ردك على هذا الموضوع

التمييز ضد المرأة والطفل

مصطفى محمود عبد السلام

 

 

مقدمة

جرى التسليم على المستوى العالمي بأن أشكال العنف كافة التي تقع ضد المرأة والتي تأخذ أنماطا في الحياة العامة والخاصة تمثل انتهاكا لحقوق الإنسان الأساسية، وفي هذا السياق صادق حوالي ثلث دول العالم على اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي صدرت في مايو / أيار 1984 عن الأمم المتحدة.

ومن المفترض أن تشكل نصوص الاتفاقية معيارا أخلاقيا واجتماعيا لشعوب العالم كافة في كيفية التعامل مع قضايا المرأة.

ويقصد بالتمييز بين الرجل والمرأة -لصالح الرجل- لأغراض هذه الدراسة ممارسة أشكال مختلفة من العنف قد تلحق الأذى النفسي أو الجسدي أو المادي بالمرأة لكونها امرأة. هذا هو المعنى المباشر لمفهوم مصطلح العنف، لكن عند الوقوف أمام الدراسات المقدمة لتحديد معنى للعنف أكثر شمولا، آخذين بعين الاعتبار المعنى التاريخي لمفهوم هذه الظاهرة في مجتمعنا، نجد أن أشكال العنف الممارسة ضد المرأة والتي تنفذ ضدها على نحو مباشر كالضرب، والاغتصاب، وما إلى ذلك، ليست هي الخطر الحقيقي الذي يهدد المرأة، لأن هذه الأشكال من العنف يمكن وضع الضوابط لها من خلال المؤسسات الرسمية والأهلية والتشريعية. إنما الخطر الحقيقي، هو ذاك الخطر الكامن داخل بنيان المجتمع من مفاهيم ثقافية واجتماعية وتشريعية معمول بها، حيث تقدم الثقافة السائدة في المجتمع نوعا من الوعي الزائف للمرأة- بذاتها وبذات الآخر- وهو الرجل، يجعلها تتقبل كثيرا من مظاهر العنف الممارس ضدها على اعتبار أنها تصرفات طبيعية.

وقد عبرت الدراسات المقدمة في أنواع الثقافة الزائفة التي تقدم للمرأة، والتي تساهم في دونيتها بعبارة (التفرقة في التنشئة بين الذكور والإناث) التي تبدأ منذ لحظة الولادة. وقد أشارت الدراسات إلى أن التفرقة في التنشئة تشمل- ضمن ما تشمله- العناية الصحية والغذائية بالطفل، إذ إن عدد وفيات الإناث في السنة الأولى بعد الولادة أكثر من عدد وفيات الذكور، وتشمل هذه التفرقة توزيع الأدوار داخل الأسرة، ثم التفرقة في فرص التعليم، وعدم إعطاء الفتاة فرصة في اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتها، فقد ترغم على الزواج في سن مبكرة من رجل قد لا ترغب في الزواج منه، وترغم على عدم متابعة دراستها.

ويندرج موضوع العنف ضد المرأة- حسب ما جاء في الدراسات- ضمن موضوع العنف الأسري ما يزال غير معترف به من المجتمع، وبالتالي غير مدروس، لذا فإن الإحصاءات الرسمية التي وردت في الدراسات لا تعبر إلا عن جزء يسير من هذه الظاهرة، حتى أنها تكون مضللة في كثير من الأحيان، لأنها تخدم رغبة المجتمع كله في التستر على هذه الظاهرة، وعدم الإقرار بوجودها.

إن هناك ملاحظة جديرة بأن تؤخذ في الاعتبار وهي أن العنف الذي يمارس في إطار الأسرة لا يؤخذ بالجدية نفسها، علما بأن ما يترتب عليه من آثار غير مباشرة قد يكون أعمق ضررا، فعلاقات القوة غير المتكافئة داخل الأسرة، غالبا ما تحدث خللا في البناء الاجتماعي، واهتزازا في نمط الشخصية وبخاصة عند الأطفال، مما يؤدي- على المدى البعيد- إلى خلق أنماط مشوهة من الشخصيات والعلاقات والسلوك، وهذا قادر بدوره على إعادة إنتاج العنف، سواء داخل الأسرة أو خارجها في المجتمع.

مظاهر التمييز ضد المرأة والطفل

تعد ممارسات العنف ضد المرأة والأطفال، من الممارسات القديمة التي لها جذورها التاريخية البعيدة، التي ترتبط بثقافات الشعوب وبالعديد من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كالحروب والفقر والجهل والصراعات العرقية والدينية والطائفية والطبقية......الخ. كذلك ترتبط بمفاهيم الذكورة والأنوثة لدى الشعوب، وبأشكال التربية ومضامينها.

ولا شك أن هناك علاقة وثيقة بين ممارسات العنف ضد النساء والأطفال، وبين المشكلات الاجتماعية والأزمات الأخلاقية التي تعاني منها بعض الشعوب والمجتمعات، مثل مشكلة الأمية الهجائية، والأمية الثقافية، والأمية الدينية، والأمية الفكرية.... الخ، ومثل مشكلة تعاطي المخدرات والمسكرات، ومشكلة البطالة، ومشكلات الشباب تختلف أشكالها ومضامينها، ومشكلات التخلف.

وتختلف النظرة إلى ممارسات العنف المستخدمة مع النساء والأطفال باختلاف ثقافات الشعوب، فبعض الشعوب تعد هذه الممارسات أمراً طبيعياً بل ومرغوباً فيه ثقافياً، وبعض المجتمعات تنظر إلى هذه الممارسات كجرائم تحرمها نصوص القانون سواء العرفي أو المكتوب. ففي ثقافة بعض المجتمعات الأولية- كالقبلية أو الريفية أو غيرها، لا يكون الرجل رجلا إلا إذا كان قاسيا على زوجته وأولاده، مستبداً برأيه، لا يسمح لهم بالمناقشة والحوار وإبداء الرأي. وهنا تشيع جرائم التربية التسلطية وقمع النساء وضربهن، وإهدار حقوق الطفل والمرأة... لكنها داخل هذه الثقافات تعد جرائم، فهي تعد جرائم من منظور الأديان السماوية ومن منظور المجتمعات المتحضرة والمتقدمة اجتماعياً وثقافيا واقتصادياً.

لكن هذا لا يعني أن ممارسات العنف ضد الأطفال والنساء قاصرة على المجتمعات المتخلفة، ذلك لأنها تمارس كذلك وبأبشع الصور داخل المجتمعات المتقدمة اقتصاديا وثقافياً واجتماعياً. ففي إحصاءات المجتمعات الغربية ما يشير إلى ارتفاع معدلات جرائم الاغتصاب وانتهاك الأعراض، ونسبة كبيرة من هذه الجرائم ترتكب من قبل الآباء والمحارم، تحت تأثير المخدرات والخمور ومختلف عوامل الإثارة والانحلال الخلقيين، ففي هذه الدول تكثر نوادي العراة، وتغيب الرقابة والتوجيه الأسري والمجتمعي والتربوي بشكل عام، ويقل التركيز على الجوانب الأخلاقية، بل وينظر إلى هذه الجوانب الأخلاقية والدينية على أنها تخلف، ومن أبرز الأمثلة على هذا ضرورة أن يكون للفتاة صديق من الجنس الآخر، وعدم اكتراث الأزواج بعذرية زوجاتهم عند اللقاء الأول بهن.

ويمكن إعطاء أمثلة لأهم جوانب العنف الموجهة ضد المرأة فيما يلي:

أولاً: سلب حق المرأة في التعليم والعمل المناسب لها.

ثانياً: سلب حق المرأة في اختيار الزوج عن قناعة، وفرض أزواج بالقهر مما يؤدي إلى فشل الحياة الزوجية.

ثالثاً: ممارسه الأزواج لحقهم في الطلاق بدون أسباب حقيقية مقنعة مما يؤثر سلباً على نفسية المرأة وأولادها ومستقبلها.

رابعاً: عدم اشتراك المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية بالشكل والمستوى الواجب، وذلك في بعض المجتمعات.

خامساً: حرمان المرأة في بعض الأحيان من حقوقها الاقتصادية.

سادساً: بعض المجتمعات تستغل المرأة في ممارسة البغاء السافر أو المستتر لأسباب اقتصادية.

سابعاً:ممارسة بعض المجتمعات لجرائم التطهير العرقي مثل ما حدث في البوسنة والهرسك من اعتداء الصرب على النساء المسلمات.

ثامناً: ممارسة أعمال الاغتصاب ضد النساء في بعض المجتمعات تحت تأثير تعاطي المخدرات والمسكرات.

تاسعاً: النظر للنساء على أنهن مخلوقات من الدرجة الثانية أو أقل قدراً من الرجال.

وأما عن جرائم العنف ضد الأطفال فيمكن إيجاز أهمها فيما يلي:

1. عدم تعلم الأطفال في مدارس وحرمانهم من هذا الحق.

2. إجبار الأطفال على العمل في سن مبكرة لأسباب اقتصادية مما يهدر طفولتهم.

3. حرمان الأطفال من حقوقهم التربوية والنفسية والاجتماعية، وحقهم في التوجيه والرعاية الأسرية، خاصة في الأسر التي يغيب عنها الأب لوفاته أو سجنه أو عمله بالخارج.

4. ممارسة جرائم بيع الأطفال في بعض الدول تحت تأثير عوامل اقتصادية.

5. ممارسة الإرهاب التربوي ضد الأطفال، الذي يتخذ عدة صور نوجزها فيما يلي:

- الإرهاب الأسري: ويتمثل في سيادة مناخ التوتر والصراع بين الزوجين والشجار بين الأخوة، والتمييز في المعاملة بين الأبناء وضرب الأطفال بقسوة، والأحكام السلبية التي يصدرها الأبوان باستمرار على الطفل، وسيادة التسلط الأبوي، وإهمال الآباء متابعة أبنائهم في الدراسة، واقتصار اهتمامهم على نتائج الامتحانات… الخ.

- الإرهاب المدرسي: اقتصار وظيفة المدرسة على الدور التعليمي، وإهمال الجانب النفسي والتربوي والاجتماعي والديني، وممارسة الضرب بعنف من جانب المدرسين، وتوبيخ الأطفال أمام زملائهم، وعدم الاهتمام بالتربية الدينية مما يجعل الأطفال فريسة سهلة للمنحرفين والمتطرفين والإرهابيين وأصحاب الأفكار الهدامة، ويخلق عندهم نوعا من الفراغ الديني والثقافي.

- عدم الاهتمام كيفاً وكماً بالبرامج الموجهة للأطفال في وسائل الإعلام وعدم الاهتمام بمضايقتها. هذه إلى جانب أن بعض البرامج والأفلام والمسلسلات تسهم في اكتساب الأطفال قيما وسلوكيات تتسم بالعنف والانحراف، مما يثير ردود فعل سلبية من الكبار لعقابهم. هذا إلى جانب عدم توافر نواد للأطفال تشبع حاجاتهم المختلفة.

هذه السلبيات تفرز شخصيات فاقدة الهوية، تتسم بالانحلال يضعف لديها الانتماء للوطن والدين والأسرة، وغير قادرة على تحمل المسؤولية. فيؤدي إلى هدر طاقات بشرية بناءة داخل المجتمع، ويحولها إلى كائنات مسلوبة الإرادة تقع ضحايا لأصحاب التوجهات الشيطانية.

لاشك أن علاج هذه المظاهر السلبية يقتضي للمرأة تعليماً تربوياً وصحياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً لممارسة دورها الفعال في الأسرة والمجتمع. كما من المهم تكاتف جميع المؤسسات المهتمة بتنشئة الأطفال ورعايتهم لإيجاد مناخ سليم لنموهم النمو المتكامل، وممارسة حقوقهم، وتفجير طاقاتهم الإبداعية الخلاقة، تحقيقاً لسعادتهم من جهة، وللتنمية البشرية في أكمل صورها من جهة أخرى.

وتبرز أشكال أخرى من العنف كما في مصر فهناك عنف يمارس ضد الفتيات الصغيرات بسبب الفقر، ومثل ظاهرة عمالة الأطفال في مصر، وتزويج الفتيات الصغيرات من خلال عقود عرفية شبه مزورة بهدف الاتجار بهن، بحيث تدفع الفتاة على ممارسة شكل من أشكال الدعارة تحت غطاء هذه العقود.

التوصيات

1- إفساح المجال أمام المرأة للالتحاق بسلك الأمن العام والمحاماة، من اجل الدفاع عن النساء، ورفع العنف والظلم الاجتماعي الذي يلحق بهن، وبخاصة في قضايا العنف منعا للإحراج الذي قد يمنع النساء من الإبلاغ عنه.

2- العمل على وضع انتشار مكاتب الخدمة الاجتماعية في الأحياء والتجمعات السكانية داخل المدن وخارجها، ولكي تصل هذه الخدمات إلى المرأة في منزلها، للوقوف على المشاكل حال حدوثها وقبل تطورها نظرا لان أعدادا كبيرة من النساء لا تتمكن من الذهاب إلى هذه المراكز خاصة في الريف والبادية، إما لالتزامات المرأة مع أطفالها أو لأن الزوج لا يرغب بذهابها.

3- العمل على إنشاء مراكز لحماية المرأة التي تتعرض للعنف، بحيث تحتوي هذه المراكز على:

أ. عيادات نفسية لتخفيف وعلاج الآثار النفسية التي تنجم عند تعرض المرأة للعنف.

ب. إنشاء أماكن يمكن أن تستقبل المرأة عندما يتعذر عليها البقاء مع أسرتها فيما إذا تعرضت للخطر، أو لمزيد من أعمال العنف، بهدف تقديم العلاج اللازم لها.

ج. أن تقوم هذه المراكز بتقديم برامج من أجل تأهيل المرأة.

د. العمل على إعداد كادر نسائي مؤهل يشرف على كل هذه المراكز.

5 - القيام بحملة إعلامية تبرز الدور الإيجابي للمرأة داخل الأسرة وفي المجتمع من أجل التأثير على الاتجاه العام في المجتمع بما يؤكد دور المرأة، وذلك من خلال:

أ- تدريس مادة (حقوق الإنسان) في المدارس والمعاهد والجامعات والتأكيد خلال هذا الموضوع على مبدأ المساواة والديمقراطية بين أبناء المجتمع كافة، وتحديدا بين المرأة والرجل.

ب- إعداد برامج تلفزيونية تؤكد مكانة المرأة في المجتمع، وتبرز مدى الضرر الذي يلحق بالمرأة والأطفال وبالرجل نفسه إذا تعرضت المرأة لأي شكل من أشكال العنف.

* باحث اقتصادي من مصر