ردك على هذا الموضوع

حقوق المرأة في النصوص الدولية

عفيف مـزهر*

لما كان المحمود من السعي ما يطال الانسان بالرفق والتسامح، باعتباره، (أي الإنسان)، المخلوق الذي ميزه الله على سائر الكائنات وكرّمه بالعقل، وأناط بهذا العقل المسؤولية ثوابا وعقابا، فان الأجدر بالاحترام، هو التركيز على تفعيل النص بعد استدعائه مع الأحكام والنظريات الى الميدان والى واقع الناس المعاش في كل مكان وزمان، ولا شك في أن انتاج فكر رائع ونافع لبني البشر، أسهل من تطبيق هذا الفكر وتفعيله، وهذا ما تجده في معظم كتابات المرحوم الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي، كجهد ومثابرة نادرتين في تبيان الموقف والرأي والاجتهاد في معظم شؤون الحياة، بغض النظر عن اتفاقك مع هذا الرأي والموقف أو اختلافك معه، بدءا من موسوعة الفقه، الاجتهاد والتقليد، مرورا بالتفسير الموضوعي للقرآن، والاستفتاءات، وسلسلة التعريف بالشيعة، ومباحثات مع الشيوعيين، وقيمة الشعوب، والمرأة، وعن العدالة الاسلامية، والحرية الاسلامية، وعلى الأخص، ممارسة التغيير لانقاذ المسلمين. فماذا عن المرأة، نصف المجتمع، وما هو حظها في الحرية والمساواة اليوم؟، بعد قرون من الوحي القرآني الكريم، وعقود على الاعلان العالمي، والمواثيق الدولية ذات الصلة.
(تتعرض النساء الى العنف والتمييز على أيدي الدولة والمجتمع والأسرة) (1)، ولاسيما العنف في محيط الأسرة، ومثاله الشائع، ضرب الزوجة، وبدرجة أقل، التعدي الجنسي على أطفال الأسرة الاناث، وتشويه الأعضاء التناسلية للمرأة، أما التمييز فهو في معظمه واقع في قوانين الأحوال الشخصية، والمؤدية في نهاية المطاف الى عمل عنفي ضدّ المرأة يهدف الى السيطرة على سلوكها لضمان عفتها، أو لتوارث ممتلكاتها.
ويظل الانتهاك الأكبر لحقوق المرأة، في كثير من المجتمعات، ولا سيما الاسلامية منها، حرمان المرأة من حق اختيار الزوج (2)، لينوب عنها الوليّ، أبا أو أخا أو غيرهما.
المرأة والنصوص الدولية
سنكتفي باتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضدّ المرأة، باعتبارها أشمل وأحدث اتفاقية تخص المرأة على المستوى العالمي، اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام بقرارها /34-180/ المؤرخ في 18/كانون الأول 1979، تاريخ بدء النفاذ 3/أيلول 1981.
في مقدمة هذه الاتفاقية تأكيد من الدول الأطراف على أن ميثاق الأمم المتحدة يؤكد الايمان بحقوق الانسان الأساسية، وبكرامة الفرد، وبتساوي الرجل والمرأة في الحقوق، وفيه أيضا تأكيد على مبدأ عدم جواز التمييز، الوارد في الاعلان العالمي لحقوق الانسان، وكذلك التزام الدول الأطراف في العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الانسان بـ(واجب) ضمان مساواة الرجل والمرأة في حق التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، اضافة الى جملة من التوصيات والقرارات والاعلانان المعتمدة من الأمم المتحدة، والتي تشجع على مساواة الرجل والمرأة في الحقوق، ثم تخلص هذه الدول الأطراف الى الاعراب عن قلقها لاستمرار (تمييز واسع النطاق ضدّ المرأة) على الرغم من كل ذلك!
ومع التأكيد مجددا على أهمية الوازع الديني، لمقاومة أشكال عديدة من المظالم، وانتهاك حقوق الانسان، ولا سيّما المرأة، شأنه شأن الكثير من النصوص القانونية التي تجرم ضروبا عديدة من التمييز، ومع ذلك، تبقى التقارير والاحصاءات الدولية، سواء تلك الصادرة عن الأمم المتحدة، أوعن منظمات المجتمع المدني في كافة أنحاء العالم، تثير المخاوف العديدة المتصلة بحجم هذه الانتهاكات، وشمولها العالم بأسره، من الولايات المتحدة الأميركية، حتى أفغانستان، ويبقى العمل على مناهضة التمييز ضدّ المرأة، مرهونا نجاحه بالحياد والنزاهة عن محاباة ثقافة على أخرى.
إن أي تمييز في السلوك الانساني، هو في اعتبار الشرعة الدولية لحقوق الانسان، وكذلك الثقافة الكونية المعاصرة، انتهاك لمبدأي المساواة في الحقوق واحترام كرامة الانسان، والتمييزبسبب الجنس، اضافة لذلك هو اعاقة لنمو ورخاء المجتمع والاسرة، وعقبة في وجه التنمية الكاملة لامكانات المرأة في خدمة بلدها والبشرية،لأن التمييز ضدّ المرأة، عبر حشرها بعمل محدد لها سلفا، ومنعها أو اعاقة حقها في اختيار العمل الذي ترتضيه، هو تعطيل لنصف قدرات المجتمع. لهذا تلجأ الأسرة الدولية الى (الايمان) (بأن النظام الاقتصادي الدولي الجديد، القائم على العدل والانصاف، سيسهم اسهاما بارزا في النهوض بالمساواة بين الرجل والمرأة)، وفي هذا اعتراف بأن اعلان النوايا، والتوصيات، والرغبات، سواء ذات الطابع الدولي أو المحلي، الديني أم الاجتماعي، لا تستطيع أن تردع على نحو مقبول، ضروبا من السلوك الانساني المتجاوز لحق الآخر، سواء كان هذا الآخر رجلا أو امرأة، ما لم يتحقق النهوض بالتقدم الاجتماعي والتنمية، باعتباره الضامن الأهم لتحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة.
المادة/1/ من الاتفاقية
تعتبر المادة /1/ من هذه الاتفاقية، أن أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد، يتم على أساس الجنس، ويكون من شأنه، أو يهدف الى توهين أو احباط الاعتراف بما للمرأة من حقوق الانسان وحرياته الأساسية في كافة الميادين، أو اعاقة تمتع المرأة بهذه الحقوق، وبصرف النظر عن حالتها الزوجية، هو في اعتبار الدول الأطراف، تمييزا ضد المرأة، ويقع هذا التمييز، أو ينبغي أن يقع تحت طائلة المسؤولية، وعلى كل دولة، أن تقرر بنفسها طبيعة العقوبات التي تراها مناسبة جرّاء ذلك، وعليها أيضا بمقتضى تعهدها، أن ترفع التشريعات والقوانين التي تسمح، أو يمكن أن تسمح بممارسات مناقضة أو منافية لهذه الاتفاقية، ولهذا، فهي تعهدت في المادة/2/ بادماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية، وفوق ذلك، كفالة التحقيق العملي له، بفرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، عبر المحاكم ذات الاختصاص، والمؤسسات العامة الأخرى.
ومع أن القانون أو التشريع، لايمكن له أن يكون الدليل الوحيد على مساواة الرجل بالمرأة، دون الدخول في العلاقة بين الجنسين في بنيتها العميقة، وفهم بنية الاستبداد الذكوري (الأبوي) القائم على التأويل المحافظ للنصوص، وعلى (المخيال العام) والشعبي المؤسس على ثقافة تسلم بدونية المرأة، حتى عند النساء أنفسهن.
وعلى افتراض أن الدولة الطرف، قد وفت بالتزاماتها التعاهدية كاملة فيما يتعلق بسن التشريعات المانعة للتمييز، فانه في كثير من البلدان، تتسم اجراءات الشرطة بالقصور عن متابعة وقائع جرمية عدة، من أبرزها تلك التي تستهدف النساء، ومنها منع المحامين والأطباء من مقابلة الضحايا على انفراد (3)، ومن جانب آخر، يكون الوقت الذي تستغرقه المحاكمات، طويلا دونما مبرر، وهو ما يدفع الضحايا في كثير من الحالات الى الاعراض عن الشكوى، وفي حالات عديدة أخرى، لاتكتشف الحقيقة ولا يقدم مرتكبو الانتهاكات الى ساحة العدالة، الأمر الذي يقوي النزعة والميول الذكورية لدى المجتمع، ويحد من ارادة الحكومات في تطبيق القوانين المتفقة مع الشرعة الدولية.
المادة/5/
تلزم المادة الخامسة من الاتفاقية، جميع الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة والكفيلة بتحقيق التغيير اللازم في الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بغية القضاء على كافة العادادات العرفية والممارسات الأخرى المستندة الى الاعتقاد بكون أحد الجنسين، أدنى أو أعلى من الآخر، والى الأدوار النمطية المعتادة للرجل والمرأة، المستندة الى هذا الاعتقاد.
ولا يخفى ما لهذا النص من موقف واضح حيال الكثير من العادات الاجتماعية، خصوصا تلك التي تلزم الزوجة بالخضوع لزوجها، وتعطيه الحق الصريح أو الضمني بتأديب الزوجة، حتى ولو لم يكن هو من أصحاب الأدب والاحتشام، وغالبا مايكون في هذه الحالة هو المرجع الوحيد لتقرير ما اذا كانت الزوجة قد أساءت التصرف والأدب أم لا. كما تحّمل المرأة في معظم الحالات، الوزر الكامل في شرف الأسرة أو العائلة، ويشكل الخروج على العادات والتقاليد المحلية، فعلا مدانا يستوجب العقوبة، التي قد تصل في بعض الأحيان الى الموت، كما هو الحال في جرائم الشرف.
وتضيف هذه المادة، واجب كفالة الدولة بأن تتضمن التربية العائلية فهما سليما للأمومة بوصفها وظيفة اجتماعية، وبكون تربية الأطفال وتنشئتهم، هي مسؤولية مشتركة بين الأبوين لمصلحة الأطفال التي تحظى بالاعتبار الأساسي في جميع الحالات، وفي هذا الموقف مضامين واضحة، تهدف الى تغيير العادات التي تعتبر الأطفال وتربيتهم، شأنا نسويا بالدرجة الأولى والأخيرة، وأن اقحام الرجل نفسه في هذه التربية، موضع استهجان على أقل تقدير.
المادة/15/
في هذه المادة اعتراف الدول الأطراف للمرأة بالمساواة مع الرجل أمام القانون، ومنحها في الشؤون المدنية، أهلية قانونية مماثلة لأهلية الرجل وفرص ممارستها لتلك الأهلية، وعلى الأخص في ادارة الممتلكات وابرام العقود، وفي جميع مراحل الاجراءات القضائية.
وتتضمن هذه المادة في فقرتها الثالثة، اتفاق الدول الأطراف على اعتبار جميع العقود وسائر أنواع الصكوك الخاصة المنطوية على أثر قانوني يستهدف الحد من الأهلية القانونية للمرأة، باطلة ولاغية، ولا يمكن الاحتجاج بها قانونا.
وبمقتضى الفقرة الرابعة، تحررت المرأة من القيود القانونية المفروضة على حركتها، سواء في السفر أو الاقامة، وحرية اختيار محل السكن.
المادة/16/
تخص المادة/16/ حقوق المرأة المتعلقة بالأحوال الشخصية في عقد الزواج، وحرية اختيار الزوج برضاها الكامل، اضافة الى تقاسم الحقوق والمسؤوليات مع الزوج أثناء الزواج، وعند فسخ عقده. وفيما يتعلق بالولاية والوصاية على الأبناء الأطفال (4)، للمرأة كما للرجل، نفس الحقوق والمسؤوليات، مع مراعاة مصلحة الأطفال في المقام الأول. اضافة الى ذلك، تناولت هذه المادة مجموعة أخرى من الحقوق، بعضها يتفق مع النصوص القانونية والشرعية للمرأة المسلمة، كالحقوق المتعلقة بالملكية وحيازتها والاشراف عليها وادارتها والتمتع بها، والبعض الآخر على نقيض ذلك، كالتبني، واختيار اسم الأسرة، وأكدت في الفقرة /2/ بأن لايكون لخطوبة الطفل (المقصود دون السن القانوني) أو زواجه أي أثر قانوني، مع مطالبة الدولة بتحديد سن أدنى للزواج، ولجعل تسجيل هذا الزواج في سجل رسمي، أمرا الزاميا.
 ولأن قضية المرأة، هي من أعقد القضايا وأكثرها حساسية في ذهن عموم المجتمع، سيكون من الضرورة بمكان، فتح أوسع حوار ممكن على قاعدة أن المرأة مساوية للرجل، لاسيّما من الناحيتين العقلية والروحية، وأن الأساطير التي تؤكد دونية المرأة و(نجاستها) هي محض اختلاق وأسطورة، وأن (الصوت الأخلاقي العميق في القرآن الكريم الذي يساوي بين البشرجميعا الذين خلقهم من نفس واحدة، وساوى بينهم حين يكونون بين يديه)، هو الذي سيسود، متفقا مع الثقافة الكونية المتجهة الى الاخاء والمساواة والتسامح، ولا بدّ للكثير من الممانعات الشرعية التي استهدفت المرأة، وتستهدفها حتى الآن، (كفتاوى الكثير من الفقهاء المسلمين التي تمنع المرأة من قيادة السيارة، على سبيل المثال لا الحصر )، آيلة الى زوال، شأنها شأن الكثير من الفتاوى التي كانت سائدة حتى عقود قليلة ماضية، (لابأس بالتذكير بها الآن في هذا السياق)، كوضع الساعة باليد، لبس البنطلون تحت الجبة، قراءة الجريدة، اقتناء الراديو..، وسلسلة طويلة أخرى أوردها السيد هاني فحص، في مقاله (سلوكنا الشرعي: من المقاصد الى الثوابت) (5).
ولأن مفاجآت الواقع لنا، دائما تضطرنا الى اعادة التكييف بين الرأي الفقهي وضرورات الحياة، و(توسيع الرؤية السراطية للسلوك) حسب تعبير السيد هاني فحص، (لا بدّ لمقاصد الشرع أن تكون البوابة الحقيقية الى تحديد الثوابت بقصد الثبات عليها، في حين أن الثبات على المتغير يؤدي الى زعزعة الثوابت). ولأن العمل من أجل قوانين شخصية منصفة للمرأة، ليست مهمة المرأة وحدها، بل والرجل أيضا، كي لاتبقى المرأة مواطن من الدرجة الثانية، وناقص الأهلية يحتاج دائما للوصاية بحجة الشريعة، بينما (القراءة التاريخية للنص المقدس، وفتح أبواب الاجتهاد، قادران دائما على انتاج قوانين ومواقف وأفكارتنتصر لمصلحة الناس رجالا ونساء، ولا تخاصم التطور) (6).
_____________________________________________________________________

* حقوقي من سوريا
1- منظمة العفو الدولية- مصائرنا بأيدينا- 2004- رقم الوثيقة- ACT77-001-2004- وتضيف هذه الوثيقة-ص 3: تكشف الاحصائيات الخاصة بالعنف ضدّ المرأة عن كارثة عالمية في مجال حقوق الانسان، وتفيد دراسة تقوم على نتائج/50/ مسحا ميدانيا في شتى أنحاء العالم، أن أمرأة واحدة على الأقل من كل ثلاث تعرضت في حياتها للضرب أو للاكراه على ممارسة الجنس أو غير ذلك من الانتهاكات. وعادة ما يكون مرتكب الانتهاك أحد أفراد أسرتها أو شخصا تعرفه. ونقلا عن مجلس أوروبا، بأن العنف في محيط الأسرة هو السبب الرئيسي للوفيات والاصابة بالعجز بالنسبة للنساء من سن/16- الى 44/ عاما، وأن حالات الوفاة أو الاصابة المؤثرة على الصحة التي يسببها، تزيد عمّا يسببه السرطان أو حوادث السيارات.
2- تنتشر في أفغانستان عادة ارغام الفتيات والنساء الشابات على الزواج، ورغم أن الزواج القسري ودون السن المحددة قانونا، وهو/16/عاما، يعتبر جريمة جنائية، غير أن القضاء؟، والمجتمع لايتعاملان معه عموما باعتباره كذلك!. مصائرنا بأيدينا، المصدر السابق ص 19.
3- حددت المادة/170/ من قانون الأحوال الشخصية السوري الولاية على النفس:
1- للأب ثم للجد العصبي ولاية على نفس القاصر وماله وهما ملتزمان بها.
2- يدخل في الولاية النفسية سلطة التأديب والتطبيب والتعليم والتوجيه الى حرفة اكتسابية والموافقة على التزويج وسائر أمور العناية بشخص القاصر.
4- حدائق النساء- فريدة النقاش- مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان- 2002- ص56.
5- السفير، عدد /2/11/2004

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد 75

إتصــلوا بـنـــا