ردك على هذا الموضوع

سايكولوجية رسوم الأطفال

في المدارس الابتدائية

كاظم صوب الله الجيزانـــي*

 

إن الحديث عن الطفولة والأطفال يأخذ حيزاً كبيراً في مجالات الدراسات النفسية في المجتمع الحديث الذي قطع شوطا كبيرا وضخما في هذا المجال حيث أصبحت صحة الطفل النفسية تشكل هما يواجه علماء التربية والمعلمين والمربين والأسر والقيادي في المجتمع على حد سواء لما يمتلكه هذا الموضوع من أهمية بالغة في تكوين شخصية الطفل ومستقبلة وميوله وأفكاره لكونه عماد المستقبل والقائد للمجتمع بعد حين. ومن هذا المنطلق حاولت في هذه الدراسة التعرف على جانب مهم يمكننا الإطلال من خلاله على عالم الطفولة في العراق الذي عانى ما عاناه من حرمان وقهر قلما نجد نظيره في العالم الحديث، وبما أن الفن يلعب دورا مهما في حياة الإنسان على مختلف مراحله العمرية، إذ يستطيع الإنسان الفنان من خلاله إعادة توازنه الضروري والعقلي، وبما أن العملية الفنية هي عمليه إسقاطية يلجا إليها الإنسان الفنان عندما ينتابه شعور بالضيق والتوتر أو لغرض الهرب من المشاكل الحياتية. ويمكن القول إن العملية الإبداعية هي عملية لاشعورية أساسا أي لا تخضع لمنطق العقل والإدراك الحسي أي أنها اعلى من مستوى المدركات المحسوسة تصل بالفنان في بعض الأحيان إلى مرحلة الابتعاد عن العالم والمادة بكل صنوفها أي الابتعاد الروحي، ومن هذا المنطلق الفلسفي والواقعي للعملية الإبداعية نجد أن عالم الطفولة هو اقرب إلى هذه المرحلة من غيره لكون مدركاتهم العقلية لم تكتمل بعد ، فالطفل الذي يخطط بالقلم على الورقة في سن الثانية مثلا يكون سعيدا جدا، إذ لا يرتبط عملة بشي من الحقيقة ألا التمتع بالحصول على قسط كبير من السعادة والراحة.

من هنا يمكن القول إن الرسم يشكل للطفل نعمة عندما يجد فيه تعبيراًً عن شخصيته وحريته وأفكاره حيث (لا عيب ولا ممنوع ولا كسر أو تحطم)، إن سعادة الطفل لا تعتمد على توفير المزيد من الألعاب أمامه أو إعطائه كل ما يريد وتلبية رغباته كلها بقدر ما تعتمد على مزيد من الحب والفهم لخبراته البسيطة نسبيا والتي يستطيع القيام بها، فقد يهتم الطفل بلعبة جديدة لكونها جديدة ولكن لا يسعفه خياله لاستعمالها بطرق مختلفة أو تشكيلها بإشكال متنوعة فتتلاشى هذه اللعبة سريعا دون أن تكسب رضاه في حين أن مواد الرسم تسعف خياله النقي المحصور بعوالمه الخاصة ، فتعاود الورقة البيضاء لعبتها القديمة بإغراء كل من عجز عن التعبير عن نفسه لممارسة لعبة الرسم هذه اللعبة التي يكون فيها نزيف الطاقة الجسدية شبه معدوم مقارنة بالطاقة النفسية المبذولة في ابسط عملية رسم، إذ تصبح عملية الرسم هنا عملية إسقاطية هدفها الأول تفريغ الشحنات النفسية عكس ما يحدث في عملية اللعب المادي الذي يرى فيه علماء النفس انه عملية تفريغ لطاقة الجسم الفائضة عن الحاجة في جسم الطفل.

لقد أثبتت الدراسات الحديثة أن هناك قدرات فنية إبداعية موجودة لدى الأطفال جميعا، وإن اختلاف وجود هذه القدرات عند الأطفال هو في الدرجة وليس في النوع ويعتمد تواصل هذه القدرات واستمرارها لدى الأطفال على كشفها من قبل الكبار والدوائر التربوية لأجل توسيعها وتفعيلها وإفساح المجالات أمام الأطفال لإظهار قدراتهم الفنية والإبداعية . ومن المنطلق التربوي حاولت في هذه الدراسة البسيطة التعرف على قدرات التلاميذ الفنية ومشاكلهم النفسية من خلال قراءة رسومهم.

ومن اجل إتمام العملية الدراسية أخذت عينة من تلاميذ الصف الثالث الابتدائي في منطقتين من مناطق بغداد الأولى تعد فقيرة مادياً وهي منطقة (الشعلة) الشعبية والثانية (منطقة المنصور) والتي تعد من الإحياء الغنية في بغداد، وبواقع ثلاث مدارس لكل منطقة.

وقبل الولوج في عالم التفسيرات النفسية والتربوية لرسوم الأطفال يجب التعرف على مراحل رسوم الأطفال في المرحلة الابتدائية.

مراحل رسوم الأطفال في المدارس الابتدائية

لدراسة فنون الأطفال يجدر بنا أن نتتبع نموها من الولادة حتى سن السابعة عشرة، إذ تمكن بعض الباحثين في هذا الميدان من تقسيم سلم النمو الفني عند الأطفال إلى عدة مراحل نوردها على النحو الآتي:

1- مرحلة ما قبل التخطيط:

تبدأ هذه المرحلةً من الولادة إلى سنتين تقريبا وتعد المرحلة ما قبل التخطيط مرحلة إعداد وتحضير للمراحل السابقة فمن الملاحظه أن الطفل في هذا السن ليس لديه سوى الرغبة في التعبير عن نفسه وعما يحيط به برموز خاصة غير شائعة أو موحدة بين الأطفال. لذا القول بأن طفل هذه المرحلة له اتجاهات معينة عند التعبير عن نفسه، وواجبنا أن نهيئ له من الخامات والأدوات اليسيرة التشكيل كالورق والطباشير ما يحقق له هذه الرغبة حتى تتضح رموزه ويصبح لها اتجاهات معينة وموحدة بين الأطفال جميعا وذلك في سن الثانية تقريبا.

2- مرحلة التخطيط:

تبدأ من سنتين إلى (4) سنوات تقريباً عندما يبلغ الطفل سن الثانية تقريبا يلاحظ أنه عن طريق الصدفة رغبة منه في تقليد الكبار يأخذ بعمل تخطيطات غير منظمة، أي تخطيطات في اتجاهات مختلفة وهي في الغالب لا تنم عن شي سوى عن بعض الإحساسات العضلية أو الجسمانية. ولكن بعد فترة من الزمن نلاحظ أن هذا التخطيط غير المنظم يبدأ في التطور حتى يأخذ مظهرا نظاميا خاصا أما أن يكون التخطيط أفقياً أو رأسياً أو مائلاً ويعد هذا التطور تقدم في إدراك الطفل للعلاقة بين حركات يديه وبين آثارها على الورق والجدران. وفي حوالي السنة الثالثة يتطور التخطيط إلى شبة خطوط دائرية. أما في سن الرابعة يبدأ تعبير الطفل إذ تتحول من الإحساسات العضلية والجسمانية إلى الخيال الذي يعتمد على التفكير. ويستطيع الطفل في هذه المرحلة التعبير عن رسومه بالنطق فيطلق على خط ما (كلمة ماما) وخط آخر (كلمة بابا). وتعد هذه المرحلة بالنسبة لرسوم الأطفال، مرحلة تميز نطقي أو في بعض الأحيان يكون التميز عن طريق اللون.

3- مرحلة تحضير المدرك الشكلي:

تبدأ من أربع إلى سبع سنوات تقريبا، فلاشك أن طفل هذه المرحلة قد نضج عقليا وجسمانيا واجتماعيا عن ذي قبل، ولكل ذلك أثر واضح في تعبيره الفني فبعد أن كانت رموزه في المرحلة السابقة لا تعرف إلا عن طريق التسمية أصبحت الآن محملة بالخبرة معنى أننا نستطيع أن نتبين ما إذا كانت الرسوم تعبر عن إنسان أو حيوان أو غير ذلك مما يحيط بالطفل أنها رسوم تعتمد على التفكير المستمد من الواقع لذلك تمتاز هذه الرسوم بالآتي:

ا- رسوم محملة بالخبرة الواقعية.

ب- رسوم تغلب عليها الناحية شبه الهندسية.

ج- تنوع في رسم العنصر الواحد.

د- اتجاه ذاتي نحو العلاقات المكانية للأشياء.

هـ- استخدام اللون من اجل المتعة والتفرقة بين العناصر.

4- مرحلة المدرك الشكلي:

تبدأ من (7) إلى(9) سنوات تقريبا عندما يبلغ الطفل هذه المرحلة من حياته تكون شخصيته قد تحددت معالمها وذلك بفضل نضوجه العقلي والاجتماعي وأثر ذلك ملحوظاً في تعبيره الفني، إذ نلاحظ أن رسوم هذه المرحلة تتسم بالحرية والتلقائية وتحمل بين ثناياها سمات أصحابها الميزة لكل منهم، هذا فضلا عن بعض الاتجاهات الأخرى الشائعة بين الأطفال ممن هم في هذه السن، يمكن بيانها فيما يأتي:

ا- التكرار في الرسوم، والمقصود في التكرار في الرسم أي يقوم الطفل في هذه المرحلة بتكرار أشكال معينه دائما.

ب- المبالغة والحذف، في هذه المرحلة عندما يطلب من طفل أن يرسم رجل يركض أو يقفز نجده هنا يبالغ ويضخم السيقان بالقياس إلى بقية أعضاء الجسم.

ج- التسطيح، والمقصود بالتسطيح هنا أن يرسم الطفل رسوما شبه انفرادية لا تحجب بعض عناصرها البعض الأخر كما هو الحال عندما يرسم الطفل منضدة ويوضح أرجلها الأربع.

د- الشفافية، وتعتبر هذه المرحلة مهمة جدا إذ لا يعترف بالحقائق المرئية بقدر ما يعترف بالحقائق الذهنية أو المعرفية عند التعبير فإذا طلب منه رسم طائر يلتهم الحب عبر عن الطائر مظهراً لنا ما في معدته من حبوب على الرغم من أن الحبوب لا يمكن رؤيتها وهي في جوف الطائر.

هـ- الجمع بين المسطحات المختلفة في حيز واحد، في هذه المرحلة، يعبر الطفل عن الجمع بين المسطحات في حيز واحد (أي لاوجود للمنظور هنا) فمثلا عندما يريد أن يرسم وجها فنجده يرسم الوجه من الجانب والأمام في نفس الوقت.

و- الجمع بين الأمكنة والأزمنة المختلفة في حيز واحد. في هذه المرحلة يقوم الطفل بالتعبير القصصي عن موضوع الرسم أي يرسم الموضوع تسلسليا مثلاً يقوم فيرسم طفلة تذهب إلى المدرسة حيث يقوم برسم الطفلة في حلة النوم وبعد ذلك يعمد إلى رسم نفس الطفلة على جزء أخر من أجزاء الورقة وهي تقوم بغسل أسنانها وبعد ذلك يقوم برسم الطفلة في مكان ثانٍ في نفس الورقة وهكذا إلى دخول الطفلة المدرسة، ويحاول الطفل في هذه المرحلة أخبارنا عن قصة ذهاب الطفلة إلى المدرسة من الألف إلى الياء ليوكد لنا انه تجاوز الجوانب المرئية من المعرفية.

ز- خط الأرض، في هذه المرحلة يقوم الطفل برسم خط افقي على سطح الورقة يعبر به عن الأرض التي يرتكز عليها فإذا كان هذا المشهد لسوق أو قرية عبر عن الأشخاص والحيوانات والأشجار في نهاية كل منها خط أفقي يمثل الأرض التي يقف أو يسير عليها.

5- مرحلة محاولة التعبير الواقعي:

تبدأ من 9 إلى 11 سنة تقريباً واهم محاور هذه المرحلة:

ا- التحول من الاتجاه الذاتي إلى الاتجاه الموضوعي.

ب- التمسك بالعلاقات والمظاهر المميزة للأشياء.

ج- اختفاء بعض الاتجاهات السابقة (مثل المبالغة والحذف والتسطيح وخط الأرض).

6- مرحلة التعبير الواقعي:

تبدأ من 11 إلى 13 تقريبا وتتسم هذه المرحلة بالآتي:

أ- قلة الإنتاج.

ب- ظهور القدرات الخاصة عند التلميذ.

ج- الاتجاه البصري.

د- الاتجاه الذاتي.

وبعد هذا العرض الموجز لأهم مراحل رسوم الأطفال في المرحلة الابتدائية، تأتي عملية تحليل رسوم تلميذ الصف الثالث الابتدائي في منطقتين من مناطق بغداد الأولى تمثل احد الأحياء الشعبية ( الفقيرة) والثانية تمثل أحد الأحياء الغنية والمترفة وبواقع ثلاث مدارس لكل منطقة.

فقد قمت بزيارة ثلاثة مدارس في الشعلة من أجل بحث أثر البيئة في رسوم الأطفال حيث طلبت من تلاميذ الصف الرابع الابتدائي بأن يقوموا برسم أي شي يرغبونه دون قيد أو شرط حيث قام التلميذ بعملية الرسم. وكررت العملية في منطقة المنصور فطلبت نفس الطلب من التلاميذ. وبعد الفحص الدقيق والعلمي لرسوم الأطفال كانت النتيجة التالية في مدارس منطقة الشعلة.

كانت اغلب رسوم تلميذ هذه المنطقة تتسم بالتالي:

1- الرسوم مكتظة بالشخوص، ويعود السبب في ذلك الكثافة العالية لسكان المنطقة.

2- اكتظاظ الرسوم بالبنايات المتراصفة الخالية من الألوان الزاهية.

3- اغلب الخطوط مستقيمة ومتكسرة في بعض الأحيان ولا توجد أي خطوط منحنية، والخط المستقيم يشير في بعض الأحيان إلى نوع من الصلادة والقوة وأن عدم وجود الخطوط المنحنية في أغلب الرسومات الأطفال يؤشر عدم المرونة في التعامل وضيق الأفق الجمالي (لكونه يعيش في بيئة مكتظة بالناس والبنايات).

4- أغلب الألوان المستخدمة في رسوم الأطفال هي الألوان الداكنة فاللون الجوزي والذي يعبر عن الكبت والحرمان واللون الأسود للتعبير عن الكآبة والمحاصرة، ويمكن القول بـ أن الألوان المستخدمة كالأحمر والأخضر والبنفسجي لا يمكن دراستها لكونها (باهتة وغير مركز فيها).

5- لا يوجد أفق وفراغ في الرسم ( أو فضاء ).

أما مميزات رسوم الأطفال في منطقة المنصور كانت على النحو الآتي:

1- أغلب الرسوم غير مكتظة بالشخوص وربما اختصره على طفل أو طفلين وسبب ذلك كون الأطفال في هذه المناطق يعيشون في بيوت كبيرة ولا يختلطون مع اقرأنهم ولا يلعبون في الشارع.

2- دائما يوجد أفق في أعلى الرسم (فضاء).

3- لا وجود لتراصف البنايات بل وجود في بعض الأحيان بيت أو بيتين محاطة بالأشجار والزهور، وهنا يحاول الطفل أن يرسم الواقع الذي يعيشه.

4- في بعض الأحيان توجد خطوط مستقيمة للضرورة الفنية أو حتمية الرسم ولكن هناك دائما أثر للخطوط المنحنية والتي تشير إلى مرونة وسهولة في التعامل.

5- أغلب الألوان المستخدمة في الرسوم هي الأحمر والذي يعبر عن طاقة انفعالية قوية أو في بعض الأحيان صحة جسدية جيدة (أو أنه في بعض الأحيان يعبر عن الحاجة إلى الدفء والمحبة والمودة) واللون الثاني هو اللون الأصفر والذي يعبر عن الفرح والسرور أما اللون الثالث الأكثر هو اللون الأخضر والذي يعبر عن ترتيب أو تنظيم (وليس كبت) وفي بعض الأحيان يعبر عن توازن الشخصية وكما يعبر عن النمو والتجدد في الحياة، أما اللون الأزرق والذي يوجد في بعض الأعمال الذي يعبر عن الانفعالات الساكنة والمستقرة والهادئة والمسيطر عليها بشكل جيد. مع ملاحظة هامة جدا هي أن رسوم الأطفال دائما نظيفة وألوانها زاهية.

وفي ختام هذا البحث يمكن الإشارة إلى أهم التوصيات، وهي كالآتي:

1- يجب الاهتمام بدرس التربية الفنية في كافة المدارس الابتدائية وحتى الثانوية لكونه يوفر أرضية ممتازة وجيدة وملائمة يستطيع من خلالها الأطفال في كل المراحل والمناطق التعبير فيه عن رغباتهم وميولهم وكذلك التعبير عن ما يعانونه من كبت وحرمان.

2- يجب على معلمو التربية الفنية في المدارس كافة أن يتركوا الطفل يرسم ما يحلو له لكي يستطيع التعبير عن مشاعره الداخلية.

3- يجب أن يوفر الأهل للتلميذ الألوان والورق وغيرها من مستلزمات الرسم.

4- يجب أن يكون معلم أو مدرس درس التربية الفنية متخصصا في التربية الفنية و أن يطور نفسه في هذا المجال من خلال القراءة الخارجية.

5- يجب على أدارة المدارس توفير قاعات الرسم (المرسم) في كل مدرسة.

* باحث الأكاديمي

 


1- د. قاسم حين صالح، الإبداع في الفن.

2- محمد حسين جودي، قضايا في الفن والتربية الفنية.

3- هربرت ريد، تربية الذوق الفني.

4- د. حمدي خميس، طرق تدريس الفنون.

5- نعيمة الشماع، الشخصية.