ردك على هذا الموضوع

مسارات تطور الفكر العربي ومؤسساته التعليمية

 الأستاذ معتز نصر طوبر

نهدف في هذا المقال إعطاء صورة وصفية تحليلية عن مسارات تطور التعليم في العالم العربي وآفاقه المستقبلية، وأثر النظام التربوي في تحديد الملامح البنيوية للنظم السياسية والاقتصادية لهذه الدول.محاولين في الوقت نفسه وضع مقارنات تربوية مع بعض الدول والتي تعتبر عظمى في العالم وكيف تخطت وتجاوزت مشاكلها التربوية باعتبارها أهم المشاكل التي تواجه كيانها وتهدد وجودها فمثلاُ، يعدّ صدور التقرير المعروف (أمة في خطر) (anation at risk)عام 1983في الولايات المتحدة الأمريكية، أهم وثيقة عن التعليم في أمريكا خلال العقود الماضية. الذي يؤكد أن مشكلات الأمة الأمريكية في التعليم ترجع بالدرجة الأولى إلى انخفاض المستويات الأكاديمية للطلاب، وإلى تدني نوعية التعليم وأشار أيضا بأصابع الاتهام للمعلم نفسه.
هذا التقرير مهد أيضا لظهور الخطوة التي رسمها الرئيس بوش عام 1990بعنوان أمريكا عام 2000 استراتيجية للتعليم المتضمنة الكثير من اتجاهات الإصلاح التي نادى بها تقرير 1983.
ويمكن أن نلخص مضمونها على النحو الآتي:
1- أن يحتل الطالب الأمريكي المرتبة الأولى بين دول العالم في مادتي العلوم والرياضيات.
2-أن يكتسب كل أمريكي ألوان المعرفة والمهارات الضرورية للتنافس العلمي وممارسة الحقوق والواجبات، فالتعليم ليس مكسبا للعيش وإنما للحياة..
هذا ولا يعنينا نحن، ولا نترصد الداخل الأمريكي إلا لنسجل حالات العنف والجريمة وعدد الاغتصابات الموجودة هناك. والبحث عن كيفية كشف الانحلال والفساد الأخلاقي الموجود في الغرب عموما وأمريكا خاصة ومتناسين أننا نقبل بمنجزات الغرب الحضارية وتقنياته المتنوعة التي أصبحت من أساسيات حياتنا الآن.بينما كان الأحرى بنا أن نرصد طرق التفكيرواسلوب الحضارة والتعليم السائدة في الغرب. الأحرى أن نعود إلى القرون الوسطى عندما لم يكن لـ أمريكا وجودا. عندما نقل العرب إرث فارس واليونان الحضاري والثقافي والعلمي إلى اللغة العربية وتم ما يعرف بالمثاقفة (accuiturataion) بين الحضارات المختلفة عن طريق الجدل الواسع والعلني في كل الشؤون الدينية والمذهبية واللغوية والعلمية... دون أي تهديد أو خوف من الآخر ومن ثقافته.
في القرون الوسطى كان يؤم بغداد طلاب العلم من جميع أصقاع العالم،التي نشأت فيها ثقافة عربية استمرت عدة قرون.حيث تم تعريب العلوم ليس فقط بترجمتها،بل بإدخالها في صلب الثقافة العربية عن طريق تناولها وتعديلها وتجاوز نماذجها وتطويرها بحيث تنسجم مع روح العصر ولم يكن غريبا أن يأتي الناس من أوربا وغيرها لتعلم اللغة العربية، كما نذهب اليوم لنتعلم اللغات الأجنبية فقد كانت بغداد مخابر حقيقية للأبحاث والدراسات التربوية تزود العالم بآخر منجزات العصر على المستوى التربوي والعلمي وتعد بمثابة مثال يحتذى به بالنسبة إلى الدول الأخرى.
مسارات تطور الفكر التربوي العربي
وإذا أردنا التطرق إلى مسارات الفكر التربوي العربي، لابد لنا أن نقف عند المؤسسات التعليمية في القرون الوسطى والتي تميزت بصفتها العلمية المنهجية.والتي تعد بحق جامعات أو أكاديميات في العصور الماضية نذكر منها على سبيل المثال جامع الأزهر في القاهرة وجامع الزيتونة في تونس والمسجد الأقصى في القدس.. علاوة على ذلك فقد برزت شخصيات علمية بلغت مستويات عالية من الإبداع والإنتاج الفكري مثل الخوارزمي وابن سينا وغيرهم.....
ونذكر المدرسة المستنصرية التي بناها الخليفة العباسي المستنصر بالله عام 1227م وبدأ التدريس فيها عام 1233 واستمر التدريس فيها حتى عام 1638 وقد عنيت بدراسة علوم اللغة والدين والرياضيات والفلك وقسمة الفرائض والتركات ومنافع الحيوان والطب وحفظ الصحة وتقويم الأبدان في وقت واحد. بيت الحكمة في بغداد التي كانت تضم مكتبا للترجمة ومكتبا للنسخ ومرصدا لدراسة الفلك ومؤسسة للبحوث مع أماكن أقامة العلماء. وكانت تهتم بدراسة الطب والفلسفة والهندسة والرياضيات والتنجيم والفلك والطبيعة والموسيقا.ودار الحكمة في القاهرة أنشأها الحاكم بأمر الله الفاطمي سنة 975م وكانت تضم مكتبة كبيرة وقاعة للمطالعة وغرفا للتدريس وكان يعمل فيها عدد كبير من العلماء في إدارة المكتبة وإجراء البحوث وإلقاء المحاضرات وتأليف الكتب ومن خصائص هذه المؤسسات التعليمية أنها تناولت مضمون التعليم وأساليبه وتنظيمه وكانت تستقبل أبناء البلاد العربية وأبناء أقطار العالم على حد سواء إلى ان تم القضاء عليها وتدميرها على يد المغول في الشرق وعلى يد الأيوبيين في القاهرة والقضاء على الدولة الفاطمية. ثم بدأت بعدها مرحلة جديدة من مراحل الانحدار والتخلف عاشتها البلاد العربية لمدة أربعة قرون من الزمن على يد الاحتلال العثماني الذي أغرق العالم العربي بمستنقع من الجهل والظلمة. مما تسبب في ركود الحضارة الإسلامية لعدم قدرتها على تغذيتها بالتشجيع المعنوي والمادي وإغلاق الشرايين التي كانت تصل بينها وبين الثقافات الأخرى. وابعاد شعوب المنطقة عن الحكم والإدارة وإفقارها بفرض الضرائب على الناس وإهمالهم مرافق البلاد وغيرها... فانقطع الناس عن العلم وسادت بين رجال الدين النزعة التقليدية والوقوف عند الأحكام السابقة.وانتشر الشك بالمنطق والفلسفة وكثر من يهاجمها ويعدها مصدرا لفساد العقيدة والأخلاق، وزاد عدد المشتغلين بالسحر والشعوذة والغيبيات والخرافات، وبقيت سائدة إلى العصر الحديث واقتصر دور المدرسين على التلقين والتقليد وزيادة عدد الكتاتيب زيادة كمية على حساب نوعية التعليم.
وإذا كانت الحملة الفرنسية عام 1798م قد عرّفت المصرين بآلة الطباعة وبالمدارس الأوربية الحديثة الطراز وبالإضافة إلى المناهج التعليمية العلمية الحديثة، فقد ترتب على ذلك تشديد قبضة الاحتلال على واقع التعليم والنظام التعليمي بما يخدم مصالحه السياسية والاقتصادية وممارسة أهدافه الاستعمارية.
ماذا عن الواقع الراهن للتربية والتعليم في الوطن العربي؟
في بداية النصف الثاني من القرن العشرين سعت معظم أقطار الوطن العربي إلى إيجاد سياسات تربوية وتعليمية تنسجم مع الواقع الجديد الذي آلت إليه عشية استقلالها السياسي بعد قرون طويلة من الاحتلال الأجنبي ومن هذه السياسات التربوية// المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم// التي تمخضت عن المؤتمر الثاني لوزراء التربية العرب الذي عقد في بغداد عام 1964م وقد تم إنشاء هذه المنظمة في إطار جامعة الدول العربية، لتعنى بتطوير التربية والثقافة والعلوم في البلاد العربية، وإيمانا بدور التربية في عملية التنمية العربية الشاملة بات المنظمة عملها الفعلي بانعقاد مؤتمرها الأول في القاهرة في 25 تموز 1970 وتضم المنظمة مجموعة من القطاعات والإدارات التي تعنى بالسياقات التربوية العربية وأهمها قطاع التربية: ويشمل إدارة التربية والجهاز العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار وإدارة التقانات التربوية وتضم إدارة التربية: قسم السياسات والمناهج وقسم البحوث والتدريب وتعمل هذه الإدارة على تحقيق تربية عربية متجددة موحدة الهدف والاتجاه وتنسيق السياسات والخطط التربوية في البلاد ووضع استراتيجيات تطوير التربية العربية ومراجعتها في ضوء المتغيرات على المستويين العربي والدولي وتساهم المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بتطوير التربية العربية وتقديم الدراسات المسحية وتعميم تجارب وخبرات الأقطار العربية المختلفة في اعداد وصياغة مقومات الدراسات العملية التربوية والتعليمية بالإضافة إلى اهتماماتها الأخرى التي تعنى بالثقافة والعلوم على مستوى البلاد العربية والإسلامية.وتتعاون المنظمة مع الجهات والمنظمات العالمية في إطار التربية وبخاصة اليونسكو والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة // ايسيسكو //.
أولا: التعليم الابتدائي الإلزامي
يعود الاهتمام بالتعليم الابتدائي الإلزامي في البلاد العربية إلى بداية القرن العشرين حيث نصت التشريعات القانونية العربية على ضرورة إيلاء هذا النوع من التعليم الأهمية البالغة لكن رغم الجهود الإعلامية الجماهيرية المصحوبة برغبة أكيدة لتحقيق نشر التعليم الإلزامي والأساسي في معظم البلاد العربية إلا أن نتائجها الايجابية لم تصل إلى المستوى المطلوب، فقد تأرجحت القوانين والتشريعات المعلنة بين حق التعليم وإلزاميته وتوفيره للراغبين وبين التناقضات الداخلية لنظم التعليم ومناهجه في الوطن العربي.ولكن للأسف رغم كل هذه المحاولات والتشريعات القانونية التي صدرت لم تستطع معظم أقطار الوطن العربي أن تصل إلى تطبيقه بشكل كامل في الوقت الذي حاولت معظم دول العالم المتقدم أن تمد التعليم الإلزامي إلى نهاية المرحلة الثانوية، كما هي الحال في ألمانيا حيث يتم تطبيق التعليم الإلزامي من سن السادسة وحتى الثامنة عشرة أي لمدة 12 عاما، كذلك هي الحال بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا واليابان وسواها من الدول المتطورة.
تشير العديد من الإحصاءات والدراسات التربوية إلى أن واقع التعليم الإلزامي الحالي في البلاد العربية يعاني الكثير من المشكلات والصعاب المختلفة مما يحول دون تطبيق التعليم الإلزامي بشكل كامل في هذه المرحلة. فمن بين أهم هذه المشكلات: الطلب المتزايد على التعليم الابتدائي الذي تواجهه معظم أقطار الوطن العربي وعجز الحكومات عن تلبيته بالمستوى المطلوب و اللائق، فمعظم الدراسات السكانية في الوطن العربي تشير إلى أن نسبة السكان الذين هم تحت سن أل 15 تقدر بنحو 45 % من مجموع السكان الكلي، وهذا يقودنا إلى الاستقراء التالي: إذ نحو 190 مليون طفل عربي سيكونون في سن التعليم الابتدائي أو الأساسي أو الإلزامي بحلول عام 2010 وسيقفز هذا الرقم إلى نحو 267 مليونا بحلول عام 2020.
هذا العدد الكبير في عدد تلاميذ المرحلة الابتدائية الإلزامية، يلقي على واضعي سياسات التعليم في البلاد العربية مسؤولية كبيرة في تأمين ليس فقط مدارس مناسبة، بل ومعلمين ومناهج تعليمية ووسائل معينة أيضا. وهذا يتطلب أموالا طائلة تعجز معظم ميزانيات التربية في البلاد العربية عن تأمينه. فإذا كان نحو 30 % من الأطفال في الفئة العمرية الموازية للمرحلة الابتدائية خارج جدران المدرسة في الوطن العربي عام 1990 فمن المتوقع أن تصل هذه النسبة عام 2025 إلى 50 % عدا عن النسب العالية التي سوف تتسرب من مراحل التعليم المختلفة وترتد إلى الأمية في كثير من الأحيان، حيث بلغت نسبة المتسربين عام 1985 - 1987 نحو 27 % من تلاميذ المرحلة الابتدائية في البلاد العربية، ومن المتوقع ان تصل هذه النسبة إلى 50 % عام 2010.
ثانيا:
أما بالنسبة إلى موقع التعليم المتوسط، فإننا نجد ومنذ الستينات اتفاق معظم الدول العربية على تبني سلم تعليمي موحد تخصص فيه ست سنوات للتعليم الابتدائي وثلاث سنوات للتعليم الإعدادي وثلاث سنوات للتعليم الثانوي، وهذا ما جاء في اتفاق الوحدة العربية عام 1957 ومنذ إقرار دستور المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام 1964. وقد اقترحت ((استراتيجية تطوير التربية العربية)) إلى إجراء بعض التغيير في السلم التعليمي،وإدخال نظام التعليم الأساسي الذي حاولت الدول العربية تطبيقه.وصدر الكتاب السنوي للإحصاءات التربوية في الوطن العربي عام 1985. ومن قراءتنا للكتاب تبين أن مدة التعليم الإعدادي ثلاث سنوات في الأقطار العربية جميعها، ما عدا الأردن الذي جعله أربع سنوات، ويطلق على التعليم الإعدادي اسم المرحلة المتوسطة في السودان والعراق.وهناك محاولات من بعض الدول العربية لدمج المرحلتين الابتدائية والإعدادية في مرحلة واحدة تسمى التعليم الأساسي والعمل على جعلها إلزامية مجانية.
ثالثا:
أما بالنسبة للتعليم الثانوي فنجد أنه قد تطور في الآونة الأخيرة في جميع البلاد العربية وذلك من خلال نسبة عدد الملتحقين به من الطلاب. ومن المتوقع أن تكون قد وصلت نسبة الطلاب المسجلين به في العام الفائت 2004 إلى 70 % من الفئة العمرية الموازية للتعليم الثانوي (16 - 18 )بينما كانت في النصف الأول من التسعينات 45 %. وقد سعت معظم البلدان العربية إلى تحقيق تنوع في التعليم الثانوي من تعليم ثانوي عام ورياضي ومهني وأدبي وصناعي وما تزال قضية أساسية يدور حولها التفكير والتجريب من أجل تطويره وتوسيع نطاق أهدافه. ولكن رغم التطور الكمي والكيفي للتعليم الثانوي في فترة السبعينيات والثمانينات ورغم زيادة الأعداد الكبيرة نسبيا للطلاب الملتحقين به إلا انه ما زال يعاني من مشكلات تكاد أن تكون مستمرة وبصيغ وأشكال مختلفة فرضتها ظروف التطور الحضاري للمجتمعات العربية من تلفزيون وانترنت الذي نتج عنه احتكاك واسع مع الغرب المتقدم علينا حضاريا وفكريا والذي يستدعي منا أن نهيئ له كل امكاناتنا وطاقاتنا الفكرية.وإذا تكلمنا عن التعليم الثانوي لابد لنا من أن نتكلم عن التعليم الفني المهني والصناعي الذي لاقى اهتماما خاصا من قبل الحكومات العربية محاكاة لتجارب بعض الدول المتقدمة كاليابان مثلا وغيرها. ولكن دون تخطيط كاف ودراسة وافية لهذا التعليم الذي قوبل برفض اجتماعي واهمال شديد في الترشيح للجامعات ونظرة دونية له والتي تعود جذورها على الأغلب إلى تركيبة المجتمع العربي السيكولوجية وطريقة تعليمه وتربيته. لذلك نجد أنه ولد منتهيا لا يقود إلا إلى سوق العمل والحرفة بعكس ما كان متوقعا منه بأن يقدم انجازات حضارية وعلمية،وقاصرا عن تحقيق التعريف الذي صدر عن منظمة اليونسكو عام 1984 بـ أن التعليم المهني (vocatinal (education هو تعليم يعد أفرادا مهرة لمجموعة من المهن أو الحرف أو الوظائف، ويقدم عادة على مستوى المرحلة الثانوية، ويتضمن تدريبا عاما وعمليا لتنمية المهارات المطلوبة من قبل المهنة المختارة، كما يقدم الدراسات النظرية المتعلقة بها مع التركيز على الجانب العملي)) ويستقبل التعليم الفني في اغلب الدول العربية الطلاب الذين انهوا بنجاح المرحلة الإعدادية أو المتوسطة من ذوي المعدلات المنخفضة والذين لم يسعفهم الحظ بالالتحاق بالتعليم الثانوي العام، التعليم الفني هو الملاذ الأخير للمضطر والكاره في اغلب الأحيان وهذا ينعكس سلبا كما نجد على المستوى الفني والمهني للمتخرجين منه وبالتالي ضآلة مساهمتهم في التنمية العربية الشاملة.
نستطيع أن نقول إن هناك تدنيا في مستوى التعليم في معظم البلدان العربية هذا إذا لم نقل جميعها.وهذا يمكن دراسته ضمن ما يسمى بالتخطيط التربوي وصعوباته في الوطن العربي. والتخطيط التربوي كما عرفه الدكتور عبد الله عبد الدائم ((بأنه التنبؤ بسير المستقبل في التربية والسيطرة عليه من اجل الوصول إلى تنمية متوازنة وإلى تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد البشرية والمادية المتاحة وإلى الربط في النهاية بين التنمية التربوية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة)).
وقد كانت هناك خطوات جادة في البلدان العربية من اجل التخطيط التربوي وتجاوز صعوباته وبمساعدة منظمة اليونسكو. فقد قرر المؤتمر العام لليونسكو بإنشاء المركز الإقليمي لتخطيط التربية وإدارتها في البلاد العربية ومنذ بداية الستينات أخذت الدول العربية تحاول رسم سياستها التربوية والتعليمية آخذة بالحسبان العلاقة الجدلية بين التخطيط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وبين التخطيط التربوي إلا أن ذلك لم يؤد إلى النتائج المرجوة منه لما لاقاه من مشاكل وصعوبات كثيرة ونذكر أهمها: ضعف الوعي التخطيطي في معظم الأقطار العربية نتيجة لعدم الخبرة لدى المسؤولين عن التخطيط في البلاد العربية في هذه المجالات وعدم الإيمان بجدوى نتائج التخطيط التربوي. عدم وجود المراكز البحثية المؤهلة للقيام بالدراسات والأبحاث الضرورية الهامة وتقديمها لواضعي السياسات التربوية والمسؤولين عن التخطيط التربوي في البلاد العربية.صعوبات تمويل الخطط التربوية بحيث تعجز معظم ميزانيات المؤسسات والهيئات والإدارات العربية المعنية بالتخطيط التربوي عن تلبية احتياجات الخطط التربوية المالية.عدم التنسيق والتكامل ما بين الخطط التنموية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والخطط التربوية التعليمية.طبيعة المجتمعات العربية وما تفرضه الظروف السياسية والاقتصادية من مفاجآت على واضعي الخطط التربوية لم تكن مأخوذة بالحسبان (زيادة السكان - التضخم المالي - الحروب - الهجرة الداخلية والخارجية) صياغة الخطط التربوية العربية في كثير من الأحيان في إطارها المثالي مما لا يعكس طبيعة الواقع وإفرازاته وظروفه المختلفة.عدم حرية التخطيط التربوي إلا في ظروف محددة مسبقا وفي إطارات مقولبة يغلب عليها التكرار والروتين.. عدم إيجاد خطط تربوية بديلة في حال فشل الخطط الأساسية أو عدم جدواها أو صعوبة تنفيذها. عدم المتابعة الفعلية للخطط التربوية من قبل مؤسسات الدولة الأخرى مما يؤدي إلى إفراغ هذه الخطط من أهدافها ومضامينها.
إذا استطعنا تجاوز تلك الصعوبات في بلادنا العربية خلال الربع الأول من القرن الحادي والعشرين نكون قد وصلنا بتربيتنا العربية إلى أعلى درجات الرقي والتقدم، ونكون بذلك قد وضعنا حدا لجميع مشكلات تربيتنا العربية بدءا من مرحلة رياض الأطفال مرورا بمراحل التعليم الأساسي والثانوي وصولا إلى التعليم العالي. هذه الحلول التي تساعد في بناء الإنسان العربي بناء تتكامل فيه جميع مكوناته الأساسية، الجسدية والفكرية والنفسية والروحية والإبداعية والعلمية، إنسانا يتسم بالحرية والمسؤولية والقدرة الذاتية على مواجهة الحياة العلمية، بروح سمحة وقوة خلاقة ورؤية نافذة وعقلية علمية مبدعة. تعيد لحضارتنا العربية أمجادها وعزتها ومكانتها العظيمة بين أمم وشعوب الأرض.
في واقع الحال لو علمنا أن التعليم في السويد إلزامي منذ 150 عاما وللمعلم حريات واسعة في تخطيط المنهج وطريقة تدريسه، وتضم المدارس الثانوية معلمي مواد من حملة الدكتوراه. وأنه في فيتنام تمكن طلاب الجامعات من القضاء على الأمية بنسبة 90 % خلال ثلاث سنوات، وان القرويين يخلون منازلهم في إثناء النهار لتستخدم كمدارس. وفي فرنسا نسبة النجاح في اختبار معلمي المرحلة الابتدائية 20 %، والموجه يخبر المعلم بزيارته قبل 3 أيام.وفي كوبا كانت نسبة الأمية 3 % عام 1961م. وفي كوريا الشمالية رواتب المعلمين أعلى من رواتب أية وظيفة أخرى في الدولة. وفي كوريا الجنوبية الأطفال الذين يلتحقون بالمدارس الابتدائية 100 %. لكنا علقنا قائلين كما قال احدهم بطريقة ساخرة وفلسفية على هلاك فرعون ((يا لبلادة فرعون، لو أنه أسس المدارس ما تعرض للهلاك وسوء الأحدوثة في التاريخ)).
_______________________________________________________________________

المراجع:
- عبد الدائم، عبد الله -التربية في البلاد العربية - حاضرها ومشكلاتها ومستقبلها - دار العلم للملايين ـ1975
- الدكتور عيسى علي - التربية في الوطن العربي
- التخطيط التربوي -لجنة خبراء اليونسكو -وزارة الثقافة السورية

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد 75

إتصــلوا بـنـــا