ردك على هذا الموضوع

العراق ومناشئ الصراع

د.حسين درويش العادلي

لا ريب أنَّ الصراعات على تنوعها الفكري والسياسي والمجتمعي، تُعتبر إحدى أهم العوامل البُنيوية المُشتتة للوحدة والتناغم والتقدم المجتمعي الشامل، وكلما تجذّرت مناشئها وعواملها وتداخلاتها ودوائرها، كلما اتسعت مساحة نتائجها الكارثية، وهذا ما عانته وتعانيه ذاتنا الوطنية العراقية في عهودها السالفة وأزمنتها المعاصرة، وهو ما نتخوف من ترسباته في مراحل تجربتنا العراقية القادمة.

نقول: تميزت الذّات الوطنية العراقية خلال العقود الحديثة بأزمة الصراع وفق أنساق متعددة، تجلّت بجملة من الصراعات الداخلية والخارجية التي أخذت بالتعبير عن نفسها في أكثر من مقطع من عمر الدولة والمجتمع العراقي، وبالذات في بُنيتهما الذاتية وما نتج عنهما من تجارب على مختلف الصُعد.

ولأنها ذاتاًً مأزومة بالصراعات المستديمة في بُعدها الذاتي وما يترشح عنها خارجياً، فقد غدت مركز التقاطع الإستراتيجي الذي تتمحور حوله الصراعات السياسية والإقتصادية الإقليمية والدولية، وعلى ضوء ما سيستقر عليه الحال العراقي، ستتحدد بالتبع ملامح المنطقة والنظام الإقليمي والعالمي القادم، ولعل سر تدويل القضية العراقية ناجم عن تداخل قضاياها وقضايا الصراعات الإقليمية والدولية في عناوينها السياسية والإقتصادية والثقافية.

من هنا، فإنَّ إدراك طبيعة ومناشئ الصراع العراقي في تعبيراته الذاتية في الوقت الذي سيُحدد مستقبل بلدنا بعد عقود البلاء التي مُني بها بسبب هذه الصراعات المتوالية، فإنه في نفس الوقت سيمتد شعاعه سلباً أو إيجاباً إلى المنطقة والعالم بأسره.

إنَّ إثارتنا لمسألة الصراع هنا يستهدف تركيز الإهتمام النخبوي والمجتمعي بأهمية النهوض النوعي لإجتثاث مناشئ وجذور الصراعات التي ميّزت تجربتنا العراقية الحديثة وصولاً لواقع أمثل يسوده الوئام والتعاون والوحدة، فعلى ضوء تعاطينا العملي مع أصول ومقومات هذه الصراعات سنرسم دورنا ومستقبلنا وحدةً أو تشرذماً سيادةً أو وصايةً تقدماً أو تقهقراً، وما مثال الصومال أو لبنان ببعيدٍ عنّا !! فالصومال أنهكته الصراعات القبلية والحزبية فانهارت الدولة من الأساس لتغدو البلاد ساحة حرب ومناطق نفوذ تتقاسم الأرض والسيادة والموارد على طريقة الميليشيات والعصابات المؤدلجة !! ولبنان أحالت صراعاته الدولة إلى كانتونات طائفية وسياسية مُعلنة ففُصّل الدستور ومؤسسات الحكم على أقيسة طوائفه ونفوذ بيوتاته!!

والفشل في خلق دولة متماسكة ومجتمعٍ موحد لهو فشل عام لا تُستثنى منه أية قومية أو طائفة أو سلطة أو حزب أو نُخبة في أية تجربة، إنه تعبير عن فشل منظومات التعايش والمواطنة والمصير المشترك، ومثل هذا الفشل لا تعود آثاره السلبية على شريحة أو نُخبة معينة بل هو فشل للإنسان والمجتمع والدولة وعلى جميع المستويات،.. وعليه نؤكد أنَّ مسؤولية حل الخلافات والصراعات بما يضمن سلميتها والتزامها بالأنظمة العامة والقواسم الوطنية والمصالح العُليا، لهي مسؤولية عامة ستعود بالنفع والعطاء لجميع مواطنينا،.. إنَّ أكثر المجتمعات وحدةً وسيادةً ورُقيّاً تلك التي استطاعت فك شفرات نزاعاتها وصراعاتها الذاتية وفق أنساق من البُنى والتنظيمات والطروحات الجذرية الضامنة للحياة العادلة والمتكافئة والمتقدمة.

تعريف الصراع

يقف الصراع كمفهوم وممارسة بين مستويين، الأول : الإختلاف الطبيعي منه أو المصطنع، والناجم عن التباين في العقائد أو الرؤى أو المصالح بين الجماعات الإنسانية، وهنا فإنَّ الفشل في إيجاد مساحات من الفهم والقبول والتناغم المشترك يُحوّل الإختلاف إلى صراع بين تلك الجماعات للدفاع عن ذات ومصالح كل طرف.

والمستوى الثاني: الأزَمة، وهي مرحلة متقدمة ومعقدة من الصراع بين المجموعات المختلفة يصل بها إلى حد الإقتتال أو الإنهيار العام للنظام الإجتماعي.

إذن فالصراع هو : النِزاع الناتج عن الإختلاف جرّاء تباين الرؤى والعقائد والأفكار والبرامج والمصالح بين مجموعتين أو أكثر، وقد يكون مُبرراً كما في صراع الشعوب مع أنظمتها المستبدة، أو يكون غير مُبرر كما في الصراعات الإثنية والطائفية داخل أُطر المواطنة والوطن الواحد، وهنا فجوهر حركية الصراع يتولد من الإختلاف أولاً والفشل في تسويته أو إبداع الحلول المناسبة له ثانياً، وهو جذر الأزمات التي تعصف بكيان المجتمع والدولة وتُنذر بتفككهما.

وتدخل العديد من العوامل الثقافية والإجتماعية والسياسية في تفعيل الصراعات وتفجيرها، أو احتوائها ضمن الأنساق المقبولة، من هنا كانت لدينا صراعات سلمية تتأطر بالحوارات والإختلافات المقننة دستورياً وقانونياً، وصراعات عنيفة دموية لا تلتزم بأي إطار تشريعي أو أخلاقي منضبط.

ولا نريد هنا تناول الصراع من زاويته الإنسانية كمنظومة تداخل وتشابك وترجيح بين نوازع النفس ورغباتها وأمانيها وصولاً لتحقيق ذاتها في الواقع الخارجي، ولا نرغب أيضاً بتناول الموضوع من جهته الفلسفية في تبيان طبيعة الصراعات القائمة على قواعد الإختلاف والتفاوت المُنتج للحركة الإنسانية،.. بقدر ما نود التأكيد بوجود الصراعات كحقيقة قائمة تتباين شدةً وضعفاً،حضوراً وغياباً بين مختلف الجماعات الإنسانية، وهو ليس حكراً على مجتمعنا فحسب، حيث لا وجود لمجتمعٍ إنساني خالٍ من الصراعات على تنوعها، فطبيعة وحركية الحياة البشرية تُنتج الإختلاف والصراع والأزمة كسُنّة جرّاء تباين العقائد والرؤى والطموحات والمصالح بين الأفراد والجماعات والدول، ولكن المعضلة تبقى في طبيعة الفهم للتنوع الإختلافي بين النّاس والجماعات الإنسانية، وفي إبداع أمثل السُبُل القيمية والقانونية والأخلاقية لإحتواء هذا الإختلاف والتباين للحيولة دون تفجّره كصراعات تصفوية ودموية وتخريبية وكارثية تستأصل التناغم والتآلف والتكامل الوطني أو الإنساني.

إنَّ المُستغرب ليس هو الإختلاف والتباين وما قد يُنتجه من مستويات الصراع العقلائي والمتأطر بالضوابط القيمية والقانونية العامة، فهو في حقيقته جوهر يُنتج الحركية والإبداع في ساحة الحياة، فالمماثلة في الصورة والمضمون يقضي على إمكانية نشوء الحياة بالتبع،.. ولكن المُستغرب هو الفشل في تفهم قواعد هذا التباين ومزاياه وأهدافه، والفشل في تقنينه وضبطه ضمن مسارات ومرتسمات صالحة وأخلاقية وذات نفعٍ عام ومشترك لا تمييز أو ظلم أو إقصاء فيه.

تنوع الصراع..

تنقسم الصراعات إلى صراعات داخلية ضمن إطار المجتمع والوطن والدولة الواحدة كالصراعات السياسية والعِرقية والطائفية..الخ، وصراعات خارجية كما في صراع الدول على خلفيات وتنازعات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية.

وهناك صراعات داخلية دموية واستئصالية، وأُخرى سلمية لا تخرج عن التشريعات الضابطة للاختلاف والتباين كما في اختلاف الأحزاب والأعراق والطوائف فيما بينها، إذ تنجح منظومات المجتمع الملتزم والواعي وديناميكية وأنظمة الدولة الراقية في حل الإختلافات والصراعات وفق أُطر التعايش المشترك والتناغم المتبادل والمشاركة الحقيقية في إدارة المجتمع والدولة والبلاد،.. وهناك صراعات خارجية تحتكم إلى الأنظمة الدولية والإتفاقات الإقليمية والمعاهدات الثنائية في تسوية الإختلافات والصراعات، وأُخرى تآمرية وتخريبية تصل لحد إعلان الحروب كنتيجة لتفاقم الصراعات غير المنضبطة بين الدول.

كما أنَّ هناك صراعات شخصية وأُخرى فئوية، عفوية أو مُنظّمة، وقتية أو مُستديمة، كامنة أو ظاهرة، مُعقدة أو بسيطة..الخ، إذ تتنوع الصراعات حسب تنوع جوهرها ومرتكزاتها وطبيعة القوى التي تدّعيها وتُغذّيها وتشترك بها، وتتباين جرّاء اختلاف أطرافها والأدوات النظرية والعملية المُستخدمة فيها وحجم المال والقوة والسلاح والتأييد المحشود لها، كما للفضاءات القيمية والقانونية والجغرافية تأثيرها الواضح في التعاطي مع أي صراع أو في إدارة أية أزَمة.

أمّا موضوعات الصراع على تنوعه، فهي عامة وغير مُقيدة، إذ يمكن أن يكون أي اختلاف مدعاة للتفاقم ليصل حد الصراع السلمي أو الدموي أو العنيف،.. وعموماً فموضوعاته تتنوع بين ما هو قيمي فيما تعنيه من عقيدة ومُثُل وأفكار ورؤى تنتظم على أساسها حركة المجتمع، وبين ما هو سياسي يخص السلطة والحكم في المشاركة والتداول أو الاستبداد والاحتكار والانفراد بالسلطة، وبين ما هو مجتمعي في تنظيم أطر التعايش العِرقي والطائفي والثقافي، وبين ما هو إقتصادي فيما يخص طبيعة التوظيف للثروات والموارد والإمكانات لمواجهة معضلات سوء التوزيع والعوز والبطالة.. الخ.

مصاديق الصراع العراقي

امتازت تجربتنا العراقية ومنذ تأسيس دولتنا الحديثة 1921م بتفشي أنماط متعددة من الصراعات، تندرج ضمن الخطوط العامة التالية:

أولاً: الصراع الرسمي، والمتمثل بصراع السلطة مع الأُمّة العراقية، وهو نتيجة حتمية لصراع الإرادات والشرعية والمصالح بين السلطة (التي ابتلعت الدولة) وبين المجتمع، فأنتج ذلك الاغتراب والريبة وفقدان الولاء ثم الدخول في نفق الصراعات المتبادلة التي غالباً ما أتت دموية وتصفوية من جهة السلطة لضمان البقاء في الحكم، وعنيفة ومتمردة من جهة المعارضة كونها الأداة الوحيدة في الخلاص من سلطة الإستبداد.

ثانيا: الصراع المجتمعي، والمتمثل بتفشي النـزعات الفردية والذاتية وسيادة الإنتماءات الضيّقة القائمة على الأُسس العائلية والعِرقية والطائفية والقَبلية، وما يُؤسس عليها من أنماط الصراعات القائمة بفعل الولاء الخاص لهذه الأُطر المجتمعية على حساب الولاء الوطني.

ثالثا: الصراع البُنيوي، والناجم عن افتقاد المجتمع للوحدة المضمونية المتمثلة بالإتفاق على مُركّبات بُنيوية تضمن ائتلاف الكُل الإجتماعي على خطوطها العامة لضمان سيادة الإتجاهات الموحّدة والجامعة للتنوع المدرسي والبُنيوي للقوى الوطنية العاملة في حقول الهوية وإنجاز الذات الوطنية.

رابعا: الصراع القيمي والثقافي، والمتمثل بتفاوت الطروحات والبرامج العاملة في دوائر التحديث المجتمعي والتنمية الإنسانية والإقتصادية والثقافية لعموم المسيرة الوطنية، والناجم عن تضارب المرجعيات النظرية والعملية للمدارس العراقية المراد تقنين الواقع القيمي والثقافي على ضوء متبنياتها.

مناشيء الصراع

تستمد الذّات والتجربة الوطنية العراقية أنماط الصراع لديها من المناشئ التالية:

أولا: المنشأ التأريخي، ونريد به اتحاد الذاكرة العراقية بين العراق التأريخي والعراق الحديث اتحاداً ماهوياً في طبيعة الهوية الطائفية والعِرقية والثقافية في اللاوعي العراقي، وذلك عن طريق استدعاء الماضي بثقله وأنساقه وفروضه على الواقع المعاصر دون القيام بعمليات إعادة القراءة والتمثيل لهذا التأريخ في تنوعاته، وتقنينه وفق فروض الواقع الحديث للعراق،.. وكمصداق على ذلك تأتي الصراعات الطائفية (بين ما هو شيعي وسُنّي ) والعِرقية (بين ما هو عربي وكُردي وتركماني) كإنموذج لإستدعاء فعل الذاكرة التأريخية في التعاطي مع الواقع الوطني الحديث.

من هنا نرى، أنَّ الصراع على ادعاء امتلاك الوطن تأريخياً أو احتكار تمثيله لشريحة عِرقية أو طائفية معينة.. تأتي كإنموذج لإنسياق الذاكرة والفعل العراقي الى التأريخ.. وكان من المُفترض هنا أن نضع باعتبارنا التكوين الحديث للعراق المتنوع والفسيفسائي، وضرورة تحكيم استحقاقات هذا التكوين والتنوع القائم بعد تشكيل دولتنا ومجتمعنا الحديث، فالمواطنة كمبدأ وقيمة يجب أن تكون في مقدمة الاستحقاقات الدّالة على الذّات العراقية في ماهيتها الجديدة، بينما نرى أنها تعرضت لإسقاطات العِِرقية والطائفية السياسية والدينية والثقافية لتُصادر بالتبع كقيمة جامعة ومظلة مُوحِدة للكل العراقي، فكان البديل تفشي الصراعات الإثنية والطائفية.

إنَّ إشكالية الصراع القائم على الأساس التأريخي هي في عمقها إشكالية وعي وتمثّل للتأريخ بما يتناغم وفروض حركية الواقع والمستجدات الحادثة فيه، وكأننا هنا رهن استحقاقات الحاضر لحساب التأريخ، لنُعيد دورته عند كل تجربة جديدة!!!

ثانيا: المنشأ الإيديولوجي، ونريد به هنا، الأساس البُنيوي الذي تعتمده التجارب المُنظّرة والرائدة للعمل الوطني بشقّيه الرسمي والمجتمعي،.. وهنا نرى أنَّ الذات الوطنية العراقية مرّت وما زالت بأشد أزماتها وصراعاتها المتوالية جرّاء الإحتكام إلى أُسس بُنيوية متعارضة ومتضاربة تراوحت بين أُسس مستوردة بعيدة عن الأصالة والواقع العراقي (كما في الطروحات السياسية اليسارية)، أو أُسس تمت أدلجتها لتُفرض على الواقع العراقي بالقوة (كما في الطروحات السياسية القومية)، أو أُسس تفتقر لمقومات الوعي لفروض الواقع المتغير والمتطور ( كما في الطروحات السياسية الدينية).

إنَّ الأساس الموضوعي لصراعنا الإيديولوجي هو أساس وإشكالية بُنيوية في حقيقته، إذ لم ننجح في الإتفاق على مُركّب بُنيوي يضمن لنا ولوطننا فروض واستحقاقات الأصالة والحداثة وينتج التنمية الوطنية كقاعدة للنمو والتقدم،.. بل آثرنا التخندق الإيديولوجي دون محاولة البحث عن المشترك في طبيعة مجتمعنا ومستلزمات بناء دولتنا، فقادنا هذا التخندق إلى الصراع الذي كانت حلبته الأولى والأخيرة الحواضن المجتمعية والوطنية على مر تاريخنا الحديث.

وهنا، فإنَّ فشلنا هو تعبير عن غياب منظومة بُنيوية شاملة يعتمدها المجتمع في إنتاج ذاته والدولة في إنتاج ذاتها، تضمن النهوض الشامل بجميع مرافق ذاتنا الوطنية على صعيد الهوية والإنتماء والبناء والتقدم،.. ومثل هذا الغياب أحدث أزمة الصراع مع الذات في بُعدها البُنيوي وما يقوم على أساسها من بناءات سياسية واجتماعية وحضارية.

ثالثا: المنشأ النُخبوي، ونريد به هنا مستويات النُخب الوطنية في أنماطها السياسية والدينية والمجتمعية المالكة والمُسيطرة على مراكز القرار والفعل والقوة الوطنية في تجليات القوة الفكرية والقيادية والمالية والعسكرية،.. وهنا نلحظ إندماجها العام في آليات الصراع التقليدي والحديث سواء في تنظيراتها أو برامجها العملية،.. إذ لم تخرج - إلاّ ما ندر - عن أُطرها الجهوية الضيّقة من قبيل العِرق والطائفة والقبيلة والعائلة، بل أخضعت قناعاتها النظرية لمنطق الأنا الخاصة والضيّقة على حساب النحن والعام العراقي، فكانت أن أنتجت ألواناً من الصراعات الجانبية على حساب صراع المجتمع مع السلطة المستبدة، وهي النُخبة المُفترض ريادتها لبرامج الإنقاذ الوطني الشامل المترفع عن الأنا الخاصة!!

والحقيقة المرّة التي يجب الإعتراف بها، أننا لم نمتلك خطاً وصفاً متقدماً من النُخب الوطنية المترفعة عن خندق العِرق والطائفة والعشيرة والحزب والفئة، وتلك من أشد عوامل توليد الصراعات والفشل في حلها عند استفحالها،.. والحال أنَّ النُخب هي رأس حربة التغيير والتحوّل والتطور فيما تُنتجه من وعي وفيما تُبدعه من برامج تشد إليها قطاعات الشعب في السير والمواصلة والمثال والنموذج،.. بينما نرى العديد والعديد من نُخبنا غدت هي المأزق المُعيق لإنتاج التحوّلات النوعية لمسيرتنا الوطنية، كونها أصبحت جزءاً من آلية الصراعات التقليدية والمُستحدثة سواء في الانتماء العِرقي أو الولاء الطائفي أو التحاصص السياسي أو التهالك المواقعي!!

أضف إلى ذلك، أنَّ العديد من نُخبنا وكوادرنا زادت حمّى الصراعات المجتمعية بسبب غربة طروحاتها الإيديولوجية والثقافية (كما لدى بعض النُخب الفكرية)، وبسبب ركودها وطبقيتها وعدم اندكاكها بالجمهور (كما لدى بعض النُخب الدينية)، وبسبب فرديتها ومطامعها بالسلطة والدولة (كما لدى بعض النُخب العسكرية)، وبسبب أُطرها الضيّقة والأنانية والجهوية (كما لدى بعض النُخب السياسية)، وبسبب قلة وعيها وضعف حسّها الوطني (كما لدى بعض النُخب الإقتصادية).

ويجب ألاّ ننسى - وللأسف - أنَّ العديد من نُخبنا لم تمارس حرصاً على استقلالية الإرادة والإختيار الوطني في بدائلها الفكرية والسياسية والمجتمعية لحل الصراعات الوطنية، بل مثّلت صيغاً أجنبية بزيٍ عراقي !! فزادت من انقسام الذات الوطنية لتُنتج الصراعات تلو الصراعات على أرضية جسور التبعية لما هو غير عراقي انتماءً وولاء!!

وأيضاً، يجب أن نتذكر فشلنا النخبوي في إيجاد أدنى مستويات التنسيق السياسي الحقيقي لكسب الصراع ضد الاستبداد، أو في تنمية الاندماج المجتمعي في أوساطنا، بل العكس نلحظ، إذ أنَّ الجماهير العريضة هي المُبدعة لصيغ التنسيق الميداني في مواجهة السلطة والاستبداد، وهي الخالقة لأجواء التعايش السلمي والأخوي بين أبناء الوطن الواحد على تنوعهم القومي والطائفي والثقافي،.. فالصراع إن حدث في مستوياته الشعبية والمجتمعية إنما هو نتاج النُخب الطائفية والعِرقية والسياسية،.. وتلك مفارقة تدعو للذهول!!

رابعاً: المنشأ السياسي، ونريد به انتفاء الشرعية للسلطة السياسية في بلادنا، كونها لم تنبثق من خلال الإرادة والاختيار الحر للأُمّة العراقية، فأنتج ذلك حالات التسلّط والقهر لتدخل السلطة في صراع مع مجتمعها والمجتمع مع سلطته.

ولكونها فاقدة للتأييد الجماهيري الشرعي والعريض، اتجهت سلطتنا لتبني سياسة الإعتماد على الأقليات العِرقية أو الطائفية أو العشائرية في مسك مفاصل الدولة والسلطة وتفضيلها بالإمتياز والمكانة والتحكّم، لتمنح نفسها قاعدة شعبية تتمترس خلفها في صراعها مع باقي تنوعات الشعب، فغذّت السلطة بذلك الصراعات السياسية والمجتمعية داخل جسد الدولة والمجتمع الواحد.

من جهة أُخرى، فإنَّ احتكارها للدولة والحكم دون أدنى مشاركة سياسية أو شعبية حقيقية، واستخدامها المفرط للقوة والسحق لمعارضيها، أنتج أفدح الصراعات الدموية في كيان الأُمّة العراقية والذي ولّد بدوره العديد من حالات الكوارث المُنتجة للصراعات على تنوعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والذي أصاب كياننا العراقي في الداخل والخارج بأفدح الخسائر.

وأيضاً فإنَّ فرضها لإيديولوجيتها بالقوة على حساب مقومات الأصالة والتكوين الطبيعي للمجتمع العراقي، وتقنين الحياة العامة وفق رغباتها وبرامجها السياسية والإقتصادية والمجتمعية، وتخطيطها وفعلها الدائم في خلق صراعات تحتية بين مكونات المجتمع بين ما هو شيعي وسُنّي وكردي وعربي لضمان سيادتها من خلال منطق فرّق تسُد، وخلقها للصراعات الخارجية الوهمية وما تُنتجه من مفاسد وكوارث على حساب الاستقرار والأمن والتنمية..الخ، كل ذلك أوجد صراعات متعددة ومعقدة للواقع الداخلي والخارجي للبلاد،.. ويكفي أن نُشير فقط إلى التدمير الشامل الذي أنتجته الصراعات العسكرية الخارجية مع دول الجوار والعالم، وهي جزء من تصدير أزمته إلى الخارج لإحكام الطوق الداخلي، وجزء من استراتيجية إضعاف وإنهاك المجتمع داخلياً للحيولة دون قيامه، وجزء من سياسة خلق الأعداء الوهميين لضمان البقاء والنفوذ والتفرد في السلطة والقرار.

إنَّ إشكالية المنشأ السياسي للصراع وما ينتج عنها من صراعات نوعية أُخرى تعود أساساً لإشكالية اغتصاب السلطة والتفرد بالقرار والإدارة الرسمية لعموم التجربة المجتمعية على تنوعاتها دون أدنى مشاركة أو تبادلية أو تداولية في قضايا الحكُم وتسيير الأمور العامة للبلاد، وهي إشكالية الشرعية والتمثيل الصادق والحر للإرادة الجماهيرية.

خامسا: المنشأ الإجتماعي، على أساس أنَّ الصراعات في أبعادها المختلفة هي العلامة الدّالة على تدهور المنظومات التي تعتمدها المجتمعات في صياغة أنسجة علائقها وتنظيم شبكة تعايشها ومصالحها المتبادلة وعموم هياكل تجاربها الرسمية والشعبية،.. فضعف الوعي للذّات الوطنية وبروز حالات الظلم الاجتماعي المتبادل وتفشي أنماط الطبقية وانعدام الشفافية وقلة الوعي بالصالح العام والمسؤولية المشتركة،.. يقود لا محالة إلى الصراعات المؤدية لتمزيق الوحدة المجتمعية والوطنية.

وعلى سبيل المثال، فإنَّ بروز التكتلات العِرقية والتحزبات الطائفية، يُعتبر دليلاً على اندحار أُسس التعايش وثقافة القبول بالآخر، وبالتالي فهو مُؤسس لبؤر التناحر، ومُنذر بتمزق النسيج المجتمعي بما يُخلّفه من صراعات متبادلة للدفاع عن الأنا الخاصة ووجودها ومصالحها،.. وكيف لا يتمزق النسيج المجتمعي وكل عِرق وطائفة تُحاول شد الوطن والسلطة والثروة إلى نفسها في عملية تقابل حاد ومتبادل ؟!! وهنا، فإنَّ الإعتماد على الأنماط التقليدية الضيّقة في صياغة أنظمة التعايش سيقضي على أية صيرورة مجتمعية ووطنية حقيقية يمكن أن تُنتجها بوتقة المواطنة فيما لو سادت ثقافة تحترم التنوع وتعترف بحق الآخر في الوجود،.. من هنا فلا يمكن تغيير التجارب المجتمعية السّلبية إلاّ بتغيير الأُسس التي تسندها النظرة إلى الآخر وإلى التنوع وإلى الوطن فيما يعنيه وما يوجبه.

أنَّ للمجتمعات موتها واندحارها كما للأفراد، واندحار المجتمعات يتمثل بإنهيارها الذاتي جرّاء تآكل مقومات وحدتها وجدّيتها ومسؤوليتها في اليقظة والتصدي والفاعلية، وجرّاء تخليها عن وظائفها في إبداع حركية متقدة قادرة على احتواء الإختلاف وإنتاج معادلات المساواة والعدل والتكافؤ،.. من هنا فالمجتمع هو الولاّد للصراع أو الوئام، وعلى يد وعيه وصلابته تُُنتج دولة عادلة وسلطة هادفة وتجارب متقدمة.

سادسا: المنشأ القُطري، ونُريد به استيعاب حقيقة واقع دولتنا الحديثة المغايرة للعراق التأريخي، والعمل وفق استحقاقات هذه الحقيقة التي لا يمكن تجاوزها بالشعارات والطروحات الحالمة أو المثالية أو الواهمة، وهو أمر سنتجاوز بإقراره والعمل وفق فروضه العديد من الصراعات المتأتية من تشظي الولاء للعراق جرّاء تشتيت هذا الولاء من خلال ربطه بانتماءاتٍ أُخرى أو تعويمه لحساب ولاءات أُخرى،.. وهنا فإنَّ شعار العراق أولاً لا يعني الانغلاق والتقوقع على الذّات وعدم تحري فرص التناغم والتكامل مع المحيط العربي والإسلامي والدولي، بقدر ما يعني وعي الذّات الوطنية أولاً والولاء لها ثانياً والعمل لرفعتها وتكاملها ثالثاً، ثم الإنطلاق لتحري فرص التكامل مع الآخرين،.. فكما لا نُريدُ عراقاً مُستلباً، كذلك لا نُريدُ عراقاً منغلقا.

من جهة أخرى، فإنَّ التشكيل والتكوين لبلدنا على ما هو عليه الآن جاء قسرياً على يد الاستعمار البريطاني كما هو معلوم، ولم يُلحظ في إقرار حدود العراق السياسية والجغرافية وحدته العِرقية أو الطائفية أو الثقافية،.. فبُذِرت هنا بذور الصراعات والتي ساعدت حكومات المستعمر على تأجيجها للبقاء والنفوذ، ومما زاد في أوارها فشل الحكومات الوطنية في إيجاد منظومة مواطنة حقيقية صالحة ومسؤولة وقادرة على صهر هذا التنوع في بوتقة العراق الواحد وبشكلٍ متجانس، وأيضاً أنتجت التيارات والمدارس التي امتلكت زمام الدولة والمعارضة بكافة ألوانها ثقافة التعويم للبعد الوطني كانتماء حقيقي قائم، لحساب انتماءات عامة وحالمة لا وجود لها على الأرض، ودون أن تجعل الإنتماء الوطني في تموضع الفكر والتجربة والولاء أساساً جوهرياً في فكرها وبرامجها، مما أضر بوحدة الوطن وتماسك نسيجه المجتمعي الذي وزّعته الإنتماءات والولاءات العامة المتعارضة في أكثر أنساقها، الأمر الذي أفرز الإنقسام والتصدع والتصارع الوطني بين مدارس وتيارات الوطن الواحد.

إنَّ الإعتراف بحقيقة قيام وثبوت دولتنا، وترويض الفكر والرؤى والبرامج بما يُلائم وينسجم ويتأطر بالأقيسة العراقية، وإبداع الفكر والطروحات والمشاريع المُنتجة لثقافة وطنية تجعل المواطنة والمواطن والوطن أساساً وهدفاً من جميع برامجنا، سيُساعدنا لا محالة في تنحية العديد من أنماط الصراع المُنتج بفعل الفشل في العمل وفق استحقاقات واقعنا الوطني والمجتمعي الجديد،.. فنحن وعلى اختلاف أعراقنا وطوائفنا قد شاء القدر أن نشترك في العيش بهذا الوطن ونتقاسم فيه الهمَّ والأمل والمصير المشترك، وليس لأحدنا إلغاء الآخر أو إقصاؤه أو نفيه أوتجاوز حقوقه، وكل محاولات التعنصر والإنغلاق والتصارع لا تُلغي وجود أحدنا ولن تنفيه من ساحة الوطن وربوع المواطنة،.. فإذا كان تلازمنا قدرياً فما جدوى الصراع إذاً، ولمصلحة مَنْ، وهل له من أفق ؟!! وهنا فإنَّ القبول بحقيقة وجوب تعايشنا وقبول أحدنا للآخر، سيقضي على العديد من الصراعات الناجمة عن التمييز والحرمان والإستبداد.

سابعا: المنشأ الخارجي، ونريد به تدخل العديد من مراكز القوى الأجنبية في إيجاد معادلات الصراع الداخلي سواء بالتدخل المباشر أو من خلال الطوابير المُعلنة والخفية أو من خلال أخطاء وحماقات السلطة فيما أنتجته من تدويل لقضايانا الوطنية جعلت العراق حلبة لصراع الإرادات والنفوذ والأطماع الخارجية،.. كل ذلك أسّس ويؤسّس لصراعات معقدة وعميقة ربطت وتربط مصير بلدنا بجملة من العوامل الخارجة عن إرادته واختياره.

كما نُريد بالمنشأ الخارجي للصراعات : شيوع عدم الاستقرار في محيطنا الإقليمي وتميزه بالصراعات المتواصلة الأمر الذي انعكس وبشكلٍ مباشر على واقع بلدنا باعتباره جزءاً من منظوماته السياسية والإجتماعية والثقافية، فهناك العديد من الصراعات المتأتية من عدم تثبيت الحدود الثنائية مع أكثر من دولة، ومشاكل المياه، ومشاكل التدخل في الشؤون الداخلية، ومشكلة الشعب الفلسطيني، ومشاكل التنمية والإرهاب..الخ، فجميع هذه الصراعات تُلقي بظلالها على واقعنا العراقي.

تجفيف منابع الصراع الكارثي

نقول الصراع الكارثي هنا، لأنَّ الصراع السلمي المنضبط بالأُطر القيمية والأخلاقية والقانونية والوطنية ليس فقط مما لا ضرر كارثي فيه، بل هو إيجابي ضمن سُنن إنتاج الإبداع وتفعيل الحركية الإنسانية في الميادين المختلفة، فصراع الأفكار والرؤى والتجارب هو المُنجز للتحدي والوالد للجديد والمُجذّر للحقائق على تنوعها، فديناميكية الصراع فيما لو تأطّرت بالأُطر الصحيحة ستُنتج جوهراً مجتمعياً ووطنياً نابضاً بالحياة والحركة والهظم والتمثيل والإنتاج، لذا يمكن اعتباره شرطاً للحركية المُبدعة.

أمّا فيما يتعلق بالصراع المنتج للكوارث الإجتماعية والسياسية والوطنية، فهو مما تجب المباشرة الواعية والفعلية لتجفيف منابعه من قِبَل جميع النُخب والشرائح والحركات والمدارس الفكرية والسياسية والإجتماعية، كونه يقود لنحر الأنا الوطنية المُعبّرة عن وجودنا وكياننا العراقي في حاضره ومستقبله.

إنَّ أهم البُنى التي نستطيع من خلالها تفادي الصراعات الكارثية المُهددة لتجاربنا العراقية القادمة، تتمثل بما يلي:

أولاً: الاتفاق على مُركّب بُنيوي يضمن تلاقي خطوطنا المدرسية والسياسية على أرضيته الجامعة والمشتركة، والذي يضمن مصادرة التقابل المنغلق والصراع الحاد بين منظومات كل فريق، وهنا ستتمكن ذاتنا الوطنية من إنجاز وحدتها المضمونية كأساس تستنده في إنتاج الرؤى والبرامج والمشاريع الخاصة بالدولة والسلطة والمجتمع.

والمُركّب البُنيوي الذي نراه ممكناً وجامعاً لخطوطنا السياسية واتجاهاتنا المدرسية، يتمثل بثُلاثي: الأصالة والحداثة والتنمية، كأساس تقوم عليه مجمل بناءات الأنا العراقية في تموضعاتها كافة.

إننا نرى، أنَّ صراعاتنا البُنيوية يمكنها أن تُنتج جوهراً بُنيوياً نوعياً فيما لو انفتح أحدنا على الآخر على أرضية هذا المُركّب، بما يضمن اشتراك خطوطنا المدرسية في إنضاج تجربة وطنية صالحة ومتقدمة ومزدهرة، يجد فيها الكُل ذاته، الديني والقيمي والحداثي في حركية يُكمل بعضها بعضاً دونما أدنى انغلاق أو استلاب أو تخلف أو تقهقر.

ثانيا: الاتفاق على دولة مدنية دستورية ديمقراطية عادلة تضمن تمثل الكُل الوطني على أساس استحقاقات المواطنة في حقلّي الحقوق والواجبات الوطنية، دولة قانونية ملتزمة بحقوق رعاياها الإنسانية والوطنية دونما تمييز عِرقي أو طائفي أو سياسي، دولة تعمل بجد واخلاص لتجسيد التآخي والتعايش السلمي والمثمر، دولة تُفرز سلطات تستمد شرعيتها من مواطنيها من خلال الإنتخاب الحر والتمثيل الحقيقي والصادق.

وهنا، وبإتفاق الكُل الوطني على هكذا دولة وتجربة وطنية، سنضمن قمع الصراعات المتأتية من أزَمة شرعية الدولة، وأزَمة الصراع على إدارة تجارب البلاد على تنوعها، وأزَمة استخدام العنف في إسقاط السلطة أو الوصول إليها، وأزَمة شيوع الإنتماءات والولاءات الضيّقة على حساب الإنتماء والولاء الوطني، وأزَمات الظلم والتمييز والاضطهاد.

إنَّ تجربةً نوعيةً كهذه تتطلب من كوادرنا ونُخبنا وأحزابنا وعياً راقياً وانضباطاً متميزاً وتجرداً عالياً لتمكين هكذا دولة وتجربة وطنية لضمان خلاص أُمتنا ودولتنا من أسن صراعات السلطة وكوارث انعدام الأمن والاستقرار والعدالة،.. وتتطلب من مجتمعنا ضغطاً متواصلاً ومحاسبةً حازمة لدفع أصحاب القرار وروّاد العمل والفعل السياسي لتوكيد تجربةً كهذه، للحيلولة دون تكرار تجارب اغتصاب السلطة والتحكم بمقدرات الأُمّة من خلالها.

إنَّ إبداع دولة وتجربة عراقية بهذا المستوى هو الضامن الحقيقي لسيادة الإستقلال الوطني وامتلاك الإرادة الحُرّة في إدارة تجارب البلاد بعيداً عن الهيمنة والوصاية والنفوذ الخارجي، فتابعية الإرادة والقرار والوجود لصالح القوى الأجنبية إنما هي نتيجة لتفشي الصراعات المُقوّضة لبُنية الدولة والمجتمع، وهو ما يجب تجنبه من خلال إنتاج دولة شرعية عادلة وقوية وفاعلة.

ثالثا: الإتفاق على أولوية برامج التنمية بمعناها الإنساني والمادي الشامل؛ الأخلاقي والمجتمعي والسياسي والاقتصادي والثقافي والعلمي والصحي، لضمان خلق تجربة وطنية أصيلة وراقية ومزدهرة ومتقدمة، يمكننا من خلالها قبر الصراعات المتأتية من بؤر التخلف والأُمية والجهل والفقر والمرض والحاجة، وهي صراعات تحتية لا يمكن أن تستقيم معها مشاريع الوحدة والسيادة والإستقرار دون التصدي لحلها جذرياً وفق رؤى وخطط وبرامج تنموية شاملة.

رابعا: التعاهد على الشروع بحملة وطنية شاملة تستهدف وضع أُسس وبرامج مشروع المجتمع المدني الحي والمتحرك والمنبعث أصالةً وحيويةً وتنظيماً وجاهزية، بما يضمن إقصاء الصراعات الناتجة عن الأنماط المجتمعية التقليدية في الفهم والحركة والتأطّر.

وأيضاً، لابد من الشروع لتمكين ثقافة مجتمعية يسودها التسامح والسلام بما ينفي صراعات استئصال الآخر وتصفية الخصم، وإرساء ثقافة الحوار والإنفتاح والإلتزام بالضوابط القيمية والقانونية في إدارة الإختلاف والحيلولة دون وصوله إلى حد الأزمة والتناحر والاقتتال، والنهوض الجاد لتحقيق ثقافة مجتمعية تتصارع بورقة الانتخاب بدل البُندقية، وبالكلمة اللائقة والفكرة الهادفة والحوار المتمدن بدل اللعن والطرد والنفي والتآمر والإقصاء،.. وأيضاً الشروع في ترسيخ ثقافة ناهضة نافية لحالات الاسترخاء والاتكالية والمزاجية والعشوائية واللامسؤولية سواء في تنظيم حركة الحياة العامة أو في ممارسة الدور تجاه الدولة والصالح الوطني العام،.. فهذه وتلك من برامج الوعي والثقافة والتأسيس ستمكننا من إنتاج ذاتنا الوطنية الجديدة بما يؤهلها للبناء والبقاء.

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

العــدد 71

إتصــلوا بـنـــا