ردك على هذا الموضوع

موازيـن الحكمـة

د. نجود هاشم

 

النصوص المختارة هذه، تقف خلفها ثلاثة مصادر عقلية مختلفة، ولكن يجمعها ضابط واحد يكاد يكون مشتركاً فيما بينها، ألا وهو ضابط المبادئ والأخلاق الإسلامية السليمة، التي لم تتسرب إليها البدع بعد.

في النص الأول، يؤسس النبي محمد (ص) معايير جديدة في زمانه للعلاقات الاجتماعية، ويؤسس أعرافاً لسياسة المجتمع من قبل النظام السياسي، الراعي الرسمي للمجتمع، فهو عليه الصلاة والسلام بعد أن يمنحهم ما يريدون يأخذ منهم ميثاقاً للتحالف، وردّ العدوان؛ لأنّ الأصول الأخلاقية تقتضي أن يحصل هذا التحالف. ويؤسس الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، فلسفة للحياة مستوحاة من المثل والأخلاق الإسلامية. وتتمثل هذه الفلسفة في(الزهد) في الدنيا وملذاتها، لأنها زائلة وقصيرة، وأنّ ما في الآخرة هو الأطول والأخلد والباقي. وفي وصيته (ع)، يؤكد جملة مسائل كالتقوى، ومداومة العلم، والإيمان بالموت. ويكشف الحسن بن زيد عن سياسة لا تترد في تحقيق العدالة في المجتمع، ولا تأخذها في الحق لومة لائم.

النصوص

1- سياسة المجتمع:

وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوم من بني عامر يستأذنه في المرعى حول المدينة فقال عليه السلام: إنها ديار لا تضيق على جارنا، وإن جارنا لا يظلم في ديارنا، وقد ألجأتكم الأزمة فنحن نأذن لكم في المرعى ونشرككم في المأوى على أن سرحنا كسرحكم ولا تعينوا علينا بعد اليوم، فقال: فإنما هي العرب تطلب آثارها وتشفي ذحولها، فقال عليه السلام: يا بني عامر: أما علمتم أن اللؤم أن تنحاشوا عند الفاقة وتثبتوا عند العزة، فقال: وأبيك أن ذلك للؤم ولن نبغيك غائلة بعد اليوم، فقال: اللهم اشهد وأذن لهم. الإمتاع والمؤانسة ج1/98

2- فلسفة الحياة:

من خطبة للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: {انظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها، الصادفين عنها فإنها واللهِ عما قليل تزيل الثاوي الساكن وتفجع المترف الآمن. لا يرجع ما تولّى منها فأدبر، ولا يُدرى ما هو آتٍ منها فينتظر. سرورها مشوب بالحزن فلا يغرنكم كثرة ما يعجبكم فيها لقلة ما يصحبكم منها. رحم الله امرئا تفكر فاعتبر واعتبر فأبصر... العالم من عرف قدره وكفى بالمرء جهلاً ألاّ يعرف قدره}. نهج البلاغة ج1/ص197ـ198

3- ميزان الأخلاق:

ومن وصية لابنه االإمام لحسن عليهما السلام:

{أي بني: إني لما رأيتني قد بلغت سناً ورأيتني أزداد وهناً بادرت بوصيتي إليك، وأوردت خصالاً منها قبل أن يعجل بي أجلي دون أن أفضي إليك بما في نفسي، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبّك لتستقبل بجد رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته فتكون قد كفيت مؤونة الطلب....اعلم بني أنّ أحب ما أنت آخذ به إليّ من وصيتي تقوى الله والاقتصار على ما فرضه الله عليك والأخذ بما مضى عليه الأولون من آبائك والصالحون من أهل بيتك.

اعلم أن مالك الموت هو مالك الحياة وأن الخالق هو المميت وأن المغني هو المعيد وأن المبتلي هو المعافي وأن الدنيا لم تكن لتستقر إلا على ما جعلها الله عليه من النعماء والابتلاء والجزاء في المعاد أو ما شاء مما لا نعلم فإن أشكل عليك شيء من ذلك فاحمله على جهالتك به فإنك أول ما خُلقتَ خُلِقتَ جاهلاً ثم علمتَ، وما أكثر ما تجهلُ من الأمر ويتحيّر فيه رأيك ويضل فيه بصرك ثم ينصره بعد ذلك.

يا بني: اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك فاحبب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها ولا تظلم كما لا تُحب أن تظلم وأحسن كما تحب أن يحسن إليك واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك واعلم أن الإعجاب ضد الصواب وآفة العقول، فاسعَ في كدحك ولا تكن خازناً لغيرك}. نهج البلاغة ج3/ ص40ـ 41.

4- ميزان العدالة:

يروى أن الحسن بن زيد لما ولي المدينة قال لابن هرمة: إني لست كمن باع لك دينه رجاء مدحك، أو خوف ذمك، فقد أفادني الله بولادة نبيه الممادح، وجنبني المقابح، وإنّ من حقه عليّ ألاّ أغضي على تقصير في حقه، وأنا أقسم بالله لئن أوتيت بك سكران لأضربنّك حدين: حداً للخمر، وحداً للسكر، ولأزيدنّ لموضع حرمتك بي، فليكن تركها لله تعن عليه، ولا تدعها للناس فتوكل إليهم، فنهض ابن هرمة وهو يقول:

نهاني ابنُ الرسولِ عن المدامِ وأدبنـي بآداب الكــــــــــــــــــرامِ

وقال لي اصطبرْ عنها ودعْــــها لخوفِ اللهِ لا خوفِ الأنامِ

الكامل/ للمبرد ص 208.