بحوث ودراسات | ||||||||||||
الإمام الشيرازي وآفاق الانفتاح المعاصرة |
||||||||||||
الدكتور ساعد الجابري |
||||||||||||
شهد التاريخ الإسلامي الحديث والمعاصر مصلحين كثيرين كجمال الدين الأفغاني، ومحمد رشيد رضا، ومحمد عبده، والمجدد، والإمام الشيرازي، ومحمد تقي الشيرازي، وكاشف الغطاء، وشرف الدين، والبلاغي.. ومنهم من مارس الإصلاح بالفكر، ومنهم بالموقف، ومنهم بالفكر والموقف، وهم القلة من المصلحين الذين أثروا عالمنا الإسلامي بأفكارهم المضيئة، الذين قرنوا العلم بالعمل فكانت مواقفهم حلقة مكملة لأفكارهم. والإمام الشيرازي(قدس سره) هو من المصلحين القلائل الذين وفوا لأفكارهم ودفعوا ضريبه مواقفهم من راحتهم واستقرارهم. وربما لم نعط الحقيقة حقها لو قايسنا الإمام الشيرازي (رضوان الله عليه) ببعض المصلحين الذين نعرفهم؛ لأنه (قدس سره) كان من نمط خاص قل نظيره في تاريخنا المعاصر؛ فقد جمع الفضائل والسمات وقام بالأدوار والمسؤوليات خير قيام. فكان ملجأً للأمة في أحلك أيامها، ومرجعاً لها في دينها ودنياها. وكان المفكر الذي يكتب ويخطب ويتحاور ويتناقش. كان الأستاذ الذي ربى تلامذته على حب العلم والتمسك بأهداب الدين. كان القائد الذي يقود الحركات ويؤسس المؤسسات ويقيم الجمعيات. كان السياسي صاحب المواقف في مواجهة الأنظمة المستبيحة للحرمات. كان الأب الذي يرعى شؤون المجتمع كما يرعى شؤون أبنائه. وفي جميع هذه الأدوار والمواقف كان ظهوره تاماً بكامل صفاته وسماته. فهو في السياسة مرجع ديني، ترجع إليه الأمة في أمور دينها ودنياها. وفي المرجعية الفقهية سياسي محارب للظالمين. كان يدير مجتمعه كما يدير أسرته، وكما يدير التنظيمات التي أوجدها، كان الكل الذي يحرك أجزاءه بنسق متناغم، فلا يتقدم جزء على جزء، ولا يتخلف جزء عن جزء. من هنا كان الإمام الشيرازي(قدس سره) النموذج الوضاء لرجل الإصلاح العتيد. وبعيداً عن الكلمات المنمقة، لنقف وقفة تأمل أمام أفكاره ومواقفه، ولندرس حركته الإصلاحية عن كثب، وهو ما سيجري عليه البحث في هذا المضمار. مكونات البناء الإصلاحي يتكون البناء الإصلاحي في فكر وممارسة الإمام الشيرازي من ثلاث طبقات. الطبقة الأولى: البناء الفوقي. الطبقة الثانية: البناء الوسطي. الطبقة الثالثة: البناء التحتي. البناء الفوقي في حركة الإصلاح والتجديد: يتكون هذا البناء من ثلاثة عناصر هي: الفقه، الفقيه، شورى الفقهاء. فالإمام الشيرازي(قدس سره) يستند إلى قواعد عقلية ونقلية مؤكداً أن عملية الإصلاح يجب أن تبدأ من فوق، لأنه إذا فسد العالِم فسد العالَم - كما ورد في المأثور - وبالعكس إذا صلح العالِم صلح العالَم ... أما كيف يمكن إصلاح العالم؟!. يجب الشروع من الفقه، والسبب هو: لما كان الفقه (الشيعي) وبسبب العزلة التي فرضت عليه من الدولة، أصبح منعزلاً عن الحياة، وتحول إلى فقه يدور حول الفرد، فأصبح يواجه تحديات كبيرة على صعيد حركة التغيير الاجتماعي. وبات من المسلّم أن أكبر ما يعيق عملية التغيير هو دوران الفقه حول الفرد وعجزه عن مواجهة متطلبات المجتمع المتجددة. من هنا انبرى عدد قليل من الفقهاء لحل هذه المعضلة، منهم الإمام الشيرازي(قدس سره). المطلب الأول: فقه المجتمع بدلاً من فقه الفرد. لم يكن من السهل تدوير دفة الفقه بزاوية تسعين درجة من الفرد إلى المجتمع، لأنه من المحتم أنه سيواجه تراكماً من التراث الفقهي الذي يعيق هذا التدوير، لكن مما سهل للإمام الشيرازي (قدس سره) ذلك هو:
فمن نعم الله على عباده أنه أعطاهم العقل يفكروا به ويدبروا أمورهم على أساسه، ومن نعم الإسلام أنه طالب المسلمين بالتفكير، ومن نعم التشريع الإسلامي أنه اقترن بوجود المجتهدين على مر العصور، الذين يقومون بحل المعضلات المستجدة واستنباط الأحكام لكل واقعة، لكن المجتهدين على نمطين؛ فقسمٌ من المجتهدين يحتاطون كثيراً، ولا يعطون لاجتهادهم مساحة أكبر، فهم قد وضعوا لأنفسهم خطوطاً حمراء يتهيبون من تجاوزها، أحدهم لا يحاول المساس بما اتفق عليه الفقهاء الكبار، بينما هناك مجتهدون آخرون وضعوا حتى ما اتفق عليه السلف الصالح من الفقهاء في دائرة الفحص والتمحيص، فلربما اتجه أحد الفقهاء اتجاهاً في الفقه وكل من جاء من الفقهاء اتجهوا هذا الاتجاه، فإعادة النظر فيما اتجهوا إليه ليس بالأمر السهل على الفقيه؛ إذ لابد أن يمتلك الجرأة والشجاعة الكافية للاضطلاع بهذه المهمة الصعبة، وكان الإمام الشيرازي ممن امتلك تلك المقدرة الروحية والنفسية والعلمية لإنجاز هذا الأمر الخطير، فكان أول فقيه يخرج عن مألوف الفقهاء ويستنبط أحكاما في قضايا مستجدة، قضايا ممكنة الحدوث في المستقبل، ثم أنه جمع هذه الأحكام وأصدرها في كتاب باسم (المسائل المستجدة)، وقد أثار ظهور هذا الكتاب زوبعة في وسط الفقهاء في العراق فشنت عليه الغارات الظالمة، واعتبر البعض هذا العمل مروقاً من الدين، لكن لم يمض وقت طويل حتى اضطر بعض الفقهاء تحت ضغط الحاجة أن يسلك السبيل نفسه، وأذعنت الحوزة العلمية بأن الإمام الشيرازي هو رائد التجديد، وهو أول من ابتكر هذا النهج غير عابئ باللوم والتقريع.
فالجرأة وحدها لا تكفي في عملية التغيير، فلربما ستكون أية محاولة مآلها الخسران إذا لم يكن الفقيه مسلحاً بالأدلة القاطعة القادرة على مواجهة أدلة بقية الفقهاء الذين يرون خلاف ذلك. وبدون الإحاطة الكاملة لا يستطيع أن يكون الفقيه قوي الحجة أمام الخصم. وقد اتصف الإمام الشيرازي(قدس سره)، بهذه الصفة، فكان محيطاً بكل العلوم الدينية والمعارف الشرعية، ملماً بآراء الفقهاء وأدلتهم، ومما زاد من سعة اطلاعه وقوة حجته أنه كان يأخذ بالسيرة العملية للنبي والأئمة(ع) لتدعيم رأيه خلافاً لبعض الفقهاء الذين أهملوا هذا الجانب ولم يمنحوه دوراً في التشريع وكانوا يقولون عنه (حادثة في واقعة) بينما الإمام الشيرازي اهتم كثيراً بتاريخ النبي (ص) والأئمة(ع) وأدخل وقائعهم الحياتية والاجتماعية والسياسية في الأحكام بعد أن استدل على حجية هذه الوقائع، وبهذا أضاف مصدراً مهماً إلى التشريع أهمله الفقهاء فزاد من الاستيعاب الفقهي وأعطاه قدرة أكبر على العطاء، ومتسعاً من المرونة في استنباط الأحكام. والفقه المتأتي من كلام المعصوم وفعله والذي لا يحصر نفسه بكلام المعصوم فقط هو فقه أكثر حركية وقدرة على مواجهة أعباء إدارة المجتمع، وهذا هو أقرب إلى روح الإسلام ومنهجه في إسعاد البشر، وهذا ما اتصف به فقه الإمام الشيرازي.
قام منهج الإمام الشيرازي في الاستنباط الفقهي على مقولة أنّ التشريع هو في الأساس دستور لإدارة الدولة والمجتمع، والأحكام الشرعية ما هي إلا مواد دستورية، وكما أن القانون يعالج قضايا الفرد من خلال المجتمع والدولة كذلك عالجت الشرعية قضايا الفرد من خلال المجتمع ؛ ليس بمعنى إعطاء الفرد الرتبة الثانية وإعطاء المجتمع الرتبة الأولى، ولا بمعنى هضم حقوق الفرد لصالح الجماعة كما فعل النظام الاشتراكي، بل بمعنى أن قضايا الفرد متداخلة مع قضايا بقية الأفراد فلابد من نظرة متوازنة إلى الفرد من خلال المجموع، إذ ليس من الحكمة معالجة مشاكل الفرد على انفراد لأنها ستكون حتماً على حساب المجموع. والأمر بقي يتطلب إيجاد انعطافة في الفقه تقوده من جادة الفرد إلى جادة المجتمع، أو بالأحرى تنقذه من حدود الشخصانية، والانطلاق به إلى المجتمع المطلق، وقد استخدم الإمام الشيرازي (قدس سره) آليات فعالة في إحداثه هذه الانعطافة. من هذه الآليات: أولاً: استحداث أبواب جديدة في الفقه الاجتماعي: كان الفقه يدور حول أبواب محدودة، حيث قسمه الفقهاء إلى العبادات والمعاملات، والعبادات قُسمت إلى الطهارة ثم الصلاة والصوم.. إلى آخره، والمعاملات قسمت إلى العقود والإيقاعات. وقد أضاف الإمام الشيرازي إلى هذه السلسلة موضوعات جديدة كالسياسة والاقتصاد والاجتماع والطب والتنمية والقانون والأسرة، أضافها إلى أبواب الفقه السابقة وصنفها ضمن موسوعته الفقهية. وهذه الأبواب الجديدة بعضها مستحدث لأول مرة كفقه البيئة والمرور وبعضها متناثر في أجزاء الفقه المختلفة، قام الشيرازي بجمعها وملء فراغاتها حتى أصبحت أبواباً مستقلة كالسياسة والاقتصاد والاجتماع. ولولا قضاء الله وقدره، لكان(قدس سره) واصل استحداث أبواب جديدة مع تطور الحياة، وتطور الأساليب التقنية منطلقاً من نظرية فقهية هي: ليس في الشريعة الإسلامية منطقه فراغ؛ فقد ورد (لكل حادثة حكم حتى أرش الخدش)، إلا أنّ بعض الأحكام تبدو غير مرئية للبعض فيعتقد بأن هناك منطقة فراغ، حتى المسائل المستجدة لها في الشريعة الإسلامية أحكام واضحة بحاجة إلى الكشف وهي وظيفة الفقيه. وباستحداث الأبواب الجديدة أصبح الفقه أكثر ديناميكية لأنه تحول من فقه يعالج مشاكل الفرد إلى فقه يعالج قضايا المجتمع الكبرى، كالاقتصاد والحكم ومشاكل البيئة والتلوث والتصحر والاستقلال وما شابه ذلك. ثانياً: إسقاط الحيل الشرعية: الحيل الشرعية صورة تعكس ما ذكرناه حول تمحور الفقه حول الفرد، ولما كانت مسؤولية الفقه هي حل مشاكل الفرد فقد فتح الفقهاء باباً باسم الحيل الشرعية ويقصد بها إسقاط حكم أو قلبه إلى حكم آخر لمصلحة الفرد. وقد تسبب سلوك هذا المسلك في إسقاط كثير من الأحكام المهمة، كحرمة الربا، وإسقاط الخمس والزكاة، ونجم عن ذلك أضرار كبيرة تحملها المجتمع الإسلامي بالرغم من استفادة الفرد من هذه الحيل. وقد انبرى بعض العلماء للوقوف قبال هذا المسلك، منهم الشاطبي (ت 790 هـ) الذي قسم الحيل إلى قسمين: حيل تهدم أصلاً شرعياً وتناقض مصلحة معتبرة، وأخرى عكس ذلك، فأجاز القسم الثاني وحرم القسم الأول. فإن فرضنا أن الحيلة لا تهدم أصلاً شرعياً، ولا تناقض مصلحة شهد الشرع باعتبارها، فغير داخلة في النهي ولا هي باطلة(1). ومن المصلحين الذين وقفوا قبال الحيل الشرعية الإمام الشيرازي(قدس سره) الذي قسمها إلى قسمين: حيل شرعية عقلائية يترتب عليها مصلحة فردية وعامة يقبلها العقل ولا تتناقض مع الشرع، وحيل شرعية غير عقلائية تلغي مصلحة عامة لمصلحة الفرد، كبيع منديل بعشرين درهماً لتسويغ الربا أو ما شابه ذلك من الحيل التي أجازها البعض في رسائلهم العملية. وقد ابتدأ الإمام الشيرازي (قدس سره) معالجته للحيل الشرعية بوضع تعريف محدد لها قائلاً: (لا يخفى أن ما سماه الفقهاء بالحيل الشرعية يراد بها: المعنى اللغوي ومنه قول الإمام زين العابدين في دعاء أبي حمزة الثمالي: (ولا تمكر بي في حيلتك) لا العرفي الذي هو التحايل على القانون من قبيل صيد اليهود السمك)(2) (كان اليهود يحصرون السمك في أحواض في أيام السبت ثم يأخذونها في اليوم التالي). وعن القسم الأول من الحيل الشرعية العقلائية يقول الإمام الشيرازي(قدس سره): (لا إشكال في صحة الفرار من الربا بالطرق الشرعية، فإن الشارع لحكمته لم يضيق الخناق على المكلف حتى لا يضطر إلى فعل المحرم، ولذا جعل في كثير من الأحكام مخرجاً، فالصلاة تقصر في السفر، والصيام يبدل إلى الإفطار فيه.. مستنداً إلى صحاح الحلبي، وأبي بصير وابن الحجاج (نعم الشيء الفرار من الحرام إلى الحلال)) (3) ومجرد تخليص المجتمع من ربقة الحرام يتضمن مصلحة عامة وليس مصلحة فردية، لأن في إشاعة ثقافة الحلال يطهر المجتمع من دنس المحرمات. ويستنتج الإمام الشيرازي الراحل في ختام بحثه في الحيل الشرعية قائلاً: (نعم لا إشكال في لزوم أن لا يعد العمل غير عقلائي كألف في مقابل خمسمائة ومنديل مثلاً، أو ما أشبه ذلك، والحاصل: أنه بعد العقلائية لانصراف الأدلة عن غيرها - يعمل بما ذكرناه -) (4). ثالثاً: العمل وفق القواعد الفقهية ذات المضمون الاجتماعي: هناك المئات من القواعد الفقهية التي استنبطها العلماء من مصادر التشريع وأخذوا بها كوسائل لاستنباط الأحكام الشرعية، بعض هذه القواعد تدور حول مصلحة المجتمع، يمكن تسميتها بالقواعد الاجتماعية الفقهية لتمييزها عن القواعد الأخرى التي لا تضطلع بهذه المهمة، والعمل وفق هذه القواعد من شأنه أن يجعل الفقه يصب لصالح المجتمع بالإضافة إلى أخذ مصالح الفرد بنظر الاعتبار. أما تجاهل هذه القواعد فيتسبب في جعل الأحكام تدور مدار الفرد وليس المجتمع. وقد أشار الإمام الشيرازي (قدس سره) إلى هذه القواعد في معرض استدلاله على الأحكام وهي كثيرة غطت صفحات موسوعته التي ناهزت الـ(160) مجلداً. رابعاً: الآيات الست: من إبداعات الإمام الشيرازي الراحل استنباطه ست قواعد عامة حاكمة على الفقه والفكر والأخلاق والسياسة والاجتماع وهي: 1- قاعدة وجوب الشورى وإلزاميتها ومستندها (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) (الشورى:38). يقول عن هذه القاعدة: (فقد جعل الله الشورى بين الصلاة والإنفاق، والصلاة هي ركن العبادة وعمود الدين وهي السبيل لبناء الشخصية الإسلامية أما الإنفاق فهو السبيل لتقدم المجتمع وإقامة نظام اقتصادي أساسه العدل، وبين الواجبين - واجب الصلاة وواجب الإنفاق - هناك واجب ثالث هو الشورى). ثم يقول: (والشورى قاعدة بين حلقتين لا يبنى المجتمع الإسلامي إلا بهما، وللمجتمع ثلاثة أبعاد؛ بعد روحي يتحقق من خلال العبادة، وبعد سياسي يتحقق من خلال الشورى، وبعد اجتماعي يتحقق من خلال الإنفاق) (5). 2- قاعدة الحرية: ومستندها (يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) يقول الإمام الراحل (قدس سره) عن هذه القاعدة: (الحرية في كل شيء إلا المحرمات، ومن مصاديق الحرية؛ حرية تكوين الأحزاب وإقامة المؤسسات الدستورية وسن القوانين المتناسبة مع أهداف المجتمع الإسلامي، وحرية التجارة وحرية ممارسة الأنشطة الاقتصادية المختلفة، من زراعة وصناعة وعمارة وطبع ونشر، واستفادة من المباحات أرضاً كانت أو غيرها. كذلك الحريات الشخصية التي لا تتعارض مع الأحكام الشرعية كحرية السفر والاقامة والعمل) (6). 3- قاعدة السعي: ومستندها (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وإن سعيه سوف يرى) (النجم:39-40). يقول (رضوان الله عليه) عن هذه القاعدة: (فلابد أن يكون اهتمام الإنسان بالإنتاج؛ الفلاح في مزرعته يفكر بالإنتاج في الجانبين الكم والكيف، والعامل في مصنعه يفكر بالإنتاج في الكم والكيف، وهكذا كل إنسان يعيش في المجتمع الإسلامي رائده الأول هو الإنتاج، وعندما يزداد الإنتاج ينتعش المجتمع، وعندما يتحسن الإنتاج يحصل الاكتفاء الذاتي، والحصيلة هي التقدم في كل المناحي وعدم الاحتياج إلى الأجانب) (7). 4- قاعدة الأمة الواحدة: ومستندها (إنّ هذه أمتكم أمة واحدة) (الأنبياء:93). يقول عن هذه القاعدة: (وهكذا أراد الله للبشرية أن تكون أمة واحدة كما لها رب واحد) (8) هذا على النطاق العام، أما على النطاق الخاص فإن الدعوة إلى قيام الأمة الإسلامية الواحدة ومقتضى ذلك، كما يقول الإمام الشيرازي(قدس سره): (رفع الحدود الجغرافية والحواجز النفسية وتوحيد اللغة والتاريخ والعملة وما شابه ذلك على أن تكون اللغة المشتركة لغة القرآن والتاريخ الرسمي تأريخ الإسلام الهجري القمري والعملة الدينار والدرهم) (9). 5- قاعدة تملك الرأسمال: ومستندها (لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) (سورة البقرة:279)، وهي نتيجة السعي حيث يحصل الإنسان العامل على رأسمال هو ملك له لا يحق لأحد أن يستولي عليه تحت أية ذريعة، ويسمي الإمام الراحل هذه الآية (آية عدم الضريبة إلا في أربع: الخمس، الزكاة، الجزية، الخراج) (10) واستناداً لهذه الآية يحرم وضع الضريبة على المال باستثناء الأمور الأربعة التي ذكرها. 6- قاعدة إعمار الأرض: ومستندها (خلق لكم ما في الأرض جميعاً) (البقرة: 29) و(الأرض لله ولمن عمرها) (11) و(من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له) (12) واستناداً لهذه القاعدة يوجب الإمام الشيرازي (قدس سره) على الدولة ضرورة توزيع الأرض على الناس بلا ثمن لإحيائها، إما في السكن أو المعمل أو الزراعة، كما فعل أمير المؤمنين (ع) (ورد أن علياً(ع) بنى في الكوفة دكاكين وأعطاها للناس مجاناً حتى لا يغلى ثمن البضائع)، وقال(ع): (ما من شخص إلا وأعطيته داراً) (13). هذه القواعد الست يمكن إضافتها إلى القواعد الفقهية التي ذكرها الفقهاء واستنتجوها خلال بحوثهم الفقهية، وقد سمى الإمام الشيرازي الراحل الآيات التي استند إليها في استخراج تلك القواعد بالآيات المنسية التي نساها المسلمون فتراجعوا بدل أن يتقدموا (فسادَ الاستبداد عندما ترك المسلمون الشورى، وشل المجتمع عندما ترك المسلمون العمل بالحريات وانخفضت إنتاجية المجتمع عندما ترك المسلمون السعي، وتشتت المسلمون وتمزقوا عندما قطعت بلادهم، وأضحوا في ضنك عندما تركوا قانون (لكم) ) (14). وقد تركت هذه الآيات أثرها في التشريع وأصبحت في مصاف القواعد الفقهية التي أعطت للإمام الراحل فسحة أخرى من الحركة نحو قيادة الفقه من المقاصد الفردية إلى المقاصد الجماعية. وهذه هي أهم الإصلاحات التي أوجدها الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) على صعيد الفقه الإسلامي. المطلب الثاني - الفقيه المتصدي: الصورة التي رسمها الإمام الشيرازي (قدس سره) للفقيه تختلف عن الصورة المتعارف عليها؛ فقد تعارفت الحوزات العلمية أنّ الفقيه هو القادر على استنباط الأحكام الشرعية وحسب، بينما أضاف الإمام الشيرازي(قدس سره) إلى هذه القدرة الكفاءة الإدارية والاستعداد النفسي للتصدي وتحمل قضايا الأمة. وهذا جانب مهم من جوانب الإصلاح في فكر وحركة الإمام الراحل، لأنه بدون فقيه متصدي لأمور الناس لا يمكن القيام بأي عمل تغييري في المجتمع. وقد رسم السيد الإمام (قدس سره) هذه الصورة عن الفقيه الواعي والفاعل في المجتمع من خلال ممارساته لأمور المرجعية، فقد أعطى عن نفسه صورة مشرقة للفقيه الجامع للشرائط، ومن الشرائط بالطبع التصدي لقضايا الأمة. وأيضاً من خلال النماذج التي يطرحها في كتبه عن المرجعية الصالحة؛ فقد ذكر عدداً من الفقهاء كنماذج لعالم الدين المتصدي والواعي لزمانه ولمسؤولياته. من هؤلاء السيد البروجردي الذي وصفه الإمام الشيرازي(قدس سره): (من أعلام قم وشخصياتها، تصدى لزعامة الحوزة العلمية فيها، وذلك إثر دعوة كبار العلماء له، وبقدومه إلى قم المقدسة ازدهرت الحوزة العلمية وتقدمت تقدماً كبيراً وتطورت تطوراً عظيماً، حيث استطاع السيد البروجردي أيام مرجعيته تقوية الاعتماد على القرآن والحديث، وتضعيف الحكمة والفلسفة وحذفها من مناهج الحوزة العلمية، وفي هذا المجال قام بتأليف الموسوعة الحديثية الضخمة والجامعة) (15). ويقدم الإمام الشيرازي نموذجاً آخر من الفقهاء المتقدمين، وهو نصير الدين الطوسي الذي أوقف الزحف المغولي وحدَّ من غطرسة هولاكو، بالإضافه إلى ما قدمه من خدمات علمية.. يقول عنه: (إن الخواجة نصير الدين لم يكن موفقاً فقط في الحد من همجية المغول وبربرية هولاكو خان كبير المغول، بل سعى رغم الصعوبات والمشاكل التي كانت تعصف به إلى حفظ التراث العلمي والكيان الإسلامي حتى لا تندثر المفاهيم الإسلامية ولا تنطفئ شعلة حضارته الوهاجة وحفاظاً على ذلك فقد أنشأ مرصد مراغة المعروف واشتغل بالتدريس، وتتلمذ على يديه ما لا يحصى من طلاب العلوم الدينية، واشتغل بالتأليف أيضاً، وألّف كتباً قيمة وغنية) (16). أما اتجاهه الآخر في طرح فكرة الفقيه المتصدي؛ فهو عمله الدؤوب لتربية نماذج فريدة من المراجع المتصدين والفقهاء الرساليين، وقد برز الكثير من تلاميذه من كان فقيهاً ومتصدياً انتشروا في مختلف الآفاق ليؤكد الإمام الراحل (قدس سره) من خلالهم أنه لم يترك كتباً وأفكاراً إصلاحية وحسب، بل ترك مسيرة متواصلة تختزن الفقهاء والكوادر والمؤسسات. المطلب الثالث - شورى الفقهاء: ويكتمل البناء الفوقي لعملية الإصلاح بإيجاد منظومة تجمع الفقهاء المتصدين تقوم على قاعدة الشورى. وشورى الفقهاء هو عصارة الفكر السياسي للشيرازي ولا عجب أن نجد في أكثر كتبه بحثاً يتناسب وموضوع الكتاب عن شورى الفقهاء المراجع، حيث يعتقد الإمام(قدس سره) أن جميع مشاكل الأمة، من فقر وجهل وتخلف وتراجع في الحقل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، منشأه عدم وجود مجلس يجمع الفقهاء في منظمة واحدة. ويبسط الشيرازي بكلمات مبسطة وواضحة نظريته في شوري الفقهاء المراجع قائلاً: (من مشاكل المسلمين في الحال الحاضر انفراد المراجع في العمل على رغم إخلاصهم وصدقهم وتفاعلهم في سبيل الحق والهداية - وإنما هي مشكلة الدنيا الحاضرة؛ ففي السابق كانت الدنيا انفرادية حيث اعتاد الناس على العمل الفردي والتفكير والتخطيط والتنفيذ الانفرادي، فلم يكن بأس بالانفرادية في الجانب المرجعي، أما اليوم فقد نظمت كل الفئات جهودها وإمكاناتها، يهودية كانت أو نصرانية أو غيرها من الأديان والمذاهب التي لها أصل سماوي أو لا أصل سماوي لها). ثم يأخذ على العمل الفردي قائلاً: (والعمل الذي يقوم به الإنسان على انفراد مهما كان ناجحاً وجيداً إلا أنه لا يتمتع بتلك الجودة إذا لم يكن متكاملاً مع الأعمال الأخرى). من هنا كانت مسؤولية المراجع (حفظهم الله تعالى) هي توحيد طاقات العمل وصبها فيما هو خير وصلاح للأمة حتى تأخذ الأمة عدَّها التصاعدي بعد سقوط دام عقوداً من الزمن. ويقول في معرض استدلاله على حجية شورى الفقهاء المراجع: (وبالجمع بين أدلة الشورى وأدلة الأمة نجد من الضروري جداً إقامة مجالس للشورى ابتداءً من المراجع وانتهاءً بعامة الناس). ويعلل سبب هذه الدعوة بـ(أن الانفرادية في المرجعية هي سبب تغلب الغرب علينا ليس دينياً فقط بل ودنيوياً، فأصبح العلماء والمراجع يتعرضون للاعتقال والتعذيب والقتل ومصادرة الأموال.. ولا من منقذ ولا من مجير إلا الله سبحانه وتعالى) (17).
وهو البناء الذي يُشكّل الأعمدة والمساند بين القاعدة والقمّة، أو بتعبير آخر جسور الوصل بين قمّة الهرم متمثّلاً بالفقه والفقيه وشورى الفقهاء وبين القاعدة المتمثّلة بالأمة. وقد حظي هذا البناء برعاية خاصّة مِن لدن الإمام الشيرازي الراحل إذ بدونه لا يمكن إقامة أي عملٍ إصلاحي في المجتمع، كما لابدّ من وجود وسائط بين القمّة والقاعدة، وهذه الوسائط التي ذكرها الإمام الراحل (قدس سره) هي: 1 – الحركة الإسلامية. 2 – المؤتمرات. 3 – الكتاب. 4 – التبليغ. 5 – المؤسّسات. أوّلاً: الحركة الإسلامية حظيت الحركة الإسلامية بأهمية كبرى في فكر الإمام الشيرازي الراحل، وقبل أن يكون منظراً للفكر الحركي كان رحمه الله أحد الروّاد والمؤسّسين للحركة الإسلامية؛ فمع طغيان الأنظمة الجائرة بذر الإمام الشيرازي بذرة الحركة الإسلامية؛ فقد جمع الشباب الملتفّ من حوله والمعتقد بآرائه السديدة، وبدأ معهم أوّل خطواته في العمل المنظّم وذلك في عام 1967م، وتقدّم العمل خطوة إلى الأمام فتحوّل إلى حركة منظّمة ذات حلقات متّصلة بعد أن كان مجرّد تجمّعات شبابية أوجدتها هيئات قراءة القرآن وتفسيره. وما هي إلاّ بضع سنين حتى تحوّلت الحركة إلى تيّار ضمّ مجموعة من الحركات والمؤسّسات والتنظيمات أخذت تنتشر في مختلف البلدان الإسلامية. ومع تقادم الزمن نمى في هذه الحركات الكادر القيادي القادر على إدارة دفّة الأمور فأخذ يستلم المسؤولية متلقّياً التشجيع المتواصل من الإمام الشيرازي الذي ظلّ يرعى هذه الحركات رعاية أبوية، فلم ينقطع عنها بل واصل إشرافه عليها من بعيد دون أن يتدخّل في شؤونها بصورة مباشرة؛ لأنّ ذلك ليس من شأنه، ولا من منهجه بالرغم من أنه هو المؤسّس، وشملت رعايته للحركة الإسلامية تقديم النصح والدعم المعنوي، والتنظير الفكري المتواصل.
الدور الذي يقترحه الإمام الشيرازي(قدس سره) للحركة الإسلامية هو إصلاح الأمة وتقويم بنيتها الاجتماعية والثقافية والإيمانية. وللاضطلاع بهذا الدور المهم يضع أمام الحركة الإسلامية مجموعة أصول هي: 1– أصل جمع الكلمة. 2– أصل التصالح والأُلفة. 3– أصل اختيار الحلّ الوسط. 4– أصل تقديم الأهم على المهم. 5– أصل تلبية حوائج الناس. وبهذه الأصول الخمسة وغيرها تتمكّن الحركة الإسلامية من أداء دورها الحضاري في الهرم الإصلاحي لتكون وسيطاً صالحاً بين القمّة والقاعدة. وذلك بالتوكّل على الله والثقة العالية بالنفس ووضع الهدف نصب العين والاستفادة الكاملة من الإمكانات وهذه هي الخطوات الأولى على الطريق كما يسمّيها الإمام الشيرازي(قدس سره) (18).
يذهب فكر الإمام الشيرازي إلى مدى أوسع من التشكّلات المحلّية والمناطقية، فهو يرى أنّ قدر الحركات الإسلامية أن توحّد عملها وكياناتها في منظومة واحدة تعمل على جمع شتات المنظّمات الإسلامية الصغيرة المتناثرة في مختلف البلاد الإسلامية وغير الإسلامية، ووجود هذه المنظّمة ليس قدر الحركة الإسلامية وحسب بل هو قدر الأمّة الإسلامية التي تتطلّع إلى غدٍ مُشرق. يقول الإمام الشيرازي عن دور هذه المنظمّة العالمية: (وسيكون بمقدور هذه المنظّمة العالمية حمل فكرة حكومة المسلمين الواحدة والدعوة إليها حتى تجد لها مؤيّدين بين أبناء الأمّة) (19). وهنا تصل هذه الحركة إلى الآفاق الرحبة فيصبح بمقدورها أداء الدور الحضاري الموكول إليها بتشكيل الدولة الإسلامية الموحّدة التي ستلبّي طموحات الأمة في التغيير والإصلاح. ثانياً: المؤتمرات: من الوسائط المساهمة في عملية الإصلاح والتغيير، المؤتمرات التي تعتبر حجر الأساس في قيادة عملية التغيير الاجتماعي. وللمؤتمر في فكر الإمام الشيرازي دورٌ واسع وكبير، وقد استخلص هذا الدور للمؤتمر من ثلاثة منطلقات: 1– تركيز الفكر الإسلامي على نظرية الشورى ومطالبة القرآن والنبي وأهل البيت(ع) المسلمين باتباع قاعدة الشورى في مختلف مناحي الحياة. والمؤتمرات هي أوضح مصاديق الشورى وأفضل آلية لتحقيق الآية الكريمة (وأمرهم شورى بينهم). 2– تجارب الشعوب وبالأخص الشعب الهندي من خلال نضال الزعيم الهندي المهاتما غاندي، فقد اتّبع غاندي أسلوب إقامة المؤتمرات في تطبيق أهداف الشعب في التحرير وسمّى حزبه باسم حزب المؤتمر ليدلّل على أهمية هذا الأسلوب. وللإمام الشيرازي قراءة دقيقة لحياة المهاتما غاندي الذي ابتكر أيضاً أسلوب اللاّعنف، وكثيراً ما استشهد بأعماله النضالية ضدّ الاحتلال والاستبداد. 3– الواقع الذي تعيشه الأمة بحاجة الى عقد المؤتمرات الكثيرة التي من خلالها يتم إشراك الأمة في عملية التغيير والإصلاح. وامتثالاً لهذه المنطلقات كتب الإمام الشيرازي بحثاً مستقلاً حول المؤتمرات، مطبوع تحت عنوان (مؤتمرات الإنقاذ) بالإضافة إلى البحوث التي كتبها في بقية كتبه. يقول عن دور المؤتمرات: (إقامة المؤتمرات من مستلزمات قيام دولة المسلمين الواحدة، فالمؤتمرات المكثّفة التي تستوعب كل أفكار الأمّة وحاجاتها وطموحاتها هي من المقدّمات المهمّة في حياة الحركة خصوصاً إذا كان الهدف المرجوّ لهذه الحركة هو إقامة حكومة المسلمين الواحدة وإنقاذهم من التأخّر والتشرذم والتبعثر) (20). ولكي يكون للمؤتمر تأثير فاعل على الساحة الإسلامية: (لابدّ أن تنعقد هذه المؤتمرات في استقلالية تامّة عن أيّ عاملٍ خارجي سواء كان عاملاً حكومياً أو تياراً سياسياً) (21). (كما لابدّ أن يُراعى في أعضاء المؤتمر النزاهة والإخلاص والابتعاد عن العنف، إذ ستؤدّي هذه الصفات إلى نتائج من جنس المقدّمات) (22). وفوائد المؤتمرات هي: 1– تعزيز مشاركة أكبر عدد من أبناء الأمّة في تقرير مصيرها. 2– توضّح للأمّة مسؤولياتها فتنطلق إلى ميادين العمل بعد الاقتناع الكامل. 3– توجد حالة التنافس الشريف بين أبناء الأمّة. ومن خلال هذه الفوائد يمكن أن نضع رقماً مهمّاً في حساب التغيير والإصلاح الاجتماعي.
وعن برنامج المؤتمرات يقول الإمام الشيرازي(قدس سره): (لابدّ من إقامة مؤتمرات دورية كل سنة أو كل ثلاث سنوات يتم فيها تداول الآراء والأفكار، ويتمّ فيها أيضاً وضع الخطط والبرامج التي يعوّل عليها تقدّم الأمة). هذا هو المؤتمر العام الذي ينعقد إلى جانبه عدد كبير من المؤتمرات: (ويلزم أن يسبق المؤتمر العام، مؤتمرات إقليمية تنعقد في مختلف المناطق وتكون بمثابة الرافد حيث تصبُّ نتائجها في المؤتمر العام). (وقبل انعقاد المؤتمر العام لابدّ من تشكيل لجنة تحضيرية تهيئ الأرضية الكافية لعقد المؤتمر) أمّا عن نظام العمل في داخل المؤتمر فيقول الإمام الشيرازي(قدس سره): (ويتم في المؤتمر العام توزيع الأعمال على شكل لجان اختصاصية مثل: اللجنة المالية واللجنة السياسية واللجنة التنظيمية واللجنة الثقافية ولجنة العلاقات واللجنة الإعلامية، كما لابدّ من الاهتمام بلجنة مهمّتها وضع الخطط الكفيلة بالاكتفاء الذاتي، إذ الحياة تؤخذ بالتدريج، إذ لا يمكن تحقّق الهدف الكبير إلاّ بالاعتماد على النفس)(23). وخلاصة الأمر: كلّما تصفّحت كتاباً للإمام الشيرازي(قدس سره) لابدّ وأن يأتي على ذكر المؤتمرات لأنّها أخذت حيّزاً كبيراً في فكره الإداري والسياسي، وممّا زاد من اعتقاده بأهمية المؤتمرات التزامه بهذا الأسلوب حتى في إدارة شؤون بيته، فقد نقل لي أحد أبنائه أنه كان يعقد في داره اجتماعاً عندما يُراد بحث موضوع عائلي واتّخاذ قرار حاسم حوله. ثالثاً: الكتاب الكتاب أحد وسائل التغيير والإصلاح بل (إنه أهم وسيلة لتثقيف وتوعية الأمة، وهو الوسيلة الوحيدة التي تمتلكها الأمة، بينما سائر الوسائل التثقيفية بيد الحكومات) (24). وقد أولى الإمام الشيرازي (الكتاب) رعاية خاصّة اكتسبها من خلال خبرته الطويلة في عالم التأليف وعبر تبحّره في عالم الكتب والمصنّفين في الشرق والغرب، فبسرعة البرق تأتيك الإجابة عن عدد الكتب التي طبعها ماوتسي تونغ الزعيم الصيني وما كُتب حول لينين والمهاتما غاندي ونهرو، ولكي يستثير حميّة الرجال يذكر قائلاً: (ولا عجب في ذلك فـ (آغاثا كريستي) البريطانية طبع من كتبها مليار نسخة إلى غير ذلك وهي امرأة واحدة) (25). أمّا الروايات فيذكرها الإمام الشيرازي(قدس سره) من باب الحثّ فقد أورد في مقدّمة الكتاب الذي كتبه عن أهميّة الكتاب وهو (الكتاب من لوازم الحياة) هذا الحديث النبوي المأثور: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث صدقة جارية أو كتب علم يُنتفع بها أو ولدٌ صالح يدعو له)، ويعلّق على الحديث قائلاً: (الكتاب صدقة جارية لكن لأهميته ذُكر وحده، فهو من ذكر الخاص بعد العام، ولا يُبعد أن يُراد بـ(كُتب) أعم ممّا ينفع الدنيا أو الآخرة بقرينة أنّ الإسلام اهتمّ بالأمرين. والمسلمون تقدّموا بالعلم، وسقطوا حين سمحوا للعلم أن يهرب من أيديهم إلى الغرب، والغرب في الوقت الحاضر سيطر على العالم بالعلم) (26).
ركّز الإمام الشيرازي الراحل في كتاباته عن الكتاب حول المعوّقات التي تعترض سبيل نشر الكتب كمحاولة منه لتعبيد الطريق أمام الكتاب من التأليف حتى النشر مروراً بالطبع. فيذكر ثلاث معوّقات في طريق الكتاب: الأوّل: ضعف التأليف. الثاني: ضعف التمويل. الثالث: الرقابة.
الأمم التي تحترم الكتاب هي أمم حيّة قادرة على تسلّق سلّم الحضارة، فإذا أردنا للأمة الإسلامية التقدّم والازدهار فلابدّ من نشر ثقافة الكتاب، حتى يكون الكتاب صديقاً لنا في الشارع والسيارة والمكتب وفي كل مكان. وقد نقل الإمام الشيرازي الراحل مشاهدات أحد التجّار الذين زاروا اليابان والذي وجد في اليابانيين شوقاً كبيراً إلى المطالعة، ووجد المكتبات في كل مكان وصلت إليه قدمه، في الحديقة أو الطائرة أو القطار أو المستشفيات أوالعيادات الخاصّة، فالكتاب موجود في اليابان كالهواء. ولم يستغرب الإمام الشيرازي(قدس سره) من جواب هذا التاجر عندما سأله: ما سرّ تقدّم اليابان؟ فقال: إنّ تقدّمهم بسبب الكتاب. لذا يقترح السيد الشيرازي: (فمن اللازم الاهتمام بإنشاء المكتبات العامّة والخاصّة حسب الإمكان وأن يكون في كل بيت مكتبة ولو من مائتي كتاب) (27). ويقترح أيضاً لإشاعة ثقافة الكتاب، طبع الكتب بأحجام صغيرة لأنّ (من خصائص الكتاب الصغير، صغر حجمه، واتّساع انتشاره، وسهولة مطالعته، وقلّة تكاليف الطبع وسهولة الحمل) (28).
يذكر الإمام الشيرازي(قدس سره) نماذج من تأثير الكتاب على الأمم والشعوب، منها: أثر كتاب جان جاك روسو في توعية الشعب الفرنسي، وأثر كتب ماوتسي تونغ في الثورة الصينية.. وينقل في كتابه الموسوم (الكتاب من لوازم الحياة) قصصاً لا تنقصها الطرافة عن تأثير الكتب على الشخصية الفلانية وعلى الوزير الفلاني وعلى التاجر الفلاني. ولا غرابة أن يكون الكتاب أحد أهم الوسائل التي استخدمها الإمام الشيرازي الراحل في تغيير المجتمع وإصلاحه، فقد كتب أكثر من ألف ومائتي كتاب في مختلف صنوف العلم والمعرفة وشجّع تلاميذه على الكتابة فتخرّج العشرات من الكتّاب من مدرسته. وقد أحدث وجود الإمام الشيرازي في العراق وإيران وفي الكويت حركة ثقافية واسعة المدى استطاعت أن تحرّك عجلات دور النشر التي ساهم الإمام (قدس سره) بصورة مباشرة في تأسيسها لتسهيل أمر الطباعة. فهناك العشرات من دور النشر اللبنانية التي أسّسها الإمام الشيرازي بصورة مباشرة. رابعاً: التبليغ ويشمل التبليغ الخطابة والمحاضرة ومجالس الوعظ والإرشاد، وهي من أقوى وسائل التغيير والإصلاح لارتباطها المباشر بالأمة، فهي من أفضل الوسائط بين القمّة والقاعدة بشرط أن يتم تنظيمها والإعداد الجيّد لها. والتبليغ هو مسؤولية الجميع ولا يختص بفئة دون فئة أخرى، طالما هو واجب شرعي يخضع لقواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذا هو باختصار مفاد نظرية التبليغ عند الإمام الشيرازي(قدس سره)، يقول سماحته مخاطباً القارئ: (فإنّ من الممكن لقارئ هذه الكرّاسة أن يجعل من نفسه رأساً مفكّراً وذلك بأن يجتمع باثنين أو ثلاثة أو خمسة من أصدقائه المخاطبين ويجعلون لهم برنامج التفكير الدائم يجتمعون كل أسبوع مرة ساعتين أو ثلاث ويتذاكرون شؤون التبليغ، وكيفية العمل لأجله ومقدّماته ويتباحثون حول مناهجه ومقوّماته، ومن أين ينبغي أن يبدؤا وكيف ينبغي أن يعملوا، وما هو مقدار العمل الذي يحاولون إنجازه، وما هي أبعاد المواقع التي يريدون خوضها، وبعدما يقررون شيئاً يعملون في سبيل تطبيقه، وهكذا جلسة بعد جلسة واجتماعاً بعد اجتماع وتداولاً بعد تداول حتى ينتهوا إلى النتيجة المطلوبة، فإنه ما قصد امرؤٌ شيئاً إلاّ وصل إليه أو وصل قريباً منه، والرجال العظام لم يتقدّموا إلاّ بالتفكير والعزم والإقدام) (29). إذاً الأسلوب الأمثل الذي يراه الإمام الراحل (قدس سره) هو أن يتحوّل التبليغ إلى حالة شعبية وأسلوب للعمل الجماهيري؛ من الجماهير وإلى الجماهير. خامساً: المؤسّسات وهي تشمل الحسينيات والمساجد والمكتبات واللجان الخيرية والجمعيات الاجتماعية والثقافية ومراكز التثقيف والتوجيه الديني .. ولهذه المؤسّسات وظيفتان: الوظيفة الأولى: تقديم الخدمة الممكنة لأبناء الأمة على حسب تخصّصاتها. الوظيفة الثانية: إصلاح الأمة وحلّ معضلاتها الكبرى من خلال تطوّع الأفراد في هذه المؤسّسات ومن خلال ما تقدّمه من وظائف لصالح المجتمع، من رفع الفقر والجهل والعزوبية وبقية المعوّقات والمشاكل. ويلاحظ في هذه المؤسّسات: 1- التنوّع في التخصّصات 2- تكاملية بعضها مع البعض الآخر، 3- هدفية هذه المؤسّسات أي إنّها بأجمعها تسير وفق هدف مشترك هو إصلاح وضع الأمة واستبدال أوضاعها الثقافية والاجتماعية بما هو أفضل وأحسن. وفي مجال الفكر كتب الإمام الشيرازي الراحل كتاباً يُعتبر خطوطاً عامّة للمؤسّسات الدينية، عنوان الكتاب (إلى نهضة ثقافية إسلامية) اشتمل على أهداف المؤسّسة، وصفة العاملين فيها، وكيفية إدارتها وتوجيهها، والوظائف الأساسية الملقاة على عاتقها. عرض سماحته(قدس سره) أفكاره في هذا الكتاب بصورة موجزة ومبسّطة، يفهمها القريب والبعيد. هذا بالإضافة إلى استثماره أيّة فرصة ليذكّر فيها بأهمية المؤسّسات وكيفية العمل فيها. - البناء التحتي في حركة الإصلاح والتجديد: تقع الأمة في قاعدة الهرم، وهي تشمل جميع صنوف المجتمع، من الشباب والنساء والعمّال والفلاّحين والكسبة والموظفين.. الأمة هي السبب في بعثة الأنبياء(ع)، وإرسال الكتب وتنـزّل الوحي .. الأمة هي الهدف من الرسالة الإسلامية، والغاية من بعثة رسول الله(ص). فجميع خطوات التغيير والإصلاح متّجهة نحو الأمة. وقد كتب الإمام الشيرازي(قدس سره) الكثير عن الأمة، فما من كتاب أو كُتيب إلاّ وقد تناول فيه شأناً من شؤون الأمة، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على مدى رعايته (قدس سره) لأمر الأمة وشؤونها، وكيف لا وهي الهدف من طروحاته وأفكاره التغييرية والإصلاحية. لقد تناول الإمام الشيرازي الراحل (الأمة) من منظارين: الأول: ما لَحَقَ بالأمة من تراجع؛ مظاهر هذا التراجع، وعوامله وكيفية الخروج من ربقته. الثاني: عوامل التقدّم والعزّة في الأمة وكيفية تحقّقها في الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي للأمة. أوّلاً: عوامل التخلّف والتراجع: يبحث الإمام الشيرازي موضوعة (عوامل التخلّف) في عدّة أماكن من كتبه وبحوثه؛ ففي بحثه عن الأمة الواحدة يتطرّق إلى ثلاث نقاط من نقاط ضعف الأمة هي: 1– التخلّف العلمي والجهل المتفشّي في كافّة المجالات وبشكل واسع. 2– انعدام التنظيم في حياة الأمة، والذي نجم عنه بعثرة الطاقات والجهود. 3– انعدام الوحدة والاُخوّة الإسلامية. ويبحث الإمام الراحل منشأ هذه النقاط ونتائجها على الصعيد العام. فحول المنشأ يعتقد سماحته بأنّ منشأ هذه النقاط ليس هو الاستعمار كما يذهب إلى ذلك الكثير من المحلّلين والمفكّرين الإسلاميين، بل منشأها هم المسلمون. يقول في هذا المجال: (يوجد الكثير الكثير من نقاط الضعف فينا، والكثير الكثير من الطرق الممهّدة التي توصل العدو إلى نقاط ضعفنا، ونحن بأنفسنا أوجدنا بعض هذه النقاط، وبأنفسنا سهّلنا للعدو الوصول والتغلغل إلى صفوفنا عن طريق تمهيدنا له، وإعلامه بشكل مباشر وغير مباشر بنقاط ضعفنا) (30). إذاً ليس الاستعمار هو السبب في تخلّف المسلمين، بل هم الذين مهّدوا الطريق أمام الاستعمار. وهذه مقولة لم يقلها إلاّ القليل النادر من المفكّرين والمصلحين، يُشاركه الفكرة المفكّر الجزائري مالك بن نبي صاحب نظرية (القابلية للاستعمار). وعلى رصيف هذه الفكرة أقام الإمام الشيرازي(قدس سره) نظريته في التغيير الاجتماعي؛ لأنّ ربط كل مشاكل الأمة بعوامل خارجية يعني تجريد الأمة من المسؤولية. ومعنى ذلك أنّ مشكلة الأمة تعالج بزوال الاستعمار، وقد زال الاستعمار في بعض المناطق وشاهدنا أنّ مشاكلها لم تنته. هذا عن منشأ التخلف، أمّا مظاهر التخلّف فقد عدّد الإمام الشيرازي العشرات بل المئات من مظاهر التخلّف في العالم الإسلامي، فما من كتاب أو خطاب أو بيان إلاّ وتطرّق إلى هذه المظاهر؛ ففي فقرة من كتاب الأمة الواحدة يقارن الشيرازي(قدس سره) بين حال المسلمين وحال العبيد في أمريكا في القرون الوسطى فيؤكّد: (ما نراه اليوم من نشوب الحروب الكثيرة بين المسلمين أنفسهم وليس مع غيرهم، بل إنّ المسلم في الدولة الكذائية مثلاً بدأ يقتل أخاه المسلم الذي يعيش معه على أرضٍ واحدة وتجمعهم عقيدة واحدة وتربطهم روابط اجتماعية معيّنة، ولكن من دواعي الأسف أن يفقد بعض المسلمين هذه الروابط ويستبدلها بالتناحر والتنازع، بالإضافة إلى ذلك ما تعانيه البلدان الإسلامية ككل من عمليات نهب واستغلال لثرواتها الطبيعية الوفيرة، حيث أخذ المستعمرون يستغلّونها لمنافعهم الشخصية، ومن ثم يضربون بها المسلمين) (31).
بحث الإمام الشيرازي (أعلى الله مقامه) هذا الموضوع في الكثير من المواطن وكتب فيها دراسات معمّقة وموسّعة جاوزت المئات من الكتب الكبيرة والصغيرة والمتوسّطة، فمن الكتب الكبيرة: الصياغة الجديدة، والسبيل إلى إنهاض المسلمين، وممارسة التغيير. ومن الكتب المتوسّطة: كتاب الدولة الإسلامية، والقانون، والحرّيات، والاقتصاد، والسياسة، وعشرات من مثل هذه الكتب. أمّا الكتب الصغيرة فقد جاوزت العشرات إلى المئات، منها: كتاب الأمة الواحدة، نحو يقظة إسلامية، طريق النجاة، هكذا حكم الإسلام، المرض والعلاج، لنبدأ من جديد.. إلى آخره من الكتب التي تبحث في هذا الموضوع. ولمّا كان الإمام الراحل قد وضع يده على الجرح، فقد أعطى الدواء الشافي عندما اقترح هذه الحلول لمشاكل الأمة: 1– أن نغيّر ما بأنفسنا كما قال سبحانه وتعالى: (إنّ الله لا يُغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم) (الرعد:11). 2– تنمية ثلاثة أمور: العقل، العلم، التربية. فعن العقل يقول: (فيجب على المسلمين أن يعملوا على تنمية عقول أبنائهم، لأنّ العقل نعمة أنعم الله عزّ وجلّ بها على عباده؛ حتى يتمكّن العبد من مواجهة الأهواء والشهوات والانحرافات التي يواجهها من كل حدب وصوب، فالعقل يجب أن يكون هو الحاكم لدى الفرد المسلم، لا الشهوة والرغبة، فإذا ما أصبح العقل هو الحاكم، وهو المقرّر فستتغيّر بالتأكيد جميع أعمال الإنسان، وتتّجه نحو الصواب والصلاح) (32). وفي مجال العلم يستلهم الإمام الشيرازي(قدس سره) فوائد العلم من حديث رسول الله (ص)؛ قال أمير المؤمنين (ع): سمعت رسول الله يقول: طلب العلم فريضة على كل مسلم (به يُطاع الربّ وبه توصل الأرحام، وبه يُعرف الحلال والحرام، والعلم إمام العمل، والعمل تابع، يلهمه السعداء، ويحرمه الأشقياء) (33). أمّا عن التربية فيقول (طاب ثراه): (وهي عامل مهم في تعديل وتهذيب أفكار المسلمين، ونرى الذين اهتمّوا بهذا الجانب رأوا ثماراً طيّبة ونتاجاً رائعاً، وأصل التربية هي هداية الإنسان إلى الصراط المستقيم) (34). وفي كتاب (المتخلّفون مليارا مسلم)، يطرح الإمام الشيرازي الراحل خمسة أسباب للعزّة هي: الوعي، الأخوّة الإسلامية، الأمة الإسلامية الواحدة، الحريات الإسلامية، تطبيق أوامر السماء. فعن الوعي يقول: (أول أسباب التقدّم المستلزم للعزّة هو: وعي الأمة الإسلامية نفسها وما يجري حولها، حتى يحسّ المليارا مسلم بأنّهم أصبحوا بالنسبة إلى الأمم الأخرى متخلّفين، وصاروا على أثره لهم منقادين، ويدركوا ذلك من أعماقهم، وعن قرارة أنفسهم، فإنه لا يمكن التقدّم في شيء من مجالات الحياة إلى مقبض الزمام إلاّ بالوعي، علماً بأنّ الوعي له أسباب ثقافية مادية، بغضّ النظر عن الأسباب المعنوية الروحية، فإنّ المسلمين على كثرة عددهم قد تأخّروا في كلا المجالين: المادّي والمعنوي، فليس لهم ثقافة مادّية تؤهّلهم للتقدّم، كما ليس لهم معنويات تدفعهم من الداخل إلى الأمام) (35). وعن الأخوّة الإسلامية يقول السيد الإمام الراحل: (فإنّ عامل الكثرة إذا اتّحد مع عامل الأخوّة، أنتج العزّة وليس للكثرة وحدها، ولذلك نرى أنه قد آخى الرسول (ص) بين المسلمين مرتين: مرة في مكة المكرّمة، ومرّة في المدينة المنوّرة؛ فسلمان الفارسي وصهيب الرومي، وبلال الحبشي وأبو ذر العربي، كلّهم صاروا أخوة ببركة الإسلام، وصار لكل واحد منهم ما للجميع، وعلى كل واحد منهم ما على الجميع، وذلك من غير نظر إلى عشيرة أو قبيلة أو أصل أو فرع، وإنّما كان الميزان هو ما ذكره القرآن الحكيم بقوله: (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم)، علماً بأنّ هذه (الأكرمية لأفراد الأمة المتآخين) إنّما تكون عند الله من حيث الأجر والثواب لا من حيث الأمور الدنيوية) (36). ويقول عن الأمة الواحدة: (إنّ الاتّحاد قوّة وأنّ التشتّت ضعف، وقد نهى الله عمّا يسبّب ضعف المسلمين بقوله سبحانه: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم). ومن المعلوم أنه قد حصل تنازع غريب بين بلاد الإسلام على أثر هذه الحدود الجغرافية المبتدعة، ممّا أنتج ضعف المسلمين وذهاب شوكتهم وسيادتهم) (37). وعن الحريات الإسلامية يقول (قدس سره): (من أسباب عزّة المسلمين هي الحريات الإسلامية الواسعة والشاملة لكل جوانب حياة الإنسان ومجالاته الفكرية والعملية، ويدلّ عليها القرآن الحكيم، والروايات الشريفة المأثورة عن رسول الله (ص) والأئمّة من أهل بيته الطاهرين) (38) وفي مجال الحريات كتب السيد الإمام الشيرازي (طاب ثراه) بحثاً أورد فيه ألف نوع من أنواع الحريات التي يكفلها الإسلام للبشرية. وعن تطبيق أوامر السماء يقول: (ومن أسباب عزّة المسلمين، التي أسقطها حكّامنا بأمر من أسيادهم، هو: العمل الصادق، والتطبيق الحرفي لأحكام القرآن وتعاليم الإسلام، فإنّ الإسلام أهدى للبشرية أرقى قوانين التقدّم وأجمع مواد التمدّن والتحضّر، وأفضل مناهج السعادة والهناء، ومن الملحوظ أنه من يوم ترك المسلمون أوامر السماء فاتتهم الأرض والسماء، بينما في اليوم الذي كان المسلمون قد أخذوا فيه بقوانين السماء أتتهم السماء والأرض بكل خيراتها وبركاتها) (39). ومن أسباب العزّة التي ذكرها الإمام الشيرازي، الاقتداء بالرسول (ص)، يقول عن الحاجة إلى القدوة: (وأطلق القرآن الكريم جانب الأسوة ولم يقيّده بشيء، ممّا يدلّ على أنّ الله تعالى جعل الرسول (ص) قدوة لنا في كل شيء، وأسوة لنا في كل مجالات الحياة، ومن يوم تركنا نحن المسلمين الاقتداء برسول الله (ص) آل أمرنا إلى تقهقر مستمر وتأخّر متواصل في كل مجالات الحياة وجميع جوانبها وأبعادها) (40). ويرى الإمام الشيرازي الراحل (أنّ تطبيق أسباب العزّة هو السبيل إلى التغيير والإصلاح جنباً إلى جنب عاملين مهمّين آخرين هما شورى المرجعية والأحزاب الحرّة) (41).
خصّص الإمام الشيرازي (أعلى الله درجاته) بحوثاً مستقلّة حول بعض الأصناف الاجتماعية التي يجب الترك يز عليها مثل المرأة والشباب؛ فتركيزه على المرأة لأنّها أكثر طبقات المجتمع ظلماً واستضعافاً ولأنّها وعاء التغيير الاجتماعي، كذلك الشباب فقد حظوا باهتمام الإمام الشيرازي باعتبارهم العنصر الفاعل والمؤثّر بطاقاته الهائلة في المجتمع. فقد أفرد كتاباً وبحوثاً مستقلّة حول هاتين الشريحتين وهذا لا يعني أنه غفل عن بقية الشرائح الاجتماعية فقد جاء على ذكر العمّال ومشاكلهم والمزارعين ومعاناتهم، وإنّما ركّز على هذين الصنفين كنماذج من الفئات الاجتماعية المضطهدة.
الهوامش: 1- الشاطبي: الموافقات 2 /293. 2- الموسوعة الفقهية: كتاب التجارة ص111. 3- وسائل الشيعة: 2 /466 ح1. 4- الموسوعة الفقهية: كتاب التجارة ص112. 5- شهر رمضان شهر البناء والتقدم: ص35-36. 6- المصدر نفسه: ص36. 7- المصدر نفسه: ص37. 8- لماذا يحاربون القرآن: ص22. 9- المتخلفون: ص41. 10- شهر رمضان: ص37. 11- الكافي: 5/279. 12- وسائل الشيعة: 17 /328. 13- لماذا يحاربون القرآن: ص30. 14- شهر رمضان المبارك: ص38. 15- قم المقدسة رائدة الحضارة: ص180. 16- المصدر نفسه: ص163. 17- شهر رمضان: شهر البناء والتقدم ص57- 58. 18- راجع الفصل الأول من الوصول: ص26. 19- المصدر السابق: ص27. 20- المصدر السابق: ص26. 21- الكتاب من لوازم الحياة: ص11. 22- الوصول إلى حكومة إسلامية واحدة: الإمام الشيرازي ص14. 23- المصدر السابق: ص15. 24- المصدر السابق: ص15. 25- المصدر السابق: ص24. 26- المصدر السابق: ص45. 27- المصدر السابق: ص35. 28- إلى الحوزات العلمية: الإمام الشيرازي ص14. 29- الوصول إلى حكومة إسلامية واحدة: الإمام الشيرازي ص17. 30- الأمة الواحدة: الإمام الشيرازي(قدس سره) ص26. 31- المصدر السابق: ص24 – 25. 32- المصدر السابق: ص33. 33- بحار الأنوار: 1/ 127 ح24. 34- الأمة الواحدة: (م.س) ص36. 35- المتخلّفون: الإمام الشيرازي (قدس سره) ص9. 36- المصدر السابق: ص24. 37- المصدر السابق: ص32. 38- المصدر السابق: ص34. 39- المصدر السابق: ص55. 40- المصدر السابق: ص59. 41- المصدر السابق: ص78. |
||||||||||||