ردك على هذا الموضوع

النبـأ  تحاور الأمين العام للحزب الإسلامي الديمقراطي حسين درويش العادلي حول مفهوم المواطنة وعلاقة الدين بالديمقراطية واشكالية الخطاب السلامي

أجرى اللقاء: حكمت البخاتي وعلاء حميد

أجرت النبأ لقاءاً موسعاً مع الأستاذ حسين درويش العادلي الأمين العام للتيار الإسلامي الديمقراطي، حول المواطنة كمفهوم يمثل الأخذ به إعطاء طابع التوازن للحياة السياسية العراقية التي ضاع وأبعد عنها (مفهوم المواطنة) طيلة المرحلة السياسية السابقة.
* النبأ: ألا يبدو أن إرث الاستبداد في التاريخ العراقي لم يتزحزح عن توجيه العـقل العراقي في سلبية موقفه من الدولة، وهو ما يمثل مشكلة العراقي مع الحاكم، ألا ترى أن هذه المشكـلة صارت محركا ثقافيا وظاهرة استثمار القوة مناعة لدى الحاكم وقناعة الانشغال عن جدوى الدولة؟
** حسين درويش العادلي: المواطنة أرقى من أن تكون مفهوما، هي بالحقيقة مبدأ الدولة الحديثة ومرتكزها بل عمودها الفقري في النشوء والاستمرارية، في التكوين والبقاء، هناك إشكالية بنيوية في بناء الدولة العراقية، ولعل هذا المثل يصدق على العديد من الدول التي بنيت في مراحل تاريخية على غرار بناء الدولة العراقية، المفروض بها أن تكون دولة نوعية مختلفة عن العراق التاريخي، وهذا هو الواقع، نعم العراق الفعلي هو وارث العراق التاريخي، لكنه لا يطابقه لا في المناهج البنيوية ولا في تركيبته الديموغرافية...الخ، هذا الاستحقاق الذي ثبت على أرض الواقع، أو برز على أرض الواقع بعد سنة 1921 هذا الاستحقاق يقول أن هناك دولة وطنية قد أنشئت وقامت وفق حدود معينة وتركيبة سكانية ومنظومة قيم وثقافة...الخ، هذه الحقيقة لم يعمل لها، حيث أن المدارس أو المناهج التي تعاملت مع الدولة العراقية وفي العمق منها موضوع المواطنة، كانت بنيويا في تضاد مع تشكيل الدولة العراقية، إذا ربطنا الحديث بالسؤال إن ما يسمى بالاستبداد وما أنتجه من استعباد هو في الحقيقة ثمرة أو نتيجة لخطأ المدارس العراقية التي تصدت للتعاطي مع مشروع بناء الدولة العراقية، المدارس العراقية الثلاثة، هي المدرسة الإسلامية التقليدية والمدرسة القومية التقليدية والمدرسة الماركسية التقليدية، هذه المدارس الثلاث هي التي حكمت العراق، وعندما نقول حكمت العراق بمعنى بناء السلطة بمفهومها الشامل وليس فقط من يمارس الحكم هو مالك السلطة، الثقافة سلطة، والفكر سلطة، والقيم سلطة، الإسلاميون لم يصلوا إلى السلطة، لكنهم كانوا أيضا يشكلون سلطة هي سلطة الثقافة، صياغة رد الفعل، صياغة العقل والنفس، الشيوعيون وصلوا إلى تخوم السلطة في العهد القاسمي، والبقية احتكرها الاتجاه القومي، هذه المدارس الثلاث للأسف تعاطت مع مشروع قيام الدولة الوطنية، في تصوري، تعاطيا أخذ اتجاها تهدميا.
* النبأ: كأنك تشيـر إلى أن مشروع الدولة انحصـر في هذه المدارس، فهل بالإمكان معرفة جزئية المواطن في كل واحدة منها؟
** العادلي: لا وجود لمواطنة، خلاصة هذه النقطة أن مناهج الاستبداد والاستعباد تأتي من عدم نجاحنا في بناء مركب بنيوي يتناسب مع الظاهرة الاجتماعية الموجودة على الأرض، الإشكالية هنا عندنا نفتقد أساسا المركب البنيوي المفهوم القادر على التطبيق في إنتاج الدولة.
* النبأ: في مشروع دولة عراقية تحديثية تقوم على قواعد مجتمع مدني، ألا يقتضي إزاحة هذا المتراكم الثقافي في وعي الفرد العراقي حول الدولة مفهوما وسلوكا، وهو ما يدعو إلى تأسيس ثقافة استئناس ثقة بحاكم، في حـالة إزاحة هذا المتراكم ومراجعة مفرداتنا الثقافية وطبيعة فعلنا الاجتماعي المتميز بالطبيعة وقبول الآخر، وهو ما ساعد على غزو جسدنا الوطني (حسب رأيكم) أيضا ألا ترى صعوبة هذه الإزاحة لأنها تسير وفق تيار معاكس لأفرازات حوادث السلطة والسياسـة في تاريخ العراق، نحن مدعوون إلى بناء ثقافة استئناس ثقة الحاكم بالحكم؟
** العادلي: يعني إذا لخصنا هذه التساؤلات في نقاط أساسية، النقطة الأولى: أنا في تصوري إذا استطعنا إنتاج عراق يقوم على مواطنة فقد أنتجنا عراقا حديثا، وعراقا مغايرا ونوعيا، عن العراق السابق، لأن المواطنة تعني أنك ستستظل بمنظومة من القيم ومنظومة من الحقوق والواجبات تستطيع تفعيل- من خلال هذه المنظومة - إنجاز دولة المواطن الصالح والفعال، إذا استطعنا ذلك فقد حققنا دولة صالحة ومتطورة وقادرة على تجاوز كل إعاقات الماضي، لا نستطيع أن نتحول إلى دولة المواطنة الحقيقية إلا بتغيير المناهج البنيوية، يعني في الحقيقة ثمرة وليست سببا، الثمرة أن تقول إننا نريد إنتاج دولة حديثة المواصفات، هذه الدولة هي أن تكون دولة المواطنة الصالحة، ولكن هذه النتيجة لا نستطيع أن نصل لها إلا بتغيير المركب البنيوي، على المركب البنيوي الإسلامي والمركب البنيوي القومي والمركب البنيوي الماركسي، أن يعيد الإنتاج.
* النبأ: كأنما تشير إلى أن هناك خلل في الآيديولوجيـا التي طرحت في الحياة السياسية العراقية، ألا ترى أن العطب الكبير يقع في منظومة الثقافة السياسية، التي لحد الآن لم تستطع إنتاج ثقافة سياسية تستند على مفاهيم المواطنة والحقوق والواجبات وفصل السلطات، أسأل هل ما زالت مستمرة هذه الثقافة بعد 2003/4/9؟
** العادلي: ما زالت مستمرة، لأن الذي ما زال يتحكم بالخطاب وصياغة المفاهيم السياسية هي تلك المدارس التقليدية الثلاث (الإسلامية، الماركسية، القومية) وعناوينها الفرعية، لكن الأمل إذا كنا واقعيين بعد التغيير، بعد سقوط النظام وإلى الآن هناك محاولات جادة وحقيقية داخل هذه الاتجاهات وخارجها لبداية طروحات جديدة تأخذ بالمتغيرات القائمة على مستوى التطورات السياسية تتمحور لإنتاج ولادة عراقية جديدة تجعل المواطنة قيمة أساسية ومبدأ.
* النبأ: حول مبدأ المواطنة أو مفهوم المواطنة في أوربا، فلقد بدأ في مراحل تكوينه، بفصل الدين عن الدولة، ثم فصل العقل عن الدين، وبعد ذلك مساهمة البرجوازية في بناء الدولة القومية وبتأثيرات تركتها أفكار الثورة الفرنسية في تحديد الامتياز الحـق وعلاقته بالمسؤولية الواجبة، هذه مسيرة تاريخية اجتماعية، قطعت فيها أوربا شوطا طويلا من الزمان ومتسعا من المكان، في نظرك ما هي أهم الوسائل لتكوين المواطنة في مجتمعنا مع الأخذ بنظر الاعتبار الإرث التاريخي المتراكم من العهود السابقة، كذلك الانتباه إلى الخصوصية الثقافية، مع تجنب ميكانيكية النقل الجاهز من بيئة غربية إلى بيئة عراقية، أم أن هذا النقل أصبح جائزا في ظل عصر العولمة، في محاولة لفرض ثقافة أحادية المنطق وعصرية التوجه، أو نشر مفاهيم ذات خصوصية على عموميات القرية الكونية، وبذلك تستغني شعوب أخرى تمثل الأطراف في تجارب ضرورية قد تخرج عن إمكانات اللحظة الراهنة؟
** العادلي: إذ تؤثر هذه الإشكالية على مفهوم المواطنة ومن زاوية عندما نقول إن الدولة الحديثة من مقوماتها فصل الدين عن الدولة كمبدأ قومي بهذا المفهوم، أنا أتصور ليس لدينا دولة في العالم تعيش حالة العلمانية، بمعنى فصل الدين عن الدولة، إنما هناك مفهوم فصل الدين عن السلطة، حسب التعريف الذي قدمناه الدولة رابط وناظم لكل من عناصر أربع لا معنى لفصل الدين عن الدولة، لأن أحد مقومات الدولة الأمة أو المجتمع الساكن في هذه الدولة ولا يوجد على ظهر البسيطة أمة من الأمم لا تمتلك دين أو لا تمتلك نظرة كونية، أو منظومة عصرية، ولكن الموجود فصل الدين عن السلطة، بمعنى الإدارة والحكم يجب أن تكون السلطة محايدة تجاه رعاياها، وفق مفهوم المواطنة، هذا حل الإشكالية الأولى، أما الإشكالية الثانية، إذا كانت الإشكالية تقوم على استيراد هذه المفاهيم أو هذه التجارب، حتى هنا الدولة فكر مستورد، الدولة الحديثة ظهرت ربما في أواخر القرن السابع عشر، الدولة الحديثة وفق هذا الشكل القانوني والثقافي والدستوري هي لم تكن معروفة هذا النمط في تنظيم إداري، فإذا كانت الإشكالية أساسا في الاستيراد، في خصوص مبدأ المواطنة - الدولة - هي أيضا مستوردة، ولا أتصور هناك شخصا ينتمي إلى الإسلام أو العروبة يعترض على استيراد تجربة الدولة فإذا كان غير متحفظ على استيراد هذه التجربة فيجب أن لا يكون متحفظا على غيرها من التجارب، لأن المواطنة العمود الفقري للدولة التي يقبل بها كتنظيم عام وشامل وناظم كلي للجماعة السياسية.
* النبأ: كأنك هنا تحاول أن تبوب أو تفصـل بين تكوين الدولة والمواطنة وعلاقتهما، نأتي إلى المركب البنيوي الرابع الذي ذكرته، ألا وهو الثقافة السياسية في الدول الشرق أوسطية ومنها العراق، الدين بمعناه العام ينتج الهوية ولا ينتج المواطنة، فكأننا هنا أمام اصطدام واضح من أجل بيئة المواطنة كيف تنظرون إلى ذلك؟
** العادلي: أرى في هذا الموضوع تكلفا، يعني لا أرى من تضاد بين المنظومة القيمية ومنها الدين والمواطنة، هناك دولة ولتكون العراق، فيها شعب أو مجموعة شعوب، تؤمن بمنظومة قيمية، هي الإسلام، أين التعارض؟ فلمجرد وجود حدود أريد أن اعترف بهذه الدولة، وأعطي لها أولوية في العمل والانتماء، أين أصطدم مع الآخرين، الذين ينتمون إلى نفس الدين.
* النبأ: الاصطدام مثلا بأن الانتخابات تأتي بالحاكم غير المسلم، كيف يقبل اجتماعيا وقيميا ونحن ننظر إلى الدين كمنظومة قيمية، هل هناك توقع لتقبل مثل هذا الأمر؟
** العادلي: إذن هذه الانتخابات تتعلق بالمرتكز السلطة، لأن الدولة من أحد مقوماتها المهمة، هو النظام الذي يشمل منظومة القيم والتشريعات ونحن ندعو إلى احترام الخصوصيات العقائدية والقيمية لكل تجربة، عندما ندعو إلى أن دين الدولة هو الإسلام، هذا ثابت لدينا لأنه يطابق الواقع، نسبة كبيرة من الشعب تؤمن بالإسلام، عندما نتكلم عن السلطة السياسية ونتكلم عن عملية الانتخابات وتأتي بحاكم فعليه أن يتقيد بمنظومة القيم الغالبة للأمة، فهي عملية ليست غير منضبطة، أيضا أننا نتعامل مع سلطة سياسية منتخبة، يجب عليها التعامل مع الكل.
* النبأ: والمسألة الاجتماعية كيف نتعامل مع أحادية السلطة وهناك عقد اجتماعي، ومشاكل اجتماعية وإرث سلطوي، مع تكريس مركزية السلطة التي ساهمت بها تلك العقد الاجتماعية؟
** العادلي: إذا كانت السلطة محايدة وتقف على نفس المسافة من الجميع وفي نفس الوقت تحتل موقعا أبويا، وتأخذ موقف الرعاية والتسديد والحيادية والموضوعية، أرى أن كل هذه الإشكالات سوف تأخذ مسألة وقت وتحل، أود العودة إلى مسألة خلفية الحاكم المنتخب التي أثيرت في بداية السؤال، إننا نتكلم عن سلطة منتخبة مصدر شرعيتها الشعب، هنا تصبح المسألة واضحة ومهمة، إن هذه السلطة المنتخبة هي تعبير عن إرادة مجتمع، وبالتالي اختياره لنوع السلطة السياسية، أي تجسد إرادة المجتمع في الانتخابات، نتكلم عن سلطة مختارة ديمقراطيا وهي تمثل شعبها، وهذا الشعب في الحقيقة يمتلك مقومات، وإحدى أهم هذه المقومات عقيدته الدينية، هل يمكن لهذا المنتخب سياسيا أن يعاكس إرادة منتخبيه، أو يعمل بشكل معارض لتكوينهم السياسي والثقافي، إذن عليه أن يكون متناسقا مع هذه الأمة التي انتخبته، ونبقى نذكّر على السلطة أن تكون محايدة إزاء عقائد مجتمعها.
* النبأ: بخصوص عدم تضاد المنظومـات القيمية التي أصبحت شعارا لحركة العولمة، ترى هل العولمة فعلا تتحرك على هذا الأساس، بأنه ليس هناك تضاد بين المنظومات القيمية، أم تتحرك على أساس آخر على اعتبار بأن الميل الجارف لمفهوم الليبرالية الديمقراطية وضمنها المواطنة، أتى نتاج شيوع ثقافة العولمة؟
** العادلي: أنا أفصل العولمة ومبدأ المواطنة، مبدأ المواطنة هو سابق على العولمة تاريخيا وهو كما ذكرنا العمود الفقري للدولة التي تسمي في الأدبيات الأوربية (الدولة القومية)، أما ما يخص ثقافتنا الراهنة، ومسألة الهوية، هناك اجماع من أهل المعرفة والفكر إن الهوية سيالة لا وجود لهوية صلبة جامدة لا تتحرك، هناك سيولة في الهوية، نعم قد تحتاج هذه السيولة إلى عمر زمني طويل أو متوسط لكي يظهر عليها التغير، لكنه في عمق العملية، الهوية لا تمتلك صفة الثبات، هذا لا يعني أننا ننادي باستبدال الهوية أو نطالب باستبدالها، ولكن علينا أن نكون حذرين حول الوقوف بشكل جامد ومتصلب تحت عنوان الحفاظ على الأصالة من منطلق الدفاع عن الهوية، لأن الكثير من جوانب هذه الهوية لا تمتلك رصيدا معرفيا حقيقيا أو رصيدا مبدئيا حقيقيا، إنما هي إضافات تاريخية متأتية من التقاليد والآداب أصبحت جزءا من الهوية، والإنسان العراقي الراهن يعتقدها جزءا لا يتجزأ من الهوية وهي لا تمتلك الأصالة، والرؤية المعرفية تقول أنها ليست جزأ من الهوية هي في الحقيقة المعنى المساوق للأصالة وأعطي مثالا على ذلك، الموقف الثقافي والاجتماعي من المرأة، الآن عندما ننادي لمسألة تكامل الرجل والمرأة في الحياة، وفتح المجال أما المرأة للريادة السياسية والثقافية والاجتماعية وندعو إلى تغيير نمط التعاطي مع المرأة، هنا سوف تقوم عليك القيامة ويقال لك بأنك متأثر بموجات العولمة وافرازاتها الثقافية (وفي هذا الجانب كان لي محاضرة في أحدى الجامعات هنا في بغداد) وسألت عن شيء اسمه (الغزو الثقافي)، نعم هناك غزو ثقافي ولا توجد ثقافة لا تغزو ثقافة أخرى على مستوى الكلمة وعلى مستوى الفكرة هذا تداخل إنساني، لكن الذي يسألك بهذه الطريقة، بأن هناك غزوا ثقافيا للعراق، عندما يرى أن هذه المقولات قد هجمت عليه، هو في الحقيقة يقع تحت تأثير انفعال فكري وانفعال نفسي، مع ذلك أجبت عن سؤال الغزو الثقافي، ثم عرجت إلى مفهوم لم يرتبط بمسألة الغزو الثقافي عندما قلت بأن العديد من مفردات الغزو الثقافي، نحن نعتقد أنها قيمنا ومبادئنا كل ما في الأمر تخلينا نحن عنها في مستوى التطبيق، التزم بها غيرنا وعندما ننادي بها، يقال عنا أننا نستورد أفكارنا، مثل موقفنا من المرأة، حيث ذكرت جملا من الأحاديث المروية عن الرسول (ص) الآن مجتمعنا لا يقبل مثل هذه الأحاديث؟ الخطاب الإسلامي التقليدي يرفض مثل هذه المقولات، لأنها لا تناسب المركب الثقافي الذي يعتقد أنه جزءا من الهوية، وهو ليس جزء من الهوية هو جزء مزيف، الرسول الكريم (ص) يقول (إذا رفع الرجل اللقمة إلى فيه أمرأته أُجر) هنا الرسول يعطي لهذا الفعل صفة عبادية، وهناك حديث آخر (إذا سقى الرجل أمرأته الماء أُجر) هنا أسأل سؤالا، هل موروثات التعامل مع المرأة جزء من الهوية، إننا جعلناها جزءا حقيقيا مع أنه طارئ متأتٍ من العادات، لكن مقومات الهوية ثابتة حينما نساوق الحق والحقيقة.
* النبأ: بخصوص الحديث عن الوطنيـة، بوصفها انتماء وشعورا عاطفيا، يتحرك في إطار اجتماعي، والمواطنة تتموضع بين مصلحة نفعية ومسؤولية ملزمة، إنها علاقة تبادلية، ثم ترشح النفعية لطرفين متعاقدين، المواطنة تسمو على المصلحة، وبهذا التسامي تعلو المسؤولية، الوطنية عاطفة، والمواطنة وعي كيفي وعقلنة بتسامي الشعور في تبني المسؤولية حتى ينعكس نفعا لبناء دولة عصرية، مع الالتفاف إلى وجود الوطنية دون المواطنة.
** العادلي: بالالتفات إلى ترتيب منظومة الحقوق والواجبات، عندما يحس الإنسان بانتماءه إلى الدولة إحساس قانوني حقيقي، عندما يشعر بأن هذه الدولة تمثل كينونته الاجتماعية، ترعاه وتنميه وتعطيه، إذا أحس أن هذا الإطار الأوسع هو في الحقيقة ترجمة لآماله وطموحاته ومشاعره، عندها سوف يذوب حبا وولاء، وتتركز المواطنة إلى انتماء وممارسة.
* النبأ: هل أداء هذه الوظيفة محصور بالدولة فحسب؟
** العادلي: هي بالحقيقة ثقافة عامة، بقيت الدولة الحديثة من المفاهيم الأساسية، هي أن ضرورة هذه الدولة كلية جهدها الكلي لا يقوم على إنتاج السلطة فقط، هو بناء السلطة والمجتمع ما يترتب على الثقافة، في الحقيقة إذا شئنا أن نتكلم كلاما سياسيا، إن أي تحول حقيقي في الحياة العراقية يقوم على المواطنة واستحقاقات هذه المواطنة.
* النبأ: لنتوقف عند مفردة كثيرا ما رددتها في أثناء حديثك، المدرسة الإسلامية التقليدية.
** العادلي: أنا اعتقد إن الإسلام هو واحد في مساوقة الحقيقة الدينية، والحقيقة الإنسانية، لأنني أؤمن بتطابق القيم الإنسانية والدينية، فهما وجهان لعملة واحدة، لذلك نحن نؤمن بنظرية الحسن والقبح العقليين التي ترى الأصالة لحكم العقل، وتقول ما حسن العقل، يحسن الشرع وما قبح العقل يقبح الشرع، المشكلة ليست في الدين وليست في الإسلام، إنما في الخطاب الذي يبنى على فهم معين، ويصدر بعنوان الإسلام، كان الحديث يخص المواطنة، كنت آمل أن يتقدم الخطاب الإسلامي خطوات إلى الأمام في تأصيله لمبدأ المواطنة كالانتماء.
* النبأ: لتركز على هذا الموضوع المواطنة في المدرسة الإسلامية التقليدية.
** العادلي: لا وجود للمواطنة في المدرسة الإسلامية التقليدية، هناك أزمة في هذا الموضوع على صعيد الخطاب والبرهنة، وهناك أزمة على صعيد إنتاج جديد للمفاهيم السياسية وللمبادئ السياسية.
* النبأ: برأيك ما هو السبب؟
** العادلي: السبب أن الخطاب تقليدي.
* النبأ: هل تتفق معي بأن المدرسة الإسلامية التقليدية أنتجت هوية ولم تنتج مواطنة؟
** العادلي: صحيح لم تنتج مواطنة، الآن بين يديك الخطاب الإسلامي التقليدي ليس هناك أدنى استعراض ولو فكري عام، ليس بنيويا عميقا معرفيا، المفردات كدولة وجمهورية، والدستور والمواطنة...الخ، هناك إشراقات جديدة وفكر إسلامي ينهض حاليا، لتأصيل هذه المفاهيم لإزالة الغربة الفكرية أو الفجوة لدى الشارع بين الإسلام وهذه المفاهيم وفي مقدمتها المواطنة والديمقراطية وتعقيداتها، هنالك الآن خط في الساحة ينمو معرفيا وسياسيا ينادي بالتناغم بين الإسلام والديمقراطية كآليات لإدارة العملية السياسية، فهذه محاولات حديثة وهي إسلامية فعندما أقول المدرسة الإسلامية التقليدية، لا أعني الإسلام، وإنما هي في مقابل مدرسة إسلامية غير تقليدية منفتحة متصدية لإنتاج خطاب جديد وبرامج مغايرة وهي أيضا إسلامية، ولكنها وعت قيمة هذه المفردات وتحاول أن تؤصل للخطاب الإسلامي الجديد، لأنها وعت المواطنة والديمقراطية والمجتمع المدني.
* النبأ: بناء على التساؤل السابق حول موقف المدرسة الإسلامية من كل هذه الفعاليات الإسلامية التي اصطدمت مع مقولات المجتمع المدني والمواطنة يبقى المرجع لتلك الخطابات الإسلامية هو القرآن الكريم، والقرآن في خطوطه العامة تعرض للكثير من المتغيرات المقبلة منذ زمن البـعثة وإلى هذا اليوم، وتعرض إلى هذه المتغيرات على ضوء قواعد عامة، اتاح للمسلم إمكانية التفكير، السؤال هنا عن مصدر نشأة العلاقة بين منظومة الحقوق والواجبات ومضمون ذاتية الإنسان في طبيعته التكوينية، أين تتموضع قضية الاستخلاف في خط هذه العلاقة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أنه دائما في الفكر الإسلامي، تعتبر قضية الاستخلاف قضية مركزية في التعامل مع كل المستجدات والمتغيرات وكذلك الثوابت، ولكن في قضية المواطنة من الممكن التعامل على ضوء قاعدة الاستخلاف، ولكن هناك قاعدة دائما يستثنيها الفكر الإسلامي هي مقولة (الاستعمار) الله سبحانه وتعالى (هو الذي أنشأكم في الأرض واستعمركم فيها) هذه القاعدة أهميتها في قضية المواطنة، أيضا هناك سؤال آخر الدستور الأمريكي حدد مصدر هذه العلاقة لعله حين شرع أن الحرية والمساواة هبة الله تعالى، ولا يجوز لأحد أن يسلبها منه، أي أن الحرية والمساواة مصدر هذه العلاقة، هنا نسـأل عن مصدر هذه العلاقة بين منظومة الحقوق والواجبات ومنظومة ذاتية الإنسان؟
** العادلي: هنا يجب التمييز بين منظومة الحقوق والواجبات ومنظومة الحقوق الإنسانية والوطنية هذا التميز جوهري، لأن الدولة لاحق وهي إنتاج إنساني، فالأصالة للإنسان، مفهوم الاستخلاف هو في حقيقته وجه لمفهوم أصالة الإنسان، لكن ليس بالمعنى الوجودي الصرف، في تصوري، أن على الخطاب الإسلامي، أن يخرج من مأزق التقابلية التي تسكن بنية الخطاب الإسلامي، التي هي ديني - دنيوي - علماني - إسلامي - حداثة - أصالة وغيرها، واعتقد إن المبدأ الذي يقضي على هذه الفجوة، هي نظرية الحسن والقبح العقلي، وهي من ثوابتنا العقيدية في النظرة إلى الإنسان وإلى الحقائق، إن كل القيم الإنسانية، هي وجه للقيم الدينية ليس إلا، لهذا أتصور أن هذه الإشكالات واردة وغيرها سوف يرد بالمستقبل لأننا لم نقم إلى الآن بإنتاج منظومة أطلق عليها منظومة بنيوية قادرة على حل هذه الثنائيات، فإذا استطعنا بناء هذه المنظومة، وهي في الحقيقة سوف تتحول إلى منظومة قيمية قادرة على ردم الهوة ما بين ما هو دنيوي وغير دنيوي، وبين ما هو أصيل وحديث عندها نستطيع حل هذه الإشكاليات، المتوقعة داخل مدرسنا السياسية أو العقيدية، أما من يتعاطى مع المتغيرات أو المستحدثات من نفس القاعدة بدون وعي للمشتركات سيقع في هذه الإشكالية، ما يتعلق بمبدأ الاستخلاف، هناك من يرى، وهذا هو رأينا صراحة، الاستخلاف يساوق أصالة الإنسان، والإنسان لا يتحقق إلا بإنسانيته.. عندما نبحث عن تحقيق إنسانية الإنسان سوف نرى أن الإنسان جملة من القيم، نحن نسميها القيم الفطرية حيث أن الإنسان يمتلك بعدا غرائزيا وطبيعيا وفطريا هذه الفطرة بكل أقسامها العقلية مثل ما تعرفون في أقوال الحكماء في علم الكلام أو الفلسفة المقولات الخمسة الكبرى، نزوع الإنسان العشقي أو نحو التطور المعرفي، بعده الأخلاقي....الخ، هذه الأبعاد الخمسة هي التي تشكل إنسانية الإنسان عندما نحلل هذه الأبعاد الخمسة، نرى كل ما يتعلق بقيم المواطنة أو بقيم الإنسان، في منظومة الحقوق والواجبات تتسق مع هذه القيم الإنسانية التي تساوي ثوب الإنسان الآدمي الأول، يعني الآن لو يقرأ الإنسان لائحة حقوق الإنسان وهي إنتاج إنساني، في نفس الوقت هي ليست إنتاجا دينيا، لكنه عندما نسقط حقوق الإنسان المذكورة في هذه اللائحة على القيم الدينية، تقبلها أم ترفضها (حق الحياة، حق المساواة، حق الكرامة) سوف نجد أنها تقبلها ولا تجد إلا فارقا ضئيلا لا يشكل نسبة 1% ونحن قادرون على توجيه هذه النسبة البسيطة بما يردم الهوة بين ما هو ديني وما هو دنيوي، الذي أقوله صراحة، إن كل ما أنتجه الواقع المعاصر وما وفرته الدولة الحديثة أو الشرائع الدولية وما شاكل من زاوية أنها منطلق إنساني ومعرفة إنسانية وتجربة إنسانية نستطيع أن نسقطها على الدين وسوف يتقبلها الدين بكل بساطة، والعكس هو الصحيح، فموضوع المواطنة واستحقاقات المواطنة من أهم جوانب منظومة الحقوق والواجبات وفي عمقها حقوق الإنسان وأيضا هناك شعارات كثيرة متصلة بمفهوم المواطنة، هذه المفاهيم والمبادئ لا اعتراض بينها وبين الهوية ومسألة العقيدية والنظرة المعرفية، فهي متأصلة لأنها تساوق الإنسان وهنا يرتبط مع مفهوم الاستخلاف والاستعمار (هو الذي أنشأكم في الأرض واستعمركم فيها) وأن يبحث الإنسان عن مفردات هذا الاستعمار أو الإعمار سوف يجد في الحقيقة أنه لا يختلف عن أي برنامج حضاري يراد من الإنسان وفق المفهوم الديني أن يكون أمينا صادقا سالما، كل هذه القيم التي تؤكدها التجربة الدينية أيضا تؤكدها التجربة الإنسانية المنطلقة من المعرفة والقيم الإنسانية.
* النبأ: المدرسة الإسلامية التقليـدية التي تحدثت عنها، هل ترى لها وجود في الساحة الثقافية العراقية الآن؟
** العادلي: نعم، الخطاب الإسلامي التقليدي ما زال موجودا، وأقصد هنا بالخطاب الإسلامي التقليدي، الفكر الإسلامي التقليدي هذه المقدمة لابد منها هنالك دين وهناك فكر ديني، لأننا لا نناقش الأمور على مستوى الدين، بل على مستوى الفكر الديني، لأن الفكر الديني قراءة بشرية للدين، وهي تتنوع بأن تكون قراءة واعية وربما متخلفة أو سطحية وقد تكون عميقة، فكل أنماط هذه القراءة مسماة بفكر ديني، أو خطاب ديني أتكلم عن هذا الحقل لا أتكلم عن الدين، في تصوري الدين يساوق الحقيقة، لكن الفكر الديني المقام على القراءة الفلانية للدين السائد منه الذي أسميه الخطاب الإسلامي التقليدي وهو إلى الآن ما زال مهيمنا على الجانب الفكري والثقافي وحتى السياسي في العراق، وهذا واضح من خلال استعراض رواده وخطوطه الفكرية والسياسية، ولكن هناك تباشير من الأمل في إنتاج فكر ديني جديد وخطاب ديني جديد يلائم بين الإسلام والمقولات الحديثة.
* النبأ: على ضوء ما تفضلت به من الحديث عن الخطابات الإسلامية بتنوعها، كأنما تشير إلى أن هناك خطابات سياسية دينية بدأت تعيش أزمة ثقافية، ولذلك استندت على إرثها التاريخي ووجودها الاجتماعي، يصح هذا القول أم لا؟
** العادلي: هي أزمة بنيوية أكثر من أن تكون ثقافية، هنا امتحان حقيقي لمدرسة الخطاب الديني التقليدي، تحدي في تبرير حتى انخراطه في العملية السياسية، هذا التحدي يسقط في هذا الشرك كل ما هو عقائدي تقليدي، يعني هنالك اتجاهات سياسية مدرسة تحكم وتمارس الحكم منها بعض رواد المدرسة الإسلامية والماركسية التقليدية، هنالك قوى سياسية تمارس العملية الإسلامية، تنادي بدولة إسلامية تقوم على ولاية الفقيه، كمثال، خطابها السياسي قائم وفق منهج ولاية الفقيه، والتثقيف والبرامج تقوم على هذه البيئة الفكرية السياسية، لكن الواقع العقلي يقوم على أنها تنادي بعكس المعرفة السياسية، هذا التمايز أوقع هذه المدرسة التقليدية إذا كانت إسلامية أو غير إسلامية، في إشكالية أن تعيد إنتاج نفسها معرفيا وثقافيا وفكريا، وأما أن تترك التجربة المنخرطة فيها، لكي تتوحد مع ذاتها معرفيا.
* النبأ: كأنك تشير إلى أن هناك أزمة في مرجعية الخطاب السياسي.
** العادلي: نعم، وهذا يشمل حتى المدرسة القومية وبالتالي نرجع إلى النقطة الأولى في المواطنة، أما نعيد قراءة مدارسنا السياسية والبنيوية، متى نحقق التلاؤم مع المواطنة، أو نترك المواطنة وندعو إلى قيام دولة إسلامية وفق المنهج المطروح.
* النبأ: نختتم حوارنا بهذا السؤال أننا كما فهمنا منك انك تحمل أطروحة إسلاميـة معاصرة، تدعو إلى قراءة الديمقراطية بوصفها آلية، هناك تسالم فكري إن من ضمن الأضـلاع التي تحمل الديمقراطيـة هي العلمـانية، كيف ننظر إلى هذه المسـألة؟ الديمقراطية بحاجة أم عدم حاجتها إلى العلمانية التي تدعو إلى الفصل والتبويب؟
** العادلي: كل القراءات المحايدة والعالمية للديمقراطية، أنها آليات وفوكوياما قائلها بوضوح ومفكرين سياسيين قالوا أنها آليات، الديمقراطية ليست دينا، الديمقراطية آلية لتنظيم الشأن السياسي لتنظيم السلطة لتنظيم تداول السلطة والقضاء على الأزمة السياسية، الديمقراطية يطرحها البعض بعنوان أنها دين، لأهداف سياسية ويخالفها العقائديون لأهداف سياسية وهذا قضاء على الوطن والمواطنة، الحقيقة أن الديمقراطية مجموعة آليات وإجراءات لتنظيم السلطة السياسية ليس أكثر، نجانب الحقيقة ونأزم الواقع ونزرع الفتنة والشتات عندما نريد أن نؤدلج الديمقراطية، فأنا لا أدعو إلى ديمقراطية علمانية ولا إلى دولة علمانية أدعو إلى دولة ديمقراطية مدنية تحترم مكونات مجتمعها وتستطيع التناغم مع عقائد مجتمعها في مقدمتها الدين وتوفر نوعا من السلام والتفاهم بين الدين والدولة، كذلك اعتماد الديمقراطية يأتي في صلبها الارتكاز على مبدأ المواطنة كثابت رئيسي ولحمة سياسية تربط المجتمع.
* النبأ: نشكر لكم سعة صدركم وإغناءكم موضوعة المواطنة بهذا الحـوار، أمنياتنا لكم بالتوفيق.

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد 75

إتصــلوا بـنـــا