ردك على هذا الموضوع

الشخصية العراقية: متبنيات ومنطلقات*

* ورقة شاركت في ندوة (بيت الحوار العراقي) الذي أسسته وترعاه مجلة النبأ، عنوان الندوة كان: الشخصية العراقية شؤون وشجون

د. متعب مناف

 

لا بد من البحث عن أبعاد للشخصية الأساس Basic Personality في المجتمع العراقي ونعني بها النمط السلوكي الذي يستقطب اكبر عدد من المواصفات المشتركة إلى حد التمايز بين ثقافة وأخرى.

هذه المواصفات المشتركة هي: انطواء/ انفتاح، انسجام/ اصطدام، تعاون/ تقاطع، اهتمام/إهمال، صلابة/ مرونة، قديم/ حديث، داخل/ خارج، امرأة/ رجل، عرف/ قانون، مدينه/ ريف، ماديه/معنوية، قريب/ بعيد، ثقافة شعبية/ثقافة نخبوية/ طائفة/طائفية، زمن محدد/زمن مفتوح، أبوية/ أبنائية، نقل/ عقل، دين/ تدين، حاضر/ ماضي/.. فالانفتاح والانسجام والتعاون والاهتمام والحديث والخارج والمرونة والمرأة والتعاون وثقافة النخبة والآخر والابنائية والزمن المفتوح والطائفة والعقل والدين والتركيز على الحاضر هي من (الايجابيات).

أما الضد مثل: التقاطع والإهمال والرجل (مركب الذكورة) والعرف والثقافة الشعبية والزمن المحدود والأبوية (مركب الأبوة) والطائفية والنَقْل والتدين السياسي والشعبي والماضي هي من السلبيات.

فما هو مجموع الصفات التي يمكن أن تستقطبها هذه الشخصية القاعدية سلباً أو إيجابا؟

وواقعاً فان الاستقطاب لا يمكن أن يكون أحاديا بل ثنائياً وهذا يسري على كل الشخصيات القاعدية فالعامة، ولكن المشكلة الأساس، أن الشخصية ورغم استقطابها للثنائية كحل سلوكي واقعي فإنها توافقت مع الدين. إذ أن الديانات هي الأخرى تقر بهذه الحقيقة (الثنائية).

فالنفس الإنسانية (إسلاميا) قد أُلهمت فجورها وتقواها.. قُدم الفجور على التقوى للدلالة على أن السلوك إنما يبنى من خلال التجربة، وليس هناك تجربه أكثر عمقاً وتحريكاً من الخطأ الذي يترتب عليه تحول الإنسان إلى السلوك السليم (التقوى) ونظراً لتداخل الفعل السلوكي من استجاباته لضواغط المجتمع وضوابطه، فإن ردود الفعل لا تكون (معقولة) وإنما هي (مقبولة).

وانقسام السلوك بين المعقول والمقبول إنما يتم عن طريق الثقافة السائدة والتي تمثل المرجعية الأكبر التي تحرك الأداء الإنساني. إن هذه الثقافة هي تجميع لقوالب يمكن أن تستوعب العقل الإنساني لذا لا بد من اختبارها واقعياً عن طريق المجتمع كما في رسمه المثلث رقم(1).

مثلث رقم (1)، العلاقة بين الثقافة والمجتمع والشخصية

في المجتمع العراقي، فإن العلاقة بين الثقافة والشخصية حيث يدخل المجتمع نفسه وسطاً بينهما، إنما يكون علاقة هيمنة وليس علاقة تعاقد.

العلاقة بين الثقافة والشخصية culture personality

نظراً للتقارب الجيلي بين الآباء والأبناء، فإن الثقافة التي يمثلها (الجيل الآبائي) إنما تفرض على الجيل (الأبنائي).. من شابه أباه فما ظلم! في الوقت الذي ينبه عقلاء التراث وفي المقدمة الإمام (علي) (عليه السلام) إن الجيل الأبنائي يجب لا يعامل وكأنه مستنسخ سلوكياً (Behavioral copies) للجيل ألآبائي.

إلا إن الواقع الحياتي/ السلوكي يتحرك بالضد من هذه العقلانية في التعامل السلوكي، إذ يؤكد جيل الإباء أحقيته في إمتلاك التصرف في المرجعيات الثقافية الحاكمة والمتحكمة إلى حد اتهام جيل الأبناء بالانحراف والمروق وإساءة التصرف، لذا ما تسقطه أو ترتضيه الشخصية القاعدية محكوم برغبة جيل الإباء وتسلطه إلى حد الوصاية على الأجيال الجديدة بدعوى حراسة الموروث القيمي.

نواتج مثل هذه الوصاية الابوية

إن من أقسى نواتج الوصاية الابوية في المجتمع العراقي وجواره العربي المسلم والشرقي أن برزت شخصية الأب القوي ذي القدرة على تعدد الزوجات المخيف العفيف في الظاهر والماجن في الداخل، إنه الأب والرب (رب الأسرة) لذا فإن خيره نُعمى، وان شره خير وان حكمه (ماضٍ) على الأبناء (قاسٍ) على البنات.

يمارس الأب كل التقاطعات السلوكية ليحفظ الشرف الذي يكسره يومياً منطلقاً من أحقية وصدقية (الفقه الذكوري/ الأبوي) والناتج إن الشخصية العراقية تحولت مستفزة، وللحفاظ على واقعها غير المستفز (القناع الذي تريد أن تبدو به) (Persona) فإنها وصَمَتْ الأبعد قليلاً منها بأنه (غريب) وهذا يسري حتى على الأقارب، ناهيك عن الأباعد.

فالأقارب عقارب! أما الغريب وقد يكون من نفس الوسط المكاني أو البلَدَ نفسه أو من القرى أو المدن أو البلدات القريبة فهو ذِئب وأنَّ عضته لا تطيب أي (تشفى).

وبذلك ظهرت شخصيتان متداخلتان في سلوك العراقي أحداهما (برانية) لمن يطلق عليه أو يوصم بأنه غريب والثانية (جوانية) لمن لا تنطبق عليهم الأوصاف المصنوعة الخاصة بالسلوك البراني.

هذا الوضع النفسي/الاجتماعي المركب والتداخل بين البرانية والجوانية السلوكية الذي نتج عن ظرف الشك والتشكيك الذي تعاني منه الشخصية العراقية زاده تعقيداً سلوك أَب قاس وأم خاضعة، مما زاد في استنفار الشخصية إلى حد الاستفزاز ولتبرير مثل هذا الاستفزاز وتحويله إلى إليه للحفاظ على ذات الشخصية العراقية، فقد لجأت الثقافة إلى التراث فوظفت النص المقدس الذي يجمع بين الحُمرْ (الظباء) وبين القسورة (الأسد) (كأنها حُمرْ مستنفره فرت من مسورة) الآية الكريمة فالذات هي الحُمرْ والقسورة هي الآخر (الغريب) أبن المدينة أو القرية أو الوسط السكاني الآخر ثم الأبعد.

لذا فإن تكريس آلية الاستنفار ورفع رد الفعل هذا إلى حَدّ الاستفزاز هو الذي يضمن سلامة الشخصية العراقية.

وبذلك امتد سلوك الشخصية العراقية بين الاستنفار والاستفزاز بقوة إلى حد العُنْف (Violence).

وقد كرست حالة الاستنفار والاستفزاز أنظمة الحكم في العراق ودنيا العرب والمسلمين والشرق، حيث صنعت من هذه التداخلية السلوكية (استنفار/ استفزاز) صيغة أكثر حِدَّة جمعت بين الخوف من الآخر القريب إلى الخوف من الآخر البعيد في الوقت الذي احتكرت فيه التعامل مع الآخر البعيد لنفسها!

لقد بدلت الدولة مركب: استنفار/ استفزاز/ كمون الذي تعاني منه الشخصية العراقية بمثلث لاخترقها سلوكياً حاولت أن تتجاوز فيه مثلث: ثقافة/مجتمع/شخصية.

ومثلث الدولة إنما جمع بين العَلَمْ والشعار والنشيد وكما في الرسمه رقم (2) فالعلم يترجم نمط الحكم كما في أَلوان علم الثورة الفرنسية أو الاتحاد السوفيتي السابق بل وحتى الإعلام في الإسلام بألوانها الأبيض والأخضر والأحمر والأسود أما الشعار فانه يمثل اللازمة الفكرية التي يجب أن يعتمدها المجتمع.

الرسم رقم (2)، يعكس الثقافة السياسية (علم/ شعار/ نشيد)

في الوقت الذي يفترض فيه أن يحرك النشيد الشخصية حيث تبلغ التعبئة الفكرية مداها، فالعلم يخفق ويرفرف والشعار يطلق والنشيد يردد وبذلك تكون الشخصية قد انكمشت في كبسولة الدولة إلى حد عسكرتها (militaries nation of Personality ) مما يفتح الطريق إمام إطلاق ثقافة الاستعلاء التي تنفذ بآليات التهميش والاستئصال.

الخلاصة

فالاستنفار والاستفزاز تحولا من المجتمع إلى الدولة (السياسة) وبذلك اتسعت دائرة الضياع التي يشعر بها الفرد العراقي إلى الحد الذي وجد نفسه ضحية مؤامرة كبرى شارك بوهمه في صناعتها مستغلاً من قوى خارجية وأصبح الأقرب إلى توصيفه سلوكياً بأنه الحرير في دائرة الشوك.

المناقشات

- د.أعياد عبد الرضا: إني ما زلت أعتقد أن الشخصية العراقية (سلبية) وغير متفاعلة، وهي لا تبادر إلى التعامل مع الواقع الاجتماعي حيث وصلت إلى مستوى الرد السلبي الذي يشير إليه علم النفس بأنه (الانطواء على النفس وعدم مقاومة المشكلة والوصول إلى تدمير الذات).

- د.متعب: هناك لدينا المجتمع العربي الإسلامي المحكوم بفقه النكاية، وفقه النكاية أي أخبر بما هو صحيح ولكن أرفض هذا الصح، وأبقى على الخطأ، ونكاية بالآخر. قبل أن لا أرد لي ملاحظة وهي إني أميل إلى كلمة ازدواجية التي نحتها د.الوردي، ثم نقلها إلى التناشز، بسبب أن الشخصية لا تستطيع أن تجذب خطاً واحداً، وإنما المطلوب خطين في سبيل إيجاد الحركة، ولكن الفكرة الأساسية، إن سقف الثقافة قريب من الشخصية في المجتمع العراقي والمجتمعات الشرقية، إلى حد الملامسة والاندماج، وهذا يرجع إلى أن الخطأ راكب على الشخصية، وليس الثقافة، بحيث نجد أن هناك التعالي على الثقافة ولذلك يذكر عالم الاجتماع بارسونز (إن الثقافة آخر شيء يفكر فيه)، وإنما يضع التعايش كبداية أولية للإنسان في المجتمع ثم تنطلق عملية بناء الشخصية، التي تأتي بعدها عملية الفرز داخل المجتمع بالنسبة للعلاقات والأفكار والثقافة. الثقافة بالنسبة لـ (بارسونز) هي نوع من الأتكيت، الذي يجمع فيه الإنسان القوالب السلوكية التي انتهى من التعامل معها، وسوف يستفيد منها، ولهذا يطلق عليها (الكمونيات) أما بالنسبة لنا، تبقى الثقافة تحمل نوعاً من القوة، والفرض، وهذا واضح من تعدد المرجعيات الاجتماعية والثقافية، واليمن مثال بارز على ذلك فهي تحوي أكثر من مرجعية، فهناك الإمامية، اليمنية، الدينية، قبلية، شمالية، تعزية، جنوبية، واليمن شعب قبلي وليس بدوي، ولذلك أحسن ما كتب عن ذلك (قبليّ يبحث عن حزب). أعود إلى السؤال، ربما هناك غنى ولكن يوجد جمود بحيث أنتج لدينا السلفية والاتباعية، يبقى أن الشخصية العراقية، شخصية اتباعية تهتم بالوسائل أكثر من اهتمامها بالغايات، تبقى شخصية الشرقي اختزانية وهذا واضح في مسألة الصبر.

- أزهار محمد الغرباوي (1): هناك ملاحظة أن المجتمع العراقي عانى من حصار على أغلب المستويات، وخاصة الحصار الثقافي، وبذلك عاش المجتمع عدة متغيرات دخلت عليها، لذا أسأل هل ستحقق الشخصية العراقية بعد هذه المتغيرات قدرة على المرونة من خلال التكيف واستيعاب الذي حصل، بما يحقق لها التكامل على استقلاليتها أم أنها ستكون شخصية تابعة ومحافظة وخاضعة لهكذا أمور. كذلك هل ستؤثر هذه المتغيرات على الشخصية الأبوية؟

- د.متعب: أولاً نحن نلاحظ أن الأبوية بدأت تتعرض إلى التغير، ولقد قام د.هشام شرابي بفتح ملف الثقافة الأبوية من خلال كتبه وبحوثه، أيضا هناك اختلاف بين الأبوانية القديمة والجديدة، الأبوانية الجديدة تسعى إلى التغيير، بالرغم أنها تخضع التغيير إلى المساومة كذلك الجيل الجديد يحمل عوامل الضغط والتحول على الأبوانية القديمة، ولهذا يقوم الجيل الجديد بسحب الأبوانية القديمة إلى معركة المفاهيم والثقافة الجديدة.

- أزهار محمد: ربما نحن كجيل قد تخطينا المرحلة ولكن الجيل القادم يحمل سمات نوعاً ما خطرة، ولهذا قد يحتاج إلى حماية.

- د.متعب: مسألة الحماية نسبية بسبب أننا كما يقول الشاعر:

كلما أردنا ذاك الزمان بمدح ٍ شغلنا بذمّ هذا الزمان

إذن كلما يأتي جيل يطلق على الجيل الذي سبقه صفة الخروج وعدم التقيد بثوابت المجتمع، أعتقد أن القضية ليست هكذا وإنما لكل جيل مداه، سواء في الرفض أو القبول، صحيح أن ثقافتنا تحمل صفة (نعم) كثيراً، ولكن الآن بدأت تقترب من (لا). إذن بدأنا نرفض ولكن يبقى هذا الرفض في حدود القبول، أيضا الآن الصراع بين الأجيال واضح.

- حسن مهول (2): لماذا لا نبدأ بسؤال ما الشخصية، كشخصية متمردة من خلال وجود الوطن، والقرآن الكريم يقول (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دساها) ولهذا لو أخذنا الشخصية بمفهومها التمردي دون المؤثرات البيئية والثقافية والتنشئة السياسية الموجودة في حاضرة المجتمعات، ثم لنعرف أن الشخصية العراقية هي ذات عمق حضاري قديم، هذا العمق خلق للشخصية العراقية تكوين نفسي نموذجي، يستوعب ما حوله.

- د.متعب: ما هو المقصود بالتكوين النموذجي؟

التكوين النموذجي يستوعب ما حوله.

- حسن مهول: إنما أتحدث عن الشخصية كمجرد توصيف لها الفجور ولها التقوى، وهنا أيضا القسم (ونفس وما سواها) أي كنفس أينما وجدت، ثم نأتي إلى العصر الإسلامي الذي أستوطن في هذا البلد، بلد الفتح الإسلامي (العراق) الذي قرأناه في تأريخ تجربة الإمام علي (ع) وكيف تعامل معه المجتمع الكوفي، بعدها نعود إلى الشخصية العراقية. إن هذا التأمل يدفعنا إلى اكتشاف الكبت الذي عانته الشخصية العراقية والحرمان كما يقول الشاعر:

ثراؤهم فقر ودولتهم ناب ثعالبٍ وذئاب

لذا أسأل مع كل هذه الأسباب التي ذكرتها كيف تجد الشخصية العراقية؟

- د.متعب: أني أتساءل لماذا هذا التبرير؟ لماذا لا نعترف أن جزءا كبيرا من الحاصل الآن هو نابع من الشخصية العراقية. العراق فيه استعداد عالٍ للعنف، إننا حينما نتفحص تأريخ المنطقة نلاحظ مفارقة، هي إن أهل اليمن (بلد الحضارة) قد أسكنوا خيار قومهم العراق، رغم أن العراق كما ذكرت لديه نسبة عالية لتقبل العنف، أعتقد أن المشكلة تكمن في الانقطاع الحضاري الذي حصل في العراق، لذا كم مرة بدل المجتمع العراقي دينه وأيضا كم بدلنا حضارتنا، المشكلة ليست في البديل ولكن في مدة الانقطاع والتبدل، وأثرها على الشخصية العراقية، أيضاً انهيار اليقينيات القديمة مع بقاء تجذر السلطة الرعوية في المخيال الشعبي، أي أن التفكير العام ما زال يولي أهمية لكلمة (راعي) بحيث يذكر الأنثربولوجي الغربي (غلنر): (إن الراعي لا يملك القطيع هو فقط بل القطيع يملكه هو أيضا). إذن لدينا رسوخ للسلطة الرعوية، وجود الأب القوي الممثل بالحاكم العادل المستبد. وهذا يشعرنا بوجود هيمنة تمنعنا من إقامة التعاقد الاجتماعي، وتدفعنا إلى التسليم بالواقع الموجود. وأفضل ما موجود عندنا (العادل المستبد) كيف يمكننا الخروج من هذه الدائرة؟ أيضا هناك تصور آخر لمجتمعنا وهو (إن الشرقيين كائنات أخروية)وهذا التصور خرج من مؤتمر بيروت الأخير للحداثة. يبقى كما ذكرت سابقاً فقه النكاية (لأن الإصلاح يطلب منا، فالنكاية بالآخر أن نرفضه ونقمعه).

- أ.كاظم الجيزاني (3): بالنسبة للرمز في الشخصية العراقية وتعاملها مع الألوان، هناك ظاهرة في بداية تأسيس السلطة العراقية في 1921طلب تشكيل علم، رفضت كل الأعلام وقُُبِلَ فقط العلم الذي يحمل اللون الأحمر والأسود والأخضر، كذلك ظل نفس العلم، ولم يتغير لذا أطرح هل الشخصية العراقية كما ذكرت في مرات سابقة هي شخصية، هل أنها اتباعية للرمز؟

- د.متعب: نعم الشخصية العراقية يؤثر كثيراً عليها الرمز، كذلك تميل الشخصية العراقية للألوان الصارخة بحيث يشير هذا التوجه إلى أن قضية الدم في الشخصية العراقية لم تحسم بعد، وهي قديمة في العراق، كذلك التضحية، في مصر يجمعهم الطبل كما تذكر الدراسات التاريخية، في العراق يجمعهم الشعار، أذن هناك أثر واضح للرمز والشعار في الشخصية العراقية.

- أ.زاهد البياتي (4): هل الثقافة تتغلب على الشخصية أم أن الشخصية تتغلب على الثقافة؟

- د.متعب: إن الثقافة هي التي تتغلب، بسبب أنها مركب عالي، الثقافة مركب أبوي، في المجتمعات الغربية فصلوا بين الثقافة والأبوة، إن الثقافة في المفهوم الغربي تعني التقويم الذي يصل إلى التطبيع والتنشئة، أذن منْ يُنشأ منْ؟ في العالم الغربي الذي ينشأ هو المدرسة، أما في بلادنا ما زالت التنشئة فردية، لذا تتطور التنشئة في الغرب لتصل إلى المؤسسة أما نحن فتنحصر في الأسرة. مشكلتنا نحن العرب إننا لقاح، يعني لا نملك ولا نمتلك إذن نحن لا نعرف نملك ولا نقبل أن نمتلك، حتى نستطيع أن نؤسس ونكوّن دولة ومؤسسات ونفصل السلطات، بل هل نستطيع أن نميز بين أهمية فصل السلطات، ولكن يبقى هناك خلل واضح حتى نميز بين السلطات. نحتاج إلى قوة السلطة الرابعة (الصحافة)، لكي تراقب السلطات الثلاثة، تظل مشكلة الشخصية العراقية مفتوحة لا تحمل (لا)، إن المجتمع العراقي ما زالت تهيمن عليه الثقافة السياسية، وكلكم تلاحظون عدد الصحف السياسية الكثيرة، والحقيقة المجتمع العراقي يحتاج أن يبتعد عن الثقافة السياسية أو إعادة بنائها بشكل مغاير لأن المجتمع العراقي يطلب حلولا أكبر وناجزه.

- صالح زامل (5): نبقى في دائرة شخصية الابن، والشخصية العراقية وانتقال دور الأبوية من الأب إلى الأخ الأكبر، ألا تعتقد وقوف المؤسسة خلف الشخصية كالداعم والساند لها، وهذه المؤسسة تمثلت في السلطة الدينية والسياسية، هذا جانب، أما الجانب الآخر هو صلة الشخصية بالثقافة وخاصة الشخصية العراقية. فتظهر الشخصية العراقية غير هاضمة وغير متمثلة للثقافة، لهذا لا نجد قبول الاختلاف والآخر. أيضا قلما نجد أناس يقرأون ويتمثلون ما يقرأون.

- د.متعب: من الأزمات التي رافقت حركة المجتمع في السابق هو دخول سلطة بدوية على واقع حضري متقدم خاصة بعد 1963، وهذا الدخول يختلف عن 1958 الذي هو دخول الريفية على الحضرية البغدادية، لهذا علينا إيجاد حد لمنع دخول البدوية ثانية ويتوفر هذا الحد في بناء المؤسسات، لأن البدوية تخاف من المؤسسة. لذلك تسعى البدوية إلى ضرب المؤسسة وإقامة البديل عنها.

- حكمت البخاتي (6): إنني أميل إلى أطلاق صفة التوتر على الشخصية العراقية، وأجدها أكثر واقعية من صفة الاستنفار والاستفزاز، كذلك التوتر حاضر في الذهنية العراقية التي تخاطب الإمام الحسين (ع) بـ (الوتر الموتور) أي هذا أن الدم/ الثآر متحفز ومتوتر وعلى أهبة الانفجار، هنا أتساءل الشخصية العراقية من خلال تجارب التأريخ هل هي متوترة أم سكونية؟ بمعنى هل هي صاحبة فعل اتجاه ما جابهته من حوادث وأمور في التأريخ؟ هذا الشطر الأول من السؤال، أما الشطر الثاني، لقد قسمت الشخصية العراقية بين نزوحها إلى البراني والجواني ترى هذا النزوح هل هو صادر من تجربة تاريخية؟ تتمثل دائما بأن حاكم العراق دائماً قادم من الخارج عبر التأريخ، أي من البرانية، ولكن لو حدث العكس وأصبح حاكم العراق من الداخل أي من الجوانية أين يكون الميل؟ يبقى شيء آخر حول ذكر هيمنة الأب، حيث أشرت إن خطأ الأب هو خير، أو أن خطأه وصحيحه خيران مجتمعان.

- د.متعب: إن مشكلتنا في العراق حينما تتساوى الرؤوس نحتاج إلى رأس من الخارج، تبقى مسألة الفلاح العراقي الذي يحمل مأساة غريبة، الذي وجوده عبر التأريخ العراقي وجود مقلق ومؤذي، وحركته محكومة بحضارات أكثر ما محكومة بأديان، في الجنوب، الحضارات أقوى من الأديان، لا ننسى أن الجنوب (ديره وسلف ونزل)، إن حركة دخول الدين على الجنوب تختلف عن حركته في الشمال والوسط، لذلك نلاحظ أن اليمين أو القسم عند أهل الجنوب ينحصر باثنين الإمام العباس والإمام الحسن (ع) الأول سريع الرد والإجابة والثاني كريم في العطاء بالنسبة للسكونية والتوترية في الشخصية العراقية، الشخصية العراقية خزّانة، لهذا هي سكونية في الظاهر متوترة في الداخل، وهي أيضا مؤجلة عكس الشخصية الغربية معجلة، وتأجيل الشخصية العراقية يتوافق مع هيمنة ثقافة الأب، بالمناسبة أننا لا نعرف كيف نضحك؟ أنا أتذكر أيام دراستي في نيويورك كانوا يعلّمون الأفارقة كيف يضحكون.

* أستاذ علم الاجتماع كلية الآداب/ جامعة بغداد.


1- باحثة في العلوم السياسية.

2- باحث في الشؤون الاسلامية.

3- باحث في التاريخ ومهتم بالفن التشكيلي.

4- مدير مكتب مجلة النور ببغداد.

5- باحث أكاديمي وناقد أدبي.

6- كاتب ومهتم بالشؤون الاسلامية.