ردك على هذا الموضوع

رسالة المثقف

عباس سرحان

 

كل المشاكل التي واجهت البشرية على مر العصور بدأت من الإنسان نفسه، فمع كل أزمة كان هناك لبس في الفهم وهناك انحدار في الوعي.. إذن هناك مأساة، لذلك كان الإنسان محور كل الحركات الإصلاحية على مر التاريخ، فإذا (عمر) الإنسان عمرت الأرض من حوله، وإذا (خرب) خربت هي وتصحرت وسالت فيها الدماء، والمفارقة أن هناك دائما عملية مسح وتخريب لوعي الناس تسبق كل انحدار خطير في حياتهم، فلولا تبعات الحروب والحصار وخنق الحريات ومصادرة الرأي التي مارستها سلطة البعث في العراق، لما عانى العراق اليوم مما يعاني منه من مشاكل وأزمات، فكل تلك المفردات السيئة كانت سببا في إشاعة ثقافة العنف وانهيار القيم في دواخل الكثيرين، وبات المجتمع كتلة هرمية مقلوبة بحاجة لمن يعيد لها قوامها الحقيقي، لذا تبقى الحاجة الملحة لدور المثقف شاخصة ولاعوض عنها ولا يمكن ملء الفراغ الذي يملؤه، ولعل هذا ما فهمته قوى الجدب والتخريب والسلبية فسارعت لإرهاب المثقفين والمتعلمين العراقيين في محاولة لإقصائهم ومنعهم من ممارسة دورهم في أشد حالات احتياج المجتمع لهذا الدور.

ولكن اشتداد الهجمة الظلامية الشرسة ضد الطبقة العراقية (العاقلة والمفكرة) ومحاولات إفراغ العراق من عقله وفكره، وإفراغ المثقف من همه الإنساني تجاه مجتمعه يجب أن لا يكون سببا في عرقلة هذا الدور الإيجابي لهذه الطبقة، ولا بد أن تثبت أنها قادرة على مجاراة الأحداث والمتغيرات الكبيرة، فتقف مما يجري موقف الحكيم الذي يشخص الداء ويصف العلاج بعيدا عن الانتماءات الفئوية الضيقة، فالمثقف لاينتمي إلا لما هو إنساني ولا يتعصب إلا لما هو حق وجميل ومنصف..