهر. فقد فشلت الانقلابات العسكرية في أسبانيا على عتبة البرلمان.