ردك على هذا الموضوع

لقاءات

أجوبة المرجع الديني الأعلى سماحة آية الله العظمى

الإمام محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)

حول مختلف مسائل العنف واللاعنف

- مستلّة من عدد من مؤلفات سماحته حول الموضوع -

إعداد وتقديم: الشيخ علي الشمري -كندا، الشيخ مكي آخوند -أمريكا

السلم والعنف كانا ومازالا ذوي علاقة مباشرة بتاريخ البشرية، فالأول كان العامل الذي هيأ للبشرية الرقي والمجد، والثاني كان السبب في انهيار ما بنته البشرية وحققته من إنجازات على كافة الصعد.

لذا فقد أولى الإسلام هذين الموضوعين اهتماماً خاصاً وعناية مركزة. ومن هنا نكتشف تركيز الإمام الراحل، المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي(قدس سره) في خطبه وتأليفاته وتوجيهاته على ضرورة الالتزام بنهج السلم كقاعدة أساسية في التعامل الاجتماعي والسياسي وفي مختلف المجالات -كما في سيرة الرسول الأعظم (ص) والأئمة الأطهار (ع) - وتحجيم ظاهرة العنف، كحالة تخلف ووسوسة من وساوس الشيطان، ونفثة من نفثاته الخطيرة لهدم العلائق الخاصة والعامة في كل المحاور.

وفي سلسلة الحوارات التي كانت أجرتها المؤسسة العالمية للحضارة الإسلامية مع عدد من مراجع الدين حول مختلف الأمور المتعلقة بظاهرة العنف وما إذا كانت هنالك علاقة - كما يزعم البعض - بين الإسلام وهذه الظاهرة - كانت هذه الأسئلة حاضرة أمام فكر الإمام الفقيد الراحل المرجع الديني الأعلى الإمام الشيرازي (قدس سره) وهي تبحث في العشرات من مؤلفاته وفي مختلف موضوعاتها لتجد فيها ضالتها.


وفيما يلي نص الأسئلة مع الأجوبة التي استخرجت من عدد من كتب الإمام الراحل -أعلى الله مقامه الشريف-.

 بسم الله الرحمن الرحيم

س1- ما هو تصوركم لكل من المفاهيم التالية: العنف - اللاعنف - الإرهاب؟.

ج- إذا كان الشعار هو العنف فإنه يفقد الشرعية عند الناس.

شعار الإسلام هو السلام، ولذا إذا التقى المسلم بآخر قال له: السلام عليكم، ويجيب: عليكم السلام، وكما يبتدئ بالسلام على أخيه، كذلك حين يختم زيارته، ويسمى بسلام الوداع، فإذا أراد الزائر أن ينصرف يقول: السلام عليكم، أو عليكم السلام، فالإسلام دين السلام، ولذا يقول الله تعالى في القرآن الحكيم: (ادخلوا في السلم كافة) سورة البقرة: الآية 208.

إن السلام أحمد عاقبة وأسرع للوصول إلى الهدف.. السلم والسلام والمسالمة أصول توجب تقدم المسالم، بينما غير المسالم والعنيف دائماً يظل متأخراً.

 الحرب والتهمة والسب والهمز واللمز والعداء والبغضاء والأنانية والكبرياء والغرور، وما أشبه تسبب سقوط الدول وسقوط الأفراد، وبالعكس، فالإنسان عبد الإحسان.

وقد ورد في مدح المؤمنين (الموطؤون أكنافاً) أي إنهم ليسوا من الصعوبة حتى يخاف الناس من أن يحوموا حولهم ويكونوا في أطرافهم، فإن الإنسان العنيف الصعب يتحاشاه الناس.

س2- هل (العنف) يوحي بمعنى سلبي أم ايجابي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى (اللاعنف)؟.

ج- كل إنسان يفكر أنه كما أن هذه الحركة أو تلك عنيفة ضد أعدائها فلابد وأن تكون عنيفة ضده أيضاً يوماً ما.

هذه حقيقة: العنيف عنيف مع الأصدقاء ومع الغرباء ومع البعداء والأعداء، واللين لين مع الأصدقاء ومع البعداء، هذا هو الأصل.

وإذا ظن الناس بالحركة سوءاً أو عنفاً وما أشبه، تفرقوا من حولها، ولم تتمكن الحركة من الوصول إلى هدفها.

س3- ما هي طبيعة العلاقة بين كل من العنف والشرع، وهل يؤيد الشرع العنف؟.

ج- استقطب رسول الله (ص) المشركين في مكة فأخذوا يسلمون ويظهرون الشهادتين، بدون عنف، وبدون محاربة، وبدون سفك دماء، وإنما حباً في الإسلام، لأنهم رأوا في الإسلام الملجأ والملاذ والرئاسة والصداقة والمال والأخوة والتقليل من المشاكل، وهكذا يجب أن نتعلم من رسول الله (ص) العمل والسلام. فالإسلام هو السلم، والسلم هو نبذ العنف بكل أشكاله.

س4- البعض يتهم الإسلام بأنه يحرض على العنف؟!.

ج- كلا.. الدين الإسلامي يدعو إلى الرحمة واللاعنف كما في القرآن الحكيم (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) فصلت: 35.

ولذا نشاهد لدى أنبياء الله تعالى والأئمة الطاهرين والمصلحين العظام هذه الظاهرة: ظاهرة حسن الخلق، العفو، السلام، سعة الصدر، الحلم، التواضع، الصبر، عدم رد الاعتداء بالمثل، وإنما رد الاعتداء بالتي هي أحسن.

س5- هل يعتبر السلم قاعدةً وأصلاً أم انه استثاء للضرورات؟.

ج- كما أنه تجب مراعاة التوعية والتنظيم والأصول العامة في العمل السياسي والاجتماعي فكذلك يجب أن يراعى السلام، السلم، المسالمة، اللين، العطف، واللطف. وإن حديث رسول الله (ص) وقصصه وتاريخه وحروبه وغزواته وسراياه كلها تبين لين النبي (ص) وسلمه والنتائج الطيبة التي نالها من وراء ذلك.

وليست الحرب والمقاطعة وأساليب العنف إلا وسائل اضطرارية شاذة، على خلاف الأصول الأولية الإسلامية، وحالها حال الاضطرار لأكل الميتة وما أشبه، وإنما الأصل هو السلام.

س6- هناك حركات إسلامية تتخذ العنف سبيلاً.. هل هذا هو نهج الدعوة الإسلامية؟.

ج- ذكر المؤرخون أن مكة لم تحارب بعد ذلك (الفتح)، وإنما رضخت لحكم عتاب (الوالي) بدون جيش، بدون شرطة، بدون سلاح، بدون قوة.. فالضروري على الحركة الإسلامية التي تجاهد لإقامة دولة إسلامية عالمية، بإذن الله تعالى، أن تتخذ من السلم شعاراً وبرنامجاً وأسلوباً لجذب أوسع الجماهير.. وبذلك سيتحقق النصر إن شاء الله تعالى.

وفي التاريخ القريب نشاهد أن ستالين وهتلر وموسوليني ومن أشبه هؤلاء، جنحوا إلى العنف، وكذلك ياسين الهاشمي في العراق، والحكم البهلوي في إيران، وأتاتورك في تركيا، وأضرابهم كثيرون، إن هؤلاء صاروا لعنة التاريخ، لقد ذهبوا وذهبت مبادئهم ولم يحفظهم التاريخ إلا للعبرة كما حفظ فرعون وشداد ونمرود للعبرة. وكما حفظ معاوية ويزيد والحجاج وابن زياد وهارون للعبرة، ولكي يتبصر من يأتي من بعدهم ولا يجنح إلى الدكتاتورية والعنف، بل يجنح إلى العقل والحزم والسلام.

س7- كيف يمكن إيجاد تيار إسلامي صحيح؟.

ج- إذا اعتمدنا السلم قاعدة عملية دائمة فسنتمكن بإذن الله تعالى من إيجاد تيار عام لحركة إسلامية صحيحة تكون مقدمة لإنقاذ البلاد الإسلامية من المستعمرين والديكتاتوريين، وإقامة حكم الله تعالى لألفي مليون مسلم، وما ذلك على الله بعزيز. فالواجب علينا أن نلقن أنفسنا السلام الدائم والعطف حتى نحو الأعداء، لكي نجذبهم إلى الصراط المستقيم.

وقد روي عن رسول الله (ص) أنه كان إذا اشتد به أذى قومه قال: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون)، ولم يكن يدعو الله عليهم. وإنما كان يدعو لهدايتهم، وبالنتيجة نجح رسول الله(ص) ذلك النجاح المنقطع النظير في كل العالم. نسأل الله أن يوفقنا لذلك إنه خير موفق ومعين.

س8- البعض يحاول أن يصنف نهج اللاعنف بأنه مسار يؤدي إلى الاستسلام، فهل الأمر كذلك؟.

ج- الفرق واسع بين السلم والاستسلام، فإن السلم منهج مبني على العقلانية، ودراسة الأهداف والوسائل، واختيار الأسلوب الأفضل لتحقيق الأهداف بشجاعة، فهو مبني على قوة المنطق والحكمة وشجاعة الموقف، بينما الاستسلام مبني على الضعف والفرعية والتراجع عن الأهداف بسبب الضعف. وتدلنا وقائع الأيام والتجارب الناجحة على انه يجب أن ينظر الإنسان إلى الهدف دائماً، وأن يعلم أن الانتقام يسبب تأخير الوصول إلى الهدف.

إن الجانحين إلى السلام بقوا أعلاماً في بلادهم، وفي غير بلادهم، بنما الجانحون إلى العنف والخشونة والشدة والغلظة ذهبوا ولم يبق لهم أثر إلا آثار النفرة والابتعاد.

س9- ما هي الآثار النفسية والاجتماعية والتربوية التي يمكن أن يخلفها العنف من خلال التراكمات السلوكية المتلاحقة؟.

ج- انحطاط المجتمع من قبيل عبادة البطن والفرج، وسرعة الغضب والاستبداد، وجمع المتزلفين والمتملقين وطلاب الشهوة والشهرة وأصحاب الأنانية والفردية، وإكثار السجون والتعذيب، والضرائب والمكوس، وعدم الاهتمام بآراء الناس وشؤونهم،وبث الدعايات الكاذبة، وتأليه الفرد وحجب العقل، واضطهاد المفكرين والمبدعين، وخنق أصواتهم، وكسر أقلامهم، وزرع الإرهاب والخوف، وفرض الرقابة والتجسس على الناس، وانتزاع الاعترافات تحت التعذيب، واتخاذ القرارات الفردية، والبطش بالناس، والكبت والحرمان، وفتح الامتيازات لجماعة خاصة وهم المصفقون للنظام، زرع الخلافات والفرقة بين الناس وما إلى ذلك.

ومن المعروف أن ثلاثة أشياء قليلها كثير، وكثيرها كبير، هي: النار والعداوة والمرض.

س10- ما هي الصلة بين: القمع - الديكتاتورية - الكبت السياسي - العنف؟.

ج- إن الحكم الديكتاتوري لا يمكن أن يبقى، لأنه مبني على الإرهاب، والإرهاب لا يمكن أن يدوم، وقد قال الحكماء: (القسر لا يدوم)، والإرهاب ملازم للقسر، لأن الإنسان يتطلب السلم والأمان والإرهاب خلاف السلم والأمان، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الأجهزة التي تعتمد عليها الديكتاتورية في الحكم تقوم على الإرهاب.

فلذا ترى أن رجالات السلطة على اختلاف مستوياتها لا يعرفون شيئاً مطلقاً عن أساليب الإقناع العقلي بوصفها وسيلة للحكم وإنما وسيلتهم الوحيدة السلاح، وهم يُدربون على اعتبار العنف رجولة، والازدراء بالناس كرامة، وأن الشك والمناقشة في أي شيء صادر من القمة -الزعيم الأوحد- هو من علامات الانحراف ومن شأن الديكتاتور أياً كان لونه التضييق على الناس.

ومن طبيعة الديكتاتور أن يجمع حول نفسه (إمعات) باسم أنهم الناس، بينما عقلاء القوم والسياسيون والمحنكون يعيشون ي حالة العزلة أو في السجون أو المنافي، أو يكون مصيرهم القبر.

س11- هل ثمة علاقة بين الديمقراطية وحرية الرأي والتعددية السياسية واللاعنف؟.

ج- نعم، لأن الحرية والتعددية تتعاطى مع الآخرين على أنهم سواء في الرأي والعمل وما أشبه، وإذا أردنا أن نعرف حريات أمة ننظر إلى انه هل الأمر بينها شورى في سائر مرافقها الحيوية؟ وكذلك هل هناك تعددية حزبية أو سياسية، وتوازن في القدرة أم لا؟ فإن كانتا، علمنا أنها أمة تعيش ضمن مجتمع مسالم تتعاطى السلطة فيها، مع الناس تعاطياً سليماً بخلاف ما إذا رأينا الاستبداد والتفرد فإن ذلك معناه تحكم السلطة واستفراد سياسة العنف والقوة، إذ تتجمع القدرة في مركز واحد (ديكتاتورية)، وإنما لا يحق لطائفة أن تعتدي اعتداءً جسمياً أو مالياً على طائفة أخرى.

ومن الواضح أن حرية الرأي والكلام والنشر وما أشبه، من مفاخر الإسلام الذي جاء لإنقاذ الإنسان من الكبت ومن كل أنواع الظلم، ولذا انتشر انتشاراً واسعاً، في أرجاء الأرض في فترة قياسية وقد وصف الباري عز وجل هذا الانتشار في كتابه الكريم، حيث قال تعالى: (ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً) وذلك لأن الرسول (ص) كان ليناً سمحاً، ولقد قال (ص) - كما في الحديث الوارد-: (وبعثت بالحنفية السمحاء).

وقال عز وجل: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) فسياسة الإسلام قائمة على السلم، ومظاهر السلم تقوم على الحرية والاستشارية ونحوها.

إن المجتمع الاستشاري عبارة عن علاقات روحية متبادلة بين أعضاء الحكومة وبين الحكومة والشعب وبين الشعب والحكومة، على حسب الواقعية والعقلانية، وذلك يتطلب أن تكون المسؤولية الفعالة للحكام تجاه المواطنين مما يمكن دعمها باستمرار دون الالتجاء إلى العنف، بأي معنى كان العنف، وذلك لا يكون إلا بأن يختار الشعب حكامه بواسطة مؤسسات دستورية بحيث لا يتعرض الناس للتمييز على أساس العنصر أو الجنس أو الثروة أو اللون أو الحزبية أو غير ذلك.

ويكون الحاكم على تلك المؤسسات نظاماً يعطي للناس حق التصرف التام الذي يجعل اختيار الحكام سلمياً ودورياً، ولذا يجب أن يعتمد الاستشاري على سيطرة العقل على أفكار الناس دون سيطرة التمايزات الإقليمية أو اللونية أو اللغوية أو غيرها، فإذا أحس الناس بأن لهم الحق في أن يستفيدوا من مواهبهم وإمكاناتهم، حملوا الحكم في قلوبهم، فلا تقع المعارضة بين الحكومة وبين الشعب ولا بين الحكام بعضهم مع بعض وإنما تكون الانتخابات الحرة والتقدم والكفاءات هي التي تسيطر على الجميع، ومثل هذا البلد يكون مهوى قلوب الأحرار.

س12- ما هي آثار نهجي العنف واللاعنف على التنمية الإنسانية والاقتصادية والسياسية؟.

ج- إذا رأى الناس نوعية الحكم الإسلامي وامتيازاته، وأنه مبعث الراحة والطمأنينة والرفاه والتقدم، فلابد أن يلتفوا حوله، حيث إن الغرب والشرق حين رأوا بريق الإسلام وجماله وحسنه وعدالته أخذوا أشياء كثيرة منه، كالنظافة، والنظام، والجمال، والعلم، والثقافة، والتربية، والصناعة، مما كان المسلمون الأولون يتصفون به.

فإذا رأى الناس أن الإسلام رحيم وأنه لا يعدم، ولا يصادر، ولا يعذب، ولا يسجن، ولا ينفي، فلابد وأن يلتفوا حوله.

إما إذا كانت الدولة مضطربة، توقف الكل عن عمله فتجمد الكفاءات، ولا يعمل أي عامل لا في الزراعة ولا في الصناعة ولا في التجارة، ولا في غيرها، وبذلك تزداد الدولة اضطراباً وكثيراً ما تنتهي مثل هذه الدولة إلى السقوط.

وليس الاستقرار بالادعاء، والكلمات الفارغة، والخطب التي تلقى من على منبر الإذاعة والتلفزيون، التي عادة ما يضعها المستبدون، بل بفتح الجامعات، وأمن الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، فلا مصادرات ولا إعدامات، ولا ضرائب اعتباطية، ولا يخاف الناس من أن يتكلموا أو يكتبوا.

س13- عالمنا الحاضر يعج كثيراً بالمشكلات الاجتماعية والسياسية، فهل يمكن حلها بالتوسل بنهج العنف أم أن هناك أساليب أفضل؟.

ج- الضغط يولد الانفجار، والعنف يولد العنف. ويلزم أن نفكر في هذه المشاكل تفكيراً جدياً واقعياً وأن نفكر بالطرق الصحيحة لحلها والتي يجب أن تكون ضمن هذه البنود:

الأول: ثورة ثقافية عامة تقنع الناس وتجذبهم.

الثاني: يجب أن تتخذ سياسة الإسلام في ما قاله القرآن (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) النحل: 125.

الثالث: المداراة مع الأعداء.

الرابع: التدرج في الصعود، فإن بطئ النمو بطيء الزوال أيضاً، بينما سريع النمو سريع الزوال. ولنتخذ رسول الله (ص) نموذجاً وقدوة لإقامة أحكام الإسلام فإنه قد أقام الأحكام تدريجياً، وبذلك تمكن (ص) أن يقيم حكماً مستقر الأركان.

س14- هل أن اعتماد الإسلام لفكرة السلم هو سبب انتشاره؟.

ج- انطواء الإسلام على السلام، هو الذي سبب تقدمه أولاً،وكان السبب في تقدمه في المرة الثانية، بعد غزو الصليبيين لبلاد الإسلام من الغرب، والمغول من الشرق.

وبالسلام نرجو أن نقدم الإسلام في هذا القرن، حيث تتوالى غزوات الشرق والغرب، بمختلف أشكال الغزو، على بلاد الإسلام.

وذكر المؤرخون أن مكة التي كانت عاصمة الكفر والشرك والنفاق وسفك الدماء والأنانيات والكبرياء، لما استسلمت لرسول الله (ص) لم يظهر أكثرهم الإسلام وبقوا على الشرك، والرسول لم يجبرهم على الإسلام أبداً، وإنما تركهم وشأنهم حتى يعايشوا الحكم الإسلامي ويسلموا في المستقبل.

س15- ما هي السبل التي يمكن من خلالها نشر ثقافة اللاعنف، إذ يعتقد البعض بأن اللاعنف مفهوم مثالي يصعب تطبيقه؟.

ج- السلم في أول أمره صعب، ويحتاج إلى ضبط الأعصاب، والى عفو وإغضاء، والى مقدرة نفسية توجب أن يعمل الإنسان بحزم وبالتي هي أحسن، كما قال سبحانه: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) فصلت: 35.

فالواجب أن يكون الشعار السلام، السلام قولاً، السلام فعلاً، السلام كتابة، والسلام في كل موقع ومع كل الناس. ولذا نرى أن العديد من المصلحين الذين تمكنوا من إنقاذ بلادهم من الاستعمار كانوا قادرين على ضبط النفس، وقد كان أحدهم غير قادر على ذلك، وكان يتهيج لأقل استفزاز، ثم إنه أخذ يلقن نفسه كل يوم: (إني رجل مسالم احب الخير لكل الناس)، ويقول: (كل يوم حين كنت أستيقظ في أول الصباح كنت ألقن نفسي هذه الكلمة، و حين كنت أريد النوم ألقن نفسي هذه الكلمة أيضاً، وهكذا حتى استطاعت أعصابي أن تتحمل الضغط والإهانة وما أشبه).

وإن للتلقين أثراً كبيراً في داخل النفس، وذلك بالتلقين الدائم بأنه إنسان مسالم، حازم، عاقل، مفكر، مدبر، مدير، فإذا لقن نفسه بهذا التلقين في ليله ونهاره وشهره وسنته، فإنه يتطبع بطابع السلم، فالتلقين أولاً ثم الثقافة ثانياً.

فإن الثقافة هي التي تغير مسيرة الإنسان إلى الأحسن أو الأسوأ. فإذا طبعنا ألف مليون كتاب ووزعناها على المسلمين نكون قد قمنا بشيء من التوعية.

وفي سبيل إعطاء الرشد الفكري للمسلمين علينا بالجهاد، الجهاد بالقلم واللسان وبمختلف وسائل الإعلام العصرية المؤثرة. وهذا أفضل من الجهاد في المعركة؛ ولذا نجد الحديث الشريف يقول: (مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء).

س16- بعض الجهات تتوسل بالعنف وتقول بأنه هو الطريق لإحياء مشروع النهضة الإسلامية، فهل هذا المنهج هو حقاً الطريق إلى تحقيق هذا الهدف أم أن العكس هو الصحيح؟.

ج- الناس لا ينضوون تحت الحكم بالسيف والسهام والحراب والسجون والمعتقلات والمشانق والسباب والتهم وتبعيد الناس، بل البشرية تنضوي تحت لواء وحكم، القلوب الرحيمة النابضة بالمحبة والصدق والصفاء. فإذا حملت القلوب الحكم بقي راسخاً دائماً، ثابتاً، مستقراً مستمراً، ولم يتمكن الأعداء من زحزحته.

إن المسلمين محاطون بأعداء ألداء من صليبيين وصهاينة وشيوعيين وعملاء لهم في الداخل وفي الخارج، فهل بالإمكان أن يقام الحكم بغير منهج رسول الله (ص) ؟.

هذه حقيقة، العنيف عنيف مع الأصدقاء ومع الغرباء ومع البعداء، واللين لين مع الأصدقاء ومع البعداء، وقد ورد عن عيسى (ع) في كلمة جميلة تنسب إليه (إذ قيل لكم أحبوا أصدقاءكم ليس ذلك بمهم فإن العشارين أيضاً يحبون أصدقاءهم وإنما أقول لكم أحبوا أعداءكم) فإن الظاهر من كلام عيسى (ع) أن السبب لا يرجع إلى نفع العدو بمثل ما يرجع بنفع الإنسان نفسه، فإن الإنسان الذي يحب عدوه يقوم بوصله ومواصلته، وذلك ما يسبب رجوع العدو عن عداوته.

س17- الحركات الإسلامية بشقيها، الذي ينتهج العنف والآخر الذي يتبنى اللاعنف، كل يدعم منهجه وسلوكه بآيات وأحاديث، فأيهما يمكن أن يوصل للغايات والمقاصي التي تبني مشروعاً إسلامياً حضارياً؟.

ج- كانت السيرة النبوية وسيرة فاطمة الزهراء (ع) والأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، السلام، فكان السلام شعاراً لهم في كل شؤونهم وحتى في حروبهم.

وهذا النجاح المنقطع النظير لنبي الإسلام والأئمة -صلوات الله عليهم أجمعين- إنما هو  لأسباب من جملتها السلام الذي كانوا يتحلون به في كل شؤونهم، ولذا نجد العباسيين والأمويين والعثمانيين ذهبوا حيث لا يذكرهم أحد مطلقاً إلا بسوء بينما قادة الإسلام الحقيقيون يذكرون بكل خير ويعرفهم الناس بالسلام والعفو والصفح.

إن السلام أحمد عاقبة وأسرع للوصول إلى الهدف.. السلم والسلام والمسالمة أصول توجب تقدم المسالم، بينما غير المسالم والعنيف يظل متأخراً دائماً.

إن الجانحين إلى السلام بقوا أعلاماً في بلادهم، وفي غير بلادهم بينما الجانحون إلى العنف والخشونة والشدة والغلظة ذهبوا ولم يبق لهم أثر إلا آثار النفرة والابتعاد.

إذن، الحركة الإسلامية التي تريد النهوض لأجل إقامة حكومة ألف مليون مسلم عليها أن تتخذ السلام شعاراً عملياً حتى تتمكن من استقطاب الناس، ومن دفع الأعداء، ولو فرض أن الحركة سقطت أو تعثرت فلا بد أن تقوم بعد عثرتها، ولأن من طبيعة الناس الانتصار للمسالمين، والانتقام من المحاربين.

س18- كيف يمكن العمل على توضيح موقف الإسلام من أحداث 11 سبتمبر 2001، خاصة وأن تلك العمليات المروعة أساءت إلى سمعة الإسلام والمسلمين في الغرب؟.

ج- إذا جعلت الحركة الإسلامية السلام شعاراً واقعياً - لا دعائياً فقط- في القول والعمل والفكر والتأليف والخطابة والاجتماع، فإنها تتمكن من التقدم حتى تشمل كافة بلاد الإسلام، ولقد فشلت قبل هذا اليوم كثير من الحركات الإسلامية في أماكن مختلفة من العالم الإسلامي بسبب عدم التزامها بأخلاقيات العمل، والسلام، والتقدم.

إن هذه الحركات يجب أن تكون لنا عبرة لكي لا نكرر أخطاءها، وعلينا أن نلتزم نحن أولاً بما نقوم به وندعو إليه وهو الإسلام القائم على اللاعنف والمحبة والرحمة بالجميع.

وإلا فإن الناس يقولون: لو كان في حركتهم خير لكانوا قد التزموا -هم- بما يدعون إليه.

فمن الضروري إعطاء الأجانب صورة صحيحة عن الإسلام، ويتم ذلك عبر:

أ) تثقيف ملايين المسلمين المقيمين في البلاد الأجنبية.

ب) تأسيس وتكوين محطات الإذاعة والتلفزة، والمجلات والصحف لتنشر التعاليم الإسلامية الصحيحة.

ج) تأسيس مؤسسات التبليغ الإسلامي في كل دولة أجنبية، وتكون مهمة كل مؤسسة تكوين فروع وممثلين عنها في كافة أنحاء الدولة، ليكونوا -على أقل تقدير- ألف ممثل وفرع، مهمتهم بيع ونشر وتوزيع الكتب والمجلات. والى جانب ذلك يقومون بمهمة الاتصال بشعوب تلك البلاد ومثقفيها وتكوين علاقات معهم كمقدمة لهدايتهم وتوجيههم.

وليس تحقق ذلك خيالاً سوفسطائياً أو حلماً بعيداً عن الواقع، بل إنه أمر واقعي، ولكنه يحتاج إلى جهود مضنية قد تستمر عشرين سنة أو أكثر أو أقل حتى يتحقق الهدف المنشود بإذن الله تعالى.

س19- هل كان الأصل في حركة الرسول الأعظم (ص) العفو والإحسان والسلم أم العنف؟ وهل كانت حروبه مؤشراً على العنف أم أنها كانت دفاعية؟ وماذا عن سيرة الإمام علي (ع) وماذا عن صلح الإمام الحسن (ع) وماذا عن ثورة الإمام الحسين (ع)؟ وهل أن في هذه السبل تعبيراً مختلفاً عن العنف واللاعنف أم أنها متصلة ببعض ولها ملامح مدرسة خاصة، وما هي هذه المدرسة؟.

ج- الرسول الأكرم (ص) عندما فتح مكة عفا عن حكامها ومجرميها ولم يؤاخذهم بما سبق منهم، فقد عفا عن أبي سفيان وصفوان وغيرهما، واصدر قراراً عاماً (اذهبوا فأنتم الطلقاء) وهكذا لم يقتل النبي (ص) أحداً ولم يسفك الدماء ولم يصادر الأموال.. هذا الأسلوب أوجب استقرار حكومة النبي (ص) فعندما أراد (ص) مغادرة مكة، عين عتاب بن أسيد -وكان شاباً عمره زهاء العشرين سنة! -حاكماً على مكة- عاصمة التحركات المناهضة للنبي(ص) لأكثر من عشرين سنة!- ولم يجعل معه حرساً ولا شرطة ولا أجهزة ولا مخابرات ولا أي جهاز عسكري أو إرهابي آخر.

فكيف استطاع شاب واحد أن يحافظ على استقرار عاصمة استراتيجية كمكة المكرمة؟ أليس ذلك لسياسة (اللاعنف) التي اتخذها النبي (ص) تجاه أهل مكة؟.

وحروب الرسول (ص) والإمام علي (ع) كانت دفاعية، وكان الإمام علي (ع) في حكومته يتبع آثار الرسول (ص) كما كان قبل حكومته كذلك، فكان علي (ع) الحاكم رجلاً عادلاً فاضلاً شعبياً استشارياً إلى أبعد الحدود، كما أن الشعب في زمان علي (ع) -مسلمهم وكافرهم- كانوا في حرية تامة ورفاه شامل من أقصى بلاده (ع) إلى أقصى بلاده، وإنه كان رئيس أكبر دولة في عالم ذلك اليوم.

وكذلك كانت سيرة الإمام الحسن (ع) طيلة فترة حكمه التي دامت ثمانية أشهر وقبلها وبعدها، وقد قال (ع): (كانت جماجم العرب بيدي فوهبتها قربة إلى الله تعالى). وكان الإمام  الحسين (ع) كذلك حتى كان الاستشهاد لابد منه حيث تكون الشهادة محتومة في حالتي الإقدام والاحجام، وحينئذٍ يختار الإنسان أفضل الطريقين وهو طريق الاستشهاد، لأنه يوجب كسب المستقبل. وقد أشار (ع) إلى ذلك بقوله لابن الحنفية وغيره: (إن بني أمية لا يتركونني، ولو دخلت في ثقب هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقتلوني) ولهذا نرى أن الإمام الحسين (ع) كان يفرق جموعه وأصحابه أخذاً من المدينة المنورة وانتهاءً بليلة عاشوراء، حيث كان يريد الاستشهاد الذي فيه يُقدّم الإسلام والمسلمون، وإزالة الظلم والظالمين، أراد أن يكون استشهاده محفوفاً بأكبر قدر ممكن من المظلومية، حيث إن المظلوم يستجمع العواطف حوله.

وكلهم (ع) مدرستهم واحدة وكلهم تحمل الصعاب وقتل في سبيل تبليغ رسالات الله سبحانه وتعالى كما قال سبحانه: (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله) الأحزاب: 39.

وهذا الأمر ليس خاصاً بمن يمارس التغيير وإنما هو عام لكل من يريد التقدم والرقي لشيء أو يريد تقدم نفسه في سبيل الله (سبحانه وتعالى).

س20- على من تقع مسؤولية وقف دوامة العنف؟ هل هي مسؤولية العلماء والمفكرين في العالم الإسلامي؟ أم هي مسؤولية الحكومات في العالم الإسلامي ونهج الحكم الذي يمارسونه مع شعوبهم؟أم أن هناك دوراً لسياسة الغرب تجاه الشعوب في الشرق في استمرار دوامة العنف؟.

ج- إنها مسؤولية الجميع من العلماء العاملين والمفكرين المخلصين والحكام الصادقين؛ فإن من يريد التقدم والرفاه والوصول إلى الأهداف الكبرى، فعلى العلماء أن يعلّموا وعلى المفكرين أن يكتبوا ويثقفوا وعلى الساسة والحكام أن يستجيبوا وأول ما يجب عليهم في هذا هو الاستجابة لنداء الشرع والعقل بالتخلي عن الاستبداد والديكتاتورية التي هي الأرض الخصبة لكل المساوئ و من أبرزها العنف فإن جو الديكتاتورية يسبب تكثير الانتفاضات والانقلابات لعدم استقامة المجتمع، سواء كانت الدكتاتورية من وحي الخارج، كما نشاهده في العالم الثالث المعاصر، حيث أن الحكومات الاستعمارية تسبب الثورات والانقلابات في هذا العالم المتخلف، أو بأسباب داخلية من جهة عدم توزيع القدرة، بينما نرى عكس ذلك في المجتمع المتقدم فإن الإيمان بنعيم الآخرة للمحرومين وانتشار الأخلاق في المجتمع ووجود الجمعيات الإنسانية والدعاة والوعظ والمرشدين وانفتاح الطريق أمام الكل للاغتراف من الاقتصاد، والسياسة، والعلم، والاجتماع، والتربية، وغير ذلك مما يوجب  انعدام الحرمان القانوني فلا تحدث ثورة ولا انتفاضة ولا أعمال تخريب، ولاشك في صحة الأسس التي بني عليها الاجتماع الذي يعيش في جو الاستشارية لأن الأخلاق تلائم الطبع، والدعوة إلى نعيم الآخرة تكون سلوة للإنسان بالإضافة إلى أنها واقعية، والحرية المتاحة لكل إنسان لا تدع مجالاً لتراكم الكراهية، واستقامة الحكم بالانتخابات الحرة تمتص النقمة وتسد الطرق الملتوية في وجوه طلاب الرئاسة وتمنعهم من الانقضاض على كرسي الحكم بواسطة الدبابات والسلاح، ولو حدث ذلك لم يساعدهم الناس، بل يؤخذون إلى المحاكم لتدينهم بسبب ما ارتكبوه من الجريمة وتعكير الأمن، كما حدث مثل ذلك في بعض البلاد الغربية.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا للمزيد من صدق النية والإخلاص في طلب مرضاته والسعي لخدمة عباده بالرحمة والمحبة واللين، بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

العــدد 69

إتصــلوا بـنـــا